مجلة حكمة
هريمونطيقا النص في الحقيقة و المنهج لدى غادمير - ماهر الفضلي

هريمونطيقا النص في الحقيقة والمنهج لدى غادمير – ماهر الفضلي


تمهيد :

إن أي نص لا يقتصر على اللغة التي كتب بها بل على كيفية وجوده و مساحة أفقه وحدها من جهة أنه يحدث داخل كل تجربة إنفعالا خاصا و إستجابة فريدة .في ما أبعد ذلك خصوصا عندما يتعلق الأمر بمعالجته هرمينوطيقيا . كأنما أراد أن يكتب أول مرة عند مباشرة قراءته . فلماذا قد نسحب على النص فعل الإرادة ؟ربما لأن نصوصا كثيرة إستمرت صيرورتها بعد أن ماتت بيئتها الأولى التي وجدت فيها . و إندثرت الحضارة التي ولدت ضمنها مثل نصوص بابل و مصر الفرعونية . بل يصل مداه  إلى أن يستعيد سلطته النصية داخل ثقافات أخرى .

لنذكر مثلا العهد الجديد حين كتب باللغة الونانية رغم أن المسيح كان ناطقا للأرمية و العبرية فقط .وكل المقبلين على قراءة الإنجيل يعتقدون مثلا أن الله يخاطبهم بلغتهم التي تخصهم . لا بد من الإشارة ههنا أنه لم يكن ثمة من بالوقوف على ما إنتهينا إليه سابقا

لولا المنعرج الهرمينوطيقي الذي حاول غادمير في مؤلفه الحقيقة و المنهج تأمينه من جانب و تنشيط ثراث الهرمينوطيقا من جانب أخر خصوصا أن رسالة موجهة في شهر أكتوبر من سنة 1972من كارل أبل أوتو إلى هيدغر يسأله فيها : (que-est  c’est que (l’hermenutique ?  ويجيب هيدغر بشكل مقتضب و حاسم c’est l’affaire de gademer .تؤكد توجهنا على مقالتنا على الوقوف على عتبة هذا العمل الذي يعتبر بحق محطة حاسمة في تاريخ الهرمينوطيقا .كما (أعتبر أغسطين مصدر الهرمينوطيقا الأول بالمعنى الحقيقي والذي يقول إن الإنسان الذي يخشى الإله يبحث في إرادته في الكتابات المقدسة ….. التقوى ومن يكون قد تطهر من كل خطأ يمكنه إذن أن يباشر مناقشة وتوضيح المناطق الظنية بالنص المقدس .[1]

 

من أجل ذلك سنعمل على تقسيم المقالة ضمن هاته البنية الإشكالية :

– كيف تفكر غادمير في العلاقة التي تصل الحقية بالمنهج ؟

– مالذي يقصده غادمير في حديثه عن معالجة التراث هرمينوطيقا ؟

-في ما  تمثلت أهم الخطوط الحاسمة التي رسمها عن دور اللغة في مسألة الفهم و التأويل ؟

 يكتب غادمير ما يلي : والطريقة التي نجرب يها التراث التاريخي والطريقة التي نجرب بها أنفسنا  و بعضنا البعض . والطريقة التي نجرب فيها المعطى الطبيعي لوجودنا تشكل عالما تأويليا حقيقيا لا تكون حبيسه كما لو أننا خلف قضبان كما لو أننا خلف حواجز بل عالم نحن منفتحون عليه.[2]

والقصد ههنا هوأن غادمير يرشح المنهج على إمتلاك الحقيقة داخل المسافة التي تفصل القارئ عن النص .والتي يزعم ضمنها القارئ أنه يبسط قبضته على جزء هام مما يسعى النص إلى تلفظه وهو يدفعنا إلى الإختيار بين هرمينوطيقا الإيمان أو هرمينوطيقا الشك . فشكه منصب على العصر الحديث نقسه الذي قسم التعلم و الفهم إلى تصنيفات وعناوين جامدة قد تجعلنا نخسر أنفسنا أمام النص الذي نقرأه وذلك من جهة :(أن محاولة غادمير تقوم على ضرورة إبراز العنصر المشترك الذي يقوم بربط العلائق المشابكة بين أنماط الفهم المختلفة وإظهار ان الفهم ومن ثمة الهرمينوطيقا ليس سلوكا ذاتيا بل ممارسة تضرب بعمقها في صميم كينونة الإنسان.ولذلك يميز غادمير بين قوة الحقيقة التي يقتضيها الفهم وبين تقنيات البحث عنه و فيه .[3]

فنحن نكون أثناء قراءتنا لنص مقيدين وفق قوانين مرتبة مسبقا مستوعبين بالكامل فيها .إذن يصبح النص ههنا فضاء إكتشاف حيث ندرك أو نتعلم طريقة جديدة . لهذا السبب و حده يكون المنهج حسب غادمير مهما .لأننا كما يشير نقرا ضمن إضطربات التاريخ المتعددة لذلك يصبح سؤال المنهج ضرورة حاسمة يظهر قبل الحقيقة . كما أن موقعنا الحالي كقراء لم يعد يحمل إفتراضات مطلقة او موضوعية .. أكثر من أي موضع أخر لسنا مثلا كقراء أفضل أو اسواء من القراء الأوائل .

ينبه غادمير ضمن هذا التخريج  إلى أن المسألة ليست مسألة إحكام أو صيانة أنفسنا

بمقابل التراث الذي يعبر عن نفسه من خلال النصوص بل هي على العكس مسألة إستبعاد اي أي شيء يمكن ان  يمنعنا من أن نفهم التراث بمقتضى مو ضوعه .

 

عود على البدء  مالذي يعنيه مصطلح هرمينوطيقا الذي تردد في كتابات أفلاطون ؟

بوصفه الشعراء أنهم مفسري الله .مثلا في الأسطورة اليونانية كان هرمس رسول الألهة يتميز بسرعته ورشاقته و كانت وظيفته حسب الاسطورة أن ينقل الأسرار بين ألهة الأولمب والناس.مفككا الشيفرة التي تتناقلها الأتهة فيما بينها .لهذا الراس اليوناني الحاسم تمضهرات يضبطها غادمير في الحقيقة و المنهج في قوله:

يصل فريديرك شليغل في كتابه fragment minor إلى النتيجة التأويلية التالية إن العمل  الأدبي الكلاسيكي هو عمل لا يمكن أن يفهم خاما ولكنه يجب ان يحمل أؤلئك الذين علموا منه و مازلو يعلمون أنفسهم دائما الرغبة في الإستزادة .[4]

هل يعني ذلك أن السلوك الهرمينوطيقي الذي تسلكه الذات القارئة هو نغمة أنطولوجية تشتغل ضمن بنية منظمة و مورطة مسبقا في إيقاع يشده التاريخ ,النشأة ,الفهم ,الوضع .. ؟

 

ثمة  إشارة دقيقة في عمل غادمير نعثر عليها و فيها ما يلي :

L’herméneutique devrait étre compris des façon si englobant qu’elle devrait embrasser la sphère entier de l’art avec tous les problemes qu’il pose.[5]

أي أن العمل الهرمينو طيقي يفهم فقط من جهة إلمامه بكل الجوانب و الإحداثيات الداخلية مثلا للفن .إضافة إلى المشكلات التي تطرح داخل زمن القراءة .

صوب هاته العدة أقل ما يمكن إدراكه هو أن ثمة إرادة واضحة لإعلاء قيمة المنهج إضافة للإنتباه أمام الحقيقة كراهن ما قبل فعل القراءة المتوجهة وهما إلى الطبقة الأولية للنص .

ونحن أمام التاريخ الرسمي و الثانوي الملقى به خارجا للهرمينوطيقا نجد أن :

ديلتاي قد قام بتكيف مفهوم المفهوم الشلايرماخري للهرمينوطيقا كتأسيس لقواعد الفهم ز مذهب تأويل الوثائق المكتوبة و لكنه عمق بتحليل الفهم و تابع في إطار بحوثه تطوير علوم الفكر و تطوير الهرمينوطيقا نفسها .[6]

كما من المعلوم أن مجال إنهمام الهرمينوطيقا كان دائما يتمحور حول المعنى الخفي الذي يتيح لنا فهم المعنى و الحقيقة منظورا إلى أن غادمير يعمل جاهدا على فك الإرتباط بينه و بين هرمينوطيقا تاريخ الميتافيزيقا عند هيدغر.

لا مشاحة في الإشارة  إلى أن العنوان الأصلي لمؤلف الحقيقة والمنهج كان الفهم و الحدث في هذا القسم من التحليل . تشتبك المسائل و تتداخل : فالمقاربة الإيتمولوجية للهرمينوطيقا بما هي العلم الذي يقوم بتحديد المعاني الأساسية لتأويل النصوص وبخاصة النصوص الدينية منها و بماهي ايضا فن الفهم و التاويل و ما يتبعه من شرح وتفسير وبحث في أغوار المعان بغرض إستكشاف ماهو مخفي تضعنا بل تعيدنا  إلى دعامة الأنطولوجيا الأولى أيضا وهي اللغة .[7]

وذلك كما ورد في محاورة السفسطائي إن اشعراء ليسوا إلى ناطقين بإسم الألهة ويمكننا القول لرواة الملاحم الذين هم بدورهم منشدون للأشعار ألم تصبحوا بعد ناطقين بإسم الناطقين. ؟

إن هرمينياس هو من ينقل الرسائل مجددا من يعيد إنجاز هذا النقل وبنفس  الحركة يسعى غادمير إلى التنبيه إلى أن الأحكام الوجودية التي تؤسس موقفنا الوجودي الراهن ويذكر غادمير أن صرامة المنهج لم تكشف عنها الاعمال التاريخية لأنها كثيرا ما تؤكد تأثرها بالإتجاهات السياسية لللعصر الذي كتبت فيه .

فأن نؤول معناه بالضبط أن نستعمل مفاهيمنا لكي يعبر لنا النص بصورة فعلية عن أهدافه [8]

ومن اجل توظيف ذلك هرمسيا إختار غادمير للتعبير عن هاته العملية التاويلية مفهوم اللعب ليس هاته المرة لعبا حرا للمخيلة بل كناقل للتجربة الإنسانية وكل مايتعلق بالحرية الإنسانية التي تمارس داخل اللعب ونحن ههنا  لا نتحرك داخل القطب الجمالي إضافة إلى القطبين الذي توسعنا في الوقوف عليهما و هما القطب التاريخي و الدائرة اللغوية و دورها في طرق مسألتي الفهم و التأويل .

فالتراث من حيث الجوهر هو خزان و حفاظ مثل أي شيء يساهم في بفعلما اثناء التحلات التاريخية جميعها يد ان الحفاظ هو من فعل العقل الذي يتميز بالتستر و الإلحاح .[9]

لأن اللغة من جهة ثانية العقل الذي ينظم العلاقة بين المؤولين و بين موضعات تاويلهم ز ومن هذا المنظور ستبدو اللغة كما يسعى غادمير إلى بيانها بوصفها حورا بين افاق تأويلية متباينة و لأن كل تجربة نخوضها نخوضها بواسطة اللغة وحدها يكفي إيراد هذا القول لغادمير بقوله :إن الوجود الذي يفهم هو اللغة .

كما عرضه J.Greich  في قوله :فأهمية وشمولية الهرمينوطيقا تتأتى من كون الإنسان حيوان منتج لعلامات و تأويل و فهم العلامات من اجل هدف واحد هو هو توفير قاعدة

موضوعية للفهم وضمان حقيقة تأويلية والتي يجب أن تختلف عن الحقيقة المنطقية والحقيقة الميتافيزيقة.

 

الخاتمة:

جماع القول نقف ههنا على إستنتاجين حاسمين يتأتى من فتح ملف الهرمينوطيقا اولا النزعة النزعة الموضوعية في دراسة النصوص الدينية والفلسفي … بمختلف اصنافها تصيلر وهما بعد فهم الميكانيزميات التاريخية التي توجه النص و تحركه داخليا .

وفي درجة ثانية معرفة أهمية اللغة كأداة للتأويل و كأداة لتلوسط بين القيم المجردة وبين تحققاتها في الفعل الإنساني .

 

 

 


بيبلوغرافيا موجزة

 

المصادر:

-Hans Georg Gadamer,Vérite et Methode ,trad,P.ricoeur,ed Seuil,coll l’ordre philosophique,1976

-Gadamer,Hermeneutique et philosophie,trad,Jeane Griech, EditionBeauchesse 1999

-جورج هانز غادمير,الحقيقة والمنهج ,ترجمة حسن ناظم وعلي حكم صالح ,مراجعة جورج كتورة ,دار الكتاب الجديد 2007

 

المراجع:

-P.ricoueur ,De l’interpretation,ed ,Seuil,1965

-مارتن هيدغر,الأنطولوجيا وهرمينوطيقا الواقعانية ,ترجمة عمارة الناصر منشورات الجمل ,بيروت 2015

-جان غرندان ,المنعرج الهرمينوطيقي للفينومولوجيا ,ترجمة عمر مهبيل ,الدار العربية للعلوم ,2003

مارتن هيدغر ,الأنطولوجيا هرمينوطيقا الوقعانية,ترجمة عمارة مهبيل ,منشورات الجمل, بيروت, ص 44  ,2015[1]

جورج هانزغادمير ,الحقيقة و المنهج ,ترجمة حسن ناظم ,علي حكم صالح ,مراجعة جورج كتورة ,دار الكتاب الجديد, 2007,ص30   [2]

جان غراندان ,المنعرج الهرمينوطيقي للفينومولوجيا ,ترجمة عمر مهبيل الدار العربية للعلوم,2003[3]

غادمير,نفسه,ص 398[4]

[5] Hans Gorg Gadamer,Vérité Et Methode ,traduc ,P.riceoeةr ed seu,1976,p94.

هيدغر,نفسه,ص47[6]

جان غرندان ,نفسه,ص14[7]

 [8]Hans Gadamer ,Vérite et Methode,op,p 419

[9] Ibid,p303