مجلة حكمة
هل استخدام الكلمات البذيئة سببه محدودية الحصيلة اللغوية؟ - ترجمة: وافي الثقفي

هل استخدام الكلمات البذيئة سببه محدودية الحصيلة اللغوية؟ – ترجمة: وافي الثقفي

هل استخدام الكلمات البذيئة سببه محدودية الحصيلة اللغوية؟

By Piercarlo Valdesolo on April 5, 2016


عندما تخوننا العبارات، فإننا نشتم. هذا ما تفترضه – على الأقل – فرضية “شحُّ المفردات Poverty of Vocabulary”، وعلى هذا فإن الشتم يدل على ضعف الذخيرة اللغوية، ويدل على ضعف التعليم، والكسل والتهور. فنحن نميل – اتفاقًا مع هذه الفكرة – إلى الحكم على السوقيين بشيء من القسوة، إذْ نجعلهم في آخر السلم اجتماعيًا وعقليًا، زيادة على ضعف أداءهم العملي وقلة لطافتهم.

        غير أن هذا لا يتفق مع أحدث البحوث اللغوية. فمثلًا تقول فرضية “شحُّ المفردات” أن الأشخاص الذين يجاهدون للوصول إلى الكلمة المناسبة يحتمل أن ينهالوا سبًا وشتمًا هنا وهناك. لكن البحوث تبين أن الأشخاص يميلون إلى تعبئة الفراغات “المزعجة” في كلامهم باستخدام أشياء مثل “أممم” أو “آآآ” لكن ليس بالكلمات السيئة. وقد خرج هذا البحث بتفسير ينافس التفسيرات السابقة في أن الطلاقة في استخدام الكلمات السيئة شاهدٌ على الطلاقة اللفظية العامة. وأن أولئك الذين يستخدمون تلك الكلمات استخدامًا استثنائيًا ربما يكونون بلغاء وأذكياء بطريقة استثنائية كذلك.

        الواقع أن الكلمات السيئة تؤدي غرضًا محددًا لا تؤديها الكلمات الأخرى بتلك الفعالية. فهي تُوْصِل تعابير قوية ودقيقة وموجهة توجيهًا عاطفيًا. ولذا فلعل أولئك الذي يشتمون دائمًا أفضل ذخيرةً وبوسعهم التعبير عن آرائهم.

        وهناك بحث قدمه علماء العلم المعرفي في كلية ماريست وكلية ماساشوستس للعلوم الإنسانية، يحاول فحص هذه الإمكانية ومن ثم يكشف حقيقة فرضية “شحُّ المفردات” وذلك بقياس علاقة الطلاقة في الكلمات السيئة بالطلاقة اللفظية العامة. فتفترض هذه النظرية أن ثمة علاقة عكسية؛ فكلما كنت أكثر شتمًا فأنت أقل طلاقة لفظية. لكن الباحثين افترضوا خلاف ذلك؛ أنه كلما كنت أكثر شتمًا، دل على اتساع المفردات لديك.

        في هذه الدراسات الثلاث، أُعطي المشاركون مقياسًا معروفًا للطلاقة اللفظية يدعى كوات (COWAT). حيث يُطلب من المشاركين أن يُورِدوا أكبر عدد ممكن من الكلمات تبدأ بحروف معطاه (مثلًا F,A,S) وذلك خلال مدة محدودة. وتجمع الكلمات لتكون نقاطًا للطلاقة. بعدها وفي تجربة تُعد الأكثر إحراجًا وإثارة في تاريخ العلم المعرفي، طُلب من المشاركين ذكرَ أكبر عدد من كلمات السب والشتم أمام المختبرين في دقيقة واحدة. وهكذا كان قياس الطلاقة في استخدام الكلمات البذيئة.

        بينت نتائج الدراسة الأولى أن المشاركين أوردوا (400) كلمة سيئة، وكما تنبأ الباحثون فإن عدد الكلمات تَنَاسَبَ تناسبًا مطردًا مع أداء مقياس كوات (COWAT). وقد تكررت هذه النتائج في الدراستين الثانية والثالثة، باستخدام نسخة ورقية للاختبار كذلك. فكلما استطاع المشاركون ذكر أكبر عدد من الكلمات كانوا أكثر طلاقة في العموم.

        وتعد هذه النتائج سهمًا يوجهه “السوقيين” في كل مكان إلى أولئك الذين لا ينصفون – حتى الآن – في الحكم على قدراتهم اللغوية. فالسب والشتم فيما يبدو قد يكون إبداعًا وذكاءً بل ومعبرًا بكل ما في الكلمة من معنى. وعلينا أن نفتح أعيننا على ميادين البحوث الأخرى التي تحلل طرائق السب والشتم المتنوعة ودواعيها. فمثلًا .. هل تعلم أن بعض اللغويين والفلاسفة استنتجوا فروقًا معنوية بين الكلمات السيئة المستخدمة في المواقف العاطفية القوية وبين الكلمات الإزدرائية وتلك التي فيها طعن في الأشخاص؟ أنا لم أكن أعلم بهذا.

        ومع هذا علينا أن لا نسلِّم بهذه النتائج تسليمًا كليًا. فمعرفة الكلمات البذيئة والاستخدام المعتاد لها شيئان مختلفان. فقد أمتلكُ معرفة موسوعية من الألفاظ السوقية لكن لدي المهارة الضرورية لأنتقيَ مفرداتي في المواقف الاجتماعية. بمعنى آخر ليس بالضرورة أن من لديه القدرة على الشتم أنه سيفعل ذلك. وهنا إشكال، فمقدموا البحوث لم يحددوا من هم الذين يستخدمون تلك الكلمات في الواقع. ولا يمكن الوصول إلى هذه النتيجة من هذه البيانات. فلم ترشدنا هذه الدراسة إلى كيفية استخدام هؤلاء المتحدثين للكلمات، بل ذكرت أنهم قادرون على ذلك متى ما أرادوا. فهناك فرق بين من يشتم دائمًا وبين من لديه القدرة على ذلك متى ما شاء. ولهذا فقد تنجو فرضية “شحُّ المفردات” من هذا النقد. وما زال القول ممكنًا أن مَن لديهم طلاقة لفظية لا يلجئون إلى الكلمات السيئة – مع طلاقتهم في استخدامها – وذلك لامتلاكهم معجمًا لغويًا كافيًا للتعبير عن أنفسهم ومشاعرهم بطرق شتى.

        في عام 1977م، قام نورمان ميلر متحديًا قور فيدال في احتفال عقب تحليل ضعيف من فيدال لإحدى كتب ميلر. ازداد غضب ميلر فبادر فيدال بضربة ليطرحه أرضًا. نظر فيدال وهو ملقىً على الأرض وقال ساخرًا: لقد خانت العبارة نورمان للمرة الثانية. مما لا شك فيه أن بإمكان فيدال أن يمطر خصمه بوابل من تلك الكلمات السيئة، فهو لها أكثر اتقانًا من لغته عمومًا. إلا أن طلاقته اللفظية جعلته يواجه خصمه برَدٍ أكثر ذكاءً، ولو لم تخن الكلمات نورمان لتعامل معه بطريقة أقل شراسة.