مجلة حكمة
الإله مستويات المعنى

ثلاث مستويات في المعنى عند الحديث عن الإله – آرثر هوملز / ترجمة: فيصل الفرهود

فيصل الفرهود
المترجم: فيصل الفرهود

هدفي  هنا أن أبحث في الجانب الفلسفي من مشكلة اللغة اللاهوتية ، وأنا هنا لا أفرق بين اللاهوت واللغة الدينية ولكني أستعمل الإصطلاح هذا لأشير ببساطة إلى لغتنا التي نستعمل للحديث عن الإله .هذه الورقة هي أقرب إلى المقدمة منها إلى الورقة البحثية المبتكرة أو إلى البحث التفصيلي في إشكالية معيّنة ، وقد حاولت أن أؤكد على أن هدف دارس اللاهوت هو أن يلتفت إلى ما تضيفه اللغة الفلسفية إلى اللاهوت عوضاً عن البحث في شكليات اللغة الفلسفية .

الإشكال الأكبر عند الحديث عن المعنى في لغة اللاهوت هي كيف للغة بشرية أن تنتج معنىً تاماً عند الحديث عن إله متعالٍ لا نظير له ؟ جواب الفيلسوف هنا يعتمد غالباً على فلسفته في اللغة وبشكل أخص بما يقصده عند الحديث عن ما هو المعنى .

 وحتى لا أبالغ في التبسيط أريد أن أشير إلى وجود ثلاث مستويات أو جوانب في اللغة وجميعها تندرج داخل الخطاب اللاهوتي والديني ، والمشكلة في اللغة الدينية أنها تفترض نسبةً من الخطر عندما يتم تجاهل أحد هذه المستويات أو تنزل رتبته إلى مستوى آخر .

سأسمي المستويات الثلاث : المصداقي ، المفهومي و الشخصي . الأول يجعل من علم اللاهوت بحثاً مفهومياً عن الإستحالة . المستوى الثاني يجعل من علم اللاهوت بحثاً مفهومياً لا إتصال له بالحقائق الموضوعية . المستويان الأولان قد ينتجا لغة ميتة عن أديان غير متصلة . والمستوى الثالث دون الأول والثاني ينتهي إلى وجودية محضة أو ديانة إنسانية .

1 – المعنى المصداقي

أول مستويات المعنى هو المصداقي أو إن كنتم تفضلونالإحالي” . “المصداقكلمة يأتي أصلها من المنطق وهي تعني بأن المفردات تحيل إلى موضوعات وتجارب معينّة . ففي المقدمة المشهوركل البشر فانونموضوع المقدمة يمتد إلى كل فرد من أفراد البشر ، بينما المحمولفانونيمتد إلى الفئة الفرعية المقصودة بالفانين ممن يطلق عليهم بشر كذلك . وهذا من أوليات المنطق.

مستوى المعنى المصداقي حاضر في هذه العبارات :

  • صلب المسيح في فترة حكم بيلاطيس البنطي

حينما تكون الإحالة إلى أحداث تاريخية

  • وفي اليوم الثالث قام من الموتى

  • وسيأتي ليحاسب الموتى والأحياء

في كل الحالات المذكورة نستطيع معرفة الأحداث التي يحال إليها كانت ماضٍ أو مستقبل .

يظهر الإشكال عند التجريبي الذي يحصر المعنى المصداقي بالإحالات التجريبية والتي يعني بها التجارب الواقعة أو الممكنة . من الممكن أن نعد ما استعرضته من حالات سابقة كإحالة إلى ظواهر تجريبية مشاهدة ، ولكن لا ينطبق ذلك على الحالات التاليه :

  • لقد تم صلبه من أجل خطايانا

والذي يتم فيه تقديم مفهوم تأويلي وهو سبب إفتداء المسيح بروحه . أيضاً:

  • أقامه الرب من الموتى

والذي يتضمن تفسيرا سببيا من خلال الإشارة إلى قوة غير مادية وغير ملاحظة . أخيرا :

  • أقامه الرب من أجل خلاصنا

وتقترف فيه الإشكالان المنطقيان السابق ذكرهما ، إضافة إلى التأويل الغائي والإِحالة إلى كائن غير مادي.

بالتالي ، عند التجريبي الصرف هذه العبارات الثلاث من 4-6 هي عبارات لا معنى لها . فلا يمكنها أن تحيل إلى ما هو أبعد من الحدث التاريخي المفترض نفسه .

وهذه هي النتيجة التي توصل لها الوضعيون المناطقة من أمثال آير في بحثهم في أسس معايير المعنى من وجهة نظر تجريبية . وهي تشكل للغة الدينية فارقاً أقل إذا ما قورنت بغيرها من اللغات سواء كانت معاييرها مبنية على مبدأ القابلية للدحض أو التحقق التجريبي(1) . قدم مبدأ القابلية للدحض ليلائم التعميم التجريبي والذي لا يمكن أن يعد قابلاً للتحقق بأي حد ممكن من بيانات الملاحظة ولكنه مع ذلك قابل للدحض . العبارات اللاهوتية من قبيل ما ذكرت سالفاً هي ليست تعميمية على الإطلاق ولكنها تأويلات تعليلية وسببية لأحداث يفترض أنها فريدة من نوعها.

مرت معايير المعنى عند الوضعيين المناطقة بمنعطف تاريخي وجيز ولكنه لا يخلو من إضطراب . تمت صياغة هذه المعايير وإعادة صياغتها في محاولة لتعيينها بشكل ثابت لا عام ولا ضيق ولكنه وأثناء هذه العملية تم إضعاف تأثير هذه المعايير . قام بعض التجريبيين بتوسيع حدود التجربة حتى تحيل لها العبارات التجريبية سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة ولذلك نستطيع تعقب آثار شلايرماخر في تحديده الإحالة التجريبية للعبارات اللاهوتية في التجربة الدينية . ونجد آثار آخرين كبرايث وايت في  إحياءه للإحالة الكانطية للغة اللاهوتية للتجربة الأخلاقية . ولكن على الرغم من تأمين هذا الإتساع لحدود التجربة فلا تزال اللغة الدينية معنية بالتجربة البشرية عوضاً عن إعتبارها عن موضوع هذه التجربة وهو الإله المتعالي الغني في وجوده عن حدوث تجربتنا الخاصة عنه من عدمها، والذي تتعدى قدرته وغاياته حدود الملاحظة البشرية بكل شكل ممكن . اللغة اللاهوتية في النهاية هي حديث عن الإله أيضاً وليس وصفا لتجربتنا الأخلاقية والدينية فقط.

المشكلةكما أشار لها كيركاغارد في محل إشارته لتجسد الكلمةتنبع من تعالي الإله من جهة ومن ما نسميهدنيويةاللغة من جهة أخرى . لقد لاحظنا دنيوية اللغة التجريبية إضافة إلى أن الإله  يتعالى على عالم التجربة الذي تمتد جذور اللغة فيه . تعالي الإله هذا عددي ونوعي، فبين الإله وعالم التجربة المخلوق فارق عددي كان له دور في رسم حدود التوحيد اليهودي والمسيحي عن الغنوصية ووحدة الوجود . هناك فارق نوعي كذلك الإله غير متحيز مكانياً ومع ذلك فإن العديد من المصطلحات التي نستعمل للإشارة إليه تشير إلى معان مكانية. الإله أيضا خالد ومع ذلك فلغتنا لا تزال تتطور بالنسبة إلى أشياء تاريخية . الإله وجود ضروري ومع ذلك فاللغة معنية بالحديث عن الوجود الخاص الممكن. لتستطيع اللغة الدنيوية الحديث عن الإله فعليها أن تتعالى على أصلها الطبيعي  .

القول بأن الإله غير متناهٍ على سبيل المثال لا يعني بأن له إمتداد مكاني لامحدود ، وهذا ما جعل سبينوزا يظن خاطئاً بأنه ما دام الإله والعالم لا متناهيان فهما لا يستطيعان تشارك الوجود جنباً إلى جنب ولذلك فالإله والعالم واحد في الوجود . والقول بأن قدرة الله لانهائية لا يخبرنا بشيء عن معدات كهربائية أو حربية مثلاً ، على الرغم من أن هذه الدلالات قد تستثير أفكاراً عن ما نعنيه . وإذا كان وصف الجمال يحيل إلى سمات ذوقية ناتجة عن حس تجربة فهذا يعني بأننا لا نستطيع إطلاقها واصفين بها الإله الذي لا يعد موضوعاً للتجربة ولا ممتلكاً لها . كيف للغة الدنيوية التي تصف المعنى تجريبياً أن تتحدث عن إله متعالٍ ؟

إستنتج بول فان بورين بوضوح أن كلام الإله هو لغة ميتة وفي هذا المعنى في عالم تجريبي علمي فالله إذن ميت . بالطبع هناك نظريات غير تجريبية مصداقية للمعنى ، وأفلاطون مثال على ذلك والذي حاول في محاورة كراتيلوس إعطاء مصداقاً منطقياً ليس للمفاهيم المعممة فقط (وهذا ما كان سهلاً عليه بالنظر إلى نظريته في المثل الحقيقية) ولكن لأجزاء أخرى من الخطاب. مغامراته السيئة مع الذريين اليونانيين تظهر لي أنه يرى أن اللغة لها مستوى آخر من المعنى غير المستوى المصداقي ، وهو مستوى له إرتباط أوثق بالبنية المنطقية والنحوية للأفكار منها إلى الأشياء/المصاديق التي نسمي . حاول برتراند راسل مؤخراً أن يعطي معاني مصداقية لعبارات عن موضوعات خيالية غير موجودة مثل الملك الحالي لفرنسا ، أو القنطور أو الجبال الذهبية ليصل إلى أنه أضطر إلى المعنى المفهومي المنطقي للغة عوضاً عن معناها المصداقي .

المعنى المفهومي

1 – علينا أن نفرق بين نظريتين تختلفان اختلافا جذرياً في المعنى المفهومي ، وهما النظرية التجريبية والنظرية الميتافيزيقية . أولاً التجريبية فمنذ أن خط ديفيد هيوم شكلان من العبارات وهما :التحليلي والتركيبي . العبارات التركيبية لها معنى مصداقي فهي عبارات عن الحقائق التجريبية . العبارة التحليلية على الجهة الأخرى تعرّف بالحقيقة المنطقية وتناقضها المنطقي يعني تناقضها ذاتياً مثل : أ = أ  ، أو كقضية محمولها مضمن تحليلياً في الموضوع مثل : كل الرجال فانون ، أو كقاعدة دلالية في لغة معيّنة مثل : تعريف الأعزب هو ذكر غير متزوج .

إذا كانت العبارات التي تتناول إله متعالياً لا تحال تجريبياً حتى تكون عبارات تركيبية ، فهل من الممكن أن نعتبرها عبارات تحليلية ؟ لنقل بأن العبارةالإله موجود بالضرورة،الوجود ضرورةليس محمولاً تجريبيا . قد يكونالوجود الممكنأقرب حظاً منه إذا ما استطاع أحد أن يترجمالإمكانإلى مجموعة من الملاحظات ، ولكن جزء من ما يعنيه تعالي الإله هو أنه وجود ضروري وليس ممكناً . قد يقول التجريبي بأنه وما دام الإمكان مؤهلا لأن يكون محمولا تجريبياً فنقيضه هو الوجود الضروري . ولكن نقيض الوجود الممكن ليس الوجود الضروري بل الوجود غير الممكن وهو شكل من أشكال العدم لا الوجود . لذا فالوجود الضروري (وهو شكل من أشكال الوجود لا العدم ) في هذه الحالة ليس محمولاً تجريبياً ، والعبارةالإله موجود بالضرورةليست عبارة تركيبية.

هل هذا يعني بأنها عبارة تحليلية أم أنها لا تدخل تحت التصنيفان بالتالي هي لا تحوي أي معنى معرفي ؟ ما يبدو للوهلة الأولى هو أن العبارة ليست تحليلية ، فليس من التناقض المنطقي أن يقال بأن الإله غير موجود. ومع ذلك فهذا لا يفضي إلا إلى القول بأن وجوده غير ضروري منطقياً ، وهذا ليس حقيقة منطقية . ماذا يعني القول بالضروري الوجودية ؟ هل هذا يعني بأننا متى ما تحدثنا عن الإله فإننا نتحدث عن وجود لا يمكن أن لا يوجد بشكل ضروري لا ممكن ؟ أعتقد ذلك . ومع قبول المفهوم التوحيدي عن الإله كقادر بذاته وخالق متعالٍ ، ومع قبول حتى مفهوم الإله غير المخلوق فهذا يفضي إلى القول بأن مفهوم الموجود ضرورة هو متضمن تحليلياً في مفهوم الإله .

 وينطبق هذا كذلك على سمات أساسية أخرى لمفهوم الإله وتعاليه . فلامحدودية قدرة الإله هي كذلك متضمنة تحليلياً في نظام مفهومي توحيدي ، على الرغم من أنها ليست مضمنة تحليلياً في الثنائية المانوية . ففي السياق المانوي قد تبدو لنا كعبارة تركيبية زيفت عن طريق تجربتنا للشر . ولكن في السياق التوحيدي فإن تجربة الشر لا تنقض كمال الإله لأن العبارات التحليلية لا تكذّب ولا تتحقق بالتجربة .

وقد تبدو هذه الإستنتاجات مبتذلة ولكنها مهمة للفنون الثلاثة (المنطق ،النحو والبلاغة ) . ومن نتائجها المهمة أن ثنائية التركيبي والتحليلي تنهار حينها . فالعبارة ذاتها لا تكون إما تحليلية أو تركيبية . في الحقيقة ، المفردات بسياقاتها كما تبدو لنا مثقلة إلى حد لا يمكن لعبارة واحدة أن تستقل بذاتها . نظرية المعرفة المعاصرة إنتهت لبديل آخر وهو أن ثنائية التركيبي والتحليلي هي قياس للدرجة لا للنوع . وهذا يعني بأن كلا المعنيان المصداقي والمفهومي قد يوجدان في عبارة واحدة في سياقين مختلفين ، أو حتى في السياق ذاته قياساً إلى درجة التأكيد أو مستويات المعنى .

من النتائج الآخرى أن نعني ما نقوله حينما نقول :”الإله موجود ضرورةأوقدرة الإله لامحدودةوما شابه بسبب المكانة المنطقية التي تدخل تحته هذه العباراة محملة بنظام مفهومي أعم داخل الإستعمال اليهوديالمسيحي لمفهوم الإله . مثل هذه العبارات هي جزء من مستوى مثالي ،في عالم من أفكار وليس عالماً من تجربة . ولهذا الحد على الأقل تستطيع الأفكار أن تتجاوز التجربة، وعندها تتجاوز اللغة جذورها الدنيوية .

هذا التسلسل من الحجج يرتكز على ملاحظة آيان رامزي لخريطة عمل المنطق وللنماذج المفهوميةوملاحظته بأن مصطلحالإلهيعمل كعبارة تكاملية في اللغة الدينية .

وهناك مشكلة بارزة والتي لم تفلت من الإنتباه والتي أقضت مضاجع النظرية المثالية القديمة للمعنى المفهومي. كما أن المعنى المصداقي التجريبي لا يأخذنا إلى الإله وراء التجربة ، مثلما لا تفعل المفهومية التحليلية والمنطقية وراء نظامنا اللغوي والمفهومي . نحتاج إلى ملاحظتين ، الأولى اللاهوت إلى جانب غيره هو نظام مفهومي وهو عبارة عن أفكارنا عن الإله ومصطلحاته تكتسب معناها داخل نظام الأفكار التي تقع تحته ، واللاهوت كنظام هو أمر تأسيسي لكل تفسير وتواصل مع كلمة الإله .ولذلك فعلينا أن لا نقلل من التوجه التحليلي . ثانيا محاولة رامزي للخروج من النظام المفهومي عن طريق وضع الإحالة التجريبية لمصطلحات لاهوتية مهمة فيحالات إفصاح ” .وهو يصف ما يعنيه تحت هذا العنوان بشكل من التجارب الدينية الوجودية بقيم مستمدة من الوحي . اللاهوتيون البروتستانتيون ولرؤيتهم المختلفة للوحي سيفضلون موضعاً مختلفاً للإلتقاء مع التجريبي ولن يكون في التجربة الشخصية بل في التاريخ الإنجيلي واعتباره للخلاص والكشف الإلهي

عندما نعود إلى أمثلتنا السابقة :

4- “تم صلبه من أجل خطايانا

فنحن نجمع إحالة تجريبية بحادثة تاريخية مع تفسير غائي وهو جزء من مفهوم إنجيلي أعم للعناية الإلهية . عندما نقول :

5- “أقامه الرب من الموتى

فنحن نجمع إحالة تاريخية بتفسير سببي هو ضمن نظام مفهومي أعم . وعندما نقول :

6-“أقامه الرب من أجل خلاصنا

فنحن نجمع إحالة تاريخية بتفسير سببي وغائي أيضاً مستمدة من النظام اللاهوتي .

لاحظ إلى أين يوصلنا هذا . عن طريق جمع المصداق التجريبي بالمفهومية المنطقية ، ننجح في إضفاء المعنى للغة اللاهوتية التي أنكرها الوضعيون المناطقة . ولكن هل لا نزال نتحدث عن إله متعالٍ حتى الآن ، أم أننا نصف تجربة تاريخية أضيفت لها لغة مفهومية؟ النظام المفهومي بالطبع مغروس داخل التعاليم الإنجيلية وفي التجربة التاريخية المدونة في الكتاب المقدس . عن طريق التسليم بأن التعاليم والتاريخ الإنجيلي هي وحي فإننا نستطيع أن ندعي بأننا نتحدث عن الإله تحديداً . وهذا على الغالب هو كل ما يطمح له اللاهوتيون ولكن هذا لا يزال عاجزاً عن الإجابة عن سؤال كيف للغة الإنجيلية أن تستطيع الكشف عن ما هو متعالٍ ناهيك عن اللغة اللاهوتية التجريدية  .ولهذا يجب علينا أن نتحول إلى الإستخدام الميتافيزيقي للمعنى المفهومي .

المعالجة التقليدية غير التجريبية للمعنى المفهومي هي الرؤية القروسطية أن نستعمل الكلمات إما بالتقرير أو النفي عن طريق القياس . فنحن لا نستطيع الحديث عن الإله تقريرياً عن طريق إستعمال ذات المفردات التي نستعملها في غيره لأنه كيفياً متعالٍ . ولهذا تحول متصوفة الأفلاطونية المحدثة للنفي عن طريق الحديث عن ما لا يمكن أن يكون إلهً ، ولكن المدرسيون طوروا شكلا من القياس ، فنحن نصف الإله بالخيرية إستناداً إلى قياس بين الإله والبشر.

القياس المنطقي بالتالي يضمر قياساً أنطولوجياً . فالموجودات كالتفاح والبشر والإله يشتركون سمات معينة تتجاوز إختلافاتهم النوعية . وبمقتضى هذا القياس الميتافيزيقي ستستطيع اللغة أن تتجاوز جذورها الدنيوية وسنستطيع حينها أن نتحدث عن إله متعالٍ بإستخدام مفردات تعلمنا إستعمالها لأول مرة من خلال الحديث عن مخلوقاته . فعندما نقولخيرية الإله لا محدودةفإن مصداق المحمول هي الصفة الحقيقة التي عليها وصف بها الإله .ولكن مفهوم المحمول معتمد على النظام لأن مفهوم الخيرية مستمد من قياس مخلوقاته ، والصفةلامحدود” (أو كما يفضلها بعض المدرسيين بمثالي) هي تفهم من حيث موقع الإله بالنسبة إلى تراتيبية الموجودات . وهذا أصبح من أشكال الحديث عن صفاته المتعالية . حاول ميتافيزيقيون آخرون أن يضفوا المعنى إلى حديثهم عن الإله من خلال تأسيسهم المفهومي للتراتيبية الميتافيزيقية . فأوغسطين يتحدث عن الإله كحقيقة تامة . وهو مصطلح يفهم من خلال ما يسميه أوغسطينالحقائق الأبدية” . لايبينز يتحدث عن الإله كالواحد المتسامي . بينما يتوسع وايتهيد في ميتافزيقيتة حول الإله عندما يتحدث عنه كمبدأ الأساس . لو لم يعترفبوايتهد كموحد فهذا ليس لأنه إستعمل تصنيفات ميتافيزيقية مرجعها إلى التجربة فقد فعل لايبنيز وأوغسطين ذلك وهما بالتأكيد موحدان ولكنه لأنه توسع في ذلك تقريرياً ليتحدث عن كل شيء بما في ذلك الإله عائدا بذلك إلى مبدأه في الوجود وبالتالي فرّط  في تعالي صفات الإله النوعية .

ولوج اللغة الميتافيزيقية إلى اللاهوت هو أمر غير مفاجيء . بداية ، إن كنا في الميتافيزيقيا نتحدث عن طبيعة الحقائق التي تتجاوز التجربة ،فهذا يجعل في اللغة الميتافيزيقية ما تحتاجه اللغة اللاهوتية أو كما قد نقول عنها كي تتجنب الفصل بين الاثنين ،إن العبارات اللاهوتية عن الإله المتعالي وخلقه المبدع في الطبيعة ونعمته هما قبل كل شيء عبارات ميتافزيقية . ثانياً جعل اللاهوت المنهجي كلاً من المفاهيم الميتافيزيقية واللغة ملكية له في الماضي . وأنا أقولجعلوملكية لهلأشدد على أن الحال لم تكن كذلك دائما ، ولكنها أحياناً دلت على تحول جذري للغة الميتافيزيقية غير التوحيدية إلى توحيدية المقاصد . المثال التقليدي على ذلك هو الصياغة المسيحية الخلقدونية لعقيدة التثليث ، عندما أمّنت الميتافيزيقيا الإغريقية الأدوات اللازمة لربط المواقف المتعددة للتعاليم الإنجيلية حول الألوهية بشكل متكامل ومتسق. مثال آخر هو التأثير الرواقي على المذهب غير المادي لأصل الروح ، التأثير الأفلاطوني المحدث على لاهوت أوغسطين وما شابه .

والمشكلة ليست بعدم أحقية اللاهوتيين بالتعامل مع الميتافيزيقيا ، بل للمشكلة أوجه ثلاث ، أولها أن الفلسفة المعاصرة بدأت بالتعافي من إستبعاد الوضعيين المناطقة للميتافيزيقيا وتوفير خيارات ميتافيزيقية مبتكرة . أحد الإنحرافات الجديدة ، هي شخصانية جون ماكموراي والتي وثقت في كتاب روبر بلاكيالعلمانية مسيحية والإله الفاعل“. فردانية ستراوسون هي مثال آخر والتي وفرت الإطار لمقترح ويليام هاسكيرس الأخير من أجل إعادة صياغة عقيدة التثليث .

المشكلة الثانية هي بأي نظام ميتافيزيقي حالي قاصر عن أن يكون موقفا عقلانيا مقبولاً عالمياً كالأساس المنطقي الوحيد للاهوت وغيره من المباحث ، وهو أقرب إلى كونه فرضية عالمية بغض النظر عن درجة إتساقها العقلاني وكفاءتها التجريبية . لا وجود لأي نظام ميتافيزيقي قد يستهويه اللاهوتيون المعاصرون ، ولكن هذا الموقف يخدمنا جيداً ، إذا ما كنا سنعد البنية المتطورة للاهوت المنهجي كأمر إفتراضي مؤقت بدلاً من كونه عقلانية حاسمة ، وإذا ما كنا على إثر ذلك مستعدون  للقبول بالتعددية اللاهوتية داخل الفكر البروتستانتي . فأنا لا أرى أي إعتراض على هذا ، لأن فكرة السولا سكربتورا وحدها من تدعي أن أحكامها قاطعة ، وليست اللاهوتية المنهجية ولا قريبتها ، الميتافيزيقيا .

المشكلة الثالثة هي في التكييف ، فاللغة الفلسفية في طبيعتها تأتي محملة كما رأينا بدلائل وروابط قد تودي بنا إلى إشكالات كما حدث للاهوتيين المثاليين  واللاهوتيين المعاصرين والوجوديين . بل حتى أن الكتاب البروتستانتيون أحيانا ينجذبون إلى العقلانية العلمية في القرن الثامن عشر دون تمحيص أو إلى الوجوديون من أمثال بوبر وهايدجر . تعليقات بيرنارد رام في ديسمبر من عام 1972 عناللاهوت الشخصيمناسبة في هذا السياق  .

يتجاوز المعنى المصداقي في اللغة عالم التجربة على شكلين اثنين ، عن طريق صياغة مفهومية تتطور منهجياً داخل نظام لغوي معيّن . وعن طريق إستعمال التصنيفات الميتافيزيقية التي تطبق قياسياً على الإله وبعض مخلوقاته على الأقل . من المهم أن نتنبه إلى أن الإنجيل يميل إلى القياس بين الإله والأشخاص بشكل أدق من مجرد القياس بين الإله وخلقه .

ما دام أن المستوى المفهومي والمصداقي من اللغة اللاهوتية يعطيانا معنىً معرفي .فلماذا تفشل لغتنا اللاهوتية في إحداث أي تواصل ؟ ربما لأنها لغة مميزة هي لغة المجتمع الديني وغير معلومة للمبدئين فيها . في هذه الحالة ، فالتواصل يتطلب منا أن نعلم اللغة ، أعني بأن ننشر تفاصيل الإيمان المسيحي من خلال البنية المفهومية العامة للتوحيد الإنجيلي . وهذا كما أظن يقودنا إلى مشروع فرانسيس شافير الضخم وفكرته عن ما قبل البروتساتنتية التي تجعل من التواصل ممكنا في حقبة ما بعد المسيحية  .

قد يوجد سبب آخر لفشل اللغة اللاهوتية في إحداث أي تواصل وهو بأنها خسرت الكثير من أثرها على الأفراد وأضحت عقيمة . وهذا يقودنا إلى مستوى آخر من اللغة مختلف عن المستويات المعرفية الخالصة .

 

3- المعنى الشخصي

للغة إستخدام آخر يضاف إلى المستويان المعرفيان من اللغة اللذان ناقشناهما وهي مما توسع فيها الفلاسفة التحليليون والوجوديون وآخرون . يبرز لنا كتاب جاي ال اوستينكيف تستطيع القيام بالأشياء بإستعمال الكلمات، ومؤخراً كتاب جون سيرلأفعال الخطابوهو من الكتب المتأخرة (عام 1970) التي طبقت على اللغة اللاهوتية ، ومع ذلك فقد جذب العديد من الإهتمام الفلسفي ويجدر أن يعنى به . الكتاب الأول (عام 1962) طبق على اللغة اللاهوتية من قبل دي دي ايفانز في كتابهمنطق الإنخراط الذاتي“.

كان إهتمام أوستين موجهاً إلى ما أسماهالأفعال غير المباشرة”  وهي جمل خبرية ،إعلانية ، تنبؤيه ، اتهامية ، قسمية ، طلبية ، اقتراحية ..الخ ، وعن طريقها يصدر ما هو أكثر من الأثر المعرفي ، فهي تنتج أفعالاً وتؤمن إتفاقات وتحيي أملاً وتشعل حباً وتثير ثقة . والنتيجة من هذا هي أن الإنسان ليس أداة مفكرة تحيل إلى الأِشياء من حولها وتفكر بتجرد ، بل هو في جوهره شخص فاعل يفعل في غيره عن طريق إستعمالاته للغة . وعن طريق هذه الأفعال اللغوية نستطيع فهم كيف للمفردات أن تعني ما تعنيه في معنى شخصي أعمق وأكبر.

تحدث الأفعال غير المباشرة كثيراً في اللغة الدينية. عن طريق قولنا قدرة الإله لا محدودة فنحن لا نبلغ بعضاً من المفاهيم المعرفية ، بل قد نثير الخوف والحيرة والهيبة والحسرة والإيمان والعبادة . عن طريق قولنا أن الإله هو الحب فنحن لا نحيل مجرد الإحالة إلى فعله التاريخي ونحوي داخله لاهوتاً مسيحياً ، فقد نعزي بهذا القول أرملة ، أو نحيي الأمل لضحية للسرطان ونقنع المذنب بالتوبة .

السؤال عن أهمية اللاهوت يتوجه إلى العلاقة بين هذه الآثار من جهة والمعنى المصداقي والمفهومي للعبارة من جهة أخرى . والإجابة تكمن كما أنا متأكد منه ليس في القوة العاطفية البلاغية ولا في الصحة المعرفية وحدها بل في الطريقة التي نقوم بها نحن الأشخاص نبطن فهمنا للجانب المفهومي من لغتنا ولمجتمع اللغة الدينية كله كمشارك في هذه العملية . إذا ما تحرك شخص للقيام بفعل بتأثير أكبر من مجرد المعرفة فهذا يعني بأن أثرالأفعال غير المباشرةتبلغ شيئاً أكبر من مجرد المعنى المعرفي فقط .

قد نلاحظ أمراً مشابهاً لهذا في الوجودية , طور مارتن هايدجر أن الإنسان يؤسس وجوده عن طريق عن طريق اللغة وبها يعطي حياته معناها . فيما تقوم اللغة المبتذلة الخاملة النمطية بإفساد وجودنا الجوهري فاللغة الأصيلة لها قوتها . والإشكال يبرز عندما يقال بأن وظيفة اللغة وجودية دون إحالة إلى أهميتها المعرفية أو إلى ما كانت تملك أهمية معرفية أم لا . ومن هنا نتحول إلى مفهوم كارل ياسبر عنالشفرة غير القابلة للترجمة، وإستعمال بول تيليتش للرموز اللاهوتية لإظهار إرتهاننا الوجودي على الإله فضلاً عن الحديث عنه معرفياً .

 

يعرض مارتن بوبر إعتباراً مماثلا في فصله بين  لغةالأناهوو لغةالأناالأنت، فعندما ننتقل من لغة الخطاب الشخصي أو (الأناالأنتإلى الحديث عن الأشخاص بشكل وصفي أو (الأناالهو) فنحن ندحض ونصادر الواقع الشخصي المتمايز لكل واحد منهم . وهذا ما قاد ايميل بيرنر إلى القول بأن الوحي لا يأتي عن طريق اللغة الوصفية عن الإله ولكن عن طريق المقابلة الشخصية. لغة المقابلة الشخصي  ليست لغة وصفية ، وهذا يعني بأن الوحي المعرفي أو القضايا هي تناقض في المصطلحات .

وكما تمت الإشارة له من قبل ، فهذا الإنفصال هو خاطيء فينومونولجياً . فلغةالأناالهوولغةالأناالأنتهي أقرب ما تكون إلى النهايات الذهنية لتواصل منها إلى أن تكون تجارب تتناقض مع بعضها البعض . فحتى العلماء وهم الذي ينبغي أن يكونوا مثالاً على لغةالأناالهوالحادة ، هم إلى حد ما متورطون شخصياً في أعمالهم ويفتقرون إلى الموضوعية . والعاشق الذي يعد مثالاً على لغةالأناالأنتالحادة ، يخبر قصصاً كاشفة جداً عن محبوبته . والمقصد ليس مجرد الإشارة إلى عدم تناقض لغةالاناالهوولغةالأناالأنت”  بل إنهما غير شاملان تماماً . فلغةالأناوالهو الذكوريةولغةالأناوالهيلا تندرجان تحت أي من هذان النوعان ، فهو يحافظ على الواقع الشخصي للغةالأناالهوإلى جانب الغرض الوصفي للغةالأناالهو” . اللغة الإنجيلية غالباً ما تكون لغةالأناالهو الذكوريةولغة الشهادة المسيحية هي لغةالأناالهو الذكورية، بينما لغة العبادة هي لغةالأناالأنتولغة اللاهوت المسيحي هي لغة إنعكاس عنالأناالهو الذكوريةوالأناالأنت” . وهنا ينهار التفريق بين اللغة الشخصية والوصفية .

طورت محاججات مشابهة عن إنفصالات أخرى بين الوجودي والمعرفي . ومن خلال المنطق ذاته ، فالوظائف المعرفية وغير المعرفية للخطاب الأفعال غير المباشرة هي قابلة للتمييز ولكنها ليست قابلة للإنفصال . ما نستطيع رؤيته هو أن جملة واحدة قادرة على العمل في آن واحد على جميع مستويات المعنى الثلاث ، تحيل عبارةالإله هو الحبإلى أحداث تاريخية فهي تجمع تحتها جزءا أكبر من اللاهوت المسيحي ،  وقد تخدم في سياق شخصي منا سب وظائف كهنوتية أو بروتاستينية أو حتى طقوسية .

تجاهل الوضعي المنطقي هذه الطبيعة الثالوثية للغة كما فعل الوجودي (والذي ظل تجريبياً بل وربما وضعياً فيما يتعلق بالمعنى المعرفي) . فنراه يلج إلى اللاهوت من مواقف عارية من مفهوميتها اللاهوتية إلى المواجهة الوجودية ، بدلاً من الإنتقال من الحدث إلى المفهومية اللاهوتية إلى المواجهة الوجودية كما هي مستعرضة في الكتاب المقدس . وأحيانا يقفز من عمق اليأس الوجودي إلى الإيمان والأمل دون أن يحيل إلى أحداث تاريخية تعمل كمبرر لهذه القفزة . إن اللاهوت الذي لا يحيل إلى الأحداث التاريخية ولا يكمن في الجانب المفهومي للاهوت ينبغي أن يسمىعلمانياًبدلاً منمسيحي” .

تعرضت النظرية التجريبية التي يقوم عليها المعنى المعرفي إلى هزتين عنيفتين ، أشرنا إلى الأولى وهو الموقف المعادي للميتافيزيقيا الذي قصر المعنى المفهومي على الحقيقة المنطقية واللغوية ، الأخرى هي فرض المعايير العلمية على اللغة كلها ، حتى يستحيل كل ما هو غير علمي وصفي أو بالتحديد تحليلي إلى فاقد للمعنى المعرفي وما هو فاقد للمعنى المعرفي يصبح فاقداً للمعنى كله في المفهوم العلمي . ومع ذلك فاللغة الإنجيلية تنتمي إلى الأدب لا إلى لغة العلم . لغة الإله هي عن الصفات والأفعال الشخصية لا عن حوادث غير شخصية ، فهي عن إله متشخص فاعل فيما يتعلق بالبشر . إن ما تجنيه اللغة العلمية من الدقة والإنضباطية تخسره على صعيد المعنى الشخصي . فاللغة في الدراسات الإنسانية  أقل إنضباطاً عنها في العلم ، ولكنها أكثر قبولاً وإستعمالاً عند الحديث عن الأشخاص وعلاقاتهم مع بعضهم البعض. يتحدث وليام أليستون عن هذه اللغة كلغة غامضة لأنها إيحائية بدلاً من أن تكون تفصيلية ، فهي تستجلب الأفكار الخيالية التي تتجاوز عالم التجربة وتثير التطور الشخصي .

 

أحد الأمثلة على هذه الضبابية هو الرمز . وكما أشار فيليب ويلرايت إلى أن الرمز يختلف عن الإشارة فهو يلفت العناية والتفسير لا مجرد الملاحظة لوحدها . فهو كمسبار إستطلاعي يكشف آفاقا جديدة للأفكار ، هو إستعمال غير مألوف للمفردات بغية الكشف عن أمر جديد ، محاولة من أجل إعادة إلتقاط فكرة صعبة المنال ولتقديم واحدة إلى تجربة جديدة . فهي تتجاوز الإعتيادي ، تثير الخيال وتستولي على الإهتمام .

رمز مسيحي مثلالأبيوضح هذه النقطة . فالإله ليس أبا بالمعنى البيولوجي ، ولا هو الذي يعمل من أجل توفير لقمة العيش لعائلته كما يفعل الأباء على الأرض . ولكن الرمز يشير إلى علاقة الأب المباشرة بأبناءه بأنها هي في أصلها علاقة الأب السماوي بكل خلقه . وهو مصطلح له إحياء مثير ، فقولي بأن الإله  أب لكل أبناءه يجعلني أشمل نفسي معهم وعن طريق مناداته بأب فأنا أعرف بنفسي كإبن له .

  وظيفةالأبهنا رمزية ، وليست قياساً منطقيا ، لأن الأبوة ليست وصفاً يسند منطقياً على كل الموجودات . فلا وجود لتسلسل منطقي لترتيب الوجود ، ولا يوجد تسلسل منطقي من العام إلى الخاص . بل إنه وعن طريق فهم الرمز نستطيع التفكير بإبتكارية من أصغر الأشخاص وصولا إلى الإله . ومن يكون مفهوم الأب عنده ناقص ينتهي إلى مفهوم ناقص عن لإله .

وللأحداث كذلك وظائف رمزية ، فالصليب يرمز إلى المعاناة ، والتضحية ، الحب ، التكفير ، المغفرة ، والإيمان المسيحي كله وليس عقوبة قانونية وإعداماً فقط . فهو يثير الإيمان والإخلاص والإيثار. ولم تكن هذه الرمزية كذلك قبل موت المسيح . فالمأساة الشخصية إلى جانب الأهمية اللاهوتية لحادثة الصلب ساعدت على إتساع مفهوم الصليب من خلال رمزيته القوية .

 

لاحظ أننا نتحدث عن الرموز ولا نتحدث عن الإشارات اللفظية والتي لا تشير إلا إلى قوة الرمز . تتكيء قوة الرموز في التواصل الفعال وإثارة الردود على معناها الشخصي إلى جانب معناها المعرفي. وكل مستويات المعنى الثلاث : المفهومي ، المصداقي والشخصي لها دورها ، ولكن المستوى الشخصي يتطلب شكلاً من التواصل من خلال التجربة البشرية . يتحدث جيلكي عن الإتصال معالعالم المباشرومعناها الوجودي . العالم المباشر بالنسبة لعالم الظاهريات (الفونومونولجيا) هو أمر مختلف عن العالم الموضوعي عند الوضعي المنطقي والتجريبية التقليدية . الزمن الوجودي عند بيرغسون هو أمر مختلف عن المفهوم العلمي للزمن ومفهوم الموت عند هايدجر يختلف عن الموت كظاهرة بيولوجية الخ . إن العالم المباشر هو عالمي ، مثقل وجودياً وشامل شخصياً . وهذا ما يجعل الوجودي متحداً لا منفصلا عن المعرفي. وهذا هو المغزى كما أراه وراء التواصل عن طريق المعنى الشخصي .

لأن اللغة الشخصية تتطلب من المستمع والمتحدث أكثر من مجرد الأفكار وحدهافهي تتطلب درجة من الأفعال الشخصيةوهذا يعني بأن المستوى المفهومي والمصداقي من اللغة اللاهوتية سيؤدي غرضه بشكل أفضل من خلالالأفعال غير المباشرةأو من خلال الإستعمال الوجودي للغة . ستكون القضايا الحقيقية منزوعة السياق من دون المعنى الشخصي وقد تصبح لغة الإله ميتة. وهذا يعني بأن لغة الوعظ والعبادة والمشورة الكهنوتيةكونها لغةأفعال غير مباشر“- هي مختلفة عن لغة الباحث التاريخية واللاهوتية . ولكن من دون اللغة المعرفية والوجودية فنحن لن نستطيع الحديث عن الإله.

النص الأصلي