مجلة حكمة
نزعة الدماغ إلى الإيثار - ويل وورلي / ترجمة: وافي الثقفي

نزعة الدماغ إلى الإيثار – ويل وورلي / ترجمة: وافي الثقفي


يفترض العلماء أن وجود الإيثار قد يكون فطريًا في مخ الإنسان. وقد شغل فكرَ الفلاسفة موضوعي الإيثار والأنانية وإلى أي مدى قد تبلغان عند الإنسان. أما الباحثون في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلس (UCLA) فقد استخدموا العلم كي يجربوا ويكتشفوا ذلك.  ترسخ الاعتقاد – إثر تلك التجارب – بفطرية  الإيثار، وفقًا لما ذكره زميل في دراسات ما بعد الدكتوراه ليوناردو كرستوف مور في معهد سيميل لعلم الأعصاب والسلوك البشري في جامعة كاليفوريا.

وذكر أستاذ الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا ماركو إيكابوني – وهو باحث له مقامه – أن البحث أشار كذلك إلى وجود طريقة مبتكرة من شأنها الحدُّ من صفة الأنانية وإذكاء صفة الإيثار، و أن من المحتمل أن يكون تقدمًا علميًا عظيمًا. وكان لهاتين الفرضيتين نصيب من نتائج دراستين أُجريتا.

879789ففي الدراسة الأولى، قام الباحثون بتحليل نشاط المخ لدى 20 مشاركًا عن طريق فحص مخ كل مشارك في الوقت الذي يُعرَض أمامهم مقطع فيديو يشاهدون فيه يدًا تُوخَزُ بدبوس، ومن ثم يُطلب منهم محاكاة صور فوتوغرافية بها وجوه معينه تعبر عن عدد من العواطف.

ويراقب العلماء تحديدًا مجموعة من أجزاء المخ تدعى “اللوزة amygdala”، و”القشرة الحسية الجسدية somatosensory” و “الجزيرة الأمامية anterior insula”. ولهذه الأجزاء علاقة بإدراك الألم والعاطفة ومحاكاة الآخرين. وراقبوا كذلك الجزء “الظهراني الجانبي dorsolateral” والجزء “الظهراني الوسطي dorsomedial” و”قشرة مُقدَّمِ الجبهي prefrontal cortex” التي تنظم السلوك وتتحكم في “التدفع impulse”.

عَقِب ذلك لعب المشاركون “لعبة الديكتاتور dictator game” وهي لعبة يستخدمها علماء الاجتماع لدراسة صناعة القرار. وفيها أُعطي كلُّ مشارك مبلغًا من المال (عشرة دولارات لكل جولة بمجموع أربع وعشرين جولة)  يدخره لنفسه أو يتقاسمه وشخص غريب، وهم مواطنون من مدينة لوس أنجلس، سُجلت أعمارهم ومستويات دخلهم الحقيقية. وبعد أن أتم المشاركون مهماتهم قام الباحثون بمقارنة ما دفعه كل واحد منهم بنتائج فحص المخ.

     اتضح أن المشاركين الأكثرَ نشاطًا في قشرة مُقَدّم الجبهي – المرتبط بالسلوك والتدفع – هم الأقلُّ عطاءًا إذْ بذلوا من أموالهم 1 – 3 دولارات فقط لكل جولة. في حين أن المشاركين ذوي الاستجابة القوية في أجزاء المخ المتعلقة بإدراك الألم والعاطفة والمحاكاة كانوا أكثر عطاءًا، فقد دفعوا ما متوسطة 70% مما لديهم. وهذا ما يسميه الباحثون “الصدى الاجتماعي prosocial resonance” أو “التدفع المنعكس mirroring impulse”، ويعتقدون أن هذا التدفّع هو القوة الرئيسة المحركة وراء الإيثار.

     يقول السيد كريستوف مور:” إن هذه الأجزاء من المخ تعمل وِفْقَ قاعدة عصبية مفادها أننا كلما حاولنا الشعور بما يعانيه الآخرون، ازداد ميلنا لأن نعاملهم كما نحب أن يعاملونا”.

      وفي الدراسة الأخرى أراد الباحثون معرفة ما إذا كان السلوك والتدفع المُتحكّم في قشرة مُقدّم الجبهي يمكن أن يَحُدّان من التدفع المنعكس أم لا. واسْتُخدِمت لأجل ذلك طريقة لا جراحية تسمى “التحفيز المغاطيسي للدماغ بموجات ثيتا theta-burst Transcranial Magnetic Stimulation”، أُجريت على (58) مشاركًا لتثبيط نشاط الدماغ في مناطقة معينة. فُوُجِد أن المشاركين الذي قَلّ لديهم النشاط في قشرة مُقدَّم الجبهي أكثر عطاءًا بنسة (50%) من أولئك الذي قلّ النشاط لديهم في مناطق أخرى. ويبدو أن تثبيط نشاط تلك الأجزاء يُحرّرُ المرء من الشعور بالآخرين.

       وتقترح نتائج كلا الدراستين إمكانيةَ وجود طرائق يمكن أن تعزز التعاطف، وهذا مهم لاسيما في معالجة أؤلئك الذين مرّوا بمواقف أدت إلى تبلّد أحاسيسهم كالسَّجن  والحرب.

       ويقول البروفوسور أياكوبوني: “إن هذه الدراسة دليلٌ مهم يؤكد أن من الممكن تعديلُ السلوك البشري دون جراحة ليكون سلوكًا أكثر اجتماعيةً”.