مجلة حكمة

إلى أين يتجه العنف ؟ – ستيفن بينكر / ترجمة: بندر الحربي

Steven Pinker ستيفين بينكر إلى أين يتجه العنف؟ - ستيفن بينكر
غلاف الكتاب

ستيفن بينكر، أستاذُ علم النفس في جامعة هارفارد، متخصص في اللغويات وعلم اللغة النفسيِّ وعلوم الإدراك. من كتبه: «غريزة اللغة» (1994)، و«كيف يعمل العقل» (1997)، و«كلمات وقواعد» (1999)، و«القائمة الخالية» (2002)، و«جوهر الفكر؛ اللغة باعتبارها نافذةً للطبيعة الإنسانية» (2007)، و«روح الأسلوب» (2014). صنَّفته مجلة تايم وفورين بوليسي وبروسبكت واحدًا من أهم مئة مفكر وشخصية مؤثِّرة في العالم.

في كتابه “قرناء الخير في طبيعتنا البشرية: لماذا تناقص العنفُ؟” (2011)، تناوَل موضوع الحروب، والجرائم، والإرهاب، في تتبع لمنحى العنف التاريخيَّ وأسباب تزايده أو تناقُصه. ففي ظلِّ السيل العارم من أخبار الحروب، والجرائم، والإرهاب، يمكن أنْ يستنتج الإنسان مباشرة أننا نعيش في العصر الأكثر عنفًا على مرِّ التاريخ. ولكن هذا الكتاب، قدَّم طرحًا معاكسًا تمامًا، مدعومًا بالأدلة؛ فهو يرى أنَّ العنف في تناقُص مستمر، بل يقول إننا نعيش حاليًا في العصر الأكثر سلامًا مقارنة مع عصور التاريخ الماضية! ففي الماضي كانت الحروب، والرق، وقتل الأطفال، والاغتيالات والمذابح، والمشاجرات القاتلة، والإبادة الجماعية ملامحَ الحياة العادية في أغلب عصور التاريخ، ولكن اليوم تضاءلَتْ كلُّ هذه الأشكال من العنف. فكيف حدث هذا؟ يبحث الكتاب عن إجابة هذا السؤال، من خلال حقائق علم النفس والتاريخ، في محاولة لتبديد الأساطير الموروثة عن العنف المتأصل في النفس البشرية.



وإليك متقطفاتٌ لإحدى مراجعاتِ الكتاب:

هل التشاؤم سمة بيولوجية، مزروعة في جيناتنا عن طريق الانتقاء الطبيعيِّ، أم هي عادة مُكتَسَبة؟! أيًّا كان الأمر فإنه منتشرٌ بفظاعة هذه الأيام. تقريبًا جميع من أعرف تظهر عليه أماراتُ الكآبة، خاصة حول هذا العالم المضطرب عنفًا. قبل عام، سألتُ عشراتِ المتحدثين في محفَل دوليٍّ ما إذا كانت الدول سوف تتوقف عن تسوية خلافاتها بالحرب أو التهديد بالحرب؟ فكانوا يبتسمون بتكلف؛ تعبيرًا عن سخافة السؤال، وكانت الإجابة دائمًا بـ(لا)!

حذَّر الكاتبُ والناشط بيل ميكبين في كتابه (الأرض) من أنَّ الاحتباس الحراري قد يدفع بالعالم إلى معارك مالتوسية [نسبة للاقتصاديِّ توماس مالتوس، الذي تناوَل العلاقة بين الضغط السكانيِّ والصراعات] حول المياه وغيرها من الموارد. هذا التشاؤم مفهوم. إنَّ وسائل الإعلام لاتزال ترعبنا كلَّ يوم بمجازر جديدة، من التفجيرات الانتحارية، إلى القمع الوحشيِّ للاحتجاجاتِ المناهضة للحكومة في سوريا. ووفقًا لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام، فإنه في عام 2011، قتلت الصراعاتُ المسلحة الآف الأشخاص، وعصفت بـ 15 منطقة في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، والأميركتين، مع عدم احتساب مَن سقط خلال الثورات العربية.

ولكن صدِّق أو لا تصدِّق! يقول أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد ستيفن بينكر في كتابه الجديد “قرناء الخير في طبيعتنا البشرية”: “قد يكون هذا العصر الأكثر سلامًا في تاريخنا البشري!”.

لقد أكد بينكر أننا لسنا عبيدًا لجيناتنا، بل يمكننا التغلب على أسوأ الدوافع لدينا، لأننا نمتلك ميولا أخرى نحو التعاطف والإيثار، ولأننا قادرون على فهم وتحسين الذات. ويتوسع بينكر في تتبعه التاريخي للعنف. نطاق كتابه واسع؛ فقد جمع بيانات ضخمة، واستخرج معلومات من عدد هائل من المصادر، عن أعداد كبيرة من الصراعات والقسوة البشرية، بدءًا من الحروب الدولية والإبادة الجماعية والتعذيب والاغتصاب، وقتل الأطفال، وانتهاءً بالإساءة للحيوانات. يدلل بينكر على أنها جميعًا تسير في المنحنى التاريخي في نفس الاتجاه: نحو التناقص!

إنَّ معدلات جرائم القتل الحديثة في أوروبا – والتي تعدُّ واحدةً من المناطق القليلة التي يوجد بها سجلات يمكن الوثوق بها – هي أقل بـ 10 إلى 50 مرة مما كانت عليه في العصور الوسطى. وتراجعت معدلات جرائم القتل بمعدل مائة مرة مما كانت عليه في شمال شرق الولايات المتحدة بين 1625 و1900. وقد شهدت القرون القليلة الماضية أيضًا تناقصا كبيرا في أعمال العنف من جانب الدول، ومنها العقاب البدنيَّ (من قطع الأعضاء إلى جلْد الطلاب) وعقوبة الإعدام، خصوصًا مع التعذيب (الجرّ وتقطيع الأوصال، والحرق، والصَّلب)، العبودية والاستبداد (الذي يسمح الطغاة بالقتل والتعذيب لمجرد المتعة) التي كانت حتى قبل 800 سنة. أمَّا بالنسبة للحرب، فيقدم بينكر دليلًا على أنه قُتل في المتوسط نحو 20 في المئة من سكان العالم في مجتمعات ما قَبل الدولة في العالميْن؛ القديم والجديد؛ وهو ما يفوق عددَ ضحايا الدول الحديثة التي مزَّقتها الحرب.

ويلاحظ أنَّ العنف خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية قد اتسم بنوع من التذبذب، فشهد العالم ارتفاع وتيرة العنف والدمار، ولاسيما في الأخيرة التي كانت أكثر صراعات التاريخ ضحايا، من حيث الأرقام. لكن بينكر ينفي أنَّ هذه النزاعات الفظيعة – مثل مجازر الإبادة الجماعية على يد ستالين، هتلر، ماو، وغيرهم من الطغاة الذين ارتكبوا الفظائع ضد أبناء جلدتهم- قضت على الأمل في أنْ تصبح البشرية أكثر تحضرًا!؛ فمنذ الحرب العالمية الثانية، لم تشن القوى الكبرى في العالم أيَّ حرب ضد بعضها البعض، وبدأ المؤرخون بتسمية هذه الفترة بفترة السلام الطويلة. منذ انتهاء الحرب الباردة، اتخذت الصراعات شكلًا أصغر، بما في ذلك الحروب الأهلية وحركات التمرد والإبادة الجماعية، وكان الإرهاب أقلَّ الأحداث الدامية من حيث عدد الضحايا. أيضًا، يدعو بينكر هذه الفترة التي استمرت عقدين بالسلام الجديد. وقد انخفض عدد ضحايا الحرب على مدى السنوات الستين الماضية بأكثر من عشر مرات، من حوالي 500.000 إلى 30.000 سنويًّا، وفقا لأحد التقديرات. أما فيما يتعلق بالإرهاب، ففرصة تعرضك للموت نتيجة ضربة برق صاعقة، أكثر من احتمال أنْ يقتلك إرهابيٌّ!

يعزو بينكر تراجُع العنف إلى العديد من العوامل المترابطة، والتي قد تبدو مألوفة. يأتي في مقدمتها ظهور الدولة الحديثة، التي تواجه العنف، وتفصل في المنازعات عن طريق الشرطة والمحاكم. الأكثر من ذلك، من النادر أنْ تحارب المجتمعات الديمقراطية بعضها البعض. على مدى القرن الماضي ازداد عدد الناس الذين يعيشون في ظل أنظمة ديمقراطية من 12 إلى أكثر من 60 في المئة. ولعب تمكين النساء في الحياة العامة دورًا مُهمًّا، فعندما حصلت النساء على إمكانية تحديد النسل انحسر العنف مع الحد من النمو السكاني. وكذلك تنامي التجارة الدولية، الأمر الذي يجعل الدول تعتمد بشكل متزايد على بعضها البعض، أيضًا. بالإضافة إلى وسائل الإعلام، وانتشار التعليم، الذي يعزز التعاطف مع الآخرين خارج إطار الأسرة والقبيلة، والدولة، والأمة، بل حتى الأجناس.