مجلة حكمة

إعادة بناء ضريح ابن سينا: رسالة لويليام أوسلر / ترجمة: سارة اللحيدان

قصاصة من مجلة الطب البريطانية التي نشرت ورقة أوسلر عنوانها “إعادة بناء ضريح ابن سينا في همدان”‫. تتضمن موجزا عن سيرة ابن سينا‫.  [مقدمة من جامعة ماكجيل‫]


تقديم:

 بعد وفاة السير ويليام أوسلر عام 1919، طلبت زوجته من صديقهما الوفي الدكتور هارفي كوشينغ أن يقوم بكتابة سيرته. جمع كوشينغ لهذا المشروع موادا مختلفة وكثيرة، من ضمنها مجموعة أساسية من مراسلات أوسلر، وتذكارات أخرى استعارها من عائلته، أصدقائه، وزملاؤه. قام بعد ذلك بتوظيف ثلاثة أمناء لنسخ هذه الوثائق، ثم تبرع بها لمكتبة أوسلر (إلى جانب مواد المشروع الأخرى). أُعيد العديد من الوثائق الأصلية لملاكها، محتفظين بالنسخ الأصلية جنبا إلى جنب مع مخطوطات كوشينغ، لتشكل أضخم وأوفر مجموعة من مراسلات أوسلر. نشرت مطبعة جامعة أكسفورد كتاب (سيرة حياة السير ويليام أوسلر) – هارفي كوشينغ، عام 1925، وحاز الكتاب على جائزة البوليتزر عام 1926.

 

 

 نصّ الورقة:

 اقترح السير ويليام أوسلر مؤخرا ضرورة إعادة بناء ضريح ابن سينا. باعتبار أن السفر لهمدان حيث يقبع مرقد هذا الفيلسوف والطبيب الشهير أمر واجب على نحو خاص . ضمن هذا الاقتراح في عدد يوليو من مجلة مستشفى سانت بارثولوميو. كان المسافر هو الدكتور أ.ر نيلجان طبيب لدى مفوضية H.B.M في طهران. ولنذكر اسم هذا الطبيب العربي* القديم كاملا نقول: هو أبو علي الحسين ابن عبدالله ابن سينا، ولد بالقرب من بخارا عام 980 للميلاد. بدأ بممارسة الطب في السادسة عشر من عمره بعدما درس الرياضيات، الفلسفة، الطب، وعلوم ما وراء الطبيعة. عين بعد ذلك طبيبا لأمير بخارا وهو لايزال في السابعة عشر من عمره. مكنه هذا المنصب من دخول مكتبة بخارا الشهيرة، الأمر الذي ساعده على مواصلة دراساته. استقر في همدان بعد ارتحاله إلى شمال شرقي فارس، ليمضي هناك بقية حياته. ثم أصبح بعد ذلك طبيبا للأمير الحاكم شمس الدولة. لكن ابن سينا، على حد قول الدكتور نيلجان، كان مثل معظم أطباء الحاضر، إذ لزم السياسة وأصبح وزيرا، ولطالما كان بحر السياسة الفارسية هائجا على نحو خاص. بالتالي، ليس من المفاجئ أن ابن سينا كان عرضة للخطر، إذ ألقي في السجن مرة في حياته، هرب بعدها من همدان لاجئا إلى أصفهان، حيث رحب به الحاكم وجعله طبيبا خاصا له.

قام ابن سينا، بهذه الكفاءة، بالعديد من الحملات كانت إحداها موجهة ضد همدان. وقتذاك، أصابه مغص مات على إثره في المدينة التي هرب منها، ودفن هناك. كان يرى في نفسه كاتبا لا يكلّ أينما حل، وتحت أي ظرف كان، فلم تمنعه مغامراته المتنوعة من العمل على كتابه العظيم (القانون في الطب)، وهو كتاب يقع في خمسة أجزاء، جمع فيها أفضل علوم الطب في عصره. غدا هذا الكتاب مرجعا في جامعات مدينة لوفان ومونبيليه حتى منتصف القرن السابع عشر. يتوفر في وقتنا الحاضر نسخ باللغات الفارسية، العربية، والهندية. وقد كان يدرس في الجامعة الملكية في طهران منذ عشرين سنة مضت. ترجم للعبرية، وطبع من النسخة اللاتينية ثلاثون طبعة. كتب ابن سينا أكثر من مئة كتاب معظمها تدور عن الطب، أما الأخرى فقد كانت في المنطق، الفلسفة، الموسيقى، التاريخ الطبيعي، الفضاء، والفيزياء.

 حسبما وصف الدكتور نيلجان، يقع قبر ابن سينا داخل بناء طيني على ضفاف منحدر نهر يصب في مدينة همدان. يتشكل هذا الضريح من طوب محروق وقبة طينية بنهاية مدببة، يحيط بها جدار طيني وطوب في الأسفل. يبدو البناء ظاهريا بشكل مربع لكنه من الداخل عبارة عن تقوسات في كل زاوية تظهره بثمانية جوانب. قياسات القبر الداخلية هي على النحو الآتي: تقع مساحة الأرضية 15 × 15 قدم، وبلاط من القرميد المربع. يقع شاهد قبره قبالة المدخل تماما، بطول 49 إنش وعرض 21 إنش على ارتفاع قدره 24 إنش، ونقش على شاهد قبره بأحرف كبيرة وعريضة ابتهال نصه “إلى الذي لا يموت ولن يموت” يليه آية من القرآن الكريم توضح فضائل الله سبحانه وتعالى. نوه الدكتور نيلجان بمساعدة صديقه مونيد فازاره الذي ترجم السطور التالية على شاهد قبر ابن سينا، “الحجة الحق على أرض الحكمة والقوة الإلهية، أبو علي سينا، بعث إلى الوجود عام 373. أتقن مجموعة من المعارف عام 391، فارق هذه الدنيا الزائلة عام 427” . يلي ذلك الختم المعتاد على قبور المسلمين ورجالهم المشهورين “وفاة الشيح أبو علي سينا، -427، اللهم اجعل قبره نورًا”.

 

 

*يكثر وصف علماء الحضارة العربية والإسلامية في المصادر الغربية بـ “العرب”، كونهم أبناء تلك الحضارة.

المصدر