مجلة حكمة
هل الترجمة ممدّنة؟

هل الترجمة ممدّنة؟ وظائف الترجمة ودرجات التمدن – جون جيمار / ترجمة: لحسن الكيري

هل الترجمة ممدّنة؟ إهداء المترجم: هذه الترجمة أهديها إلى الكل… باستثناء الجزء.


            أودّ، في الحال أن أطمئن هؤلاء الذين وهم لا يعرفونني، قد يفكرون على أنه تساورني بعض الشكوك فيما يخص الطابع “التمديني” للترجمة. فباقتراحي لهذا العنوان البعيد عن كل استفزاز، أريد القول من هناك إنه سواء في الترجمة أو في ميدان آخر لا يوجد أي شيء ثابت ومقرر، بحيث تجب إعادة النظر، بانتظام، في كل شيء، وفي بعض الأحيان يلزم تحريك الخمود الذي يركن فيه التفكير، على جميع المستويات: المستوى المهني (ممارسة المهنة)، المنهجي (تدريس الترجمة) والنظري (البحث في الترجمة). لقد استلهمت هذا العنوان من ملاحظة لـفرنسوا شاتلي، المؤرِّخ الفلسفي، فيما يخص المعلوماتية، حيث دحض فيها أفضالها التمدينية (1) .

   إذا انطلقنا من تأكيد كون الترجمة ممدّنة، وهذا ما لن يشكك أحد فيه هاهنا، على الأقل على المستوى الكمي، فمع ذلك، يمكننا أن نتساءل حول جودة المدنية التي ستؤدي إليها إذا ما نجحت تقريبا. فعلا، إذا كانت الترجمة “خيانة ” يمكن أن نقول عنها إنها ممدنة بنفس الدرجة كما هو الحال مع الترجمة”الأمينة” التي تحترم الحرف مثل مقصد مؤلف النص ؟ وفيما يختص بهذه الأخيرة، أيمكن للمرء أن يقبل، بدون أدنى تردد، كونها نداء ممدّناً لأنها تعد أمينة ؟. لا أزعم تقديم جواب نهائي على هذه الأسئلة الكبرى التي تتجاوز نطاق عرضي وتتطلب إنجاز العديد من رسائل الدكتوراه، فقط، من أجل الإحاطة بمفهوم من قبيل الأمانة في الترجمة، مثلا. سأكتفي بتبيان الدور السامي الذي لعبته الترجمة في تطور الإنسانية، والذي تعرفونه محاولا، أكثر تحديدا، توضيح سبب عدم نجاح المترجم إلا جزئيا، رغم جهوده، ودون أن يكون مذنبا، ثم فيم يتجلى كون الحضارة والثقافة، تقريبا، مسألة وظائف كما درجات للتطور.

I – دور الترجمة في تطور البشرية  

     من بين الوظائف التي تم إقرارها للترجمة، تقليديا، هناك وظيفة أولى هي تلك المتعلقة “بالتواصل”. إن الترجمة وسيلة نقل استثنائية للمعلومة والمعرفة والعلم، وذلك منذ الأزمنة الغابرة (2). فعبر سماحها لشخص ما باكتشاف الأعمال والإنجازات البشرية المفكر فيها والمكتوبة في لغة أجنبية، والتي تفصلنا عنها آلاف السنين، مفسحة المجال أمام الولوج إلى حضارات وثقافات الماضي – البعيد أو القريب – أو الزمن الحاضر، تكون الترجمة قد ساهمت، وبقوة، في تطور الإنسانية على ثلاث مستويات: الأفكار الرائجة داخل كل تجمع بشري، تنظيم المجتمعات واقتصادها.

     سوف أوافيكم بقائمة الإنجازات، التي لا تحصى ولا تعد، والتي قام بها المترجمون عبر العصور. أحيلكم على الأعمال العديدة التي نشرها مؤرخو الترجمة حول هذا الموضوع، مثلا على صفحات مجلة:  “Meta”  نفسها (3). إننا نعرف جميعا ما ندين به لمترجمي أعمال الفلاسفة الأوائل والشعراء ورجالات القانون والرياضيين والعقول الأخرى الكبيرة في زمانها. لقد تغذينا منها. بيد أنه كم من أجيال قبل جيلنا استفادت منها، جاعلة إيانا، هكذا،  نستفيد من ثمرة تفكيرها والتي اغتنينا بها كل الاغتناء؟

   سوف لن نفي حق الإيفاء بالدين الفكري الذي ندين به ل: “المترجم المجهول ” الذي نرتبط به بواسطة الخيط اللامرئي ولكن الصلب للفكر الخلاق المنقول بواسطة العديد من حلقات سلسلة الأجيال[2]. إن عمله المتواضع والباهت بالقياس إلى عمل بناة الإمبراطوريات وكبار الزعماء، ليس بأقل أهمية. بل أستطيع القول إن عمله أعظم من عملهم مادامت الحضارات فانية والإمبراطوريات وأنماط العيش سريعة الزوال، في حين أن الترجمة، تبقى، ونتمنى ذلك، وستبقى إلى آخر الأزمان.

   سوف أقتصر على أخذ بعض الأمثلة المستمدة، من بين أخرى، من كتاب النهضة الكبير، وهو عصر (النهضة ) حيث اشتهر، المترجم، بصفة خاصة، على الأقل فيما يخص المستويين الفكري واللغوي، ومارست الترجمة تأثيرا بقوة وفرادة قل نظيرهما، وبإيجاز : غزيرتين.

   – ترجمة الإنتاج الفكري

      تعود أول ترجمة أدبية من لغة إلى أخرى إلى 250 سنة قبل الميلاد، وذلك عندما ترجم الشاعر لِڤيوس أندرنيكوس إلى اللغة اللاتينية “الأوديسة” لهومر(4). أما الباقية فتنتمي إلى التاريخ و الأساطير وإلى الملاحم مثل الترجمة السبعينية التي قام بها 72 حبرا للتوراة من العبرية إلى اليونانية، في نفس العصر على وجه التقريب. إن غالبية الأفكار العظمى الرائجة في الغرب، في اللغات الرئيسة للحضارة، قد وصلت إليها عبر قناة الترجمة، من أفلاطون وأرسطو إلى هيجل، من ديموستين وشيشرون إلى ماركس ويانغ، من أبيقور وغاليلي إلى فرويد ومن أوقليدس إلى إنشتاين.

     يمكن أن نطبق على غالبية الإنتاجات الفكرية هذه الملاحظة التي تعود إلى نيكول زاند، والذي بالنسبة إليه، ” من الواضح أنه، بدون مترجمين، لا يوجد أدب أجنبي، ولا تيار من أجل إخصاب العبقرية الفرنسية” (5). ويؤكد ريمي دو ݣورمون، من جانبه أنه “في الحقيقة أن الأدب الفرنسي لم يكن ليصبح ذا حيوية إلاّ لأنه تجدد بثبات، ولم يتجدد أبدا إلا تحت الرياح القادمة من الخارج، غالبا من بعيد جدا ” (6). إذا كان النشاط الترجمي، منذ بداية عهد الترجمة، قد اقتضى بصفة رئيسة، على الترجمة في اللغة المحلية للنصوص الإغريقية واللاتينية، فإنه لم يتأخر، أبدا، في المرور إلى اللغات الدارجة ليستفيد كل شعب من الثُروات المقدمة من طرف لغات الآخرين: وهكذا فقد استفاد الروس من إضافة اللغة الألمانية، والألمان والإنجليز من مساهمة اللغة الفرنسية، الخ. لا لغة ولا أدب يمكنهما الاكتفاء بالذات. فعبر الاحتكاك بالفكر الذي يتمخض تحت سماوات أخر، ينتفض العقل بصورة غريزية، فإما أن ينفتح على هذا الفكر ويتغذى منه، وهذا لا يمكن أن يكون إلا انعكاس منافسة أو محاكاة، وإما أن ينغلق على نفسه كانعكاس للدفاع عن الذات من أجل الاحتماء منه. إن فكراً أصيلا إذا حدث وتم تبليغه، مهما كانت اللغة التي تعبر عنه، فهو عموما منشط قوي بالنسبة لذاك الذي يكتشفه، فينتج عن ذلك فكر أصيل آخر وهكذا دوالك. إن التأثير المضاعف للترجمة لا يحتاج إلى أن يبرهن عليه. نجمل القول فنقول إن وظيفة الترجمة تكمن في الربط بين ثقافات أجنبية الواحدة مع الأخرى وإعداد أرضية لجوهر ثالث، لعالم فكري جديد (7).

   – الترجمة وإغناء الألسن

     علاوة على تطوير الفكر والتقنيات وإغناء الثقافات بواسطة أدب تربوي في اللغات الدّارجة أثرت الترجمة بشكل كبير جدا، في درس التطور اللغوي. وهذا غني، تقريبا، عن كل كلام. إن المترجم يغني لغته بكلمات جديدة وبصور وصيغ والتي ما كانت لتتأتى له، بالطبيعة، أو ما كان ليفكر فيها إن لم يدخل في احتكاك مع النص الأجنبي[3]. فاللغات التي بدأنا بالترجمة نحوها من اليونانية واللاتينية كانت أقل غنىً، بكثير، من لغات الانطلاق، لأن الأمر كان يتعلق بلهجات محكية، بالأساس، ومفتقدة، تقريبا، للتقليد الكتابي، وبالتالي للإنتاج الفكري. بالمقارنة، فإن اللغات المرجعية، التي ننعتها بالكلاسيكية قد أخصبت اللغات الدارجة عن طريق العديد من الاقتراضات التي اغترفها المترجمون من قبيل نيكول أوريزم، مثلا، الذي عهد إليه شارل الخامس بترجمة المقالات الثلاث لأرسطو. وعبر قيامه بذلك، يكون قد أدخل إلى الفرنسية كلمات مثل ” أرستقراطية “، ” استعارة” و ” سفسطائي ” والتي كانت عامل إغناء، فيما بعد. نحن نعرف مقدار ما ندين به له، فيما يخص سواء اللغات الرومانية أو اللغات الأخرى من قبيل الإنجليزية والألمانية. ويتمظهر هذا عبر الثروة المعجمية الكبيرة التي تمخضت عن طريق الاقتراضات واستعارة التعابير والكلمات الإغريقية واللاتينية. إن هذا الموقف المتخذ من طرف المترجم مستساغ: ليس له خيار آخر سوى أن يصطنع المصطلحات العلمية والفلسفية والطبية أو القانونية غير الموجودة. في لغة الوصول. و من هنا انبثقت الألفاظ المولدة التي ظهرت بكيفية حادة في غالبية اللغات الدارجة في القرنين الرابع عشر و الخامس عشر. بالإضافة  إلى المعايير اللاتينية العديدة التي لم يتوان  الإنسيون أبدا في شجبها. فلم تسلم من ذلك أي لغة إن رومانية أم جرمانية كانت. غير أنه، تدريجيا، وتحت تأثير شخصيات  مختلفة،  مثل الإيطالي دانتي خلال القرن الثالث عشر في إيطاليا، ولوثر في ألمانيا وسبينسر في إنجلترا وجماعة الكوكبة (الثريا) في فرنسا، خلال القرن السادس عشر، أزاحت الإنسية “الدارجة”، حقا، اللغة اللاتينية.

    نستحضر بصدد هذا الموضوع مجاهرة سبينسر برأيه الديني عندما يقول :  

I love Rome but London better. I favour Italie. But England more.I honor the Latin; but I worship English”.[4]

ومن منا لم يحفظ عن ظهر قلب أبيات الشوق (8) و الحنين التي تعود لدي بلاي و هو يبكي بلدته الصغيرة العريقة (ليري)؟

   إن هذا التطور وهذا التجذر للغات المحلية إزّاء اللغتين اليونانية و اللاتينية ندين به، جزئيا، إلى الجهد الصابر للمترجم. فهذا الذي ساهم بقوة، في النهوض بوضع حالة لغات الوصول، مرتقيا بها، بالتدريج، إلى مستوى النموذج الكلاسيكي الذي يحتذى به، قبل أن يجعلها تجابه، نهائيا، العائق الذي كانت تمثله اللغات الأجنبية المنظور إليها على أنها راقية مادامت تحمل حضارة مرجعية عظيمة، دافعا بها إلى حداثة النهضة.

     إذا كان الفكر، كما ذهب إلى ذلك بياجي[5]، سابقا على اللغة وإذا كانت ” هذه تقتصر على تحويله بصورة عميقة مساعدة إياه على أن يتخذ أشكاله ” التوازنية ” (9)، فإن المترجم،عبر تأثيره في هذا وتلك، قد لعب دورا لا يمكن إهماله في آلية الوظيفة الرمزية. إن هذه الوظيفة الممدّنة للترجمة تقوم على حسابه. بيد أنه، مهما كانت هذه الوظيفة شريفة وخصبة، لا يجب أن تحجب عنا إخفاق ومحدودية النشاط الترجمي، وهذا ما سأخوض في الكلام عنه الآن.

– II سعادة وتعاسة الترجمة[6]

    سوف أنطلق من ملاحظة لأجيج[7] حول الترجمة لأنها تحتوي في صميمها المشاكل الأساسية التي يطرحها إنجازها:

“إن هؤلاء الذين يريدون سلب الترجمة أية قيمة، تحت ذريعة أننا نترجم دائما بطريقة بائسة، يجب عليهم رغم ذلك، القبول بأن أي نص في أي لغة ما […..] هو، جزئيا أو كليا، قابل للترجمة إلى نص في لغة أخرى ” (10). إن ما يزعجني داخل هذه الملاحظة، ليس التأكيد على أن تكون الترجمة ممكنة، وهذا ما نقتنع به كلنا، وإنما تلك التحفظات التي تعبر عنها: إننا نترجم دائما ببؤس، تقريبا، (أو تماما). فلتقروا بأن هناك سببا ما يجعل المرء حائرا و حتى غير مطمئن!، بل مصدقا للانتقادات الحادة وللتهكمات العديدة التي نتحامل بها على المترجم دائما، بحيث يبدو لنا أنه لا يسيطر على فنه حقا أو مجموع مهاراته حسب ما تذهب إليه الآراء. والحال أن،” الأمر المدهش هو أنه حتى بصورة جزئية  أو تقريبية جدا، يمكننا أن نترجم دائما (11). فإذا كان التطابق البيلساني (بين الألسن) غير حاصل، من الناحية النظرية، على الأقل، في الوضع الراهن للعلم، يبقى في غياب الأفضل، وفي أحسن الأحوال، أمر معروف جدا هو “التعادل ” سواء أكان ديناميا، وظيفيا، شكليا[8]، أو ماذا أدري؟

     إنه في إنجاز نص الوصول (المترجم) حيث تكمن نقطة الضعف. فمهما كانت طريقة الترجمة التي ينتهجها المترجم – حرفية أو كلمة بكلمة : ترجمة الحرف، المعنوية أو الترجمة الحرة التي لا تعير الاهتمام لا للنص ولا لمؤلفه –  فإن نص الوصول (المنتوج النهائي) سيكون موضوعا للنقد حسب إيديولوجية الشخص الذي يطلق حكم قيمة عليه. فالمترجم هو ضحية المشاعر والرّغائب والضغائن أو الإحباطات التي يغذيها الناس حول إنتاج الآخرين. ذلك أن الروح النقدية هي واحدة من الأمور الأكثر إشاعة في العالم .

   سأتحاشى، مرة أخرى، أن أفتح “فهرس الشنائع” التي يتم إلصاقها بالمترجمين. فلنقل إنه قبل ظهور التدريس النظامي للترجمة منذ حوالي بضع عقود، كان المترجم، في غالب الأحيان، هو الآخر محط تشهير. ومنذ ظهور مدرسي ومنظري الترجمة، على وجه الخصوص، لم يعد المترجم هو الوحيد الذي يعاني المتاعب والويلات في المقام الأول. ذلك أن القائمين على النشاط الترجمي كلهم متهمون، وإن بدرجات متفاوتة. إن المترجم كواحد من الذين يقومون بوظائف الترجمة الثلاث – التنظير، التدريس، الممارسة – يمكنه، في معظم الأحوال، أن يستفيد، رغم ذلك من ظروف التخفيف. سأوضح ذلك.

 – المترجم و ثقل التاريخ

      سأبدأ بتفحص حالة المترجم، الأكثر سهولة، و لربما الأكثر بساطة من بين تلك الحالات الثلاث. إننا ندين له، كما رأينا ذلك، ببعض من أروع نجاحات الحضارة. ندين له كذلك بالإحباطات الصارخة ( الفشل) في غالبية اللغات والثقافات التي نعرف. فدون أن نذهب بعيدا حتى مشاطرة وجهة نظر الكندي لويس ألبير بونواس، الذي أدان سنة  1922″عمل الترجمة المشؤوم” (12)- لكن سياق ذاك الحين كان يقبل ذلك- يمكننا، على العكس، أن نتساءل حول ” جودة ” الحضارة التي تبنى و تشيد عن طريق المعنى المضاد والمعنى الزائف والأخطاء وغيرها من الشنائع من هذا القبيل.

      بكلام آخر، هل تؤثر أمانة[9] ترجمة ما في نجاحها، إذا كان أمر الاتفاق حول مدلول هذا المصطلح ممكنا؟  إننا نعرف جميعا نموذج الترجمات التي أنجزها كل من بودلير ومالارمي لعمل إدغار ألان بول: إنها طافحة بالأخطاء. لكن نصوص بودلير، مثلا، هل، حتى من أجل هذا، لقيت نجاحا أقل؟ إن النجاح المتواصل الذي عرفته ترجماته منذ ذلك الحين، والتي شهرت بُّو عند الفرنسيين وكرست شهرته عبر العالم ( وهي لازالت تدهش النقاد الأمريكيين) ليبدو أنها تبين العكس.

   هناك مثال آخر ذكره كاري متصديا للنجاح الذي لقيته النسخة الفرنسية ل: هامليت؛ الفيلم المصور باللغة الإنجليزية، بمشاركة  لورنس أوليفيي في الدور الرئيس الذي نال رضى الجميع رغم بعض الهفوات التقنية، و على وجه الخصوص تلك المتعلقة بإهمال أحد التزامنات الصوتية (13).

   في الواقع، منذ ” الجميلات الخائنات” والخصومات بين القدماء والمحدثين تنبعث في كل حين، حتى في أيامنا هذه، أيضا، بينما غالبية الناس لا تناقش جودة ترجمة ما، خاصة، في المجال الأدبي وتضع الثقة في المترجم. إن هذا دور النقود الأدبية و الجامعيين فيما نعتقد، أي مقارنة النص المترجم بالنص الأصلي. والحالة هذه، فإن كل ترجمة جديدة لعمل معين، سواء أتعلق الأمر بالترجمة الإنجليزية لرائعة بروست الموسومة بعنوان – بحثا عن الزمن الضائع– والتي أثارت، لوحدها زوبعة حقيقية أو ترجمة “المحاكمة” لكافكا من طرف لورتولاري والذي يتهم ألكسندر ڤيلات، أول وأكبر مترجم لهذا العمل، لكونه قد خان المؤلف، بحيث لم ينقل الدعابة المتميزة لكافكا أو الترجمة الشاعرية للتوراة بعد 50 سنة من طرف أنجري شوراقي التي بالغ في إطرائها البعض وحقرها البعض الآخر.

     كي أختم هذا الفصل أذكر بعجالة، الجدل الذي أحاط بترجمة أعمال فرويد[10] ومصطلحيتها الفريدة، السخط الحقيقي أو المصطنع لميلان كونديرا وهو يتهم مترجمي رواياته الأولى بتحريف نبرتها، كلية، غير معبرين عن روح الدعابة التي، كما يؤكد، تطبع أعماله. إن هذه النادرة ليست بدون أهمية: فكونديرا يخال، خطأ أو صوابا، أن مترجميه جعلوه يشتهر ككاتب حزين وممل، في حين أن رواياته كانت، على العكس، فظة ومرحة.

    إن هذه الانتقادات الموجهة لعمل المترجم لا تستهدف اللغة الفرنسية فقط. فهناك انتقادات أخرى، وما أكثرها، تستهدف اللغات الإنجليزية والألمانية والإسبانية أو الإيطالية. إن هذا الشّر كونيّ. غير أنه فيما يتعلق بالفرنسية يمكن أن نستكشف، بسهولة، أسبابه. لقد سبق وأن استحضرت أعلاه “الجميلات الخائنات”. فهذا التقليد، بكل تأكيد، فرنسي. لقد رده أنطوان برمان أصله إلى الوراء حتى وقف عند دي بلاي الذي يعرض في كتابه:” دفاعا عن اللغة الفرنسية و إبانتها [11]1549، بعض المبادئ الخاصة بالترجمة و التي حبست أجيالا من المترجمين في إطار ثقافي متمركز عرقيا والذي لا يزال يلقي ببعض ظلاله، حتى اليوم، أيضا (14).

    سوف أقدم لكم مثالا أخيرا موضحا جدا للمزاج الذي تأطرت فيه، ردحا من الزمن، الترجمة الفرنسية. ومَن لم يشاهد الفيلم المقتبس من الرواية الشعبية المشهورة لمارغريت ميتشل[12]، والذي ترجم إلى الفرنسية تحت عنوان :    Autant en emporte le vent ?  نستحضر ذلك المشهد المأساوي الذي يخص القطيعة بين ريت باتلر و سكارليت، في أسفل الدرج الكبير، وهي تحاول أن تستدر شفقته بطريقة أنانية حول مصيرها، وبأقل عدد من الحجج، تتوسل إليه كي لا يهجرها.  وعندها يرسل لها هذا الجواب اللاذع:” بكل صراحة عزيزتي، إنه لأضعف همٍّ عندي”، فهذه الجملة تترجم بالإنجليزية ب: ” Frankly, my dear, I don’t give a bann!  “.

    أذكركم بأن هذه الرواية قد ظهرت سنة 1936، لكنها تعالج حدثا في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية إبَّان حرب الانفصال حوالي 1860 ونيف. فبالنسبة لإنسان مؤدب، فإن هذا الرجل قد غامر مع ريت، لأن جوابا سريعا كهذا فيه ما فيه من البذاءة، خاصة في الجنوب حيث العادات واللغة مهذبة ولكن النبرة مكشوفة، إنها تنم عن حنق الرجل الذي طالما خدعته سكارليت المتقلبة الأطوار وعن سخريته ذات السذاجة الزائفة أمام مناورتها الخائنة.

     إن المترجم لم يفلح في الفطنة إلى هذا، لأنه كان عليه، وبدون شك، أن يجعل الجمهور الفرنسي يعتقد أن الأرستقراطية الجنوبية تعبر عن نفسها بلطافة وليس ببذاءة، خاصة عندما يتم التوجه بالكلام إلى امرأة بحيث تحرر من الحرف و المعنى  ونبرة النص. فمن منا يتخيل ريت باتلر و سكارليت يعبران عن نفسهما بنبرة…ماريوس وفاني؟ والحال أنه رغم ذلك، فهذا ما كان يجب أن يقوم به من أجل أن يكون هناك تعادل في المقامات.  إن هذا النوع من الخيانة ما كان ليصدم الكثير من القراء. فالقليل من الفضوليين هم الذين سيذهبون إلى تفحص الأصل للوقوف على كيفية تعبير هذين الغريبين الأمريكيين، واقعيا، في لغتهما. يتعلق الأمر بمثال من بين ألف ليس إلا، بيد أنه مدهش ويختصر تماما موقف غالبية المترجمين، والذين هم زيادة على ذلك ميالين لاتباع قواعد دي بلاي وكذا جاك أميوت ومبدأ الفن للفن المنظم لجمهورية الأدب والذي لربما عبر عنه فلوبير جيدا بهذه الكلمات:”إن مغزى الفن يكمن في جماله نفسه، وأنا أقدر، فوق ذلك، أولا الأسلوب وبعد ذلك الحقيقة ” (15). ومن جانبي فإن مغزى الحادثة يرتبط، أكثر وعلى وجه العموم، بالموقف المتمرد للعمل الأجنبي والذي يميز الحضارة الفرنسية والتي تواطأ معها المترجم عن وعي أو عن جهل، باسم المصالح العليا للحضارة التي يتوجب عليه خدمتها ولكن من غير خيانة تلك الحضارة الأجنبية، من أجل هذا الأمر .

   بيد أنه نعذر المترجم كثيرا مادام ليس بالمسؤول الوحيد عن هذه “الخيانة “التي فرضها عليه المجتمع ورقباؤه، ماذا عساي أن أقول، نماذجه التي يحتذى بها في التفكير.

   ومن أجل مواساته في هذه المحن، سأذكر له كلاما مسليا يعود لنيورون، و ها هو ذا :” لقد سبق وأن عرفت كتابا بليدين وحتى أغبياء. والمترجمون الذين استطعت الاقتراب منهم كانوا أذكياء جدا وذوي أهمية أكثر من الكتاب الذين يترجمون لهم. وهذا يعني أنه يجب أن نفكر من أجل الترجمة أكثر من التفكير من أجل الإبداع” (16).

 إن باقي المتهمين، والذين نحن من بينهم، هم مدرسو ومنظرو الترجمة الذين أعاد ڤيناي تسميتهم بشكل طريف: ” Pedagotrads” و “ Théoritrads” . سوف أتلو نصيبهم من التهمة ما داموا، بصفة عامة، ينتمون كليا أو جزئيا إلى نفس العالم ألا و هو الجامعة.

– عالم التربية والعلم و الترجمة[13]

   سوف أحاول أن أكون موجزا فيما يتعلق بموضوع مناهج الترجمة المنجزة من طرف مدرسي الترجمة وفيما يتعلق بموضوع النظريات المشيدة من طرف منظريها، لأنكم تعرفون ذلك مثلما أعرف. إن هؤلاء وأولئك يسعون وراء هدف مشروع جدا، وهو الرفع دائما، أكثر، من مستوى الممارسة والتفكير العلمي جاعلين من الترجمة موضوعا للدراسة وكذا المساهمة في تقدم المعارف وبالتالي في ازدهار العلم. لن أحشر أنفي في ذلك الجدل التقليدي الدائرة رحاه بين المنظرين و الممارسين والذي من شأنه أن يتعب من جراء الإطناب، ولكن، سوف أقابل بكل بساطة، بين ممثلي الفرق الثلاث في العلاقات الضرورية الناشئة بينهم والتفاعل الذي يجري بينهم كذلك.

     إن صلب المشكل، والحالة هذه، هو أن المنظرين يقيمون نظريات يرتكز عليها المدرسون من أجل صياغة مناهج تسعف في تكوين الممارسين، و الذين سوف ينفعلون بها، أحيانا، حتى إنهم يترجمون بالانطلاق من إحدى الخلفيات. إنّ لهذا الأمر أهمية معتبرة حول تفعيل خبرة المترجم بحيث إنه قد تحتوي إيديولوجيا ما على التفكير النظري والذي يتكئ على هذه المدرسة الفكرية أو تلك أو ذاك العلم أو التخصص. إذا أمكننا أن نؤاخذ الممارسين عن رضاهم بالجمود المطمئن أو المحافظ، خاصة على المستوى اللساني، فإن مدرسي ومنظري الترجمة لا يفلتون من النقد. فبالنسبة للأوائل فإنهم لا يبحثون إلا عن إنتاج مناهج مرتكزة على مبدأ أحادي، وبالتالي مختزل (ولربما ينم عن تمركز عرقي مقنع؟)، مثل ذلك المتعلق باللغة والخطاب واللسانيات والأسلوبية، وأمُرُ، أما بالنسبة للفريق الثاني، فإن أصحابه يسعون إلى البرهنة، بأي ثمن، على أمر مستحيل ( تربيع الدائرة)، يتأبي عن الانحصار في أي معادلة.

  فيما يتعلق بمدرسي الترجمة والمناهج التي يجترحونها فإنني أعترض على كونهم يتركون جانبا، وفي الغالب، عمدا، الأبحاث المنجزة في علم التدريس وعلم النفس وعلم الحياة والفيزياء والعلوم الاجتماعية والعديد من محاولات العلم والتكنولوجيا، لأنها تخرج من حقل انشغالاتهم النصية. يمكننا أن نقبل حرص المترجم على تفادي المغامرة في أرضية ما، منزلقا، وتفضيله البقاء في الراحة الفكرية التي توفرها له الحدود الطبيعية لتخصصه، وهو أمر أكثر طمأنة، كما ستتفقون مع ذلك. لكن، وكي نبدأ، هل فكر مدرس الترجمة في رهانات وعواقب هذا الموقف عندما يتعلق الأمر بتكوين، ليس فقط، المترجمين رغبة في إعتادهم بالخبرة المهنية التي ينتظرونها، أكيد، ولكن، كذلك ربما، على وجه الخصوص، تكوين أناس شباب –  الأوعاء –  حيث التكوين والحياة المهنية لن يشكلا إلا مرحلة في مسيرة طويلة للمسار الفكري الذي ينتهجه كل شخص في حياته؟ هل وضع في الحسبان، مثلا، أثناء صياغة منهجية ما، توجيهها كي تطبق بشكل موحد على أناس من أصل مختلف  جدا، حيث كفاءاتهم، علاوة على التكوين المستفاد منه، يكون متباينا، أحيانا؟ هل وضع في الحسبان إيقاعات وأساليب التعلم الشخصية، المتنوعة حد الإدهاش، والتي أبان عنها علماء النفس ؟. إن التأخر المتراكم في علم تدريس الترجمة يجعلني، حتما، أستحضر تلك المقارنة التي قام بها عالم الفيزياء الفلكية هابرت ريفس بين وضع نجامة  (علم التنجيم) راسخ لا محالة في أساطيره اليونانية والرومانية – لكننا لا نستثني العرب و الأثتيكا[14] والصينيين في هذا!- وبين التطورات والكشوفات في الفلاكة (علم الفلك) التي تربك، كليا، معطيات شبه العلم الشعبي هذا.

     بعد كل هذا، لماذا لا تنظم الترجمة، على غرار الكون ( المعروف)، هي الأخرى، بواسطة القوى الأربع التي تسوسه؟ لقد كان كل من ديدرو و دالامبير[15] وآخرون كثر يرون من ذي قبل أن الكائن الإنساني لم يكن سوى حلقة صغيرة في سلسلة غاية في التعقد والأهمية، حدّ الغرابة، وأن بإمكان الكيمياء تفسير العديد من الأشياء، وهو الموقف الذي جلب لهم، آنذاك، الكثير من العداوات. بعد ذلك، عرف العلم تطورات عملاقة في المعرفة المتعلقة بالأشياء المتناهية سواء في الصغر أو الكبر، غير أن التعثرات والمقاومات المناوئة من طرف الأيديولوجيا قد استمرت.

   إنه إذن لمن اختصاص المنظرين، أمام خمول الممارسين (17)، الذين لديهم انشغالات أخرى، وأمام الركود التدريسي والمنهجي عند المدرسين، أن ينشطوا التفكير حول الترجمة، لكن بطريقة صارمة، بمعنى علمية (18)، عبر إثارة تحالفات  بين التخصصات.  يمكن ذلك؟ وفي حالة الإيجاب، هل يريدون ذلك؟ من أجل هذا، سيكون من المناسب أن يتخلصوا من المسلّمات الإيديولوجية (19) التي تشوه فكرهم وأن يستمعوا إلى النداءات التي يطلقها العلماء المتحدرين من مجالات معرفية أخرى والرامية إلى إحداث تقارب بين العلوم: الطبيعية والحقة والإنسانية وسوف تكون اللائحة طويلة، غير أنني أعتقد، على وجه التحديد، في جون روستان، بياجي، فرانسوا جاكوب، ألبير جاكار وهابرت ريفيس (20)، كي أقتصر على الجانب الفرنسي.  يجب علينا التشبع بأهمية التفكير النظري سواء في مجال الترجمة أو غيرها من المجالات و بضروريته. في كتابه الموسوم بعنوان:” الترجمة دون خيانة يذكرنا جون كلود مارغوت بذلك، كما يجب:

     “إن نظرية الترجمة تسمح للمترجم بأن يعرف جيدا ما يفعل، و ما يجب أن يفعل، وعكس ذلك، فإن أسئلة المترجم تضطر المنظر إلى إعادة التفكير، باستمرار، في عمله حول هذه المهنة. إن المهم بالنسبة لهذا وذاك هو عدم الاكتفاء بالعيش على ما هو مقرر” (21). ذلك أنه، حسب فرنسوا جاكوب[16]، ” كل نظرية علمية محكوم عليها إن عاجلا أم آجلا بأن تعوض بواسطة أخرى من شأنها تفسير جوانب أخرى من الظواهر. إنَّ النظريات تتناسخ في حين يظل الموضوع نفسه ” (22). إن المنظرين وهم يحصرون أبحاثهم النظرية في مجال انشغالاتهم الوحيد، لا ينصفون العملية الترجمية، التي تعد واحدة من أعقد نشاطات العقل البشري، بحيث لا يمكن أن نختزلها في ارتكاس شرطي بسيط . فبين نظرية لا تفسر أي شيء، تقريبا، ونظرية عامة تسعى، عبثا، إلى تفسير كل شيء، هناك مجال لمحاولة تقديم تفسير ما للعقل البشري حول عالم الترجمة. أين هو الإجراء العُلومي ( الإبستمولوجي) (23) الذي من شأنه البحث عن تفسير بيتخصصي للترجمة ؟ سوف يبقى سؤالي دونما جواب، في هذه اللحظة، على الأقل.

    في ظل هذه الظروف، على من يعود هذا الخطأ والسمعة الزائفة التي ينجو منها المترجمون ؟. إن أيّاً من هذه الفرق لمذنب بطريقة من الطرائق. غير أن دور مدرسي الترجمة يكتسي أهمية كبيرة، خصوصا، بالنسبة للمستقبل. فحسب إدراكهم للمناهج ذات الميول المتمركز عرقيا أو لا؛ الميول الخارجي المنشأ أو الداخلي المنشأ، يتمنون أو سيقللون من الإضافة التمدينية للترجمة. فالرهان، كما ترون كبير جدا. إذا كنا نريد أن نسحب عنه هذا الارتكاس السلفي الكاره للأجنبي و الحذر المتشكك نحو الآخر الأجنبي الحامل للاختلاف، وحتى التحريف (اللغوي، الثقافي)، وأن نخلص الترجمة من إيديولجية نجدها حتى في سلسلة روايات أرلوكان، و من آخر كوارث الأدب العاطفي، فإنه يتوجب علينا، إذا، الإقلاع عن عادة تملك نص الآخر كما لو كان نصنا الشخصي، وأن نكف عن اعتبار أننا نملك كل الحقوق عليه. فلا لنسيان أن حرية البعض تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين، في مجال الحقوق كما في مجالات أخرى.

   بعدما رأينا، معنى كون الترجمة حاملة للحضارة، ثم العراقيل التي من شأنها اعتراض حركتها التمدينية، سوف أحاول أن أجمل الخطوط العريضة المتعلقة بدرجات التمدُّن التي يمكن أن تخلفها. بكلام آخر، لقد تساءلت حول إضافة هذه الحضارة، إذا ما أمكننا قياسها، وطرحت السؤال التالي:

III – الحضارة: هل يتعلق الأمر بقضية درجات أم وظائف؟

 إن نصا ما، سواء أكان مترجما أم لا، تتم قراءته على عدة مستويات، بالنظر إلى القدرة القرائية للقارئ، والتي  يختلف تطورها تقريبا، حسب الأفراد، وأنا لست هنا في مقام التعليق عليها ما دمت قد قيدت نفسي بأن أعاين لا غير.

    تعني القراءة[17]، في مدلولها الراقي، النفاذ بعمق كبير جدا إلى النص من أجل القبض على المعنى واستخراج أكثر قدر ممكن من الدلالات التي تحملها الدلائل، وهذا ليس في إمكان الجميع. فبالنسبة للبعض، ومن ضمنهم كارل بوبّْر[18]، يذهبون أبعد من ذلك، وحتى الاعتقاد في وجود، أيضا، قراء أذكياء أقل بالمقارنة مع الكتاب الألمعيين، والذين يشكلون ذواتا مؤهلة لتأويل نص ما إلى درجة استجلاء لبِّه الجوهري، واستنباط إمكاناته التي تنفلت للناس العاديين.أما آخرون، كذلك، فيرون مع كنيث وايت، الشاعر الأسكتلندي بأن القراءة ” فن نادرا ما تتم ممارسته على نحو دقيق”، ويضيف أن “واحدة من أحسن الطرق كي نقرأ هي أن نحاول الترجمة “(24). فحسب صنف النص ومستوى المعلومة التي يحتويها، يكون المعنى إما غامضا تقريبا أو واضحا بالنسبة للقارئ الذي يتوفر على عدة معلومة من المعارف. ففي الواقع كل يغترف من نص ما، ما تم وضعه فيه كي يكتشف، وذلك بمساعدة شبكته التأويلية وقدرته الشخصية على فك الرموز. سوف أصنف النصوص، إذن، وفق مستوى المعلومة التي تحملها. ومن أجل ذلك، أميز بين ثلاثة أصناف كبرى من النصوص بل وحتى أربعة حسب المجالات المنظور فيها:النص الإعلامي ( ن. إ)، النص الخاص بالمعارف (ن. م)، والنص العلمي (ن. ع ). ويمكن أن ندرج بين الصنف الثاني والثالث النصوص الموسوعية (ن.م)، حسب الفرق الذي نقيمه بين هذه والعلم. أكثر تحديدا، فإن ” المعلومة” حسب فرنسوا شاتلي، خاصة، تعتبر معطى خاما، إنها حدث من مثل: إنها تهب اليوم (أو تمطر)؛ أما ” المعرفة” فهي ملفوظ يعبر عن فحوى بحيث يتم تعديله بإقحام مبدإ المعقولية.     

   أما فيما يتعلق بالعلم فإنه ميول أو زعم يسعى إلى استقصاء المعرفة. فبين معلومة تحمل حدثا بسيطا وأخرى تحمل علما، هناك، كما هو جلي، ذلك الفرق الذي يفصل القارئ العادي عن القارئ العبقري. وهاهنا، كذلك، سوف أميز بين ثلاث فرق من القراء، تم تصنيفهم حسب درجات المعنى كما استنبطها رولان بارث (25):

1- نجد في الفريق الأول الأغلبية الساحقة من الناس، الذين يقرؤون ويبلغون. يتعلق الأمر بالمعنى الأول المرتبط بالتواصل الذي يبرز معنى النص من دون تعمق.

2- نجد في الفريق الثاني، القليل العدد بكثير، هؤلاء الذين يدركون الدلالة ويعون معنى النص.

3- يتكون الفريق الثالث من أشخاص ينفذون إلى أقصى عمق النص حتى الوصول إلى مدلوليته، بمعنى القبض على معناه العميق والخفي.

    سوف أتحدث هنا، بصفة رئيسة، عن قراءة ضمن- ثقافة وليس قراءة بين- ثقافية باعتبارها حالة يقوم خلالها قارئ أجنبي، منحدر من ثقافة مختلفة، بتأويل مربك للنص، أحيانا، والذي يقرأه بعيون أخرى، وعلى نحو مختلف وغالبا، فهذه حالة المترجم والذي، عبر غربال الترجمة يُقَوِّل النص، ذاك الذي لم يدرك القارئ العادي أثناء قراءة سطحية أو سريعة.

      إن هذه المستويات القرائية الثلاثة تتعلق بوظيفة قائمة في صميم المجتمع، وبمجموعة بشرية خاصة، حسب الأيديولوجيا التي تحركها: إيمان، اعتقاد، نظام، منظمة،  إنتاج، أو اقتصاد. إن هذا المحور الثلاثي الوظائف هو أساس كل خطاب، كل نص، والذي يتمفصل حول الوظائف الرئيسة التي يضطلع بها مجتمع ما ويشرط القراءة التي نقوم بها له.

    واضح للعيان، إذن، أن فعل القراءة مكون ممدّن[19] وخصب بدون شك. كلٌّ منا يجد فيه ضالته، انطلاقا من قارئ الأعمال الفلسفية الكبير وصولا إلى قارئ روايات الجيب. عن طريق القراءة، يقوم القارئ بعمليات إسقاط ومقارنة وتحليل نفسه. بالارتكاز على المعرفة مهما كان مستواها، يغذي تفكيره و يغنيه. إنه يغتني كفرد، لكنه يعكس هذه الريادة المعرفية في حياته اليومية على الآخرين الذين يحتك بهم، على مستوى من المستويات، مهنيا أو اجتماعيا أو عاطفيا. فإذا كان البعض يغتني أكثرمن الآخر عبر القراءة، فلأن كل واحد يأخذ منها بقدر ما هو مستعد ومؤهل لأخذه. إن الحضارة تشيد ببطء وكل وظيفة اجتماعية تساهم في بناء هذا الصرح. في نهاية المطاف، إن مجموع هذه الوظائف الثلاث الرئيسة التي يمكن أن يضطلع  بها الكائن البشري في مجتمع معين هي التي تجعل من حضارة ما عقيدة مهيمنة، جيشا فاتحا أو تجارة منتشرة في كل مكان، وحتى أنها، يمكن أحيانا، أن تجعلها خالدة، على الأقل في الذاكرة الإنسانية. غير أنه شريطة أن تنفتح الأيديولوجيا التحتية على الإعلام الذي يستطيع أن يسائلها. أما إذا انكفأت هذه الأيديولوجيا على ذاتها “فإننا سوف نكون غير قادرين على استقبال أقل درس عن الواقع ولا حتى أي شيء جديد” (26).

– خلاصة

   سوف أختم هذا العرض ببعض الملاحظات والاقتراحات لأنه، كما تعلمون، النقد سهل والعمل صعب. بحيث لا يكفي أن ننتقد، بل أن نبني ونقترح، وهذا ما سأقوم به دون مزيد تأخر. من أجل أن تكون الترجمة” جوهر الحضارة عينه” كما يزعم ذلك إسحاق باشفيس سانجير، يجب، ربما، أن تميل أكثر نحو تحرير النص الأجنبي. إن الترجمة باعتبارها مكونا أساسا من ثقافة معينة، فإنها هي الخميرة التي تغذيها. فهي تغنيها عبر تشويهها أثناء عملية النقل وهو ما قد يطول، غالبا. إذن، فالترجمة مشكلة للذوق، مثل ما حدث مثلا في القرنين السادس عشر و السابع عشر، سواء أكانت متمركزة عرقيا أم لا. أما إذا كانت متمركزة عرقيا، وإذا تمخضت عن نص حيث يجد المخاطب/ القارئ نفسه وكأنه في ثقافته الأصلية،  عندها يبدو لي أنها أقل إخصابا (خلقا أو إغناء) من ترجمة، وهي تتحدر من لغة وثقافة أو تقليد أجنبي، تدهش، تحرج وتحرك المتلقي، مضطرة إياه إلى إعادة النظر في ذاته وإلى التساؤل، فتغنيه باختلافها عوض أن تسجنه في امتثالية عادة أو تقليد ما. ينتج عن هذا أن الترجمة مخلخلة قطعا، بحيث يجب أن تثير صدمة لدى القارئ وتترك آثارا أثناء عملية النقل. وهكذا فإن الإغناء ومن ثمة الحضارة، يتمخض عن هذه الصدمة ومن هذا الاختلاف.

   إن الترجمة لا ترتكز، بالضرورة، على التملق للمتلقي أو جعله مسرورا بالبحث عن النص الذي كان ينتظر قراءته وإنما، بالأحرى، ترتكزعلى مفاجأته واقتراحها عليه نصا أجنبيا عن ثقافته وعن تقاليده. مجمل القول، هو إنه، عبر الترجمة، يتغيا المترجم القبض على المقصدية الحقيقية لمؤلف النص الأصلي وليس التصرف على نحو كما لو أن الرسالة موجهة حصريا للقارئ وأن هذا المترجم يحوز كل حقوق هذه الرسالة، في حين أنه ليس إلا مستأجر لها، بمعنى مالك لها مؤقتا، مع ما يتمخض عن ذلك من التزامات.

    والحالة هذه، بما أن الترجمة تنزع، بالدرجة الأولى، إلى أن تكون خارجية النشأة و ليس داخليتها، فإن ذلك لا يتم دونما خطر، ذلك الذي يكمن في فقدانها لروحها و لكن يا له من ” خطر جميل”، فكما كان يقول أحد الكيبيكيين المشهورين، فإن الفن يعني أن نجد التوازن!، و مرة أخرى هل يجب أن تظهر رغبتنا في البحث عن هذ التوازن! أعتقد أن أي إصلاح يتم القيام به في مجال تكوين المترجم و ( الترجمان) يجب أن يأخذ بعين الاعتبار، من جهة، التطور المدهش للمجتمعات والعادات والذي نشهده منذ عشرين سنة، ومن جهة أخرى، التحولات التي تشهدها الألسن في سياق حضارة وسائطية منذورة للتواصل، إن من أجل الأفضل أو من أجل الأسوإ. لهذا أقترح عليكم إعادة تقييم مفهوم “الثقافة”[20]، بالمعنى الذي يعطيه لها ألان تورين[21]، بما هي الطريقة التي تبني بها جماعة ما علاقة مع بيئتها.

    إن المرتكزات التقليدية للثقافات، سواء في الشمال أو الجنوب، قد اهتزت بقوة. وينتج عن ذلك تحول، لازلنا لا نستطيع أن نتبنى، بشكل واضح حدوده. يبدو أننا نتجه نحو ثقافة تتأسس على قواعد أكثر اتساعا وأكثر هشاشة في الآن ذاته، ثقافة تكون مختلطة وأكثر من ذلك مندمجة، دون أن نعود، من أجل هذا، لا إلى روح إنسيي النهضة ولا إلى روح المثقفين الموسوعين. من الآن فصاعدا لم تعد الثقافة تتأسس، فقط، على الركيزة الأدبية، إلا عند بعض اللدودين. إن الإرث الإعلامي لمترجم اليوم لا يمكن أن يتشكل، فقط، من معرفة العادات والآثار الأدبية لعصرٍ ما، كما كان من ذي قبل. وإنما يجب أن تضم عدة المترجم معرفة الأحداث والوقائع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والتقنية لعصره. إنه بهذه الطريقة نكون الثقافة التي ننعتها بالعامة، مشكلة من المعارف كما خبرات المجتمع.

   أخيرا، فإن هذا التحول المجتمعي يمر، بكل جلاء، عبر قناة اللغة. أود القول هاهنا إن اللغة – و ملاحظتي تهم اللغات التسع المنضوية تحت لواء CEE[22] –   يجب أن تتأقلم مع هذا التطور، وليس التطور هو الذي ينبغي أن يوجه بواسطة اللغة، دون أن ننسى، كما كان يذكرنا بذلك بورخيس[23]، أنه إذا كانت اللغة وسيلة للتواصل، فإن الكلمات (رمز سحري وموسيقي). ففيما يتعلق باللغة الفرنسية، مثلا، فإن لا أحد يشك في قدرتها على متتابعة قطار التنمية والعلم والتقنية وفي السهولة التي تنساب بها في الكلمات والمفاهيم الجديدة وأسماء الملابس من لغات أخرى والتي تبتدعها اللغة الإنجليزية يوميا. ونتائج وأعمال المصطلحية، بخاصة، الكندية تتحدث عن ذلك. والحال أن الأساطير راسخة واللغة الفرنسية لازالت تحمل الصورة التقليدية للرشاقة، ونعومة العيش وجودة الحياة المقترنة بالدرجة “المودا”، الدرجات (المودات) الفكرية، والطعام الفاخر وموليير، في حين أنها، كذلك، وهذا منذ قرون خلت، لغة العلم والطب والاقتصاد والصناعة والآن لغة الفضاء والاتصالات عن بعد. نرى أنه يجب توجيه مجهوداتنا إلى العقليات من أجل الإصلاح وأن ننزع نحو إقحام مواد وشعب جديدة في تعليمنا، وتكون حاملة لمعارف عصرنا، مثل لغات التخصص وعلوم اللغة وغيرها، دون استسلام إلى السهولة التي يمكن أن تجرنا إليها درجات (مودات) العصر والمفاهيم الضبابية من قبيل ” صناعة اللغة” .

   والآن، كي أضع نقطة نهاية لهذا المونولوج الطويل أقول: هل الترجمة ممدّنة حقا؟ نعم، بكل وضوح، رغم محدوديتها. إنها مخصبة[24] على العديد من المستويات: الأفضل كما الأسوأ، والتي ليست إلا انعكاسا لازدواجيتنا.على كلٍّ يجب أن نحسن الاختيار، فبحسب ما إذا كانت إديدولوجية المترجم ذات طبيعة نظرية، وإذن، منفتحة على الإعلام الجديد، أو ذات طبيعة مذهبية، وإذن منغلقة في وجه الإعلام غير الامتثالي، عندها تكون الترجمة أكثر أو أقل إخصابا .أدعوكم، إذن، للنضال ضد النزوع والذي اكتشفه ج. ف. روڤيل و مفاده أن يكون الناس في حاجة إلى الاعتقاد منه إلى الإعلام، وهو ما قد يجعل المعرفة بدون قيمة، وأن يختاروا المعارضة باسم الإيمان/ العقيدة عوض أن يجادلوا، بالأحرى، باسم أفكارهم؛ ولنستمع، كذلك، إلى سيمون دي بوڤوار في مقابلتها الأخيرة مع سارتر[25] عندما تبوح له :” لقد قلت لي مرة – و وجدت ذلك صحيحا تماما – إن:” في العمق الذكاء ضرورة”، “يتعلق الأمر إلى حد كبير، بسرعة الذهن أو كما نقول، بوضع العديد من الأشياء في إطار علائقي، وإنما هي ضرورة، أي يجب ألا نتوقف، ويجب أن نذهب بعيدا، دائما بعيدا جدا”.

   إنها الأمنية التي أصوغها للترجمة و لكتائبها و التي أنتمي إليها أنا وتنتمون إليها أنتم.


NOTES

1- «L’informatique est- elle – civilisatrice ?», L’express, 24, sept.1982, p.79.

2- Soit, pour le moment, quelque 5000 ans attestés.

3-Dont, par exemple Henri Van Hoof sur la traduction scientifique, 26-3, p.215 ; ou encore, 18-4, p.387, 19-3, p.141et 19-3, p.171.

4- Voir sur cette question l’excellente étude de Gilbert Highet (1957), the classical tradition, New York et oxford University Press. A Galaxy Book, p.104. Et SS.

5- « Misère des traducteurs », Le monde, mardi 30 mars 1982, p.15.

6- Cité par Nicole Zand, ibid, p.15.

7- Kenneth White, Une apocalypse tranquille, Paris Grasset, 1985, p. 52.

8- Traduction libre: «  j’aime Rome, mais l’Italie je préfère. L’Italie à ma faveur, mais plus encore l’Angleterre. Le latin honore, mais l’anglais adore ».

9- Jean Piaget, Six études de psychologie, Genève, Gonthier, 1964, p.105.

10- Claude Hagège, L’Homme de paroles, Paris, Fayard, 1985, p.47.

11- Claude Hagège, ibid. p.50.

12- Dans une conférence donnée devant la société du parler français au Canada, le premier février 1922, intitulée «L’influence de la traduction sur notre parler », le Canada français, 8- 4,1922, p. 253-271.

13- « La traduction totale », Babel, VI, 3, sept.1960, p.115. La traduction dans le monde moderne, Genève.1956, p.108.

14- L’épreuve de l’étranger, Paris, Gallimard, 1984.

15- Dans une lettre à Louis Bonenfant, cité par Henri Troyat, dans sa bibliographie Flaubert, Paris, Flammarion, 1988.

16- Aveux et Anathèmes, Paris, Gallimard, Arcades, 1987, p. 39.

17- Qui reflète d’ailleurs en partie la crise que traversent les sciences sociales depuis, en gros, 1968, lorsque les grands édifices intellectuels ont été contestés et que les certitudes qu’ils avaient érigées en système ont été balayées par le doute salutaire, de mise en toute entreprise intellectuelle saine.

18- Hubert Reeves en propose la définition suivante, qui correspond parfaitement à ce que j’entends par démarche scientifique : (elle) consiste à admettre ses limites, à tâtonner, à se tromper, à se corriger, à ajuster continuellement le tir. Propos tenus dans une entrevue accordée à l’express, 1798, 27déc.1985, p.35.

19- J’entends ici par « idéologie » un système d’idées fait pour contrôler, accueillir, refuser l’information, selon la définition qu’en donne Edgar Morin.

20- Je reprends les propos de Reeves, ils ont une résonance particulièrement contemporaine : « Il y a une sorte de continuité qui fait que désormais on ne peut plus séparer sciences naturelles et sciences exactes, sciences naturelles et sciences humaines. Si vous concentrez votre attention sur un domaine de la réalité, vous êtes obligé de faire appel au domaine adjoint. Vous ne pouvez pas étudier la biologie sans étudier la chimie, la chimie sans étudier la physique, la physique sans étudier les mathématiques, les mathématiques sans étudier la psychologie». (Lire, 133, oct.1986, p.33).

21- Lausanne, Symbolon, L’Âge d’Homme, 1979.

22- Entretien avec l’express, 1585, 27 sept.1981, p.83.

23- Je prends le terme «épistémologie» dans le sens où l’entendait Piaget, soit, «l’étude de la constitution des connaissances valables et l’étude du passage des états de moindre connaissance au états de connaissance plus poussée », (Logique et connaissance scientifique, 1967).

24- Une apocalypse tranquille, Paris, Grasset, 1985, p.54.

25- L’Obvie et L’Obtus, Essais critiques III.

26- Edgard Morin, pour sortir du XXe siècle, Paris, Fernand Nathan, 1981, p. 42.


 

[1]  أستاذ علوم الترجمة بجامعة مونتريال الكندية و أستاذ زائر بجامعة جونيف بسويسرا. له العديد من الإسهامات النظرية و التطبيقية في هذا المجال الترجمي في اتصاله بما هو حقوقي و قانوني على وجه الخصوص. أما العنوان الأصلي لهذه الدراسة فهو كالتالي: La traduction est – elle civilisatrice? Foctions de la traduction et degrés de civilisation. و قد صدرت سنة 1990. (المترجم).

[2]  فأنا ضارب لك مثلا هاهنا، عزيزي القارئ، بقيمة النقول أي الترجمات ولو التلخيصية منها التي قام بها الفلاسفة المسلمون في القرون الوسطى و التي ستكون قنطرة مهمة سيمر بواسطتها الفكر الهيليني إلى أوربا الغارقة في ظلامها بعد نهاية الدورة الحضارية عند المسلمين الذين حاروا بعد همة و خاروا بعدة فورة و ثورة. تشهد على ذلك المستشرقة الألمانية المعتدلة سيجريد هونكه في كتابها: “شمس الشرق تطلع على الغرب” الصادر سنة 1962. (المترجم).

[3] نضرب مثلا بالترجمات المزعومة التي دافع عنها كل من جدعون توري و إفن زوهار نحو اللغة العبرية و التي ساهمت في إغناء و فتح هذه اللغة كثيرا في العصر الحديث.(المترجم).

[4]  المقصود بهذه القولة هو إحساس سبينسر المتعاظم بالانتماء المحلي الإنجليزي على حساب الانتماء الأوسع للحضارة الرومانية. أي بداية تشكل النزعات المحلية لغة و ثقافة و غيرها في أوربا النهضوية. (المترجم).

[5]  عالم نفس بنائي و عالم تربية و منطقي و إحيائي سويسري مشهور في القرن العشرين. توفي سنة 1980.(المترجم).

[6]  يحيل هذا العنوان الفرعي بطريقة مباشرة على دراسة رائدة في الترجميات كان قد أنجزها فيلسوف إسبانيا الأول في العصر الحديث يتعلق الأمر بخوسي أورتيغا إي غاسيت المتوفى سنة 1955. أما عنوان الدراسة فهو: Miseria y esplendor de la traducción أي: “بؤس و عظمة الترجمة” الصادرة في الأصل سنة 1937. (المترجم).

[7]  لساني فرنسي مشهور من أصول يهودية، ازداد بتونس سنة 1936. اهتم كثيرا بديداكتيك اللغات و علوم اللغة و الترجمة. (المترجم).

[8] تحدث الكثيرون عن المعادل الدينامي و المعادل الشكلي منهم إيوجين نايدا و حاتم الباسل و إيان مايسون و دو ليل و غيرهم كما نجد ظلاله في التقاليد الترجمية العربية في بيت الحكمة و عند الجاحظ و غيره كثير. (المترجم).

 

[9]  هذا المفهوم كذلك المقترن بنقيضه أي “الخيانة” كتب حوله العديد من المنظرين و الدارسين منهم ولتر بنيامين مثلا في  “مهمة المترجم”، غير أنه أصبح في تقديرنا متجاوزا اليوم، في زمن العلم و العولمة، و تراجع الهيمنة اللاهوتية و الدينية في التوجيه، ذلك أن مفهوم “الترجمة خيانة” أصلا هو سليل الكنيسة الكاثوليكية و باسمه سفكت دماء  عدد من المفكرين و المترجمين الأحرار مثل إتيان دولي في فرنسا سنة 1546. (المترجم).

[10]   طبيب نمساوي  من أصل يهودي، مختص في دراسة الطب  العصبي ومفكر حر. يعتبر مؤسس علم النفس التحليلي. (المترجم). 

[11]  نذكر ها هنا بأن دي بلاي  1549في فرنسا و و سبيرون سبيروني 1542 في إيطاليا و أنطونيو دي نبريخا 1492هم أوائل من حاولوا التقعيد للغتهم المحلية في بلدانهم و الدفاع عنها أمام اللغة اللاتينية التي كانت قد بدأت تشيخ و بدأ يطلقها متكلموها. (المترجم).

[12]  كاتبة أمريكية شهيرة ازدادت بأطلنطا و بها توفيت سنة 1949. (المترجم).

[13]  من منظوري الشخصي المتواضع، أقول إن الترجمة خافتة باهتة في مجال ديداكتيك اللغات بل حتى تدريسها كمادة للشعب العلمية في المرحلة الثانوية، مثلا، غير ذي بال بل لا تدرس في مؤسسات كثيرة مع الأسف. (المترجم).

[14]  حضارة أمريكولاتينية  عريقة كانت في المكسيك قبل قدوم كريستوف كولومبوس و هيرنان كورتيس و غيرهم من الفاتحين أو قل الغزاة الإسبان بمئات السنين.(المترجم).

[15]  فيلسوفان و عالمان و كاتبان فرنسيان متنوران كبيران في القرن الثامن عشر الميلادي. (المترجم).

[16]  عالم بيولوجي فرنسي حاصل على جائزة نوبل في الطب. توفي في أبريل من سنة 2013. (المترجم).

 [17] القراءة قراءات و يجب على المترجم أن يكون قارئا جيدا و نبيها كي لا يقع في الهنات التي لا تحمد عقباها. و تحضرني جملة لروائي و قاص و ناقد أرجنتيني شهير جدا هو خوليو كورتاثر عندما يصنف القراء إلى صنفين هما: القارئ “الرجل” و القارئ “المرأة” أي القارئ العميق و القارئ السطحي رغم معيارية هذا الوصف ها هنا.( المترجم).

[18]  فيلسوف إنجليزي نمساوي المولد مختص في فلسفة العلوم، بل يعد أحد أهم و أغزر المؤلفين في فلسفة العلم في القرن العشرين، كما أنه كتب كثيرا عن الفلسفة الاجتماعية و السياسية. (المترجم).

[19]  رغم أننا “أمة القراءة” إلا أننا لم نعد نقرأ كما يجب، و يشهد على ذلك كساد سوق القراءة في الأوطان العربية من الخليج إلى المحيط؛ كما نبه إلى ذلك في وقت سابق مستشرق فرنسي كبير هو جاك بيرك. و الأمة التي لا تقرأ سائرة نحو حتفها قدما. فلنقرأ كي ندوم في الزمان و المكان! (المترجم).

[20]  الثقافة هي ما نتكون به أما الحضارة فما نعمل به، كما أن الثقافة تسبق الحضارة و تؤدي إليها لأنها بمثابة الفكرة و الحضارة بمثابة المادة. و الثقافة هي كل مكونات الإنتاج المادي أو الرمزي لجماعة أو مجتمع ما بينما الحضارة يراد بها مجمل التمظهرات المادية الملموسة للثقافة غير أن هذين المفهومين متداخلان.(المترجم).

[21]  يعد ألان تورين من أهم رواد علم الاجتماع المعاصر، وهو فرنسي الأصل، من مواليد سنة 1925، عمل باحثا في المجلس الوطني للبحوث الفرنسية حتى سنة 1958، أسس مركز دراسات علم الاجتماع في جامعة تشيلي في سنة 1960، وأصبح باحثا في إيكول «إيتوديس» في العلوم بباريس، اشتغل على تطوير مفهوم مجتمع ما بعد صناعي. (المترجم).

[22]  ربما يقصد بهذا المختصر Centre d’entrepreneuriat et d’essaimage أي “مركز صناعة المشاريع و المساعدة على إنشاء المقاولة”؛ و هو مركز بحثي كبير و مشهور تابع لجامعة كيبيك الكندية بشيكوتيمي.

[23]  قاص و شاعر أرجنتيني اسثنائي في القرن العشرين، يرى أن كتب العالم تشكل في الحقيقة كتابا واحدا! (المترجم).

[24]  بالفعل، و نلفت انتباه من تساوره الشكوك إلى أفضال الترجمة على الإمبراطورية العربية الإسلامية العباسية في القرنين الثالث و الرابع الهجرين على سبيل الاستئناس لا الحصر.(المترجم).

[25]   جون بول سارتر و سيمون دو بوفوار زيجة فرنسية طرفاها فيلسوفان و كاتبان من المقام الرفيع في القرن العشرين نحيا  منحى وجوديا في طروحاتهما الفكرية. (المترجم).