مجلة حكمة

لم الكثير من الأذكياء بهذا الغباء في الفلسفة ؟ – اُليڤيا گولدهل

ترجمة: عمر المرجان


 لا شكّ بأنّ بِل ناي Bill Nye ’’رجل العِلم‘‘ ذكي جدّاً. لكن يبدو بأنّه, حين يتعلّق الأمر بالفلسفة, فهو في الظلماء. أستاذ العلم الأمريكي المحبوب والشخصيّة التلفازيّة نشر مقطعاً الأسبوع الماضي يردّ فيه على سؤال من طالب فلسفة حول ما إذا كانت الفلسفة ’’موضوع لا فائدة فيه.‘‘

من الصعب مشاهدة المقطع, الذي جعل كلّ المجمتع الفلسفي الأمريكيّ جميعاً يغصّ باسبرسُّه الصباحي, لأنّ معظم عبارات ناي خاطئة. ليست خاطئة بعض الشيء, بل بشدّة, خاطئة بشكل سخيف. هو يمزج بين أسئلة عن الوعي والواقع كما لو كانت الشيء والموضوع نفسه, وبشكل تامّ يسيء فهم حجّة ديكارت ’’أنا أفكّر, إذاً أنا‘‘- لذكر مثالين من عدّة أمثلة.

وناي -يمكن القول بأنّه أفضل معلّم مسلٍّ في أمريكا-ليس العالِم المشهور الوحيد الذي يسفّه كلّ الدراسة ذات القرون من العمر. عالم الفيزياء الفلكيّة نيل دگراس تايسن Neil DeGrasse Tyson ادّعى[ii] بأنّ الفلسفة ليست ’’مساهماً فعّال في فهمنا للعالم الطبيعي‘‘؛ بينما الفيزيائي النظري ستيفن هوكنگ Stephen Hawking صرّح[iii] بأنّ ’’الفلسفة ميّتة.‘‘ إنّ من الرّهيب أنّ مثل هؤلاء العلماء العباقرة يمكن أن يكونوا بهذا الجهل الكبير, لكن من سوء الحظّ آراؤهم حول الفلسفة ليست نادرة. على عكس العديد من الموادّ الأكادِميّة الأخرى (الرياضيات والتاريخ, مثلاً) حيث لدى غير المختصّين وعي غامض حول ممارسات المجال, يبدو أنّ هناك لبس واسع عمّا تتناوله الفلسفة.

في حالة ناي, سوء اعتباراته كبيرة وواسعة جدّاً لإثبات أنّ كلّ واحدة منها باطلة. لكن بعض تعليقاته في المقطع تتكلّم لتوسّع الالتباسات حول الفلسفة. فننظر لبعض تلك: ’’غالباً تعود إلى هذا السؤال: ما هي طبيعة الوعي؟‘‘[iv]

هنا اقتباس كامل من ناي, عمّا يرى بأنّه الانشغالات الرئيسيّة للفلسفة:

’’غالباً تعود إلى هذا السؤال: ما هي طبيعة الوعي؟ هل يمكننا أن نعرف بأنّنا نعرف؟ هل نعي بأنّنا نعي؟ هل نحن لا نعي بأنّنا نعي؟ هل الواقع واقعي؟ أو هل الواقع غير واقعي ونحن كلّنا نعيش على كرة طاولة جزء من لعبة تنس طاولة كوكبيّة ضخمة ونحن لا نحسّ بها؟ هذه أسئلة مثيرة.‘‘

تعليقات ناي, التي تخلط بين أسئلة من مجالات تامّة الاختلاف عن الفلسفة, هي صورة مضحكة لسوء الفهم المعتاد بأنّ الفلسفة هي عن طرح أسئلة ’’عميقة‘‘ بلا فائدة, استئصال جواب ما مِن العدم, ومن ثمّ شرب خمرة حمراء وكتابة أطروحة مزهرة.

لكن بغضّ النظر عن كرة الطاولة, هذه في الواقع أسئلة مثيرة حقيقة-بعيداً عن التفكير الفارغ, أساليب تحليل مواضيع كهذه هي حادّة بشكل كبير ومؤلم للعقل. كلّ مِن الأسئلة التي طرحها ناي هي موضوع دراسة متعمّقة, والفلسفة, في جوهرها, تتضمّن تفكيراً نقديّاً بشكل شديد.

نِد هال[v] Ned Hall, بروفسور وكرسي في قسم الفلسفة بجامعة هارڤرد, يخبر كوارتز[vi] بأنّ زميلاً يصف الفلسفة على أنّها, ’’التفكير بالحركة البطيئة.‘‘ من المؤكّد أنّ التفكير لا يمكن نبذه بتعجّب, كما يفعل ناي.

’’الفكرة بأنّ الواقع غير واقعي, أنّ ما تحسّ به ليس حقيقيّاً, هو شيء أنا متشكّك به جدّاً.‘‘

شكوكيّة ناي هي ردّة فعل فارغة على السؤال عمّا إذا يمكننا الوثوق بأحاسيسنا. ’’لو ألقَيْتَ مطرقة على رجلك, هل هي حقيقيّة؟‘‘ يتساءل. ’’أم هل هو خيالك فقط؟‘‘ ثمّ يواصل باقتراح أن يستكشف طالبُ الفلسفة الشابّ السؤالَ من خلال إلقاء مطرقة على رجله. لكن تجربة مؤلمة كهذه لن تخاطب السؤال الضمنيّ في الحقيقة, وهذا النّهج-ليس إلّا سخرية بالحجّة بدل مخاطبتها-سيئ السمعة لدرجة أنّه, كما نبّه البروفسور خاخُسروڤ اِراني على مدوّنته[vii], له اسمه الخاص: argumentum ad lapidem[viii]-’’مناشدة حَجَر.‘‘

ثقة ناي بأنّ ما نحسّ ونشعر به ’’حقيقي‘‘  هو غريب تحديداً كونها من عالِم, نظراً لأنّ العديد من الاكتشافات العلميّة المتقدّمة بالفعل تناقض المعلومات التي نتوصّل لها من أحاسيسنا. اكتشف اينشتاين بأنّه ليس هناك شيء اسمه التزامن المطلق, مثال ذلك, بينما تثبت فيزياء الكمّ بأنّه يمكن لجماد أن يكون بمكانَيْن بنفس الوقت. جادل العديد من الفلاسفة منذ زمان بأنّ أحاسيسنا ليست وسيلة موثوقة لتقييم الواقع, ومثل هذه الاكتشافات العلميّة تدعم الفكرة بأنّه ينبغي علينا أن نعامل المعطيات الحسِّيَّة ببعض التشكّكيّة.

’’الفلسفة مهمّة لبعض الحين….لكن يمكن أن تبدأ الجِدال بدائرة.‘‘

الفلسفة مهمّة لأكثر من بعض حين, ولها استخدامات جدِّيَّة وعمليّة لكلّ المجتمع. هناك أمثلة لا تحصى لنظريّات فلسفة العقل ذات صلة لعلماء الأعصاب[ix], أو حالات صنع الفلاسفة السياسيّون فيها سياسيِّين[x].

تاريخياً, تداخلت الفيزياء والرياضيّات مع الفلسفة, وشارك العديد من العلماء العظام مع الفلاسفة ليطوِّروا تفيكرهم. (يمكن دراسة عمل اينشتاين[xi] مع عمل كانط[xii], على سبيل المثال.) الفيزيائي المسؤول عن نظريّة النسبيّة كان فيلسوف علم[xiii] أيضاً واينشتاين, كما نبّه هال, أعاد تشكيل مفاهيمنا حول المكان والزمان- نفسها مشروع فلسفي.

يناقش الفلاسفة أيضاً الافتراضات التي تكمن وراء العلم. ’’هناك عامل ضخم في العلم للاعتماد على كفاءتنا للتعقّل,‘‘ يقول هال. ’’الطريقة التي توظّف بها تلك الكفاءة في البحث العلمي غالباً تتضمّن افتراضات مُضْمَرَة لكن جوهريّة تماماً حول بساطة ولياقة العالم الطبيعي. يجلب الفلاسفة الانتباه إلى كم هي ضخمة مجموعة الافتراضات.‘‘

لذا, مثلاً, في المقطع يعبِّر ناي بشكل ساخر عن ثقته بأنّ الشمس ستشرق غداً. يثق الفلاسفة بهذا أيضاً, لكن القليل يوقن حقيقة بأنّه يمكنهم بشكل دقيق التعليل لِما يسبِّب هذه الظاهرة اليوميّة-أو أيّ حَدَث. حجّة فيلسوف القرن الثامن عشر ديڤد هيوم بأنّه ليس لنا فهم منطقي للإحداث بشكل مطلق, لكن الافتراض سبب وأثر حين يُلاحَظ بأنّ شيئين مترابطين[xiv] في الماضي فحسب, شهيرة بصعوبة الدحض. المشكلة تكمن في العديد من الفيزياء ويصعب أن تكون عديمة الأهمِّيَّة.

ومن ثمّ هناك تطوّر المنطق الصوري, الذي تمّ تطويره من قِبل الفلاسفة قرابة 100 عام مضى وهو الأساس للبرمجة وعلم الحاسوب-بمعنى آخر, الأساس لكلّ التقنية الحديثة.

’’لا تعطي إجابة مفاجئة دائماً.‘‘

أيّ شخص يعتقد بهذا واضح أنّه لم يقضِ وقتاً كافياً بدراسة الفلسفة. أيّ وحي بعيد, سبَّبَتْه المخدّرات, وقع من قبل قد تمّ تقطيعه وأخذه بشكل أعمق في كتب فلسفيّة تبدو أعقل. هذا مجال جادلت شخصيّات بارزة بأنّ اللَّه يخلق العالم كلّه في كلّ لحظة بشكل مستمرّ[xv], وذلك الفشل في وهب أيّ ثراء زائد هو مساوٍ بشكل أخلاقي للمشي بجانب طفل يغرق[xvi].

’’تَذَكَّر, البشر صنعوا الفلسفة أيضاً.‘‘

هنا, اقترح ناي بأنّ الفلسفة غير ذات صلة لأنّنا لا نقدر, كمخلوقات قابلة للخطأ, على اكتشاف الحقيقة المطلقة. ’’أنت إنسان تسعى للحقيقة,‘‘ يقول هو, ’’فسيكون هناك حدود.‘‘

بعيداً عن أن يكون دحضاً للفلسفة, هذا عنصر من المجال. العديد مِن المفكّرين العظام يدركون هذا الحدّ على بحثنا عن المعنى وقد كتبوا عدداً من الأوراق المعقّدة في الموضوع, ومضامينه, وشكل الحقيقة التي يمكن اكتشافها من داخل قيود عقول البشر الصغيرة. لُدفِگ فتگنشتاين[xvii]Ludwig Wittgenstein, مثلاً, قد يثير اهتمام أولئك الذين يشاركون تشكّكية ناي.

ليست الفلسفة للجميع, والعديد من النّاس سعداء بشكل كامل أن يعيشوا دون أن يحاولوا إدراك, بشكل دقيق, ما الذي يقوله هايدگر. لكن أن يتكلّم ناي بشكل متنازل عن ’’الأسئلة الرائعة‘‘ في الفلسفة يوحي بأنّه لا يعلم الكافي كي يغضّ النظر عنها. لأنّ الفلسفة هي في الواقع مفيدة بشكل مدهش لأيّ أحد مهتمّ باللغة, المعرفة, الأخلاق-والعِلم. وهي بلا شكّ, رائعة جدّاً.

 

 

المصدر

 


[ii] http://www.huffingtonpost.com/massimo-pigliucci/neil-degrasse-tyson-and-the-value-of-philosophy_b_5330216.html

[iii] http://www.telegraph.co.uk/technology/google/8520033/Stephen-Hawking-tells-Google-philosophy-is-dead.html

[iv] هذه ترجمة من المقطع.

[v] http://philosophy.fas.harvard.edu/people/edward-j-hall

[vi] اسم المجلّة, وموقعها: qz.com

[vii] https://platofootnote.wordpress.com/2016/02/29/mike-dont-listen-to-bill-nye-about-philosophy/#more-711

[viii] https://en.wikipedia.org/wiki/Argumentum_ad_lapidem#cite_note-1

[ix] http://www.amazon.com/Philosophical-Foundations-Neuroscience-M-Bennett/dp/140510838X?tag=quartz07-20

[x] http://clinton4.nara.gov/WH/New/html/19990929.html

[xi] http://www.jstor.org/stable/4619681?seq=1#page_scan_tab_contents

[xii] http://www.rehseis.cnrs.fr/IMG/pdf/Friedman_RelativizedAPriori.pdf

[xiii] http://plato.stanford.edu/entries/einstein-philscience/

[xiv] http://www.ucl.ac.uk/~uctytho/dfwCauseHume.htm

[xv] http://plato.stanford.edu/entries/malebranche-ideas/

[xvi] http://www.utilitarian.net/singer/by/199704–.htm

[xvii] http://opinionator.blogs.nytimes.com/2013/03/03/was-wittgenstein-right/