مجلة حكمة
وفاة اليسار الإسلامي في إيران: كيف آذت الانتخابات الاصلاحيين؟

وفاة اليسار الإسلامي في إيران: كيف آذت الانتخابات الاصلاحيين؟

راي تقيه، الكاتب الأول لمقالة "وفاة اليسار الإسلامي في إيران: كيف آذت الانتخابات الاصلاحيين؟"
راي تقيه، الكاتب الأول لمقالة “وفاة اليسار الإسلامي في إيران: كيف آذت الانتخابات الاصلاحيين؟”

ترجمة: أحمد الأحمري


الديمقراطية في الجمهورية الإسلامية مؤسسة غريبة، صممت لتعزيز شرعية النظام الديني -الثيوقراطي-. فهيئات التدقيق المختلفة -والتي يسيطر عليها في نهاية المطاف رجال الدين- تلغي بشكل روتيني التشريع البرلماني.

مجلس الشورى -أي البرلمان الإيراني- ومنذ فترة طويلة كان مجرد صدى وترداد لصوت النخبة الحاكمة، ومتنفس ومهرب للمعارضةالموالية للنظام .

الغريب والخطير في “الديموقراطية الموجهة” في دولة إيران الثيوقراطية أنه يتم تضخيمها وتهويلها بالانتخابات الرئاسية -كالتي جرت مؤخرا- وأيضا عن طريق الاعلام الايراني.

فالصحف الإيرانية تكتب عن الحملات الانتخابية والخلافات بين النخب السياسية الإيرانية كما لو أنها منافسات اليسار واليمين في الغرب.

فالرئيس حسن روحاني وأنصاره نصبوا أنفسهم كمرشحي الأمل والتغيير ووفقا لذلك استخدمت وسائل الإعلام الغربية نفس المفردات، وفي الحقيقة أن انتخابات عام 2016 كان فيها إشارة إلى تغيير بارز ، ولكن ليس كما تظن الصحافة الغربية أو كما يدور فيخلدها.

بل بدلًا من ذلك، وضعت هذه الانتخابات حدًا لحركة الإصلاح المفعمة بالحيوية، وأعلنت وفاة “اليسار الإسلامي”، الذي أنتج جميع الإصلاحيين في إيران تقريبًا.

 اليسار الإسلامي

المعارضة المواليةللنظام

في وقت مبكر من عام ١٩٩٠ميلادي، وفي أعقاب الحرب بين إيران والعراق، قامت مجموعة منتقاة من السياسيين الإيرانيين وعلماء الدين بتخيل وإعادة النظر في دور الشعب في الحكومة الإسلامية.

 وكان ركن أساسيا من عقيدتهم أن تفسير النصوص المقدسة يجب أن يتكيف مع الظروف المتغيرة للإنسان .

وبالنسبة لهم، كانت المؤسسات المنتخبة مصدر مهما للنفوذ والسلطة وأكثر أهمية من المكاتب المعينة والتي تستمد سلطتها ونفوذها من الدين.

هؤلاء الإصلاحيون، والذين كانوا جميعًا موالين للثورة الإسلامية، كانت لديهم القناعة بأن فرض القيود الدينية بشكل قسري وازدراء وتسفيه الديمقراطية سوف يؤديان قطعا لإضعاف الإيمان وغيره من الأسس التي تقوم عليها الدولة.

وعلى عكس المتشددين، كانت لدى الإصلاحيين ثقة كبيرة في قدرة الشعب على أن يحافظ على الشكل والسمة الدينية للدولة وكذلك الممارسة الديموقراطية.

كان للحركة لحظاتها الناجحة ، ففي عام١٩٩٠ميلادي، استطاعت السيطرة على كل من رئاسة الجمهورية والبرلمان، ولكن الأجهزة الأمنية للجمهورية الإسلامية -المتحالفة بشكل وثيق مع المرشد الأعلى علي خامنئي ومع الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني وهو الأب والمرشد الروحي لروحاني – عادت بقوة في وقت مبكر من بداية الألفية الجديدة ، حيث كانت مسؤولة عن سلسلة من المضايقات والسجن والتعذيب والقتل، ونتيجة لذلك استطاعت استعادة السيطرة على الحكومة.

ولكن الاصلاحيين مع ذلك، ظلوا على تحديهم، ودعوا إلى مقاطعة الانتخابات، وتحملوا سني الاعتقال الطويلة، و قادوا حملة اتهام ضد النظام في صيف عام 2009 بتزوير الانتخابات الرئاسية وعدم شفافيتها ، وحينها كان المرشد الأعلى علي خامنئي ومساعديه في الحرس الثوري الإيراني، يملكون السلطة، ولكن كان الإصلاحيون يملكون في أيديهم شرعية النظام.

ولإنتزاع هذه الشرعية منهم، قام المتشددون بإجراء محاكمات صورية ونسجوا المؤامرات المعقدة حول كيفية تخطيط الإصلاحيين مع أجهزة الاستخبارات الغربية لتقويض الجمهورية الإسلامية، وتحت حملة التشهير هذه كان يكمن الخوف؛ حيث أدرك الملالي بأنهم يفتقرون للتفويض الشعبي اللازم للحكم، ولكي يسحق النظام روح المقاومة، كان يجب عليه أن يحوّل الإصلاحيين من معارضين إلى متعاونين وهذا عين ما حدث في الانتخابات الأخيرة.

 

رورل مارك غيرتش، الكاتب الثاني لمقالة "وفاة اليسار الإسلامي في إيران: كيف آذت الانتخابات الاصلاحيين؟"
رورل مارك غيرتش، الكاتب الثاني لمقالة “وفاة اليسار الإسلامي في إيران: كيف آذت الانتخابات الاصلاحيين؟”

الخاسرون والرابحون

بدأت الدورة الانتخابية الأخيرة بمنع عدد كبير الإصلاحيين والسياسيين المستقلين، و شنت الصحافة اليمينية حربا إعلامية شعواء اتهمت من خلالها الإصلاحيين بأنهم عملاء للغرب، وتم التنديد بالحركة الخضراء المؤيدة للديمقراطية واعتبارها صناعة شريرة وشيطانية من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.

الفارق الرئيسي في هذه المرة أنه بدلًا من مقاطعة هذه الانتخابات المزورة، توسّل الإصلاحيون للمشاركة بها، وظهر قيادي حركة الإصلاح اليوم، الشخصية الكوميدية محمد رضا عارف، وهو يحمل بيده قائمة مرشحيه على شاشات التلفزيون، ويتوسّل السلطة بأن يكون هناك تواجد شكلي للإصلاحيين في هذه الانتخابات التي لم يكن فيها مطالبات بإطلاق سراح السجناء السياسيين أو تحقيق الشفافية والمصداقية الانتخابية، بل إن الاصلاحيين العمالقة أمثال عبد الله نوري-الذي واجه ذات مرة المحققين على شاشات التلفزيون ودفع ثمنًا مريرًا في المعتقل- تم تحجيمهم ليقوموا بدعوة الجمهور للمشاركة الانتخابية التي كانوا مستبعدون منها إلى حد كبير.

لا أحد يستطيع أن يحدد على وجه الدقة كم عدد الإيرانيين الذين صوتوا في الانتخابات على أرض الواقع؛ فتقارير النظام تقول بأن معدل المشاركة بلغ 62%، وأسفرت النتيجة النهائية عن برلمان منقسم بين المتشددين المحافظين وبعض الإصلاحيين، كما أحدث ذلك إنزياح وتحول في الطيف السياسي في الجمهورية الإسلامية لجهة اليمين المحافظ، لدرجة أن أمثال، رئيس البرلمان المتشدد علي لاريجاني،أصبح  ينظر إليهم اليوم كمحافظين معقولين.

المنتصر الحقيقي في هذه الانتخابات كان روحاني، الذي لم يكن يمكن له بأن يعتبر إصلاحي خلال العقود الماضية في الجمهورية الاسلامية فضلا عن أن يقدم صورة للاعتدال ؛وأدت هذه الانتخابات بالإضافة الى صورة الاعتدال التي يقدمها روحاني الى تسهيل الاستثمار الدولي.

فالمستثمرين الأجانب لم يعد عليهم أن يعترفوا بعد اليوم بأنهم يستثمرون في دولة ثيوقراطية ومحافظة على نحو متزايد، بل بدلًا من ذلك، صار يُنظر لهم على أنهم يساعدون “المعتدلين” على حساب المتشددين.

المفارقة هنا تكمن في أن زوال حركة الإصلاح قد يؤدي الى سقوط الجمهورية الإسلامية؛ فالنظام انقسم على نفسه كثيرا كالإسلاميون الذين تأثروا بالماركسية وعلم الاجتماع اليساري والذين تحولوا إلى المعارضة المقبولة والتي يستطيع النظام تحملها والتعامل معها.

وطالما أنه بقي هناك فصيل إصلاحي حيوي يساري متواجد في خلفية المشهد، فالأمل سيظل حيا بين الجماهير بأن النظام الإيراني قد يتحرر من خلال الإجراءات الدستورية التي وضعها بنفسه.

في يوم من الأيام سيكون للانتخابات قيمة وأهمية وسيأتي في السلطة يوما ما رجل جرىء ملتزم بالتغيير الحقيقي أما الان فالإصلاحيون ليسوا سوى حيوانات أليفة تقتات على فتات المتشددين.

إيران اليوم وصلت إلى طريق مسدود، فاقتصادها وصل إلى مرحلة لا يمكن معها إصلاحه، والنظام السياسي لم يعد من الممكن تحريره، كما أن الشعب الإيراني لم يعد من الممكن استرضاؤه وإسكاته ولم يعد الآن لدى النظام صمامات أمان لتنفيس وتفريغ الضغط الحاصل، وليس هناك طريق نحو تحقيق المساءلة السياسية.

وبذلك وفي مناسبة أخرى، لربما سيستثير أمر ما شرارة حركة احتجاج أخرى، ولن يكون اليسار الإسلامي حينها متواجدًا للدفاع عن النظام، مما يضطر نظام الملالي لاستخدام القوة المفرطة مرة أخرى، ولكن كما أظهر الربيع العربي وجميع ما تلاه من أحداث ، أن القوة المفرطة ليست كافية لسحق ثوران الشعوب وغضبتهم .

 

 

المصدر