مجلة حكمة

إعادة النظر في في عملية إنقاص الوزن وأسباب جوعنا الدائم / ترجمة: سارة العقيل

David-Ludwig
د. ديفيد لودنغ

دائما ما يستخدم ديفيد لودنغ تشبيها عند حديثه عن إنقاص الوزن الزائد: ” البشر ليسو افران لاعداد الخبز، لو كنا كذلك، لكان نوع وكمية النشويات التي نتناولها ذو أهمية، و لأصبح حساب كمية هذة النشويات الطريقة المثلى لـ إنقاص الوزن “.

يرى د.لودنغ – الخبير في السمنة وأستاذ التغذية  بكلية الصحة العامة التابعة لجامعة هارفرد- ان اكتساب الوزن يبدأ عندما نأكل الأنواع الخاطئة من الطعام، وهو ما يؤثر سلبا على هرموناتنا ويطلق حلقة مفرغة من الجوع والنهم والتوق الى تناول اصناف محددة، كما يطرح في كتابه الجديد ( دائما جائع؟ ) فكرة أن المسبب الرئيسي للسمنة في عصرنا هذا ليس زيادة السعرات الحرارية  بحد ذاتها، بل هو تناول كميات كبيرة من الاطعمة التي ترفع نسبة السكر في الدم  كالحبوب المكررة ، والسكر، والانواع الاخرى من النشويات المعالجة.

التقينا مؤخرا بد. لودنغ للحديث عن الأطعمة التي تغذي الخلايا الدهنية، ولمَ يعتقد بخطأ الثقافة السائدة عن إنقاص الوزن، بالاضافة الى افادتنا بافضل السبل من أجل إنقاص الوزن على المدى الطويل، فيما يلي بعض المقتطفات من حديثنا معه:

 

  • ماهي رسالة الكتاب الاساسية؟

  • تنص الفكرة الاساسية للكتاب على ان الأكل بكثرة لا يجعلك بدينا، ولكن العملية التي تجعلك تصبح بدينا هي التي تجعلك تأكل بكثرة. قد يبدو هذا متطرفا، ولكن هذة الفكرة مدعومة بعلم يمتد عمره الى قرن من الزمان. بل أن تقليل كمية الكربوهيدرات كما تم اخبارنا يزيد الأمر سوءا، فنحن عندما نقلل من كمية الكربوهيدرات تقوم اجسادنا بالتجاوب مع هذا التغيير بزيادة الشعور بالجوع وإبطاء عملية الأيض، وهو ما يجعل إنقاص الوزن أمر يزداد صعوبة في الحميات المبنية على تقليل نسبة الكاربوهيدرات، فهو يخلق صراع بين العقل وعملية الايض، صراع حكم علينا فيه بالخسارة.

  • ولكن دائما ما يقال ان الأكل الزائد هو سبب السمنة، اليس كذلك؟

  • نحن ننظر الى السمنة على انها حالة ( فائض أو زيادة) ، ولكن في الحقيقة هي أقرب الى حالة ( تجويع).فإذا كانت الخلايا الدهنية تخزن سعرات حرارية اكثر من اللازم، فالدماغ لا يستطيع الوصول اليها  ليضمن سير عملية الايض بشكل مُرضي، وعليه، يبدأ الدماغ باطلاق الشعور بالجوع لحل هذة المشكلة، فنأكل أكثر مما نحتاج ونشعر بالارتياح بشكل مؤقت، ولكن عندما تستمر الخلايا الدهنية بتخزين سعرات أكثر ، تتكرر العملية ونعلق في حلقة مفرغة من تناول المزيد واكتساب الوزن. فالمشكلة اذن ليست وجود سعرات حرارية  كثيرة في الخلايا الدهنية، بل هي وجود القليل منها في مجرى الدم. وهو ما يجعل تقليل كمية السعرات في الأكل غير مفيد في إنقاص الوزن .

  • يعد هذا مختلف جذريا عن الثقافة السائدة المبنية لـ إنقاص الوزن المبنية على عدد السعرات التي يتم تناولها او التي يتم حرقها.

  • أجل ، وهو ما يشبه معالجة الحمى بحمام من الثلج، تخيل ان تذهب الى الطبيب وانت مصاب بحمى ودرجة حرارتك مرتفعة جدا، فيجيبك الطبيب قائلا: ” الحمى ماهي الا مشكلة توازن حراري، حرارة مرتفعة داخل جسدك دون ان يتم التخلص من حرارة مناسبة لتتوازن “، من وجهة نظر فيزيائية يعد كلام الطبيب صحيح وهو ما يجعله يقرر  بأن علاجك سيكون حماما باردا للغاية، وهو ما سينجح في  جعل درجة حرارتك تنخفض مؤقتا، ولكن ما سيحدث بعدها سيجعلك تشعر بالبؤس، فسيقاوم جسدك ذلك برجفان قوي وستنقبض أوعيتك الدموية، وسيجعلك ذلك ترغب في مغادرة هذا الحمام بأسرع وقت ممكن، ولذلك لا نرى الحمامات الباردة علاجا شائعا للحمى.

  • حسنا، في مثالك الذي ذكرته، كيف تعالج السبب الاساسي؟

  • باستخدام الادوية التي تخفض حرارة الجسم كالاسبرين ومعالجة السبب الحيوي للحمى، وبالنسبة لـ إنقاص الوزن الزائد ، يتوجب عليك ان ان تأكل الاكل الصحيح وسيبدأ جسدك تلقائيا بخسارة الوزن كما ستنخفض درجة حرارة الجسد المصاب بالحمى أن عالجت سببها.

  • إن لم يكن الأكل الزائد هو سبب البدانة ، فما هو اذن السبب الحقيقي لهذا المرض؟

  • النظام الغذائي الذي يعتمد على تقليل نسبة الدهون وزيادة كمية الكربوهيدرات والذي نتبعه في الاربعين عام الماضية، وهو النظام المسؤول عن رفع مستويات هرمون الانسولين وبرمجة الخلايا الدهنية لتخزين السعرات الحرارية بشكل كبير، فبرأيي يعتبر الأنسولين هو المغذي الاكبر للخلايا الدهنية.

فمثلا، عند ملاحظة احد المصابين بداء السكري- النوع الأول- سنجد انه مصاب بارتفاع نسبة السكر في الدم وذلك بسبب ان جسمه لا يستطيع افراز كمية كافية من الأنسولين، وحتما سينخفض وزنه بشكل ملحوظ حتى لو تناول 5000 سعرة حرارية في اليوم الواحد، فلا يمكن لك ان تكتسب اي وزن بدون الأنسولين. والعكس صحيح، اذا زودت احد المصابين بالسكري بكمية كبيرة من الأنسولين ستلاحظ بان وزنه قد زاد، فالأنسولين يوجه الجسم بأن يحتفظ بالسعرات، وغالبا يكون هذا التخزين في الخلايا الدهنية. وعليه، ان كانت نسبة الأنسولين مرتفعة لديك ستكتسب وزنا زائدا، وهذة حقيقة مثبتة علميا.

  • كيف تتمكن من خفض نسبة الأنسولين لدى المرضى المصابين بالبدانة؟

  • أسرع طريقة لخفض نسبة الأنسولين هي تقليص كمية النشويات المعالجة في نظامهم الغذائي وتناول كميات متوازنة من البروتين والدهون، وتعتبر الحمية التي تعتمد على تناول كميات كبيرة من الدهون اسرع طريقة لتغيير عملية الأيض، فهي تخفض نسبة الأنسولين وتهدأ الخلايا الدهنية وتخرج الناس من دائرة الجوع والأكل الزائد والنهم.

  • يتشابه النظام الغذائي الذي تدعو له مع حمية اتكنز، اليس كذلك؟

  • لا فالنظامين مختلفين، حمية اتكنز مبنية على تقليل كمية النشويات بشكل كبير وهو ما يعني حرمانك من الفواكة ايضا وبقية الكربوهيدرات بطبيعة الحاال، والعديد من الناس لا يحتاجون ان يتحملوا قسوة نظام غذائي يحرمهم من النشويات، ولا اظنهم مستعدين لذلك بكل الاحوال، واذا استثنينا الافراد الذين يعانون من مشاكل مزمنة في عملية الأيض – كالمصابين بداء السكري من النوع الثاني- لا أرى ان هذة الانظمة الغذائية القاسية ضرورية.

  • حدثنا كيف يعمل هذا النظام الغذائي الذي تدعو له .

  • يتكون برنامجنا الغذائي من ثلاث مراحل، في المرحلة الأولى نوجه المشاركين بأن يتوقفوا عن تناول الكبروهيدرات المعالجة والسكر وجميع منتجات الحبوب، وسيحصل الجسم على احتياجه من الكربوهيدرات عن طريق تناول تشكيلة من الخضار غير النشوية، والفواكة والبقوليات، وبعد انقضاء اسبوعين، يبدأ المشاركون بتناول الحبوب الكاملة والبطاطس –باستثناء البيضاء- والقليل من السكر، على ان يستمر المشاركون باتباع هذا النظام حتى يستقر الوزن بمستوى جديد أقل من السابق، قد يستغرق ذلك بضعة اسابيع وقد يستمر لأشهر  عديدة بالنسبة لمن يعانون من مشاكل أكبر في الوزن.

  • ماهو موقفك من الدهون المشبعة؟

  • أعتقد اننا من خلال عملنا في مجال الصحة العامة توصلنا الى ان الدهون المشبعة ليست الخطر الأكبر على الصحة العامة، وهي ايضا ليست غذاء صحيا ضروريا، كما أن للدهون المشبعة أنواع عديدة لكل منها تأثيراته المختلفة على الجسم. والجدير بالذكر أنك عندما تقلل كمية الكبروهيدرات المعالجة التي تتناولها وينخفض تبعا لذلك مستوى الأنسولين ، يقوم جسدك بحرق الدهون المشبعة  ويتخلص منها  بشكل اسرع مما مضى.

يتوجب علينا ان نتوقف عن تصنيف الدهون المشبعة كمفيدة او ضارة بشكل قطعي، فالوجبات التي نتناولها مبنية على الأطعمة الطبيعية والتي تعتبر الدهون المشبعة احد مكوناتها، ما يجب علينا فعله اذن هو ان نحقق التوازن بين ما نتناوله وبين الدهون المشبعة الأحادية والمتعددة  كزيت الزيتون، المكسرات، الأفوكادو، وزيت بذور الكتان.

  • ختاما، ما الذي تأمل ان يستفيده القراء من هذا الكتاب؟

  • إلى ان نعالج السبب الحقيقي لزيادة الوزن – وهو تخزين السعرات الحرارية في الخلايا الدهنية – سنبقى عالقين في معركة بين عقولنا وبين عملية الأيض، معركة لن نستطيع الانتصار فيها ابدا، وعليه، فإن تقليل عدد السعرات التي نتناولها سيبقى غير مجدي لأنه لا يغير من العملية الحيوية بحد ذاتها، ولنستطيع اجراء هذا التغيير يجب علينا تغيير نوع الغذاء الذي نتناوله.

 

 

المصدر