مجلة حكمة

مالذي يقود الفرد إلى أكل لحوم البشر ؟ – راشيل بيل / ترجمة: أسماء القناص


 هناك مناظرة كبيرة ضمن مجال علم النفس تتناول ماهية العوامل التي تقود الفرد لأكل لحوم البشر!! و قد طُرحت العديد من النظريات التي تقول بأن الإفراط في رضاعة الطفل في أشهره الأولى قد تؤدي به إلى ضغوط مُفاجئة، لكن لا وجود إلا للقليل من الأدلة لدعم مُعظم هذه النظريات. و بالرغم من ذلك، فإن هذه النظريات تطرح إطاراً يُقدم فهماً أفضل للعوامل السيكولوجية التي تقف خلف أكل لحوم البشر. في مقال كتبته سالي تالواني بعنوان “الخُبراء والقوى التي تخلق أكلة لحوم البشر” يعتقد الدكتور كلانسكي ماكنزي، أستاذ علم النفس في Capital University in Washington أن أكل لحوم البشر ما هو إلا نتيجة صدمة حدثت في مرحلة الطفولة. و ذكر أن الطفل بعد فطامه من ثدي أمه يواجه قلق الإنفصال مما يقوده إلى فانتازيا تدور حول التهام الأم. إن الفرد الذي عانى من هذه التجربة قد يصل إلى هذه المرحلة من البلوغ التي تقوده إلى البحث عن الإشباع التام من خلال أكل لحوم البشر.

لقد تم دعم هذه النظرية من قبل دراسة أجراها إيلي ساجان على أكل لحوم البشر بين الثقافات، و وفقاً لكتاب الجوع الإلهي لصاحبه بيغي ريفيز ساندي، يُجادل ساجان بأن أكل لحوم البشر ما هو إلا “رد الفعل النفسي تجاه الغضب والإحباط” تمظهر هذا الرد عن طريق العدوان الفموي والإندفاع الشديد نحو تشرّب فرد ما-حرفياً- عن طريق ابتلاعه. و أضاف ساجان بأن هذه الرغبة ربما تم توجيهها إلى عدو يُهدد قوة الفرد. إن الأطفال الذين يعتمدون بشكل مفرط على أمهاتهم هم الأكثر خضوعاً للعدوان الفموي والإحباط بسبب الإنفصال. و علاوة على ذلك، زعم ساجان أن البالغين الذين يحملون هذا العدوان الفموي بشكل لاواعي ربما عبروا عنه على شكل الهيمنة والتسلط الذكوري ضد المرأة ومن ثمة اللجوء إلى أكل لحوم البشر.

و على العكس من ذلك في مقال تالواني، يذكر د. بارك ديتز الخبير الجنائي وحجر الأساس في محاكمة دامر، أنه لا بد من أن علماء النفس لم ينقبوا بشكل كافي في مرحلة الطفولة لآكلي لحوم البشر و محاولة تفسير هذه الممارسات. يعتقد ديتز أن الشخص بإمكانه أن يلجأ لأكل لحوم البشر عندما يواجه صدمة نفسية، كما هو الحال في حالة جيفري دامر الذي قتل أول ضحية له بعد تفكك أسرته. في الواقع، قد تكون الضغوطات أحد العوامل الهامة التي تدفع الفرد للإنغماس الشهواني نحو صنفه الخاص ولكنه حتماً ليس التفسير الوحيد.

قد تكون هذه النظرية صحيحة إلى حد ما و لكنها لا تُعطي سوى تفسير جزئي للدافع الذي يقف خلف أكل لحوم البشر و ربما لا ينطبق على جميع أكلة لحوم البشر. وعلاوة على ذلك، فإنه لا يفسر تماماً سبب تسلي دامر في مرحلة طفولته بأكل لحوم البشر في أحلام اليقظة التي لطالما راودته. إنه لمن المهم أن نُلقي نظرة شاملة على التحليل النفسي المحيط بالسلوكيات و قد يكون من الضرورة تشريح مرحلة الطفولة أو البلوغ والشباب للفرد من أجل الحصول على إجابة للسؤال الذي يهمنا وهو ” مالذي يجعل الناس تأكل بعضها؟” إن هناك نظريات أُخرى لم تُثبت بعد تشير إلى أن أكل لحوم البشر ليس سوى اضطراب جنسي أو حتى أحد اضطرابات الأكل. يبدو أن هناك سمة مشتركة بين العديد من أكلة لحوم البشر وهي أن العديد منهم قد تم تشخيصهم بمرض انفصام الشخصية أو أي شكلٍ آخر من اضطرابات الشخصية. وكما أوضح ريبير أن هناك عدة سمات مشتركة في مرض انفصام الشخصية، بما في ذلك، اضطراب الافكار، الهلاوس والضلالات وفقدان الاتصال بالواقع. و من الممكن أن يساعد هذا التشخيص في تفسير تجارب العديد من أكلة لحوم البشر الذين ادعوا أنهم قبل و أثناء وبعد أنشطتهم الغرائيبية، قد عانوا من فقدان الوعي، تضخم الشعور بالذات والخبرات، الهلاوس وغيرها من الأفكار والسلوكيات المضطربة.

من الجلي أن هناك ندرة في الأبحاث التي تتناول مجال أكلة لحوم البشر. و على الرغم من أن هنالك العديد من النظريات إلا أن القليل منها بمقدوره تفسير أسباب لجوء بعض الناس لذلك، وبالتالي الكثير من البحوث سوف تكون حاسمة في فهم العوامل التي تؤدي إلى أكل لحوم البشر.

 

 

المصدر