“التعليم هي العملية التي من خلالها ينفتح بها الفكر من الروح، ليرتبط بالأشياء الخارجية، وينعكس على نفسه، وبالتالي يعي واقع الأشياء وحجمها”.
برنسون ألكوت، معلم في ولاية ماستشيوستس عام 1850م.
” خلال استفادة الإنسان من (ممتلكاته المادية)، عليه أن يكون حذرا من(نفوذها)، إذا كان ضعيفا بما يكفي ليصغر حتى يلائم نفسه مع ما يغطيه، عندها ستكون عملية انتحار متدرجة تنكمش من خلالها الروح”.
رابندرانات طاغور، معلم هندي عام 1917م.
نحن في غمرة أزمة ذات حجم هائل وتأثير عالمي جسيم. لا، لا أعني الأزمة الإقتصادية العالمية التي بدأت في 2008. على الأقل آنذاك كان الكل يعلم بوجود أزمة قريبة، وكثير من قادة العالم عملوا بسرعة و باستماتة لإيجاد حلول. بالتأكيد، العواقب كانت ستكون وخيمة على الحكومات إن لم يجدوا حلولا،وكثير من الحكومات تم استبدالها نتيجة لذلك. لا، أعني أزمة تمر دون أن تُلاحظ بمجملها، كالسرطان؛ أزمة من المرجح أن تصبح، على المدى الطويل، ضارة كثيرا على مستقبل الحكم الذاتي الديموقراطي : أزمة عالمية النطاق في التعليم .
إن تغيرات جذرية تحصل فيما تُعلمه المجتمعات الديموقراطية للصغار، وهذة التغيرات لم يتم التفكير مليا فيها. عطاشى للربح الوطني، تقوم البلدان، ونظامها التعليمي، بشكل طائش بالتخلص من مهارات تحتاجها الديموقراطيات للبقاء حية. إذا استمر هذا النمط، ستنتج الأمم حول العالم قريبا أجيالا من الماكينات المفيدة، عوضا عن مواطنين كاملين يستطيعون التفكير بأنفسهم، ينتقدون التقاليد، ويفهمون أهمية معاناة شخص آخر وإنجازاته. مستقبل ديموقراطيات العالم معلق على الموازنة بين الأمرين.
ماهي هذة التغيرات الجذرية؟ في كل أمم العالم فعليا، يتم اقتطاع الإنسانيات والفنون في كلا مرحلتي التعليم الأولية/الثانوية و الكلية/الجامعة. ينظر إليهما صناع السياسية كرتوش لا فائدة منهما، في وقت يجب على الأمم الاستغناء عن كل ما ليس له قيمة لتبقى في مجال تنافسي داخل السوق العالمي، يتم خسارة مكانهما في المنهج، وفي عقول وقلوب الأهالي والأطفال أيضا. بالفعل، ما نسميها الجوانب الإنسانية من العلوم والعلوم الاجتماعية_الجانب الخيالي، والإبداعي، و جانب التفكير النقدي الدقيق_أثناء ما الأمم تفضل ملاحقة الربح القصير الأجل من خلال غرس المهارات المفيدة والمستخدمة بكثرة التي تناسب الإنتاج الربحي هم أيضا يخسرون أرضيتهم .
هذة الأزمة تواجهنا، لكننا لا نواجهها. نتصرف وكأن الأمور تسير كالعادة، بينما في الواقع تغيرات مهمة ومؤكدة واضحة في كل مكان. لم نقم جديا بالتدارس حول هذة التغيرات، لم نقم واقعيا باختيارها، ومع ذلك فإنها تتصاعد بحد مستقبلنا.
تأمل هذة الأمثلة الخمسة، والتي تم أخذها عمدا من بلدان مختلفة و مستويات تعلمية متفاوتة:
-
في خريف 2006 نشرت لجنة مستقبل التعليم العالي في وزارة التعليم الأمريكية، والتي ترأستها وزيرة التعليم في إدارة بوش مارغريت سبيلينغ تقريرا عن حالة التعليم العالي في البلاد: اختبار القيادة: تخطيط مستقبل التعليم العالي في الولايات المتحدة.1 احتوى التقرير على نقد قيم عن عدم التساوي في الالتحاق للتعليم العالي. في حين أن صلب الموضوع، مع ذلك، ركز تماما على التعليم من أجل الفائدة الاقتصادية الوطنية. اهتم بالنقص الملحوظ في العلوم، التقنية، والهندسة_ليس في البحوث العلمية الرئيسية في تلك المجالات، لكن في تعلم التطبيق العملي لها والتي يمكنها إنشاء استراتيجيات إنتاج-ربحي بسرعة. الإنسانيات، الفنون، والتفكير النقدي كانوا غائبيبن أساسا. بحذفهم، اقترح التقرير بشدة أنه سيكون من الجيد تماما لو ذوت هذة القدرات لصالح تخصصات أكثر فائدة.
-
في آذار/ مارس 2004 اجتمع مجموعة من العلماء من مختلف البلدان لمناقشة الفلسفة التعليمية لرابندرانات طاغور_فائزبجائزة نوبل للآداب في 1913، و رائد مبدع في التعليم . تجربة طاغور التعليمية، التي لها تأثير واسع في أوروبا، اليابان، والولايات المتحدة، تركزعلى تطوير التلميذ من خلال ممارسات الجدل السقراطي، التعرض للعديد من الثقافات العالمية، وفوق كل هذا، ضخ الموسيقي، الفنون الجميلة، المسرح، والرقص في كل جزئية من المنهج. اليوم في الهند، تهمل أفكار طاغور، بل حتى تزدرى. اتفق كل المشاركين في المؤتمر، على أن مفهوم جديد، يركز على الربح، قد استولى على عملية تهميش الفكرة برمتها القائمة على التطوير الذاتي الخيالي والنقدي التي من خلالها شكل طاغور المواطنين المستقبليين لديموقراطية الهند الناجحة. هل ستنجو ديموقراطية الهند من اعتداء اليوم على روحها؟ في مواجهة العديد من الأدلة على بلادة البيروقراطية والتفكير الجمعي الغير نقدي، خشي الكثير من المشاركين أن قد يكون الجواب”لا”.
-
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 حصل اعتكاف للمدرسين في المدرسة المخبرية بشيكاغو_المدرسة، في حرم جامعتي، حيث أجرى جون ديوي تجاربه الخاطفة للأنفاس في تحسين التعليم الديموقراطي، المدرسة التي قضت فيها ابنة أوباما سنواتها التأسيسية المبكرة. اجتمع المدرسون لمناقشة موضوع التعليم للمواطنة الديموقراطية ، وأخذوا بعين الاعتبار تشكيلة واسعة من التجارب التعليمية، دارسين رموز تتفاوت من سقراط إلى ديوي في التراث الغربي إلى أفكار طاغور المقاربة لهم في الهند. لكن كان هناك شي فوضوي واضح. المدرسون_الذين يفتخرون بتحفيز الأطفال للتساؤل،النقد، والتخيل_أظهروا قلقا بخصوص الضغط الذي يواجهونه من الأهل الأغنياء الذين يرسلون أبنائهم لهذة المدرسة النخبوية. متبرمين من المهارات الزائدة عن الحاجة ظاهريا، والنية لاشغال أطفالهم بمهارات تجريبية التي من المرجح أن تنتج نجاحا ماديا، يحاول هؤلاء الأهالي تغيير الرؤية التي توجه المدرسة. يبدو أنهم مصرين على النجاح.
-
في خريف 2005 كلمتني رئيسة لجنة البحث عن عميد جديد لكلية التربية في أحد أكثر الجامعات المرموقة في بلادنا طالبة النصح. من الآن فصاعدا سأشيرللجامعة ب”س”. كلية التربية للجامعة س لها تأثيرهائل على المدرسين والمدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة. حالما بدأتُ التحدث عن دور الإنسانيات والفنون في التعليم للمواطنة الديموقراطية ، تحدثتُ عن ما أخذته على أنه مألوف وواضح، عبرت المرأة عن تفاجئها. قالت:” كم هو غريب”، ” لم يذكر أحد من الذين كلمتهم من قبل هذة الأشياء بتاتا. تكلمنا فقط عن كيف يمكن للجامعة س أن تساهم في التعليم العلمي والتقني حول العالم، وهذا هو الشي الذي يهتم به رئيسنا حقا. لكن ما تقولينه مثير للاهتمام للغاية، وأريد حقا التفكير به”.
-
في شتاء 2006 عقدت جامعة أخرى مرموقة في الولايات المتحدة_فلنسميها “ص”_ مؤتمرا محتفلة بذكرى سنوية كبيرة، قطعة مركزية منه ستكون عن مستقبل التعليم الليبرالي. قبل الحدث بشهور معدودة، قيل للمتحدثين الذين وافقوا ليكونوا جزءا منه بأن المحور قد تغير وعليهم مجرد أن يأتوا ويحاضروا على جمهور صغير من القسم في أي موضوع يناسبهم. أخبرني إداري صغير خدوم وثرثار جيد إلى حد ما بأن سبب التغيير هو أن رئيس الجامعة ص قرر بأن مؤتمرا عن التعليم الليبرالي لن “يحدث طرطشة”، لذا قرر استبداله بأحدث الإنجازات التقنية ودورها في إنتاج أرباح للتجارة والصناعة.