مجلة حكمة
إفلات الرجل الأبيض من العقاب

إفلات الرجل الأبيض من العقاب – لويس باسّيتس / ترجمة: عبد الخالق مفكير


سيفلت طوني بلير من العقاب، رغم مسؤوليته في الحرب غير الشرعية على العراق التي أقرها تقرير تشيلكوت

لويس باسّيتس


وقائع فظيعة تلك التي أثبتها جون تشيلكوت خلال السبع سنوات التي دام فيها التحقيق. إنه صك اتهام حقيقي يفرض نوعا من المحاسبة الجنائية على المسؤوليات الشخصية لطوني بلير. لقد كانت حربا غير شرعية وجائرة، أريد بها تغيير نظام قائم بذريعة خوض حرب استباقية، بعد التهديد الزائف بوجود أسلحة دمار شامل غير موجودة قيل إنها كانت ستندلع في ظرف 45 دقيقة.

إن سلسلة الجرائم التي ارتكبت طويلة جدا، لأنه إلى أكاذيب الاستعداد لـ الحرب، تُضاف مسؤولية أولئك الذين نظّموا مرحلة ما بعد الحرب الفوضوية التي غدت أكثر كارثية من الحرب نفسها.  وإن كان غزو العراق وإسقاط صدّام حسين غير شرعيين ومنظمان عن طريق الكذب والتزييف، فإن لا شيء تم القيام به لإضفاء نوع من الشرعية على الاجتياح أو “اختفاء المستبد”، كما حدث في عدة مناسبات على مدار التاريخ، يتجلى في مكاسب للعراقيين أو الاستقرار في الجهة.

على العكس من ذلك، فتح غزو العراق وتدمير قواته المسلحة وبنية الدولة باب الجحيم على مصراعيه لحرب أهلية بين السنة والشيعة لم تنته لحد اليوم، وأفرزت تنظيم الدولة الإسلامية. وسيغدو من الصعب في هذه الحالة أن يسعف مبدأ أهون الشرين للدفاع عن الكوارث التي سببتها تلك الحرب، أمام أشد الشرين الذي ما زال بلير وبوش إلى اليوم يسعون لتخفيف من هوله مستعملين فزاعة صدام حسين.

هناك جريمة تتطابق كليا مع ما قام به كلاهما في الحرب على العراق. إنها جريمة العدوان على دولة، التي برزت كجريمة خلال محاكمات نورمبورغ ضد النازية والتي تمت المطالبة بها في اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، تحت مسمى القانون الأساسي لروما سنة 1998، كجريمة لإدراجها مستقبلا عبر توصيات الاتفاقية المذكورة، كما تم في مراجعة سنة 2010. تكمن المشكلة في أن عدم عمل القوانين بأثر رجعي: عندما ارتكبت الجريمة، سنة 2003، لم تكن مدرجة في قانون روما. وما زاد الطين بلّة أن إجراءات التصحيح ودخول القانون حيّز التنفيذ لن يجعل جريمة العدوان قيد المسائلة قبل حلول سنة 2018.

لم تخف نيابة المحكمة الجنائية الدولية انزعاجها من تناقض إفلات المسؤولين الغربيين من العقاب عندما ينتهكون قوانين ميثاق هيئة الأمم المتحدة وحصر المحاكمات على المواطنين الأفارقة عن طريق الوسائل القانونية للمحكمة. حيث إن 39 متهما لحد الساعة جميعهم أفارقة، فضلا عن أن رؤساء الدول الذين تجري في حقهم تحقيقات ومتابعات قضائية أفارقة أيضا، مثل الراحل الليبي معمر القذافي، والرئيس الحالي للسودان الشمالي، عمر البشير.

ليس هذا هو التناقض الوحيد. فقد كان هناك تحقيقين على الأقل ومئات الدعاوى القضائية على خلفية ارتكاب جرائم حرب وموت معتقلين عراقيين تحت حراسة بريطانية، عرضت بعضها على المحاكم البريطانية وأخرى أمام المحكمة الجنائية الدولية، رغم أن النقيب دونالد باين هو الوحيد الذي أدين بسنة واحدة سجنا. وسيكون السخرية القاسية أن يؤدي تقرير تشايلكوت إلى متابعة جنود أو قادة عسكريين بريطانيين من دون إجراء تحقيق مع طوني بلير. ومن هنا جاء توضيح المحكمة الجنائية الدولية في بيان لها أن “الإيحاء بأن المحكمة الجنائية الدولية قد استبعدت التحقيق مع رئيس الوزراء البريطاني السابق من أجل ارتكاب جرائم حرب، مع احتمال متابعة الجنود البريطانيين إنما هو تشويه للوقائع”.

لم يعبر أي قاض لحد الساعة عن ثقته في أن طوني بلير وجورج بوش سيمثلان يوما ما أمام المحكمة، سواء محاكم بلديهما أو المحكمة الجنائية الدولية، رغم  أن برلمانيين بريطانيين مثل جيريمي كوربين وأليكس سالموند والأسقف الجنوب إفريقي الحائز على جائزة نوبل للسلام طلبوا ذلك. وفي حالة الرئيس الأمريكي السابق، لأن الكونغرس لم يصادق حتى على الاتفاقية الدولية التي أنشأتها، رغم أن سلفه بيل كلينتون وقع على نظام روما الأساسي. إلا أن جورج بوش قاطع قدر المستطاع المحكمة الجنائية الدولية، حتى أنه، صدّق على حزمة تشريعات لمنع متابعة أو إدانة جنوده ومواطنيه جنوده من قبل العدالة العالمية.

وسيحظى تقرير تشايلكوت بقراءة بسيطة وديماغوجية: ما يؤكد إفلات الرجل الأبيض من والمسؤول السياسي الأول من العقاب مقابل الجنود الصغار الذين ينفذون الأوامر، إفلات القادة الغربيين مقابل المستبدين العرب والأفارقة.

عن إلباييس، بتصرف