مجلة حكمة
خطورة الصمت عن الصحة النفسية في ثقافة جنوب آسيا - برايالياس / ترجمة: سارة عبدالله

خطورة الصمت عن الصحة النفسية في ثقافة جنوب آسيا – برايالياس / ترجمة: سارة عبدالله

 


في الرابع عشر من نوفمبر، عام ١٩٩٨، قام شاب هندي يدعى نيل جروفر بقتل نفسه‫.‬ كان نيل شابا لامعا، يدرس بجدّ في قسم الطب، ليصبح طبيبًا‫.‬ تقول عنه والدته‫:‬ لطالما كان نيل سعيدًا‫!‬ ولم تعي مالذي يدفعه لأن يبادر برغبة مثل هذه، أي ينهي حياته‫.‬ كانت رسالة انتحاره مبهمة تمامًا مثل الحادثة نفسها‫.‬ يقول‫:‬ “كان لدي كل شيء، لكن الحياة سلاح ذو حدين، إن قلت كل شيء فقد خسرت كل شىء‫.”‬

‎أكرر تلك الأسطر على مسمعي مرة تلو الأخرى، علّني أتعثر بمعانيها‫، لكنني لم أستطع. كان نيل مثل شاب آخر انتحر يدعى أكالديفي، طالب طب أيضًا من الجنوب الآسيوي.‬ ولم يخطر ببال عائلته أي سبب يدعو لانتحار ابنهم‫.‬ كلا الشابين كانا ناجحين تماما مثل نجاح جوبتا المحلل الشهير في بنك جولدمان ساكس الأمريكي، والذي وجد ميتا داخل شقته، بعدما عمل مئات الساعات خلال أسابيع‫.‬ ولم يتحدد بعد سبب وفاة جوبتا‫، الذي كتب له والده سونيل جوبتا:‬

‎أرسل الابن يشتكي لوالده: “هذا العمل لايناسبني، هناك الكثير من العمل والقليل من الوقت، أريد أن أعود إلى الوطن” فكان رد والده ‫بأن يواصل لإن هذه الصعوبات لم توجد إلا في عمل يتطلب تحمل ضغوطات عالية: ” بُني، من هم بسنّك، شباب طموحين، واصل المسير”‬

‎واصل المسير، هي الرسالة التي نسمعها مرارًا وتكرارًا‫ “‬استرجل‫”.‬ هناك نكتة دارجة في فيلم My Big Fat Greek Wedding: كان الأب البطل دائما مايقول ‫”‬ضع عليها قليلا من منظف ويندكس‫”‬ كطريقة للشفاء من كل ألم‫، و‬ بأنها علاج لكل شيء ولا نحتاج غيره‫.‬ الدرس هنا هو أن تتحمل الألم‫.‬ تعتاد على سماع ذلك في  ثقافة جنوب آسيا ‫.‬ فوجودك على حافة ألم عظيم هو أمر تتباهى به، حيث أن هناك نوع واحد من الألم يعتبر مباحا، في النهاية لم نكتشف ما إذا كان منظف ويندكس فعّالا أم لا.

‎في الأسابيع القليلة الماضية جلست في غرفة رسم داخل بيت كبير بالهند، استمع لمجموعة آباء يتحدثون عن ابنائهم المغتربين‫.‬ ‫”‬ سمع رافي من LSE‫‬ ” قالتها الأم بعفوية وهي تمرر الفول السوداني لفمها: ‫”‬عرضوا عليه عملا في ماكنزي، ويمكنك أن تتخيلي ماهو الراتب المبدئي الذي عرض عليه، لكنه رغب بأن يلتحق بمدرسة الخريجين‫.‬ كان سعيدًا جدًا‫.”‬

‎قالت أم أخرى‫:‬ ‫”‬ لقد أنهت ابنتي أنكاشا دراسة الطب، والآن تقول لي ربما سأتقدم للدكتوراة في جامعة يال، لن يصلوا لدرجة الرضا عمّا قدموه كل مافي الأمر كم سيجمعون من الشهادات‫”‬

‎وبينما اجتمعوا في دائرة تشكلت قصص النجاح مثل جوقة موسيقية، لو كنت تستمع لهم لالتقطت كلمات معينة تتردد ‫(‬ هارفارد، طبيب، استثمار بنكي، جائزة، زمالة، محامي، ٢٠٠،٠٠٠ كل سنة‫.‬ ‫)‬ كانوا رغم ذلك حذرين ألا يتفاخروا دون تحفظ، بقصص النجاح الأكاديمية، والمهنية، والشخصية، التي يتشاركونها‫.‬ لم يكن هناك إلا الأخبار الجيدة وأنت تستمع لهم، تسمع مستقبل أبنائنا، من يشكلون النموذج الأقلية في أمريكا‫.‬ كانت حياة مؤلفة من مراحل، الانتقال لمدينة كبيرة، تشجيع ابنائهم، وإيجاد ابناء مناسبين لبناتهم، ثم الانتقال للضواحي، والتقاعد في الخامسة والستين، و تنشئة أبناء يحلمون بنفس ماحلموا به‫.‬

‎يعد التطفل على الخصوصيات في خزائن حمامات الغرباء أمرا مجازيا في الثقافة العامة، كبرت وأنا أستعيد رؤية ذلك في الأفلا م والمسلسلات الأمريكية، وأتساءل بعينين متسعتين عن الأطفال الذين لايملكون أي خلفية عمّا يرونه‫.‬ لم يكن في بيتنا أي خزائن للأدوية، ولاحبوب مخفية لأمراض مخزية، ماذا يوجد لتتطفل عليه؟ وماذا سيجد المتطفل بالأساس؟ كل ماكنا لدينا صندوق قصديري على مكتب والدتي يحتوي على ضمادات وأسبرين‫.‬ كانت تلك للآلام الطفيفة مثل جرح أصبعك عند لعب الكريكيت مع الأصدقاء، أو الكدمات الناتجة من تسلقك لشجرة الجوافة في الحديقة، وإذا كان لديك صداع ستعطيك والدتك دواء السعال وتعاين درجة حراراتك، وإذا كانت درجتك حرارتك أعلى من المئة عندها يجب أن تتغيب عن المدرسة لترتاح في المنزل، وإذا كان لديك ألم مضاعف، فإذا لم يذهب الألم من تلقاء نفسه، فعليك أن تذهب للطبيب‫.‬ صغيرا كان أم كبيرا، لطالما كان ذلك الألم ألما جسديا، وماذا سيكون غير ذلك؟ لسنوات لم أكن أعلم‫.‬

‎هناك بيانات قليلة حول الاكتئاب في مجتمع جنوب آسيا‫.‬ طبقًا لتقرير منتدى الصحة الأمريكي لآسيا وجزر المحيط الهادي ، فإن الآسيويين‫/‬أمريكيين خاصة من هم في عمر ١٥‫-‬٢٤، من المرجح أن تظهر عليهم أعراض اكتئابية‫.‬ وكان في التقرير أيضا أن هناك معدل عالٍ للانتحار بين الشابات من الجنوب آسيوي‫/أمريكي‬ عن غيرهن من سكان أمريكا عامة‫.‬ ومع هذا، يقول التقرير بأن الجنوب آسيويين الأمريكيين لديهم أدنى معدل انتفاع من خدمات الصحة النفسية، الأمر الذي لن يكون مفاجأة لأي شخص نشأ في مجتمع شبه القارة الهندية‫.‬

‎إن المهاجرين الجنوب آسيويين خاصة معرضين للإصابة بالإكتئاب ومشاكل تتعلق بالصحة النفسية‫.‬ فقد قامت  دراسة عام ٢٠٠٤ باختبار الاثار النوعية للصحة النفسية لأربعة وعشرين إمرأة ممن يتحدثون الهندية وعشن خمس سنوات في كندا‫.‬ وكان أن اتفقت معظم النساء المهاجرات على حقيقة واحدة أنه لم يسبق وأن مررن بمشاكل نفسية من أي  نوع في الهند تقول إحداهن: ‫”‬ في الهند دائما ماتكونين مشغولة مع أفراد عائلتك، وأقاربك، لكن هنا تشعرين بالوحدة، مزيد من الوحدة‫”‬، وقالت أخرى، ‫أنها لم تعرف مايعني الإكتئاب إلى أن هاجرت إلى كندا: ” لم نكن نسمع بكثير من الالآم والأوجاع التي نسمعها هنا، لم يعرفن ويسمعن جداتنا وأمهاتنا مانعانيه اليوم في شبابنا” . تقول النساء أنه كان يتعذر عليهن الشرح بكلمات لوصف أوجاع معينة، والآن عليهم أن يجدوا الكلمات المناسبة ليتحدثوا عن أوجاعهم‫.‬ كان ذلك جزء من الضغوطات التي ينفرد بها تجارب المهاجرين عادة، والأهم من ذلك كله غياب دعم المجتمع للمرأة في الهند‫.‬ وجزء منه يعود لحقيقة بسيطة وهي أن الكنديين يذهبون للأطباء أكثر مما يجب‫.‬ ‫”‬ في الهند نذهب للطبيب فقط عندما نكون مرضى‫” وتقول امرأة أخرى: ” هنا حتى لو كنت بصحة جيدة، تذهب للمراجعة!” ‬

‎تحدثت النساء عن العلاجات الهندية المنزلية المهدئة للآلام، وأن تلك العلاجات والذهاب للطبيب دائما ماتكون ملاذهن الأخير‫.‬ ومع ذلك، هم بحاجة للعلاج الآن أكثر من حاجتهم في الماضي، لإنهم كانوا عاجزين عن تحمل تكلفة الطبيب، وغير مرحبين لفكرة طلب المساعدة بانتظام‫.‬

‎ناقش طبيبين من جامعة ميزوري هذا التردد الغريب حول طلب المساعدة الطبية من قبل الجنوب آسيويين‫/‬أمريكيين، و ‫”‬فهمهم الضيق نحو الأدوية‫”‬ بشكل عام‫.‬ وفقًا للطبيب كوزلا، فإن أحد الأسباب هي أن الأطباء في الجنوب الآسيوي يميلون لعدم سؤال مرضاهم حول الألم الجسدي أو غيره، يقول الطبيب كوزلا ‫”‬ في الثقافة الهندية من الشائع أن المرضى لايفصحون عن آلامهم تجنبًا لإثقال كاهل الآخرين‫، و‬الظهور بمظهر الضعف‫.‬ في تعقيب توضيحي يشرح الدكتور كوزلا، كيف أن الأطباء في الهند لايستخدمون درجات ألم مماثلة لأطباء الولايات المتحدة الأمريكية، وأن مقدمي الرعاية الصحة في أمريكا يسألون المرضى عادة حول تقدير آلامهم من درجة ١ إلى ١٠ الأمر الذي لم يكن مفهومًا لدى المرضى من الجنوب الآسيوي، فليس هناك من سبب ليذهب المريض الهندي للطبيب‫-‬ هذا ماتذهب له الثقافة الهندية‫-‬إلا إذا كانت تعاني من ألم لايطاق‫.‬ ويقول مشاركون في دراسة الطبيب كوزلا ‫:‬ ‫”‬ كان من الشائع أن يُعطى المريض ‫”‬جرعة قليلة من الدواء‫”‬ مثل تايلينول، بعد العمليات الجراحية، مثل‫:‬ الولادة القيصرية وإزالة المرارة‫”‬ هذه الدراسة أكدت كل ماتعلمته مسبقا في الطفولة‫.‬ التحكم بالألم أولوية فقط لدى المرضى ذوي البشرة البيضاء‫.‬

‎كانت هناك محادثات عديدة  مع أصدقائي البيض تبدأ بعبارات مثل ‫،‬معالجي النفسي يقول‫، و عندما أسألهم عن أدائهم كان‬ العديد منهم يخبرونني التالي‫:‬ ‫” لقد كان أدائي سيئا”. هجرتني حبيبتي، لا أستطيع إيجاد عمل، أنا حزين لوفاة جدي، ‬وكنت أرى إظهارهم لمشاعرهم أمرًا محببًا ومثيرًا للإشمئزاز في الوقت نفسه‫.‬ لم يكن مهما ما إذا كنت أعرفهم لسنوات ماضية أو التقيتهم للتو في صف الغداء، لن يمانعوا بأي حال الحديث عن مشاعرهم للغريب، كما لو أنه ليس هناك شيء يدعو للحرج‫.‬ كان لديهم حماس لإيضاح تفاصيل أوجاعهم وتعداد نقاط ضعفهم‫.‬ وشهدت كل تلك الأحداث التي لم أكن لأوافق على رؤيتها‫.‬

‎في طفولتي، لم يكن لدي رغبة في الحديث عندما يحدث لي أمر سيء‫.‬ أعتقد أن الاعتراف كان ثقافة عند البيض، ولهذا السبب هم يفضلون التخلص من آلامهم عند المعالج، وعبر دفاتر الملاحظات، وبعضهم قد حول آلامه إلى فن، مثل كتابة مذكرات، أو عرضها في اعترافات تلفزيونية‫.‬ كانت تلك هي طريقة ذوي البشرة البيضاء‫.‬

‎ولم تكن تلك طريقة السمر، فالأسمر يفضل الصمت‫.‬ في مجتمع يعطي تقديرًا عاليًا للجلد والتصبر، فقوة التحمل هي مايرحب بها. خاصة إذا كان المجتمع معنيا، مثل التعرض للضغوط الإجتماعية لنموذج نمط أقلية‫ في أمريكا.‬ أن اعترفنا بالتصدعات داخل المجتمع فسيكون تشكيكا في الوضع الذي يتمتع الهندي‫/‬أمريكي فيه ضمن تيار المجتمع الرئيسي. كان ضغط ذلك النمط الاجتماعي واحدًا من الأسباب التي جعلت الشابات الجنوب آسيويات  لايستدعين الشرطة أو الخدمات الاجتماعية في حال وقوع حالات عنف منزلي.

‎تحدثت إلى صديق مؤخرًا، وأخبرني أنه كشابّ هندي لم يجرب على الإطلاق أي نوع من العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية، وأعتقد أنه استشعر تشكيكي، فبادر بالقول‫:‬ ‫”‬ أعني ربما يرمقك الجميع بنظرات، ويرددون كلمات‫..‬ لكنني لم أجرب عنصرية حقيقية‫”.‬ أتذكر أخي وهو يخبرني أنهم ينادونه الباكستاني ‫”‬ لقب مهين”‬ عدة مرات في لندن، لكنها لم تكن عنصرية ‫”‬ مثل التي يتلقاها الآخرون‫”‬

‎الميل للتقليل من الألم البسيط وبالتالي إنكار الألم، هو مايجعل الناس السمر لايسمّون الأشياء بمسمياتها الحقيقية‫.‬ نعيش في عالم حيث القياس فيه هو الأشخاص الآخرين‫.‬ الأشخاص الآخرين الذين قاسوا أكثر منا، لذا علينا أن نصمت‫.‬ وبذلك، مايدركه الناس كنقطة انهيار، لن يتم التعامل معها على أنه كذلك‫.‬

‎وقد أظهر تحقيق حول الضغوط النفسية التي تصيب نساء جنوب آسيا في المملكة المتحدة، بأن خدمات الصحة النفسية العصيبة تقف وبشكل روتيني على حالة يأس متدهورة، وغالبًا بعد فوات الأوان‫.‬ ويعني ذلك أن وصمة العار التي تحيط بكسر حاجز الصمت في المجتمعات الهندية، تبين أن هؤلاء معرضين لخطورة عالية لإيذاء أنفسهم أو إنهاء حياتهم‫.‬ وخلصت تجربة مماثلة أجريت في تورنتو أن هناك نمطا من “تأخر طلب المساعدة” لدى نساء جنوب آسيا في قضايا العنف الزوجي. وتقول النساء في تلك التجربة بأنهن يتأخرن في طلب المساعد حتى نقطة‫”‬pani sar se guzar jata he”‬ وبترجمة حرفية تعني ‫”‬ النقطة التي تعبر فيها المياه فوق رأسك‫”.‬ و رغم أن هناك العديد من الأسباب المعقدة لتأخير طلب المساعدة ‫(‬ على سبيل المثال‫:‬  عدم وجود خلفية عن الدعم الاجتماعي في الخارج، بالإضافة لالتزامات الزواج‫)‬ إلا أن النساء أشرن بأن الصمت القسري هو أهم الأسباب‫.


‎والأهم من أن الآخرين دائما يعانون أسوء مما نعاني‫، هو أن‬ الآخرين في المجتمعات الهندية دائما في حالة ترقب‫.‬ إن ثقافة جنوب ‫آسيا فوق كل ذلك هي ثقافة مجتمع. ‬فمصطلح العزة أو الشرف أساسي لمن نشأ بين عائلات جنوب آسيا التقليدية، والذي يرتبط بمفهوم sharam أو العار، وكلا المفهومين الاثنين متلازمين حتى أن الكلمة الهندية  lajja تعني عار أو اللاشرف في قائمة معانيها.‬

‎ وبما أن الإكتئاب وصمة عار عميقة في مجتمعاتنا، فالاعتراف بمشاكل الصحة النفسية قد يكون بمثابة تهديد لعزة العائلة‫.‬ وعاقبة ذلك‫، أننا نعيش الآن دون مقارنات، فالعزة تأتي أولا على حساب صحة الفرد. فنحن عندما نخبر بعضنا البعض قصص أحوالنا، نلجأ لستر نقاط ضعفنا معتقدين بأنها شؤون خاصة. سنقول :” ديف قدم شريكا في شركته” ولن نقول لبعضنا: “أن ديف يشرب بإفراط” حتى لو كنا نعلم ذلك. وربما لانعلم لإن ديف قد تعلم أن يخفي أمر شرابه. نعتقد بأن الموجود هو مانراه فقط. ‬
‎لدي كل شيء ولكن الحياة سلاح ذو حدين.

‎تحكي ملحمة  Mahabharata القديمة قصة شاب يدعى كارنا، الذي يسعى للبحث عن معلم له‫.‬ حتي وصل للمعلم المبجل بارسوراما، والذي رضي أن يقبله كتلميذ لديه‫، بشرط واحد، أنه لن يكون مُعلما لأحد من عشيرة محاربين Kshatriya، كذب الشاب على معلمه وأخبره أنه لاينتمي لاؤلئك المحاربين‫.‬ وفي يوم ما، كان المعلم نائما في حضن تلميذه، لدغ العقرب ساق التلميذ كارنا، ورغم أن الألم كان ألما لايطاق، لكنه لم يجفل عوضا عن أن يبكي، وذلك خوفا من أن يوقظ معلمه‫.‬ وكانت قطرات الدم هي من أوقظت المعلم‫، فصرخ في وجه تلميذه ‫”‬ ليس هناك صبي براهيمي يمكن أن يصمد أمام هذا الألم‫.‬ لابد وأنك محارب من Kshatriya”.‬ وشتم المعلم كارنا قائلاً، بأن المحارب سينسى تعاليم المعلم حينما يكون بأمس الحاجة لها‫.‬  إنها اللعنة التي تثبت تراجعه الأخير عند قتاله في معركة Mahabharata عندما يسعى Pandavas لإنهاء استبداد أبناء عمومتهم Kauravas‎.

تستدعي هذه القصة لأذهاننا أسطورة الشاب المتقشف الذي أخفى ثعلبًا مسروقًا تحت عباءته، وتركه ينهش من لحمه دون أن يظهر الألم‫.‬ هذه قصص عن بشر خارقين في تحمل الالآم ومع كل ذلك، صدمتني تلك الحقيقة عندما قرأتها للمرة الأولى أنه مامن ثواب لذلك التحمل‫.‬ إن مأساة كارنا كانت تصرفًا نابعًا من الحب، تصرف غير أناني، تلقى مقابله الشتائم‫.‬ ليظهر بعدها أن تحمل الألم بصمت ليس بأمر تُكافأ عليه‫ حتى في ثقافاتنا‫.‬

‎وبمعرفتي حول العواقب الحقيقية لإنكار ألمي، أشعر بحاجة لأراقب نفسي، لتخفيف أي ألم باعتراف خطي، بأن أقول‫:‬ ‫”‬ أعلم أن هناك من يعانون أسوء من ذلك‫”‬ كما تعلمت سابقًا‫.‬ إن ثقافة الصمت تجذرت بعمق في داخلي، وفي داخل المجتمع الهندي‫.‬ وربما لن يستطيع بعضنا أن يتغلب عليها خلال حياته‫.‬ إن قلت كل شيء خسرت كل شيء‫.‬  جميعنا حذرين حول قصص حياتنا، نعيد تعديلها قهريا حتى تصبح أقل قسوة وألما‫.‬ أول مرة قمت بوصف حالة صعبة لصديق، حالة مررت بها قبل سنتين‫، حاولت أن أسردها بلا مبالاة، وشعرت بأن أي شيء آخر سيكون محرجا.‬

‎فكنت أخبره‫:‬ ‫”‬ كنت حزينة معظم هذه السنة‫.‬ قد أفتح باب الثلاجة أحيانا في التاسعة صباحا وأحملق في كرتون عصير البرتقال‫”‬
‎‫”‬ لماذا عصير البرتقال؟”
‎‫”‬ لإنه كان قريبًا من قارورة الخمر‫”‬
‎‫”‬ كنتِ مكتئبة‫”‬
‎نفيت ذلك بسرعة‫”‬ لم أكن مكتئبة‫.‬ كنت حزينة‫.‬ هناك فرق‫.‬
‎قال مؤكدًا: ” صحيح، ولكن لابأس أن تكون‬ي‫ مكتئبة”‬
‎كررت عليه ‫”‬ لم أكن مكتئبة، مالذي تود أن تقوله؟‫”‬

 هز كتفيه بلا مبالاة ‫قائلا: “لاشيء، أحاول أن أقول لك أن الأمر لابأس به‬ فقط‫”‬.

وإليكم ما أعتقده أخيرًا، بأن مامن قيمة نرثها من الصمت، وإدعائنا بأننا لم نتأذى قط‫.‬ليس هناك عار في الحاجة للدواء والحاجة للإعتراف والتفريغ، لسنا مرغمين على التمسك بوهم الكمال‫.‬ لدينا كل شيء لكن الحياة سلاح ذو حدين‫.‬ وربما نخاطر بسمعتنا إن قلنا ذلك لبعضنا البعض، لكن ذلك هو السبيل الوحيد للنجاة‫.‬

 

 

المصدر