مجلة حكمة

إقصاء إريك فروم من الاتحاد الدولي للتحليل النفسي – بول روزان / ترجمة: سارة العبدالله، يوسف الصمعان

إقصاء إريك فروم من الاتحاد الدولي للتحليل النفسي
الفصل الأول حول إقصاء إريك فروم من الاتحاد الدولي للتحليل النفسي من كتاب (الأسس الثقافية لعلم النفس السياسي)

يمكنك شراء نسخة كندل من الكتاب عبر هذا الرابط


إقصاء إريك فروم من الاتحاد الدولي للتحليل النفسي IPA[1]

حظيت مسألة نسب التحليل النفسي مؤخرًا باحترام متجدد في أوساط المؤرخين في هذا المجال. رغم أن المحللين بشكل خاص، أدركوا وأقرّوا بأهمية أين يذهبون وعلى يد من يتدربون، إلا أنه من النادر نسبيًا أن يتركز اهتمام الرأي العام على التأثير القوي غير المعتاد الذي يحصل من نتائج التدريب التحليلي. كان يشار قديما للدور الايحائي الخاص لتجارب التدريب التحليلي عبر مناوشة جدلية بين رواد موجهين مختلفين مثل إدوارد غلوفر، ويعقوب لاكان، لكن لم يكن من المعتاد أن يواجه معهد تدريب المحللين بذاته تحديًا علنيًا. وبقي شرط تحليل المحللين أنفسهم لأغراض التدريب غير معروف تاريخيا إلا للقلة، ثم ظهر رسميا تحت

unnamed
Erich Fromm :March 23, 1900 – March 18, 1980

رعاية الاتحاد الدولي للتحليل النفسي عام ١٩٢٥، حينما أصيب فرويد بالسرطان وأقرّ بعجزه ضمنيًا عن إدارة مستقبل حركته شخصيًا.

‎في الوقت نفسه، يستحق نسب التحليل النفسي-شجرة العائلة- أن يحوز على اهتمام بالغ، لإنه من السهل نسيان الدور الذي لعبته الكتب نفسها، بنشرها للآراء خاصة للمفكرين. وربما يعتقد البعض أنه من البديهي أن الناس لا يذهبون فقط للعلاج بل يستجيبون بقوة لما يُلاقونه من مطبوعات.

d7b8bb5d-8107-44c1-ba13-d61863c389e2

انجذب العديد منا لأول مرة إلى التحليل النفسي عبر مؤلفات إريك فروم (١٩٠٠-٨٠). كانت بحوثه غير معروفة تقريبا في بدايات ١٩٣٠، لكن كتابا مثل (الخوف من الحريةEscape From Freedom[iv ) بقي لسنوات منهجا رئيسيا تعليميا لعلماء الاجتماع. وقد شكلت أعمال فروم مثل (الإنسان لذاته Man For Himself ) و(التحليل النفسي والدينPsychoanalysis and Religion ) و(اللغة المنسية The Forgotten Language)، وأيضا (المجتمع السليمThe Sane Society[v] ) جزءاً أساسيا لجيل التعليم العام الذي عشته. وأعتقد أن الأعمال الوعظية الأخيرة لفروم، والسياسية منها أيضا قد سقطت في تصنيف مختلف، وبقدر التأثير العام الذي حظي به، لايزال الكتاب الذي اشترك في تأليفه فروم مع ماكوبي (شخصية اجتماعية في قرية مكسيكية Social Character in a Mexican Village [2]) يستحق مزيدا من الانتباه، بينما بيعت ملايين النسخ من كتابه (فن الحب The Art of Loving)، أما كتاب (الامتلاك أو الوجود To Have Or To Be?) فقد نجح في بيع ملايين النسخ في ألمانيا وحدها، بالإضافة للإنجاز البارز (تشريح النزعة التدميرية عند الإنسان The Anatomy of Human Destructiveness).

‎إن سيرة فرويد التي كتبها أرنست جونز[3] كانت مكوّنا للمعرفة بالتحليل النفسي ذلك الوقت، تماما مثل الجواب القصير والمهمل (رسالة سيجموند فرويد، تحليلا لشخصيته وتأثيره Sigmund Frued’s Mission: An Analysis of His Personality and Influence[viii) التي ألفها فروم [4]ردّا على جونز وبقيت تحريفات جونز التي بنيت بسرده الموثق منطلية حتى على أكثر الباحثين وعيا. دعوني أعطي مثالا واحد من (رسالة سيجموند فرويد) للإقناع بمنطق فروم, فعلى خلاف جونز سلك فروم نمطا تأويليا خاصا به. يقول في النص التالي عن اللجنة “السرية” التي تكونت من كارل أبراهام وجونز، أوتو رانك، ساندور فرينزي، هانز ساكس، ماكس إتينغون، والتي تأسست قبل الحرب العالمية الأولى لحماية ” شأن” التحليل النفسي بعد انشقاق كارل يونغ:

‎”من هم أوائل التلاميذ المخلصين، أصحاب الخواتم الستة؟ لقد كانوا مفكرين مدنيين ذوي ميول عميقة للالتزام بقدوة، بقائد، أو بحركة، رغم أنهم لا يملكون إيمانا أو مُثلاً دينية، فلسفية، أو سياسية، ولم يكن بينهم اشتراكي، صهيوني، كاثوليكي، أو يهودي أرثوذكسي. (ربما كان لإتينغون تعاطف قليل مع الصهيونية). كانت حركة التحليل النفسي دينا لهم. إن اتساع دائرة المحللين قد حمل خبرات متشابهة، فأغلبيتهم كانوا من مفكريّ الطبقة الوسطى، الذين ليس لهم مصالح والتزامات دينية، فلسفية، وسياسية. وكان للشعبية العظمى للتحليل النفسي في الغرب وبالأخص في الولايات المتحدة منذ بداية الثلاثينات، الأسس الاجتماعية نفسها. الطبقة الوسطى تلك التي أضاعت معنى الحياة، فليس لهم مُثل سياسية أو دينية، ومع هذا فهم في بحث دؤوب عن المعنى، لتصوّرٍ يكرّسون أنفسهم له، لمعنى حياة لا تتطلب إيمانا وتضحيات، والانتماء للحركة كان إرضاء لهذه الحاجة. وقد ملأت لهم هذه الحركة بالفعل، كل تلك الاحتياجات”.

‎بالنسبة لي لاتزال هذه الكلمات صالحة بشكل مدهش. بعيدا عن إسهامات فروم النظرية، والعيادية، لعبت أحد مقالاته (التي نشرت بالأصل في Saturday Review of Literature) -وبصرف النظر عن محاولة ردّها من قبل محلل أرثودوكسي- لعبت دورا ملحوظا في المساعدة على بدء “إعادة الاعتبار” للسمعة التاريخية لفرينزي ورانك، وعلى نحو استثنائي كان جونز غير عادل بالنسبة للاثنين. وباعتقادي، أن النهضة الأخيرة لسمعة فرينزي العيادية كانت أحد قصص النجاح العظيمة في تاريخ التحليل النفسي المعاصر.

إن للمآسي البيروقراطية، كما سنرى، دورٌ في تحجيم مكانة فروم التاريخية. بما نصفه بدقة في الوقت الحالي بـ ” المفكر المنسي”، واُعتبرت المدرسة الفكرية التي عرفت باسم “الفرويدية التجديدية” (والتي لم يُرد فروم الانتماء إليها) سقطة للتاريخ الفكري. حتى في أثناء حياته رأى فروم أن اتجاه التاريخ الفكري يمضي لتوجه غريب ومتصلب، إلى أن غُيّب موقفه المنصف أواخر عام ١٩٦٠.

‎كان لفروم شعور مبرر باستبعاده خارج القصة، عند بدء استحواذ مفهوم ” التاريخ-النفسي”، بفضل ما بادر إليه إريك إريكسون[5] أواخر عام ١٩٥٠وبدايات عام ١٩٦٠. (قد تكون أعمال فرويد النظرية، محط جذب للفلاسفة السياسيين، لكن ليس لعلماء الاجتماع الممارسين)، ولم يعرف فروم لماذا استمر إريكسون في تجاهل أعماله الرائدة في هذا الشأن. بعد ذلك نُشر كتاب (عقيدة المسيح The Dogma of Christ[xii]) لفروم- رسالة لمن تم حظرهم من قبل النازيين- والذي ظهر منذ فترة طويلة عام ١٩٣٠.

65812948-1670-4da6-83db-0506d05dfb50

‎نعلم بأن إريكسون قد ناقش كتاب فروم )الخوف من الحرية) في اجتماع جمعية التحليل النفسي في سان فرانسيسكو عام ١٩٤٣ قبل أن يرى كتابه (الطفولة والمجتمع Childhood and Society) النور عام ١٩٥٠. كان إريكسون أكثر من متحفظ بالإشارة إلى فروم، ربما لخشيته أن يخاطر بمصير فروم واستبعاده كمحلل نفسي، أكثر من عواقب تجاسره بذكر اسم يونغ في آخر أعماله. ورغم تقديس إريكسون لفرويد أمام العامة، إلا أنه في الوقت نفسه شق طريقه نحو توجه أصيل بعيدا عن الأرثوذكسية. (بقي فروم غير متسامح بشدة تجاه أعمال يونغ، لكن الجانب الجيد أنها لتلك الأعمال التي تخص سياسة عام ١٩٣٠ والتي سنتطرق لها فيما بعد)

54108ead-392a-4e30-b290-905c9d44e293
إريك فروم – إريك اريكسون

 لعب إريكسون دورا باهتا بالتعاون في قضية وصم فروم بمهنيّ دخيل، ويبدو أن فروم كان المستبعد الوحيد فعليا، بدلالة المقطع الذي يشير فيه إريكسون في كتابه (الشاب لوثر Youngman Luther) إلى “الأطروحة الاجتماعية لوقتنا الحاضر، للمؤلفين من فيبر حتى فروم” جاءت كلمة “اجتماعي” هنا بكل تأكيد للفصل بين إريكسون وفروم، وأن التسمية الحقيقية لفروم (ليس محللا نفسيا) بل متخصصا اجتماعيا، وخشي إريكسون أن يكون قد استغل عبر محللته الشخصية آنا فرويد. (كان ذلك أمرا معتادا، ففي التاسع عشر من ديسمبر عام ١٩٣٤ كتب جونز إلى آنا فرويد: ” يبدو أن كارين هورني، بدّلت التحليل النفسي بعلم الاجتماع، تماما مثلما فعل فرانز الكساندر والآخرون”). ساعد النقد القاسي الذي وجهه كارل ميننغر لعمل فروم (الخوف من الحرية) على تأسيس خط حزبي، والذي تبعه إريكسون بإخلاص. وفي لقاء مع (The Nation) حافظ منينغر على قوله بأن “إريك فروم كان عالم اجتماع مميز في ألمانيا، لكنه قام بكتابة كتابه على أنه محلل نفسي”. أوتو فينخيل كان أيضا صارما تماما، ووصف مراجعته بـ “ملحوظات التحليل النفسي” في كتب فروم. إن من أنشأ هذا النمط السيء هو فرويد بنفسه بجداله ضد الفرد أدلر وكارل يونغ، حيث امتنع عن الجدل مع المفكرين الأحرار الذي تم تصنيفهم لاحقا بأنهم “جاحدون”، وإن لم يكن فهم “مهرطقون” بدعوة أن لهم حق في تسمية أنفسهم محللين نفسيين.

‎رغم أن إنجازات إريكسون التي حققها بإعادة تسمية كثير من المراحل الشبقية المبكرة، والجمع بين الأخلاق والتحليل النفسي، إلا أنها كانت في الواقع مرتقبة من فروم. واستمر إريكسون بتوجهه الواضح بإثارة الجدل حول تسمية فروم بمحلل نفسي. أنشأ فروم في كتاب (الخوف من الحرية) مفهوم ” الشخصية الاجتماعية”, والتي وضعت البيئة الاجتماعية على الخارطة لكل المفكرين التحليليين المستقبليين. وبصدور كتاب إريكسون (الشاب لوثر) كان فروم يدرب مرشحي مدرسته الخاصة في المكسيك، على مخالفة ” ابتداعية” للسلطة التنظيمية داخل التحليل النفسي والتي لم يخاطر إريكسون بنسخها. (وتحالف فروم مرة في نيويورك مع كارين هورني لتستكمل تدريبها في معهد ويليام ألنسون الأبيض[6]William Alanson White Institute  خارج إطار الاتحاد الدولي للتحليل النفسي)، لكن كل ما عمله فروم للجمع بين المنظور الاجتماعي داخل فكر التحليل النفسي، متضمنا اهتمامه بشأن الهوية والانسجام قد غرقت بالنجاح الهائل والمؤقت ربما، لتعاليم أريكسون الخاصة. (ولنكن عادلين بشأن النزاع الداخلي للتحليل النفسي، فالماركسيين كان لهم سمة خاصة لطائفيتهم، وقد عانى فروم من الانتقادات الموجهة من حليفه السابق هربرت ماركوس في معهد فرانكفورت للأبحاث الاجتماعية. وكان هربرت ماركوس قد وجه تهما لا أساس لها ضد فروم و ” تجديديين” آخرين مثل كارين هورني وهاري ستاك سوليفان، والذين بدأوا باكتساب سمعة سيئة أواسط عام ١٩٥٠.)

بدأت مشاكل فروم التنظيمية مع التحليل النفسي مع هيمنة القوة النازية في ألمانيا عام ١٩٣٣، إلى أن تم استبعاده أخيرًا من الاتحاد الدولي للتحليل النفسي أوائل عام ١٩٥٠. وللبدء، من الضروري أن نقدم التفاصيل الكاملة لمكانة فروم الرسمية كمحلل نفسي في ألمانيا. في الثامن عشر من يونيو عام ١٩٢٧ قام فروم بإرسال أول بحث له وكان آنذاك يعيش في هايدلبيرغ “كزائر” للجمعية الألمانية للتحليل النفسي في برلين”DPG”[7]. (تم تغيير الاسم القديم جمعية برلين للتحليل النفسي عام ١٩٢٦ لتصبح الجمعية الألمانية للتحليل النفسي، واستمرت تعرف هناك بهذا الاسم). وكان فروم قد حصل على شهادة الدكتوراة قبل خمس سنوات في علم الاجتماع بمدينة هايدلبيرغ، تحت إشراف ألفريد فيبر، الأخ الأصغر لماكس فيبر. ومن المهم تاريخيا ذكر انتخاب زوجة فروم الأولى فريدا فروم-رايخمان أوائل عام ١٩٢٧ كعضو مساعد في الجمعية الألمانية، وأصبحت عضوا رئيسيا عام ١٩٢٩.

‎أُنشئ أول فرع للجمعية الألمانية للتحليل النفسي في فرانكفورت عام ١٩٢٦، وتم إدراج فروم وزوجته برفقة كلا من كلارا هابل، كارل لاندور، وهينريك مينغ كأعضاء للجمعية (تم تحليل لاندور من قبل فرويد، لكنه توفي بمعسكر اعتقال في بيرغن-بلزن، وقد كان أحد محللي فروم بصحبة فروم- رايخمان بنفسها، ساكس، فيلهلم فيتنبرغ، وتيودور ريك). في فبراير عام ١٩٢٩ قامت الجمعية الألمانية (جنوب – غربية) للتحليل النفسي في فرانكفورت بإنشاء معهد خاص مرتبط بمعهد فرانكفورت، موجّهٌ بشكل رئيسي لإلقاء محاضرات عامة. كان ذلك المعهد يدار من قبل لاندور، وكان مرتبطا بمعهد الأبحاث الاجتماعية لجماعة ماركسية يرأسهم ماكس هوركهايمر، المتصل بجامعة فرانكفورت.

d9bdc352-b600-425f-a40a-aa37cbcaa0d2
مينغ-لاندور-فروم-فريدا رايخمان

‎كان فروم ولاندور برفقة مينغ وفروم-رايخمان أربعة محاضرين مبدعين في معهد فرانكفورت للتحليل النفسي، (في وقت مبكر كان س. هـ فوكس شخصية بارزة في معهد فرانكفورت للتحليل النفسي، والذي هاجر لاحقا إلى إنجلترا وقام بتغيير اسمه إلى فولكس ليصبح ذا شهرة خاصة بين المحللين). قدم فروم بحثًا آخرًا في برلين لصالح الجمعية الألمانية للتحليل النفسي. حيث اُنتخب عضوًا مساعدًا في السابع من أكتوبر عام ١٩٣٠ ثم تمت ترقيته ليكون عضوًا رئيسيًا في الثامن من أكتوبر عام ١٩٣٢، وكان مؤهلا بشكل كامل لعضوية الاتحاد الدولي للتحليل النفسي. وقد أقامت الجمعية الألمانية في لايبتيغ، هامبورغ ولاحقا شتوتغارت مجموعات بحثية إلى جانب تلك التي أقامتها في فرانكفورت. كان فروم مريضا بالسل منذ عام ١٩٣١ وكان خارج بلاده عندما أصبح هتلر زعيما لألمانيا في يناير ١٩٣٣، وبقي في سويسرا حتى خريف عام ١٩٣٣، حيث انتقل إلى الولايات المتحدة كمحاضر في معهد شيكاغو للتحليل النفسي، وقد سبقه لذلك فرانز الكساندر وكارين هورني (كلاهما من الجمعية الألمانية للتحليل النفسي).

‎وتتابعت سلسلة من الأحداث السياسية المعروفة بعد هيمنة القوى النازية نهاية يناير عام ١٩٣٣، ففي ليلة السابع عشر من فبراير اندلع حريق في الرايخستاغ[8] ، وفي أوائل مارس عقدت انتخابات برلمانية أخرى أسفرت عن حصول النازية على نسبة ثلاثة وأربعون فاصلة تسعون في المئة من الأصوات، وإبعاد أغلبيتهم من العمل في الرايخستاغ الجديد. أخيرا صدر قانون التمكين في الثالث والعشرين من مارس، وأصبحت الحكومة سلطة ديكتاتورية نعرفها كأحد سمات نظام هتلر.

institut
معهد فرانكفورت للأبحاث الاجتماعية

 هاجرت المجموعة البحثية في فرانكفورت بأكملها، ولم يجد المحللون الماركسيون اليهود أي صعوبة في قراءة المكتوب على الجدار، ورغم أن هروب لاندور كان بقدر ما سمحت به هولندا إلا أنه وقع أخيرا في مصيدة الهولوكوست. (أغلق النازيون معهد فرانكفورت للأبحاث الاجتماعية في مارس، ثم أُقيل هوركهايمر رسميا من الجامعة في أبريل. وكانت “مدرسة” فرانكفورت قد أرسلت أموالها إلى الخارج إلى سويسرا أولا، ثم انتهى بها الأمر بجامعة كولومبيا في نيويورك، وأخيرا عادت الأموال إلى فرانكفورت بعد نهاية الحرب عام ١٩٤٩). وبعد صدور تقرير الاتحاد الدولي للتحليل النفسي حول الجمعية الألمانية للتحليل النفسي، ظهر أن ٢٤ عضوا من أصل ٣٦ من الأعضاء الرئيسين قد غادروا ألمانيا فعليا. وتقلص طاقم تدريس معهد الجمعية الألمانية إلى اثنين ( كارل مولر-براونشفايغ” محلل غير متخصص”، وفيلكس بوم), وتراجع حضور المحاضرات من ١٦٤ عام ١٩٣٢ إلى ٣٤ شخصا.

‎تم القضاء على الجمعية الألمانية للتحليل النفسي لقدراتها التدريبية، حتى قبل هيمنة هتلر كان كلا من الكساندر (شيكاغو)، ساندور رادو (نيويورك)، هورني (شيكاغو)، وساكس (بوسطن) قد قدموا استقالتهم ليرحلوا إلى الولايات المتحدة. ومن بين من غادروا ألمانيا لاحقا من المحللين المدربين، سيغفريد برينفليد، إتينغون، فينخيل، جينو هارنيك، ريك، وإرنست زيمل. ومن بين من غادر من أعضاء التدريس القدماء ستيف بورنشتاين، جين لاميل دي غرانت، فيلهلم رايخ[9]، وهوغو ستاب. ومن المحللين المدربين الذين بقوا إلى جانب مولر-براونشفايغ، وبوم، كان هناك تيريز بينديك، إيديث جاكوبسون، فيرنر كمبر، وإيديث فينكل-فيغرت (والتي غادرت بعد مدة قصيرة). لكن الاثنين الأبرز عالميا للجمعية الألمانية داخل الاتحاد الدولي كانا بوم (الذي أصبح رئيسا ومديرا للمعهد)، ومولر-براونشفايغ (الذي كُلف بأن يكون أمينا وسكرتيرا بالإضافة لإدارته للجنة التدريبية).

‎كان إتينغون من بين أوائل من قرروا الرحيل، وكان قد قدم استقالته رسميا حينما عُيّن إبراهام رئيسا للجمعية الألمانية في اجتماع عام جرى في التاسع من مايو عام ١٩٣٣، ولم يقرر الهجرة إلى فلسطين إلا بنهاية العام. هنا سرد للأحداث المبهمة، والتي يسردها جونز بأسلوب سردي محنك، حيث كتب على سبيل المثال: في ربيع عام ١٩٣٣ “فُرض في ذلك الوقت قرارٌ يقضي بعدم أحقية أي أجنبي بشغل وظيفة باللجنة التنفيذية المركزية لأي جمعية طبية في ألمانيا. وكان اتينغون يحمل الجنسية البولندية”، ولكن الحقيقة أفظع من ذلك، إذ أعلن النازيون في السابع من أبريل أن “اللا آريين” (اليهود) غير أكفاء، وكان هذا القرار هو ما منع اتينغون من البقاء في أي مجلس إدارة للجمعية الألمانية، وخسر اليهود فجأة حقوقهم الأساسية (ومن المسيء أن “اللاآري” يعرف بمن كان له جد واحد “لا آري” ، ثم توسع الأمر ليشمل المتزوج من ” لا آري”).

3f7c629e-82c0-4a6e-8d05-85ef320509fb
اتينغون- جونز برفقة فرويد

‎تبع جونز خطى فرويد حينما وصف اتينغون بكونه “أجنبيا” باستثناء أن جونز ترك الإشارة المستخدمة من فرويد “إلخ” بعد كلمة ” أجنبي”، وقد أرسل فرويد في ٢١ مارس ١٩٣٣ النصائح التالية لأتينغون:

‎1- لنفترض أن التحليل النفسي تم منعه، وتم إغلاق المعهد (التدريبي) من قبل السلطات، في هذه الحالة ليس هناك الكثير مما يقال أو يعمل بشأنه، عندها ستصمد حتى آخر لحظة إلى أن ينهار كل شيء.

‎2- دعنا نفترض أن لا شيء حدث للمعهد، لكنك أنت كأجنبي.. إلخ أزيل [خطي المائل] من قبل الإدارة. بقيت في برلين بحيث يمكنك استخدام سلطتك بصورة غير رسمية، في هذه الحالة لاأعتقد أنك ستغلق المعهد. صحيح أنك أنشأته [يشير فرويد هنا إلى أموال اتينغون]، وبقيت مسؤولا عنه لمدة طويلة، لكنك سلمته بعد ذلك إلى مجموعة برلين التي تنتمي لها الآن. لايمكنك أن تفعلها بصورة شرعية، لكن بقاؤه مفتوحا هو أمر في المصلحة العامة، لحفظ الذكريات المفضلة. في الوقت نفسه، يمكن لشخص مثل بوم ليس له إخلاص محدد أن يديره، وربما لن يكون هناك حضور كثير سواء من الألمان أو الأجانب [بخطي المائل] مادامت القيود مستمرة.

3- ربما نفترض مرة أخرى أن لا شيء حدث للمعهد، لكنك غادرت برلين طواعية أو مجبرا. هذا الوضع يقودنا لنفس المقاصد التي ذكرتها، إلا أن نفوذك تلاشى، وزادت المخاطر بوجود معارضين [بخطي المائل]، كتسلم شولتز-هانك المعهد واستغلاله لتعزيز خططهم. هناك أمر وحيد يمكن عمله تجاه ذلك، وهو أن يعلن تنفيذي الاتحاد الدولي للتحليل النفسي انفصال المعهد المُساء له بهذا الأسلوب، حتى يتم تبرئته. ولكن بالطبع سيكون هناك تنبيه في البداية.

‎ياله من نقاش بائس!

كان هارلد شولتز-هانك كما سنرى، (مسيحي متزوج من امرأة يهودية) مفكرا “تجديديا” بارزا. وذكر جونز أن فرويد قام بالتحذير مرة أخرى في أبريل عام ١٩٣٣:”بأن أي تنازلات تتم لأشكال أخرى للعلاج النفسي [كالتي تخص شولتز-هانك] سيتبعها إبعاد جمعية برلين من الاتحاد الدولي للتحليل النفسي”. وأضاف جونز بأن ذلك الأمر: “قد حدث بالفعل في سنوات لاحقة”، رغم عدم وجود دليل على هذا المقترح. وفي الاجتماع العام للجمعية الألمانية في السادس من مايو تم رفض العمل بالمقترح المقدم من قبل بوم ومولر- براونشفايغ والذي ينص على استبعاد اليهود من مجلس إدارة الجمعية. وعبرت آنا فرويد عن وجهة نظرها بهذا الشأن عبر رسالة أرسلتها لجونز في الأول من يونيو عام ١٩٣٣:”حتى في أدنى تلك الأزمة فإن هدف بوم هو جمعية برلين بكل تأكيد”، وكانت الأزمة قد تقلصت لتصبح أزمة شخصية.

‎كان اتينغون متجاوبا لقرار النازية ضد اللاآريين، وقبل أن يغادر ألمانيا أواخر عام ١٩٣٣ (كان قد مثُل عام ١٩٢٩ و ١٩٣٢ كرئيس لمؤتمرين في الاتحاد الدولي للتحليل النفسي). وقام بتقديم اقتراح لاستحداث فئة جديدة لتمنح ” العضوية المباشرة” في الاتحاد الدولي، لكلارا هابل و”أي عضو سابق للجمعية الألمانية ممن لا يستطيع الانضمام لأي مجموعة موجودة في الوقت الراهن”، وعلق اتينغون بأنه ظنّ أن هذا الاقتراح “ليس بحاجة لأن يناقش في المؤتمر [والذي تقرر عقده في لوسيرن نهاية أغسطس عام ١٩٣٤]، رغم أنه لم يظهر في التشريعات، ربما لكون المسألة قد حسمت في ذلك الحين. ومن وجهة نظري أن هذه الأمور يمكن مناقشتها عبر مجلس الإدارة بذاته دون ترتيبات مسبقة، لأن ميزاتها لا تحتاج لأن تصبح سابقة لزمانها”. (قام اتينغون بتأسيس جمعية التحليل النفسي في فلسطين).

رغم أن دور الألمان لعب أهمية عددية في الاتحاد الدولي للتحليل النفسي قبل هتلر وبعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن دراسة تاريخ التحليل النفسي كانت أقل مقارنة بحال البلدان الأخرى. وعُرف عن معهد برلين الأصلي للتحليل النفسي بأنه أصبح أنموذجا للمعاهد التدريبية التالية، حتى لتلك التي تم إنشاؤها في فيينا. رغم ذلك، كان الأمر قاسيا بوضوح على نفوس الألمانيين أنفسهم أن يشاهدوا على مقربة ماحدث منذ بداية ١٩٣٠. حتى بالنسبة للأجانب كان لمتابعة تداعيات وتحولات الأحداث التي وقعت في ذلك الوقت، تأثيرًا نفسيا بالغا. انتقد النازيون التحليل النفسي علانية لكونه في نظرهم مظهرا لما دعوه بتطفل اليهود على الثقافة المسيحية. واُتهم فرويد على سبيل المثال بأنه يملك مخيلة “قذرة”، وقلصت تعاليمه “للمفاهيم الآسيوية” في الأكل والشرب والزواج والموت. ارتبطت قناعة لامارك بوراثة السمات المكتسبة والتي (يشاركه فرويد في ذلك) بتفكير اليهود النموذجي. وكان مناصري المثلية والدمار الأسري متصلين أيضا بأكاذيب النازية حول أفكار التحليل النفسي.

في هذا السياق أصبح فيلهلم رايخ مسؤولية ملحّة للجمعية الألمانية للتحليل النفسي، كان معالجا في التحليل النفسي وتدرب في الأصل في فيينا ثم انتقل إلى برلين، وكان رايخ رائدا من بين عدة أمور أخرى في الجمع بين الماركسية والتحليل النفسي. ومن الواضح أن فروم استفاد في أعماله المبكرة من أفكاره بربط الشخصية الفردية وأنماط “البرجوازية” الاجتماعية. لكن رايخ اقترح أيضا إلغاء الطبقة الوسطى “البطريريكية” كوسيلة للقضاء على العصاب في مهده، ودافع عن أهمية علاج غريزة الإشباع الجنسي. (إسهامات رايخ لعلم خصائص الشخصية النفسية والعيادية لم تكن جديرة بالملاحظة، بل غالبا ما يتم تغييبها في أدب التحليل النفسي إلى هذا اليوم).

00be3f1c-a484-4900-a50b-373c1ef20f9b
فيلهلم رايخ- فرويد

‎طبقا لهارولد لازفيل بدت حركة التحليل النفسي مهددة بطريقة خاصة بعد اشتغال رايخ أواخر عام ١٩٢٠ محاضرا في الاتحاد السوفياتي. فقد كان ستالين واضحا في تعزيز منع التحليل النفسي. ظلّ فرويد طويلا غير راض عن بعض آثار أفكار رايخ، وكان كتاب فرويد “القلق في الحضارة” موجها على وجه الخصوص ضد بعض أفكار رايخ الجنسية والعيادية والسياسية. كتب فرويد في السابع عشر من يناير عام ١٩٣٢ إلى جون لامبل دي غروت: ” لقد بدأت معركة ضد العداة البلشفيين رايخ وفينخيل”، و “مباشرة بعد” استيلاء النازيين على الحكم قام اتينغون بـ: “إبلاغ رايخ بأنه لم يعد مسموحا له دخول مباني “معهد التحليل النفسي، “لإنه لو قبض عليه، فلا يجب أن يحدث ذلك داخل مبنى المعهد”.

حظي بوم باجتماع شخصي مع فرويد في أبريل عام ١٩٣٣ (وكان بول فيدرن من جمعية فيينا للتحليل النفسي حاضرا). وحول موضوع مساعي النازية لإزالة “اللاآري” من مجلس إدارة الجمعية الألمانية كان فرويد متشائما من عدم وجود أية وسيلة لإنقاذ التحليل النفسي من الحظر، لكنه رأى بأنه من غير المنطقي أن يقدم أي مساعدة للحكومة لتفعيل ذلك، وعلى أساس هذا الأمر وافق على تغيير مجلس الإدارة الحالي كما يتطلب القرار الحكومي، وأثبت هذا القرار بأنه بداية لمنزلق خطير، وبشكل عام أفرط فرويد في تقييم أنصاره المسيحيين. (ربما كتب جونز في الثاني من أكتوبر عام ١٩٣٣، لآنا فرويد بأن بوم “أنقذ التحليل النفسي”). وحسب بوم فإن فرويد قد اقترح عليه أن يخلف أتينغون، وفي تقرير بوم عن اللقاء صرح: عرض فرويد قبل مغادرتي أمنيتين لإدارة الجمعية، الأولى ألا ينتخب شولتز-هانك لمجلس إدارة جمعيتنا ووعدته بألا أكون معه في مجلس واحد، والثانية قال لي: ” حررني من رايخ”

نعلم الآن أن رايخ كان مزعجا لفرويد شخصيا وفكريا لمدة طويلة. ففي عام ١٩٣٢ كان فرويد عديم الحس كما لم يكن من قبل في ذلك السن المتقدم حول أمر ” الانشقاق” ولم يعط أي محلل شعبية بذكر اسمه، واصفا ماسماه بالحركات “الانشقاقية” في تاريخ التحليل النفسي بأنها لاتدرك إلا قشة من الحقيقة، ثم نصص فرويد غريزة الاتقان قاصدا [أدلر] وصراع الاخلاق قاصدا [يونغ] أو الأم [رانك] أو الجنس[رايخ] …”. بحلول مارس عام ١٩٣٣ أبلغ فرويد رايخ بإلغاء العقد الذي كان بينه وبين شركة فرويد للنشر في فيينا لنشر كتابه عن تحليل الشخصية. وفي صيف عام ١٩٣٣ كان إرنست زيمل قد اقترح بأن يزال اسم رايخ من قائمة أعضاء الجمعية الألمانية. ومن الواضح أن اتينغون كان يتفق من حيث المبدأ، ولكنه رأى أن يؤجل قرار”التطهير” من رايخ إلى أن يقدم اتينغون استقالته من الجمعية. وكان اتينغون في ذلك الوقت يزاول عمله في كوبنهاغن، ولكن لم يكن بالأمر الفريد أن تدرج أسماء محللين، كأعضاء لأكثر من مجموعة تحليلية. قام فروم في كتابه “رسالة سيجموند فرويد” بكتابة كلمة واحدة بالخط المائل في رسالة فرويد الهامة لجونز عام ١٩١٩ ” إن نيتك في “تطهير” جمعية لندن من الأعضاء المنتمين ليونغ أمر ممتاز”.

وفقا لذلك، كتب مولر-براونشفايغ سكرتير الجمعية الألمانية في الأول من أغسطس عام ١٩٤٣ إلى رايخ:

 ” ‎تتطلب الظروف إزاحة اسمك من سجل الجمعية الألمانية للتحليل النفسي. سأكون ممتنا لقبولك وتفهمك لهذا الطلب، وإبعاد أي مشاعر شخصية محتملة، بالتعبير عن موافقتك على هذه الخطوة، لمصلحة قضية التحليل النفسي في ألمانيا. وبما أنك باحث ومؤلف مشهور في عالم التحليل النفسي، فإن هذا الإبعاد قد يشكل ضررا لك، كتأثيره على قادم جديد للتحليل النفسي، على سبيل المثال. علاوة على ذلك، القضية بأكملها ستصبح أكاديمية بمجرد تمييز المجموعة الإسكندنافية في المؤتمر، وبالتالي ضمان تمثيل لقائمة العضوية مستقبلا لهذه المجموعة الجديدة”.

‎كان رايخ يواجه مصاعبا سياسية ومهنية خلال عمله في الدنمارك، وكتب أحد تلامذته التحليليين لفرويد طالبا مساعدته، فما كان من فرويد إلا القول: ” إنني أعترف بمكانة رايخ كمحلل نفسي، لكنه بيّن أن أفكاره السياسية تداخلت مع أبحاثه العلمية. ورفضه لطلب وزير العدل”. كانت السلطات البوليسية قد اشتبهت به بمجرد أن استقر مؤقتا في السويد، لأن إعلان دخوله كان ملغيا. ورغم أن الأنثروبولوجي البولندي العظيم برونيسلاف مالينوفسكي، وكان يعيش في إنجلترا آنذاك، كتب رسالة يساند رايخ في محنته، إلا أن فرويد بقي سلبيا وكتب فقط: “لن أنضم لاحتجاجك بشأن الدكتور فيلهلم رايخ”.

30739073-2e96-4437-b556-8f30f6b249d7
رايخ- جونز في شبابهم

احتج رايخ عند أنا فرويد (سكرتيرة الاتحاد الدولي للتحليل النفسي آنذاك) ضد الاستبعاد المدبر من الاتحاد، وبدورها أحالت رايخ إلى جونز الرئيس المقبل. وخلف الكواليس كان جونز يدير حملة ضد رايخ، و في مايو عام ١٩٣٣ كتب لآنا فرويد: ” برأيي الشخصي يجب أن يتوصل رايخ لحسم أمره حول ما هوالأهم بالنسبة له، السياسة أم التحليل النفسي”. في الشهر التالي وُصف رايخ من قبل جونز في رسالة بأنه رجل المتاعب “مجنون” بالتحليل النفسي. تذكر رايخ بمرارة أن جونز قد أخبره في لندن: “أنه سيقف معارضا ضد استبعادي مهما كانت الظروف”. سُمح لرايخ بالحضور لمؤتمر لوسيرن “كزائر”، وهو مؤتمر عقد في ٣١ أغسطس عام ١٩٣٤، وكان قد كُتب بشكل روتيني في الإجراءات الرسمية. لكن جونز لم يمنح رايخ حق المشاركة في الاجتماع العلمي. لم يدرج اسم رايخ في القائمة النرويجية- الدنماركية ولا في الجمعية السويدية- الفنلندية للتحليل النفسي، وكلا المجموعتين كانتا “منفصلتين رسميا” من أجل إبعاد المجموعة السويدية عن تحكم رايخ. ورغم أن المجموعة النرويجية عرضت عليه العضوية، لكنه “بعد مشاورات طويلة قرر أن يبقى خارج منظمات التحليل النفسي بأكملها” (كان لرايخ تجارب سيئة، وفي ذلك الحين بقي ضمن المجوعة الماركسية).

‎اكتفى جونز بتقريره لمؤتمر الاتحاد الدولي في لوسيرن بقوله: “تلك المناسبة هي التي جعلت رايخ يستقيل من الاتحاد، لقد تنبأ له فرويد بإيجاب في أول أيامه، لكن حميّة رايخ السياسية أدت به إلى نزاعات شخصية وعلمية”. ومن العدل أن نختم بقولنا بأن رايخ لم يستقِل في لوسيرن لكنه “قطعا كان تحت تأثير الطرد من الاتحاد الدولي للتحليل النفسي”.

بدى النقاش حول رايخ وكأنه خروج عن الموضوع الرئيسي، لكنه بمثابة تصوير قبلي لما حدث لفروم لاحقا مع الاتحاد الدولي. وأعتقد أنها أثرت مباشرة على تقرير بوم ولقاءه مع فرويد في فيينا ربيع عام ١٩٣٣، وكيف يتفق مولر-براونشفايغ وجونز وروث إيسلر بشكل أكبر لاحقا (بالنيابة عن الاتحاد الدولي) مع فروم. وسوف يستحضر القارئ سؤال فرويد لبوم في فيينا عام ١٩٣٣، ليس فقط بأن يحرره من رايخ، بل أيضا أن يتخذ سبيلا واضحا مع هارلد شولتز-هينك داخل الجمعية الألمانية. تم تحليل شولتز-هينك في برلين (مثل رايخ) من قبل رادو، لكنه انتقد نظرية الليبدو لفرويد في وقت مبكر. عام ١٩٢٧-٢٨ وقد درس في الجمعية الألمانية للتحليل النفسي، لكنه “أعفي من التدريب بسبب نقده للنظرية الجنسية”، وعلى حساب مصلحته الشخصية جعل ” السيكولوجية الفردية لأدلر ونظريات يونغ متوافقة مع مفهومه للتحليل النفسي”، وكان أي تقارب لأدلر ويونغ يُرى من قبل فرويد على أنه أمر محظور. وأن هذين الاسمين كانا “نكرتين” قبل الحرب العالمية الأولى ومازالا غير مقبولين داخل دوائر التحليل النفسي الأرثوذكسية. كان فرويد مصرّا على صحة أساطيره التي بناها حول خطر المهرطقين في التحليل النفسي، وأن المجموعات يمكن أن تنهض بأعدائها.

77ad2690-0360-4738-b5d9-bff4bd3d168a
فرويد- شولتز-هانك

‎كان شولتز-هانك خصبا في تأليفه، وناجحا كمتحدث ومنظّم لكن في تلك الأيام صرح فرويد بأن شولتز-هانك يعارض بعناد فكرة المحلل النفسي، وعدّ ذلك تنازلا منه لآراء يونغ وأدلر. وحينما كتب فرويد لأتينغون كان قد وصف شولتز-هانك بـ”خصم داخل” التحليل النفسي، مهددا بطرد وإبعاد الجمعية الألمانية إن أمسك شولتز-هانك بمنصب إداري في المعهد. كان شولتز-هانك يرأس حلقة دراسية في الجمعية إلى جانب أوتو فينخل حيث كان من المفترض أن “يعرض شولتز-هانك باستمرار انحراف وجهات النظر التي أدت إلى نقاشات ملتهبة” كانت كلمة “الانحراف” كلمة أخرى للهرطقة. وعندما التقى فرويد بِبوم كان “يرى” بأن شولتز-هانك يشكل نفس الخطر الذي كان يشكله رايخ.

بعد ذلك، سارع الآخرون للتصالح مع نظام هتلر، وفي عام ١٩٣٤ ساهم شولتز-هانك بإيجاد منظمة تهدف إلى “تعليم العلاج النفسي وفقا لمفاهيم الاشتراكية القومية”، ومع هذا، اُنتقد في عهد النازية على أنه مثالا “للعصابات النفسية”. وذهب مولر-براونشفايغ إلى أبعد من ذلك بنشره عام ١٩٣٣ مقالة في الأسبوعية النازية، مفترضا أن التحليل النفسي يهدف إلى بناء أعضاء منتجين في المجتمع، وليس مساعدة الضعفاء: “بهذا القول وأين ومتى قاله، كان مولر-براونشفايغ يصادق على نفس اللغة التي كان يستخدمها النازيون لوصف المرضى اليهود والممارسين للتحليل النفسي”، ويوضح مولر-براونشفايغ للنازيين: “إن التحليل النفسي وجد كانضباط مخصص لزرع الأقوياء لا لمسايرة الضعفاء”. وقد كتب شولتز-هانك مقالا بالفعل “غير منشور لحزب النازية” مرددا ماقاله مولر-براونشفايغ، زاعما أن: “هدف العلاج النفسي هو تحرير قوى اللياقة البدنية والمهارية داخل الفرد”  وادعى مراقب موثوق به بأن شولتز-هانك: “بآرائه السياسية لم يكن اشتراكيا قوميا، لكنه امتلك شجاعة شخصية”. كان شولتز-هانك مثل غيره يحاول “تطوير مصطلحات ذكية وعالمية”، وقد يكون لهذا صلة بما كانت عليه أهداف النازية داخل ألمانيا. كان شولتز- هانك يدافع عن فترة العلاج القصيرة وانتُقد على إثر “تنازله البياني لأهداف النازية”، مقابل “جزء نفعي لصحة الإنسان مقدم من علاج التحليل النفسي”. ومع ذلك، لابد أن نشير إلى أن شخصا مثل كارين هورني التي كتبت عن أهمية مفهوم “الشخصية العصابية” عام ١٩٤٥، أكدت بشكل خاص عام ١٩٣٩ تأثير هارالد شولتز-هانك وفيلهلم رايخ عليها كمحللين عرفتهما خلال إقامتها في برلين: “‎إن أعمال فرويد الرائدة والعظيمة، تميل في الواقع و بشدة لهذا المفهوم  رغم أن سمته الجيني لم يسمح له بالوصول لصياغة واضحة. لكن الآخرين الذين استمروا بتطوير أعماله خاصة فرانز ألكساندر، أوتو رانك، فيلهلم رايخ، هارالد شولتز-هانك قاموا بتعريف أكثر وضوحا”

‎رغم أن آراء كارين هورني الخاصة اختلفت عن الآخرين الذين “استمروا  في تطوير أعمال فرويد”، إلا أنها أرجعت في نقاط متعددة في كتاباتها موافقات خاصة لأفكار شولتز-هانك.

‎عرفت هورني كيف تحرك المحللون الألمان بالفعل تحت قيادة هتلر ليكونوا شموليين عندما يأتي الأمر لأدلر ويونغ، ويمكن أن يُرى ذلك كمحاولة لـ”إنقاذ” ممارسة العلاج والتحليل النفسيين. (ربما نشر شولتز-هانك مقالة في باريس حول مساعدته لحماية الناجين من التحليل النفسي في ألمانيا)، وحتى قبل هتلر كان شولتز-هانك قد عُوقب بعد ٢٨-١٩٢٧ داخل الجمعية الألمانية بسبب أفكاره الخاصة بالمذهب التحليلي، وتم عزله من طاقم تدريس الجمعية قبل النازية. لكن تنازلات الاتحاد الدولي البيروقراطية حول الهياكل التنظيمية وعزلها لليهود بدت لي صادمة كأي أيدولوجية محتملة، وبعد هذه المدة الزمنية الطويلة، يطهر بأن التخلي عن المخاوف من أفكار أدلر ويونغ كان أمرا مرغوبا فيه. وكما رأينا، كان عزل اليهود من مجلس إدارة الجمعية الألمانية، باعتباره قبل من كرف فرويد، استجابة مباشرة ومساومة لضغط سياسي فوري.

‎كان الدور الشخصي ليونغ في أوروبا الوسطى عام ١٩٣٠ حاسما فيما يخص مستقبل موقفه التاريخي، منذ أن كان صريحا بعد وصول النازية لهيمنتها وإثباتها لسقطات فكر فرويد المتعددة وجذوره اليهودية. ولربما تبرر هذه المواقف العامة ليونغ أخطاء له، في الوقت الذي يبقى صعبا كشف مناورة شخص مثل جونز-خلف الكواليس- (أو فرويد والاتحاد الدولي بذاته). وكان التعاون مع السلطوية أو الشمولية في هذا الأمر يحدث تحت العديد من المظاهر المختلفة. كان اللورد-ماير بهامبورغ بليغا عندما خاطب المؤتمر الرابع والثلاثون للاتحاد عام ١٩٨٥ حول خطر الائتلاف تجاه الهتلرية، يقول: “كل الخطى عقلانية، لكنها كانت في الاتجاه الخاطئ. هنا تسوية مع الأفراد وهناك مع جوهرهم، بأمل تافه بالحفاظ على الكل- والذي يجب أن يختفي … في معظم الحالات تضيع الحرية في ثنايا لا ترى”.

كما نرى، لا أظن أن الاتحاد الدولي للتحليل النفسي خرج بهذه القصة بمظهر البطل بعكس سلوك يونغ، بل حتى للمحلل النفسي غير المختص مثل فرانز ألكساندر، والذي كان ساذجا سياسيا باتهامه ليونغ بأنه “يفتقر إلى الثبات الأخلاقي المتجذر عند فرويد”، أراد فرويد معرفة ما يجري أكثر من غيره ممن كانوا مستعدين للاعتراف. (كتابات جونز لأنا فرويد عن المشاكل في الجمعية الألمانية أعطت لفرويد ما يعرف الآن بسياسة الإنكار). إن هجرة شخص مثل فروم وزملاؤه في فرانكفورت (والتي لم تكن بالأمر السهل) من ألمانيا، جعلت منه أكثر نزاهة من غيره من البدلاء الذين أصبحوا زملاء يرتحلون مع النازيين أو يرتكبون خيانة أهلية.

‎في بداية عام ١٩٣٣ اختار يونغ نمطا انتهازيا، سارع رايخ للتنديد به، وفيما بعد وجّه المحلل غوستاف بالي، صديق فروم، نقدا ليونغ في أحد مطبوعاته. وبالنسبة للجمعية الألمانية للعلاج النفسي (تأسست عام ١٩٢٦ تحت الحكم النازي)، وكان يونغ رئيسا للجمعية الدولية الألمانية العامة للعلاج النفسي، ومحررا لجريدتها. كتب جونز كيف أن: “النازيين استولوا على الجمعية الألمانية للتحليل النفسي في يونيو ٩٣٣ ” وادعى أنها “تتخفى تحت لواء الجمعية الألمانية الدولية الطبية للعلاج النفسي”، والتي كانت بالمقابل “مُنظّمِة” للثورة القومية الألمانية. لكن يونغ دافع في السنوات التالية عن الأسس التي أنجزها، وادعى بأنه كان يعمل من أجل حماية هذه المهنة، وحماية اليهود الذين مارسوها بعناء بالغ. واحتج يونغ: “بأن الطاقم من غير الأطباء اليهود” كان بإمكانهم أن: “يكونوا أعضاء فوريين للجمعية الدولية..”. (باتباع جونز لفكر أتينغون الأصلي، يكون قد عمل ترتيبا مشابها لما عمله لفروم والآخرين داخل الاتحاد الدولي). كان يونغ مثل جونز ينفذ هذه التسويات داخل ألمانيا، وكلاهما قدما المساعدة لليهود اللاجئين من ألمانيا ليبنوا أنفسهم في الخارج.

لنتقدم قليلا: في عام ١٩٣٦ اختار النازيون طبيبا نفسيا نازحا يدعى الدكتور ماتياس غورينغ، ابن عم هيرمان غورينغ، الذي ترأس منذ ١٩٣٣ الجمعية الألمانية للعلاج النفسي وفي ذلك الوقت كان يونغ محررا مساعدا (استقال يونغ عام ١٩٤٠). تم تحليل ماتياس غورينغ من قبل أدريان، ليونارد سيف، ولعب غورينغ دورا مركزيا في تاريخ التحليل النفسي تحت حكم هتلر منذ عام ١٩٣٨، ووسع معهده الجديد الجمعية الألمانية للتحليل النفسي كقسم فرعي. (وجهزت الجمعية الألمانية مبنى ومكتبة وعيادة). في نوفمبر ١٩٣٣ كتب يونغ عن ماتياس غورينغ، الذي كان اسمه الأخير سيء السمعة، من الممكن أن يخطر ببال أغلبية القراء اليوم: “كان رجلا لطيفا وعقلانيا لذلك كانت آمالي كبيرة في تعاوننا”.

‎في الثاني من أكتوبر ١٩٣٣ كتب جونز لأنا فرويد يخبرها بأنه كان يتوقع تأثيرا أفضل من بوم ومولر-براونشفايغ: “من سوء الحظ أن شولتز-هانك -الذي لا يعتبرونه جديرا بالثقة بشكل كاف في أعماله التحليلية النفسية- كان قد تسلم منصبا دائما لتمثيل التحليل النفسي”، بلجنة حكومية جديدة تدار بواسطة “معالج نفسي يدعى غورينغ … ابن عم المدمن الشهير”. ولاحقا كتب جونز لأنا فرويد حول غورينغ في العشرين من يوليو عام ١٩٣٦: “كان من السهل الوصول إلى علاقة مع غورينغ الذي يملك شخصية عاطفية جدا. من السهل قيادته في اتجاهنا، لكن لسوء الحظ وكذلك الآخرون”.

أعتقد أن ما أثار انتباهي بشكل خاص هو تقدير جونز عام ١٩٥٧ بأنه وجد ماتياس غورينغ: “شخصا ودودا وسهل الانقياد إلى حد ما”. كتب جونز بحق حول غورينغ بقوله: “اتضح لاحقا [بعد ١٩٣٦] بأنه ليس في وضع يسمح له بالإيفاء بوعوده التي قطعها حول درجة الحرية التي يسمح بها لمجموعة التحليل النفسي [داخل معهد غورنيغ]. كان جونز مثل يونغ مستمرا بتقديم التحليل النفسي على السياسة، وكتب عام ١٩٥٧عن غورينغ بأنه كان مخيبا للآمال: “إن الجذور اليهودية للمحللين اتضحت له من دون شك بالضبط في ذلك الوقت”. لكن تعبير جونز كان غير محتمل، ليس لكون ماتياس غورينغ مرتبطا كعضو بالحزب النازي، بل لأنه يجعل (السيرة الشخصية لهتلر) متطلبا لتدرس في معهده. ولقي ماتياس حتفه عام ١٩٤٥ مدافعا عن برلين ضد تقدم قوات التحالف.

‎لنصل أخيرا لتفاصيل ما حدث لفروم وعلاقته مع الاتحاد الدولي، فبينما كان في أمريكا كان مولر- براونشفايغ يكتب في العاشر من يناير عام ١٩٣٥ لفروم حول المستحقات المتعددة التي لايزال مدينا بها للجمعية الألمانية. (كان الإبقاء على تاريخ ١٩٣٤ في مذكراته الخاصة بفرويد، أمرا مغرضا من جونز: “شهدت هذه السنة رحيل ما تبقى من المحللين من ألمانيا وتصفية التحليل النفسي فيها”. عن وعي أو دونه، علم جونز (أن هناك الكثير مما دفن عقب عام ١٩٣٤). وأخذت رسالة العاشر من يناير ١٩٣٥ وقتا ليعاد توجيهها إلى عنوان فروم الصحيح في أمريكا. شرح مولر- براونشفايغ بدقة نسبة المستحقات والواجبات لكل عضو مدان بالمقابل من الجمعية الألمانية للاتحاد الدولي، واعتبرها مولر-براونشفايغ “إنذارا نهائيا” لفروم لدفع مجمل المستحقات البالغة ٢١١ ماركا ألمانيا قبل الأول من مارس. وعرض فروم بالمقابل أوضاعا تصحيحية ليدفعها بالتقسيط.

ce8c59b8-4829-47a2-ac6a-30f96f75830c
مولر-براونشفايغ- فروم

‎في الثالث من مارس ١٩٣٦ أرسل فروم رسالة قاسية لمولر-براونشفايغ:

“‎إنني متأسف للغاية لإنني لم أقم حتى الآن بإرسال ما وعدتك به من الدفعةالأخيرة من الدين. أنا في وضع يسمح لي بفعل هذا، وكنت سأرسل إيصالا بالمبلغ في غضون أيام، لو لم أسمع من أوساط متعددة بأن الجمعية الألمانية قامت باستبعاد أعضائها اليهود. وأنك قمت بذلك دون أن تكلف نفسك عناء إخباري، (وبعيدا عن تبرير تلك الفعلة، والتي لاأريد الحديث عنها هنا)، لا أصدق أنني اسألك إفهامي للمرة الأولى حول ما إذا كانت تلك الشائعة تنطوي على حقائق”.

قام مولر-براونشفايغ بالرد على فروم في الواحد والعشرين من مارس شارحا له أن الأعضاء اليهود في الجمعية الألمانية -في اجتماع برئاسة جونز- قد صوتوا بالاستقالة نهاية خريف ١٩٣٥. كما كتب مولر-براونشفايغ لجونز في الثاني والعشرين من مارس:

أنا آسف لإقحامي إياك في هذه المسألة المزعجة، حسبما أذكر، عند زيارتك اللطيفة لنا في برلين أخذت على عاتقك النظر في أمر الأعضاء اليهود في الجمعية الألمانية، وأن من يعيشون خارج ألمانيا يجب أن يتم إخبارهم عن طريق المركز التنفيذي للاتحاد الدولي، حول القرار الطوعي للأعضاء اليهود المستقرين في ألمانيا كي يستقيلوا من الجمعية، وأنهم في نفس الوقت يجب أن تُقدم لهم المساعدة للانتقال لمجموعة أخرى أو تعرض عليهم عضوية دائمة مجانية. قبل عدة أيام تسلمت رسالة مرفقة من الدكتور فروم والتي كانت مزعجة لنا، بإثارتها للشكوك حول ما إذا كنت قد أخبرت كافة الأعضاء اليهود خارج ألمانيا وسألتهم حول الاستقالة، وأذكر أننا تناقشنا حول ذلك. من المهم لنا هنا أن يكون كل شيء واضحا لا لبس فيه لجميع المعنيين، ويجب أن يعلم الجميع بأنه لن يتم استبعاد أحد، ولكن يتوقع من الأعضاء اليهود تقديم استقالتهم، وأنهم لن يتكبدوا أي عناء بانتقالهم لمجموعات أخرى أو استلام عضوية مجانية مفتوحة دائمة”.

كان مولر براونشفايغ محبطا (ليس عاجزا فقط) في محاولته لإدارة منحة دراسية ممولة، والتي أعدت في الأصل من محللي برلين الأغنياء، مددت هذه القروض الفترة التدريبية للطلاب مثل فروم. وحينما تولى النازيون زمام الأمور كان هناك يأس من حصول اليهود على إعانات لسداد قروضهم، لذا، عرض مولر-براونشفايغ أخيرا عام ١٩٣٧ نقل هذا التمويل لجونز والاتحاد الدولي، ولتحصيل هذه الديون اشترط أن تخصم مستحقات الجمعية الألمانية التي تدين بها للاتحاد الدولي من هذا البند المفترض. وكان موقف الألمان من هذا المال إن وضعته بعبارة لطيفة موقفا عديم الحس.

في خريف ١٩٣٥ وقعت حادثتان خارجيتان لها علاقة مباشرة بما نتحدث عنه هنا. الأولى في سبتمبر، حيث سنّ قانون نورنبيرغ السيئ الشهرة خلال جلسة خاصة في الرايخستاغ أن لاحقوق للألمان من أصول يهودية، وتحريم الزواج بين الألمان واليهود، ومنع اليهود من توظيف خدم ” آريين”. وبعيدا جدا عن هذا التصعيد الرسمي من النازيين المعادين للسامية، والتسبب في مشاكل لليهود و”اللآريين” ليتواصلوا اجتماعيا، اُعتقلت في أكتوبر محللة متدربة في برلين إيدث جاكوبسون من طرف البوليس السري النازي”الجستابو”. كان لها ارتباط نوعا ما بجماعة المقاومة السرية، وحاولت بطريقة أو بأخرى إفراغ صندوق مليء بكتب أدبية ضد النازية في بحيرة غروفيلد في برلين. قد يعتقد المرء بأنها كانت طريقة خرقاء للغاية للتخلص من مواد هدامة، وأن الموقد والبابور أكثر أمانا. في كل الأحوال، تم إخبار المحللين الدوليين بمصير المرأة بالإضافة الى تنبيه الجمعية الالمانية، وتوقفت جهود جونز بمساعدتها بعد تلقيه “برقية عاجلة” من بوم. (حكم عليها بالسجن لسنتين)، وكان جونز “حادا بنقده لما وصفه بمواقف “اليهود المتطرفة” من جانب بعض المحللين.

تجدر الإشارة أن جونز كتب في وقت سابق، في الثامن والعشرين من يوليو ١٩٣٤، إلى بوم قبل مؤتمر لوسيرن:

“‎طلبي أن تبقي هذه الرسالة سرية باستثناء الدكتور مولر-براونشفايغ، كي تستعد للمصاعب التي قد تواجهك في المؤتمر. من المحتمل أنك لا تعي قوة عاصفة الاستياء والمعارضة التي تُهيّج في الوقت الحاضر دوائرا شرعية معينة، خاصة بين المنفيين من ألمانيا. وقد يأخذ ذلك شكل تصويت شخصي للإدانة ضدك أو حتى الإصرار على إبعاد الجمعية الألمانية من الاتحاد الدولي. واعلم بأنني غير متعاطف مع المواقف العاطفية اليهودية المتطرفة، ومن الواضح لي بأنك وزملاؤك كنتم منساقون للعاطفة والغضب الذي لامحل له هنا، بل تم توجيهه نحوكم. قلقي الوحيد هو مصلحة التحليل النفسي، ويجب علي أن أدافع عن وجهة النظر التي أحملها بثقة بأن ما قمت به قد تم بسبب نفس الدافع”

في الحادي والعشرين من نوفمبر ١٩٣٥ قام بوم بمهاتفة جونز، يخبره أن الجمعية الألمانية تواجه: “كارثة حقيقية، وأن نهايتها وشيكة”. وفي السادس والعشرين من نوفمبر ١٩٣٥ احتج فينخل بشكل غير نافع بأن الجمعية الألمانية كانت مستسلمة للنازية. استبدلت على سبيل المثال صورة فرويد بصورة هتلر (وكتب جونز لآنا فرويد في الحادي والعشرين من نوفمبر: ” أُفضّل أن يمارس التحليل النفسي في المانيا من قبل المسيحيين أو لا يتم ذلك اطلاقا”. اعتقدت آنا فرويد “من ناحية واقعية” أن فينخل كان محقا. وبعد التفكير في مكالمة بوم في ٢١ نوفمبر، أرسل جونز (برقية قصيرة لإخبار بوم بتأخر زيارته)، وكان جونز قد “أكد بأن اليهود استقالوا طواعية”. بعد ذلك ذهب جونز بنفسه الى برلين حيث ترأس اجتماعا للجمعية الألمانية في الأول من ديسمبر، وكان كلا الداعمين لبوم وايدث جاكوبسون يعتقدون بان مصاعب الجمعية جاءت أساس من قانون نورنبيرغ الجديد.

بعد ذلك لاحت في الأفق مشكلة خيار حلّ الجمعية الألمانية أو إلغاء انتماءها للاتحاد الدولي. ومنذ عام ١٩٣٣ أتت مطالب من النازيين بأن على المحللين اليهود الاستقالة. وبحلول ديسمبر ١٩٣٥: “اذا لم يستقِل المحللون اليهود، فمن المحتمل ان الجمعية الالمانية سوف تحلّ” من طرف النازية. واحتلت العضوة الجديدة ايفا روزنفيلد ما اعتبره المرء مكانة جذابة بين الاعضاء اليهود انفسهم: “كان رأيها ان الزملاء في مأزق ترفضه داخليا، لأنهم لن يستقيلوا طواعية بسبب معاناة شديدة من المازوخية، وبالتالي من غير الممكن أن يكونوا جلادين لذواتهم” كما صاغها المؤرخ والمحلل بيتر لوفينبرغ مؤخرا على هذا النحو:

“‎من الواضح أن فرويد كان مهتما بالحفاظ على تنظيم وحضور التحليل النفسي في الرايخ الثالث أكثر من حفاظه لكرامة وثقة زملاؤه اليهود أو الأوضاع الضرورية للتحليل النفسي ليشتغل كعلاج عيادي. مؤلم ومخزي قراءة سجل رؤساء معهد محترم، قاموا من اجل الحفاظ على تنظيم ورقي المهن لخلفاء القيادة الجدد، بإهانة وإهمال الغالبية العظمى من اعضائهم، ليتكيّف مع طغيان الدولة. هذا المجتمع ” العلمي” او في هذا الشأن “الانساني” سيستبعد اعضائه عبر دوافع عرقية، اثنية، دينية، او اي دوافع اخرى عارضة من اجل وجود المعهد، ويرفض استقلال العلم من ايدولوجيات السياسة واخلاقية تقسيم الأفراد ، والتي هي جوهر التحرر الانساني للتحليل النفسي بذاته”

ادعى جونز في رسالته لآنا فرويد في الثاني من ديسمبر ١٩٣٥ بانه يعارض “طرد اليهود”، وأخبرها أيضا بشكل عام عما كان يعتقده: “إن مولر- براونشفايغ مشغول بمغازلة فكرة الجمع بين فلسفة التحليل النفسي ومفهوم شبه-لاهوتي لايدلوجية القومية الاشتراكية ولك ان تتخيلي انها مهمة شاغلة جدا، وما من شك في أنه سيواصل جهوده في هذا الاتجاه، وقطعا لا يشابه بوم فهو من معادي السامية”. (وكان مسؤول الاتحاد الدولي الهولندي فان- اوفويسن قد كتب لجونز في الواحد والعشرين من سبتمبر ١٩٣٣ بأنه قد ثبت أن كلا من بوم ومولر- براونشفايغ نازيين. اعتقد جونز ان شولتز-هانك: “غريب بما يكفي ليكون على توجهه الصحيح”، وأبلغ بوم أن شولتز-هانك اقترح أنه على: “الجمعية الالمانية أن تنفصل عن الاتحاد الدولي وكل واحد منا يجب أن يبقى عضوا سريا للاتحاد الدولي للتحليل النفسي وأن يواصل مسيرته/مسيرتها بسرية”.

لكن بوم ومولر-براونشفايغ لم يكونا كما ذكره جونز في رسالته لآنا فرويد، بالتأكيد على كون جونز كانت له مصلحة في مغادرة اليهود للجمعية، ومن الواضح أنه أرسل برقية ايضا لتريزا بينديك: “مشورة عاجلة بالاستقالة الطوعية”، والتي كانت تتزعم معارضة فكرة ابعاد اليهود لأنفسهم. (فيما بعد وتحت ظروف مشابهة)، اقترح على المحللين الهولنديين بأن يقدموا استقالتهم الاحتجاجية عوضا عن الاستقالة الطوعية. كان بوم لايزال في نعيم، مقيما داخل الاتحاد الدولي ليقضي ثلاثة ساعات عام ١٩٣٧ يصف وضع التحليل النفسي في المانيا قبل دخول مجموعة المحللين النمساويين الصغيرة.

في السادس والعشرين من مارس ١٩٣٦ كتب جونز إلى فروم، ردا على الرسالة التي بعثها مولر-براونشفايغ إلى فروم:

“‎أعاد الدكتور مولر-براونشفايغ توجيه رسالتك المتذمرة من إقالة الاعضاء اليهود. غير صحيح انه تم استبعادهم، لكنهم قرروا عقب نقاش هام في برلين بينهم وبين زملاؤهم، نقاشا كنت حاضرا فيه، أن من مصلحة الجميع أن يقوموا بتقديم استقالتهم، كان واضحا لي أنه لن يوجد بديل لهم، أقول لك، انني اتوقع يوميا سماع خبر حلّ الجمعية الالمانية بذاتها كليا”.

‎فكرة اي حلّ وشيك قد تكون مفاجئة، لكنها كانت إحدى تلفيقات جونز البيانية أراد ان تجري على فروم:

“‎وحول مسالة التواصل معي، إنك تتفهم بلا شك ان الكتابة من برلين امر شاق واتضح لي ان هناك سوء فهم في المسالة، حيث انني الملام الاكبر مقارنة بالدكتور مولر-براونشفايغ. لقد افترضوا أنني سأقوم بإبلاغ الاعضاء الالمان الذين يعيشون خارجها، وهو أمر لم يكن واضحا بالنسبة لي. أبلغت الذين يعيشون في انجلترا واعتقدت جليا أن ذلك يفي بالغرض. أنت العضو الوحيد في هذه الفئة، وظننت أنك عضو حالي في جمعية نيويورك”.

لكن أ.أ ابريل كان متواصلا بانتظام مع جونز حول انضمام أي عضو من الخارج لمجموعة نيويورك، وسوف يسمع جونز من أبريل كل خبر لانضمام عضو جديد. وعرف جونز بكل تأكيد ان المحللين غير المختصين مثل فروم كانوا يائسين من التحليل النفسي الامريكي بأكمله: “‎ومع ذلك”، أضاف جونز: ” إذا كان هناك اية مصاعب في مسألة قبولك هناك [في نيويورك]، فيمكنني ان اعرض عليك عضوية “نانسن” المباشرة للاتحاد الدولي. كن مخلصا لي لتخبرني بذلك” (أسست عضوية نانسن على غرار جواز نانسن للاجئين السياسيين، والتي تقدم للاجئين الروس دون إقامة” وهذا يتبع حادثة أتينغون مع كلارا هابل وأيضا إجراء يونغ مع متابعيه من علماء النفس التحليليين.)

بسبب خطأ بريدي قال فروم بأنه لا علم له برسالة جونز التي بعثها في مارس قبل شهرين وذكر فروم مايلي:

“في غياب بديل، أقبل التخلي عن عضويتي في الجمعية الالمانية للتحليل النفسي. انا على اتصال مع جمعية واشنطن-بالتيمور للتحليل النفسي، التي قدمت فيها فصلا من المحاضرات السنة الماضية، لكن قبول عضو-غير متخصص يعدّ مخالفا لشروطهم، وافضّل الا اضغط في هذا الشأن، وعليه، مادام الأمر هكذا، أفضل ان اكون عضو “نانسن” للاتحاد الدولي وامتناني الكبير لك باتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ ذلك”.

في ابريل، قام فروم بإرسال إيصال بخمسين دولارا (٢٤ مارك ألماني) إلى مولر- براونشفايغ، وفي يونيو صادق جونز على عضوية فروم كعضو مباشر للاتحاد الدولي للتحليل النفسي، وأمِل ان يحضر للمؤتمر القادم في مارينباد. وشرح فروم عدم قدرته على حضور المؤتمر، وكان ممتنا لرسالة جونز وسأله لمن عليه إرسال رسوم عضويته.

‎لم ترد المزيد من الرسائل بهذا الشأن وافترض انه لم يكن هناك وجود لقبول الرسوم للعضوية المباشرة. على اي حال، صُدمت بأن فروم قد دمر كثيرا من مراسلاته الخاصة، وكان قد حفظ الرسائل التي دارت بينه وبين جونز، مولر-براونشفايغ وكما سنرى ايضا روث ايسلر.

‎تأسست الجمعية الالمانية نتيجة لاتفاق جرى في يوليو عام ١٩٣٦ بين جونز، بريل، بوم، مولر-براونشفايغ و م.هـ. غورينغ. واصبحت الجمعية الألمانية (كانت لاتزال جزءا من الاتحاد الدولي للتحليل النفسي) جزءا جديدا من المؤسسة الجديدة المسماة بمعهد غورينغ. احتفلت الجمعية الألمانية بميلاد فرويد الثمانين، ولم يسمح لليهود بالحضور،وكانت الجمعية الالمانية قد أنشئت أصلا من طرف أبراهام عام ١٩١٠، وحلّت في نهاية المطاف في نوفمبر عام ١٩٣٨. كان جونز من اوائل المبادرين لاقتراح عضوية الجمعية “عضوية مباشرة” في الاتحاد الدولي، لكن بوم رفض هذا الاقتراح. المسمار الاخير في نعش الجمعية الالمانية كان عبر “مجموعة العمل (أ)” لمعهد غورينغ، والتي أتت من رحلة مولر-براونشفايغ إلى فيينا، وذلك بعد زحف النازيين في الثاني عشر من مارس ١٩٣٨. (مجموعة العمل (ب) كانت تضم المحللين الجدد لشولتز-هانك، ومجموعة العمل (ج) أتباع يونغ).

عندما استولت النازية على جمعية التحليل النفسي النمساوية؛ كعيادة فرويد ومطبعته، كان ابنه الأكبر مارتن مسؤولا آنذاك على الأمور المالية، أرسل برقية لمولر-براونشفايغ يستنجده من برلين. (مرة أخرى قام جونز في سيرة فرويد بتمويه مدى توسع الاتحاد الدولي بعد بدء هذا التعاون، حيث كتب: “لقد وصل مولر-براونشفايغ من برلين مصحوبا بمفوض نازي؛ بغرض تصفية وضع التحليل النفسي”. كانت الفكرة واضحة، وهي التخلي عن مولر-براونشايغ ومن خلاله عن الجمعية الالمانية، مهما كانت ممتلكات المحللين في فيينا. ويشق عليّ أن أعتبر ذلك احتراما ذاتيا من فرويد وجمعية التحليل النفسي النمساوية؛ بأن يسلموا أصولهم الى الجمعية الالمانية الآرية يوم التجأوا لمولر-براونشفايغ ليأتي إلى فيينا.

‎توارت كافة الميول السياسية الفاشية لفرويد خلال العقد الاخير من حياته في فيينا، رغم أنها كانت في ذلك الوقت غمّا على اتباعه السياسيين المثاليين في امريكا، والذين كانوا على علم بما يجري في فيينا. بكت روث ماك برونشفايك[10] على سياسة فرويد، وتوقف علاج زوجها مارك لأن فرويد “خان” الاشتراكية المحلية. كان المستشار إنغلبرت دولفس قد قمع في بداية عام ١٩٣٤ تمردا ماركسيا في فيينا بتعليق البرلمان وقصف مشروع الاسكان الضخم في المدينة حتى استسلمت، وعلى الرغم من ذلك علق مارتن فرويد لوحة لدولفس في مكتبة مطبعة فرويد. أكثر من ذلك، حاول فرويد استمالة موسيليني (الذي كان مدافعا عن استقلال النمسا)، وكان ذلك، من دون شك، لخدمة التحليل النفسي في إيطاليا، التي لم تكن مستقرة وقد وضع قرار فرويد بالبقاء مطولا في فيينا جميع الفرقاء في مصاعب، يوم أن شعروا أنهم لن يتمكنوا من المغادرة مبكرا دون أن يبدو بمظهر الهاربين. (فيما بعد لقيت أخواته الأربع حتفهن في مخيمات الاعتقال النازية).

‎قدِم جونز مباشرة بعد احتلال النمسا، وكان له دور في المشاورات، التي قبِل فيها مولر-براونشفايغ أن يصبح الوصي لجمعية التحليل النفسي في فيينا بالنيابة عن الجمعية الالمانية. كان هناك قلة من المحللين غير اليهود في فيينا لنجاح المشروع، لذلك، أراد جونز من (غير اليهودي) ريتشارد ستيربا ان يبقى في النمسا. تم استجواب آنا فرويد من قبل الشرطة النازية السرية “الجيستابو” حول أمور مالية، بعدما ترك شقيقها مارتن دليلا اجراميا توثيقيا حول اموال خارجية. بعد ذلك، لكي تحمي نفسها عرضت عليهم رسالة مولر-براونشفايغ، بعدها قامت الشرطة باستجوابه أيضا. من الواضح أن مولر-براونشفايغ (بصحبة العديد ممن حاولوا حماية فرويد) كان مساعدا لإعطاء الإذن لفرويد بمغادرة النمسا (غادر فرويد في الرابع من يونيو عام ١٩٣٨).


هوامش المترجم:

[1]  تأسس هذا الاتحاد عام 1910, من قبل سيغموند فرويد، عبر فكرة تقدم بها ساندور فرينزي. يضم الاتحاد الدولي 12,000 عضوا يعملون في 70 منظمة تأسيسية.

[2]  أصبحت المكسيك بلدا صناعيا عقب نهاية ثورة عام 1920, فألهم هذا التغيير إريك فروم إلى جانب مايكل ماكوبي لتأليف كتاب يتناول دراسة هذه التغيرات.

[3] ارنست جونز 1879-1958 : طبيب ومحلل نفسي بريطاني , لعب الدور الأهم في اقناع فرويد للهروب من فينا ابان المد النازي وترتيب اقامته في لندن ,أوكلت إليه كتابة سيرة فرويد الرسمية من قبل عائلته.

[4]   ألف فروم فيما بعد كتابين مرجعيين عن فرويد Greatness and Limitation of Freud’s Thoughts1980. , و Beyond Freud 1980

[5] إريك اريكسون، محلل نفسي عُرف بنظريته في التطور الاجتماعي للإنسان، حققت نظرية الأنا انتشارا واهتماما مهنيا لم يكن ليحدث لولاه. كان يصرّ على انتماءه لفرويد، ويصف نفسه بالفرويدي التجديدي. ألف العديد من الكتب، لكنها لم تحظى بشهرة كالتي حظي بها كتابه (الطفولة والمجتمع).

[6]  تأسس معهد ويليام ألنسون الأبيض على يد إريك فروم وكلارا ثومبسون عام 1946 في نيويورك وذلك لتدريب المحللين والمعالجين النفسيين. يقدم المعهد برامج تدريبية، وخدمات عيادية، كما يستضيف مؤتمرات، ومحاضرات وحلقات دراسية.

[7]  أنشئت الجمعية الألمانية للتحليل النفسي على يد فرويد. وهي تعنى بجلب المحللين النفسيين ممن أنهوا تدريبا متقدما لأجل تطويرهم. وللجمعية منذ نشأتها إسهامات بحثية وتعليمية وعلاجية بارزة.

[8]  مجلس النواب الألماني.

[9]  فيلهلم رايخ محلل نفسي وعالم اجتماع نمساوي. من أبرز الشخصيات الراديكالية في تاريخ الطب النفسي، له مؤلفات عديدة أبرزها (تحليل الشخصية) (الثورة الجنسية).

[10]  روث ماك برونشفايك محللة نفسية أمريكية، كانت أحد المقربين من فرويد وحظيت بمكانة خاصة خلال تواجده في فيينا، انظر الفصل التاسع فرويد والنساء ترجمة: يوسف الصمعان من كتاب “فرويد وأتباعه” Freud and his Followers