مجلة حكمة
الديمقراطية ليس للربح: تعليم للربح وتعليم للديموقراطية - مارثا نوسبام / ترجمة: فاطمة الشملان

ليس للربح: تعليم للربح وتعليم للديموقراطية – مارثا نوسبام / ترجمة: فاطمة الشملان

Nussbaum Martha
د. مارثا نوسبام

يمكنك شراء نسخة كندل كاملة من كتاب (‫ليس للربح: لماذا تحتاج الديموقراطية إلى الإنسانيات) عبر هذا الرابط


(2)

تعليم للربح .. تعليم للديموقراطية

نقوم نحن، شعب الولايات المتحدة، من أجل إنشاء إتحاد أكثر كمالا، تحقيق العدل، التكفل بتوازن محلي، النهوض بأعباء الدفاع العام، دعم المصلحة العامة، وضمان نِعَم الحرية لأنفسنا ولذرياتنا، بفرض وبناء هذا الدستور للولايات المتحدة الأمريكية.

مقدمة، دستور الولايات المتحدة الأمريكية،1787

نحن، شعب الهند، توصلنا رسميا إلى…….

أن نضمن لكل مواطنيها:

العدل، الاقتصادي والسياسي؛
حرية التفكير،التعبير،الإعتقاد، الإيمان، والعبادة؛

المساواة في المنزلة والفرصة؛

ودعم الإخاء من خلالهم جميعا كافلين حرية الفرد والوحدة وسلامة الأمة؛

نقوم بموجب مجلسنا التأسيسي في السادس والعشرون من تشرين الثاني/نوفمبر، 1949، بتبني، إصدار، ومنح أنفسنا هذا الدستور.

مقدمة، دستور الهند، 1949

يجب أن يُوجَه التعليم للتنمية الكاملة لشخصية الإنسان ولتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، يجب أن يدعم التفاهم، التحمل والصداقة بين كل الأمم، والمجموعات العرقية والدينية.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، 1948

للتفكيربالتعليم من أجل مواطنة ديموقراطية، علينا أن نفكر ماهي الأمم الديموقراطية، ومالذي تسعى إليه. ماذا يعني إذا أن تتقدم أمة، أحد وجهات النظر هي بأن معناه أن تزيد من إنتاجها القومي عن الفرد الواحد. لقد كان هذا القياس للإنجاز القومي هو المعيار المستخدم من قبل إقتصاديي التنمية حول العالم لعقود، كأنه مفوض جيد لجودة الحياة في أمة بالمجمل.

يقول هذا النموذج للتنمية، يجب أن يكون النماء الاقتصادي، هدفا لأمة. لايهم التوزيع والتساوي الاجتماعي، لا تهم الشروط المسبقة لديموقراطية مستقرة، لا تهم المساواة في العرق، والعلاقات بين الجنسين، لا يهم تحسين الجوانب الأخرى من جودة حياة الإنسان الغير متصلة بالنمو الإقتصادي.(أظهرت الدراسات التجريبية الآن بأن الحرية السياسية، الصحة، والتعليم ضعيفة الارتباط بالتنمية).1أحد الإشارات على ما يغفل عنه هذا النموذج هي حقيقة أن جنوب أفريقيا التي خضعت للتمييز العنصري كانت تضرب أعلى مؤشرات التنمية. كان هناك الكثير من الثروة في جنوب أفريقيا القديمة، وكافئ النموذج القديم للتنمية هذا الإنجاز(أو الحظ الجيد)، متجاهلا التوزيع الغيرمتساوي العجيب، نظام التمييز العنصري الوحشي، والقصور الصحي والتعليمي الذي أتى معه.

لقد تم الآن رفض هذا النموذج من قبل الكثير من مفكري التنمية الجادين، لكنه لا زال يهيمن على كثير من القرارات السياسية، خاصة سياسات متأثرة بالولايات المتحدة. لقد قام البنك الدولي ببعض التقدم المستحسن في عهد جيمس ولفنسون، لكن انحدرت الأمور بشكل شئ، ولم يحرز صندوق النقد الدولي التقدم نفسه أبدا الذي قام به البنك في عهد ولفنسون.دول كثيرة، وولايات داخل الدول، تسعى لهذا النوع من التنمية. تعرض الهند اليوم مختبرا كاشفا لمثل هذة التجارب، مثل بعض الولايات(أندرا براديش) التي سعت إلى التنمية الإقتصادية من خلال الاستثمار الأجنبي، عاملة القليل من أجل الصحة، التعليم، وأوضاع القرويين الفقراء، بينما سعت ولايات أخرى (كيرلا، ديلهي، والبنغال الغربي لحد ما) لاستراتيجيات مساواتية، محاولة أن تحرص على أن يكون الصحة والتعليم متوفرا للكل، أن تُنشئ البنية التحتية بطريقة تخدم الجميع، وأن يكون الاستثمار مرتبط بخلق وظائف للأفقر.

يحب موالون النموذج القديم الإدعاء بأن السعي وراء النماء الإقتصادي بحد ذاته سيوصل إلى الأشياء الجيدة الأخرى التي ذكرت: الصحة، التعليم، والتقليل من عدم المساواة الاجتماعية والإقتصادية. للآن، على العموم، بفحص النتائج لهذة التجارب المتباعدة، اكتشفنا أن النموذج القديم لا يأتي بالفوائد التي يدعي. الإنجازات في الصحة والتعليم، مثلا، يرتبطان بشكل ضعيف بالنماء الإقتصادي.2 ولا أن الحرية السياسية تتبع النماء، كما يمكننا رؤيته من خلال نجاح الصين الباهر. لذا فإن إنتاج نمو إقتصادي لا يعني إنتاجا للديموقراطية. ولا يعني إنتاج سكان صحيين، متعلمين، حيث الفرص لحياة جيدة متاحة لكل طبقات المجتمع. يظل، أن الكل يحب النماء الإقتصادي هذة الأيام، والميل نحو التوجه إلى الاتكال على ما أسميه “الصيغة القديمة”، عوضا عن اعتبار أكثر تعقيدا لما يجب على المجتمعات تحقيقه لشعوبها.

هذة النزعات المفجعة تم تحديها مؤخرا في كلا الأمتين اللتين سأركز عليهما. باختيار إدارة أوباما، رجح ناخبو الولايات المتحدة الأمريكية المجموعة الملتزمة لمساواة أكثر في الرعاية الصحية والاهتمام الأعلى لمسائل المساواة في الفرص بشكل عام. في الهند، في أيار/ مايو الماضي، في نتيجة مفاجئة، صوت الناخبون بأغلبية ظاهرة لحزب المؤتمر، الذي جمع بين إصلاحات إقتصادية معتدلة وإلتزام قوي للقرويين الفقراء.3 إلا أن كلا الأمتان لا تحتويان على سياسيات كافية تم إعادة التفكير بها لتشمل التنمية البشرية بوضوح في رؤيتيهما. ولذا ليس من الواضح بأن أيا من الأمتين قد احتضنت التنمية البشرية كصيغة، مقابل صيغة تنموية التوجه معدلة من أجل التوزيع.

مع ذلك، كلا الأمتان كتبت دستورا، وفي كلاهما، قام الدستور بحماية مجموعة من الحقوق الأساسية من هوى الأغلبية والتي لا يمكن أن تُلغى حتى لتحقيق نفع اقتصادي كبير. تحمي كلا الأمتان مدى من الحقوق السياسية والمدنية، وتضمن كلاهما لكل المواطنين حماية متساوية في القوانين دون اعتبار لعضوية المجموعات العرقية، الجنسية، والدينية. القائمة الهندية، أطول من تلك للولايات المتحدة، شملت أيضا التعليم المجاني الإجباري للمرحلتين الأولية والثانوية، والحق بالتحرر من الظروف القاهرة(حياة متكافئة مع كرامة إنسانية).4 مع أن الدستور الفيدرالي الأمريكي لا يضمن الحق في التعليم، إلا أن العديد من دستور الولايات يفعل، والعديد من بنود الضمان الإجتماعي. على العموم، نحن مخولين للاستنتاج بأن كلا من الولايات المتحدة والهند رفضتا الفكرة بأن الطريقة الصحيحة لتقدم أمة هي ببساطة الاجتهاد لتضخيم النماء الاقتصادي. ولذا فإنه من الأعجب بأن غالبية  المظاهر المهتمة بالتعليم، في كلا الأمتين، تستمر بالتصرف وكأن الهدف من التعليم هو النماء الإقتصادي وحده. في سياق الصيغة القديمة لما تحتاجه الأمة لتنمو، ما يقع على شفاه الكل هو الحاجة لتعليم يدعم التنمية الوطنية  يُنظر له كنماء إقتصادي. تم تحديد تعليم كهذا في تقرير لجنة سبيلينغ لوزارة التعليم الأمريكي، مركزة على التعليم العالي، وقد نُفذ في العديد من الدول الأوروبية، حيث يمنحون تقييما أعلى للجامعات والأقسام الجامعية التقنية، وتفرض قطعا وحشيا متزايدا للإنسانيات.إنه شئ مركزي للنقاشات في الهند اليوم، كما في كأغلب الدول النامية التي تحاول الإمساك بحصة أكبر من السوق العالمي.

لم تملك الولايات المتحدة أبدا نموذجا تعليما تنموي التوجه تماما. تقاوم بعض الخصائص المميزة والتي أصبحت تقليدية الآن بإيجابية ضد أن تقولب في هذة الظروف. بعكس كل أمة في العالم تقريبا، لدينا نموذج العلوم الإنسانية للتعليم الجامعي. عوضا عن دخول الكلية/ الجامعة لدراسة موضوع واحد، يُطلب من الطلبة أخذ مدى واسع من المقررات في سنتيهم الأول، شاملة بوضوح مقررات في الإنسانيات. يؤثر هذا النموذج من التعليم في الكلية والجامعة على التعليم الثانوي. لم يتم تقفي أثر أحد مبكرا جدا في مجرى العلوم اللاإنسانية،سواء علميا خالصا أو مهنيا خالصا، ولا يفقد الأطفال ذو التركيز على الإنسانيات الاتصال بالعلم في تاريخ مبكر. ولا يوجد التأكيد على أن العلوم الإنسانية هي أثارة نخبوية أو فارقة طبقية. منذ وقت مبكر، ربط معلمو الولايات المتحدة الرائدون العلوم الإنسانية بإعداد مواطنين مطلعين، مستقلين، متعاطفين، وديموقراطيين.نموذج العلوم الإنسانية قوي نسبيا، لكنه تحت ضغط شديد الآن في وقت الضائقة الإقتصادية.

جانب آخر من تعليم الولايات المتحدة التقليدي الذي يرفض بعناد أن يتم استعيابه من خلال نموذج التنمية يكمن بخاصيته المميزة في التأكيد على المشاركة الفعالة للطفل في البحث والتساؤل. هذا النموذج من التعليم، المرتبط بنظريات طويلة من الفلسفة الغربية التراثية لنظرية التعليم، تتفاوت من جان جاك روسو في القرن الثامن عشر إلى جون ديوي في العشرين، تشمل معلمين مرموقين أمثال فريدريك فروبل في ألمانيا، يوهان بستالوتزي في سويسرا، برنسون ألكوت في الولايات المتحدة، و ماريا منتسوري في إيطاليا. سنناقش أفكارهم أكثر في الفصل الرابع. يجادل هذا التراث بأن التعليم ليس مجرد استيعاب سلبي للحقائق والتقاليد الثقافية، بل عن تحدي العقل ليصبح فعالا، كفئا، وناقدا متأملا في عالم معقد. خلع هذا النموذج من التعليم نظاما كان يجلس فيه الأطفال جامدين على المكاتب طوال اليوم ممتصين ببساطة، وبعدها مستفرغين، المواد التي قُدمت في طريقهم. هذة الفكرة عن التعليم التفاعلي، التي تشمل التزاما كبيرا للتفكير النقدي والنقاش والتي يمكن تتبع جذورها إلى سقراط، قد أثرت عميقا بالتعليم الأمريكي الأولي ولدرجة معينة في التعليم الثانوي، ولم ينعدم هذا التأثير بعد، بالرغم من الضغط المتزايد على المدارس لانتاج طالب من النوع الذي يمكنه أن يؤدي جيدا في اختبار موحد.

سوف أناقش هذة النظريات لاحقا، لكني أقدمهم هنا من أجل الإشارة إلى أن من غير المرجح أن نجد مثالا خالصا للتعليم من أجل نماء إقتصادي في الولايات المتحدة__حتى الآن. الهند أقرب؛ لأنه بالرغم من التأثير الواسع للعظيم طاغور، الذي حاول بناء فكرته حول التفكير النقدي والتخيل التعاطفي، والذي أسس جامعة مبنية حول نموذج علوم إنسانية متعدد التوجهات، الجامعات في الهند اليوم، كما تلك في أوربا، تم بنائها منذ مدة حول الموضوع-الواحد عوضا عن صيغة العلوم الإنسانية. أُخذت جامعة طاغور، فيسفا_باهارتي (والتي تعني كل العالم) من قبل الحكومة، وهي الآن مثل أي جامعية أحادية الموضوع، تحذو بنحو كبير باتجاه تأثير السوق. بالمثل، توقفت مدرسة طاغور منذ مدة عن تعريف أهداف التعليم الأولي والثانوي. تم نبذ تعليم سقراط التفاعلي والاستكشاف من خلال الفنون لصالح تنشأة التلقين من أجل الاختبارات الوطنية الموحدة. التعليم ذاته الذي أنكره طاغور بشغف (مع الأوربيون والأمريكيون الذين ذكرت)_ حيث يجلس الطالب بشكل سلبي على المكتب بينما يقدم المدرسون والكتب المدرسية مواد تُهضم دون نقد_ هو واقع واسع الانتشار في مدارس الهند الحكومية. حين نتخيل ماذا يمكن لتعليم من أجل نماء إقتصادي أن يكون، يُسعى إليه دون التركيز على أهداف أخرى، من المرجح بالتالي أننا سنبتكر شيئا سيقع مشابها لما يعرضه في العادة قطاع المدارس الحكومية في الهند.

بالرغم من ذلك، فإن غايتنا هي فهم النموذج الذي له تأثير حول العالم، وليس وصف نظام مدرسي معين في بلد معين، لذا ببساطة فلنطرح أسئلتنا بتجرد.

ما نوع التعليم الذي يقترحه نموذج التنمية القديم، يحتاج التعليم من أجل النماء الإقتصادي مهارات أساسية، القراءة والكتابة والحساب.ويحتاج أيضا لأشخاص لديهم مهارات متقدمة في علم الحاسب والتقنية. الالتحاق المتساوي، مع هذا، ليس مهما للغاية، يمكن لأمة أن تنمو بشكل حسن جدا بينما يظل القرويون الفقراء أميون،وبلا مصادر أساسية للحاسب ، كما تُظهرالأحداث القريبة في العديد من الولايات الهندية. لقد رأينا في ولايات مثل غوجارات وأندرا براديش، أن إنشاء تزايد في مجمل الإنتاج الوطني لكل فرد من خلال تعليم نخبة تقنية تجعل الولاية جذابة للمستثمرين الأجانب. لم تنحدر نتائج هذا النماء لتحسين الصحة والعافية للقرويين الفقراء، كما لا يوجد سبب للتفكير بأن النماء الإقتصادي يتطلب تعلميهم على نحو كافٍ. كانت دائما هذة المشكلة الأولى والأكثر أساسية مع صيغة تنمية الإنتاج الوطني القومي لكل فرد. إنها تهمل التوزيع، ويمكنها أن تعطي علامات عالية لدول وولايات تحتوي على عدم تساوٍ مقلق. هذا صحيح جدا بالنسبة للتعليم: بمعرفة طبيعة المعلومات الاقتصادية، يمكن للأمم زيادة مجمل إنتاجها الوطني دون القلق الزائد على توزيع التعليم،طالما يُنشئون نخب تقنية وتجارية كفؤ.

نرى هنا طريقة أخرى انحرفت بها الولايات المتحدة تقليديا، على الأقل نظريا، عن صيغة النماء الإقتصادي. في الولايات المتحدة، كانت تقاليد التعليم العام، وأفكارعن تساوي الفرص والوصول، بالرغم أنها لم تُنشط على الواقع، أهدافا وطنية دائما، دوفع عنها حتى من قبل أكثر سياسي التركيز_التنموي توجها، كمؤلفي تقرير سبيلينغ.

بعد المهارات الأساسية للكل، والمهارات المتقدمة للبعض، يحتاج التعليم من أجل النماء الإقتصادي لمعرفة بدائية جدا بالتاريخ والواقع الإقتصادي_لهؤلا الناس الذين سيقومون بتخطي التعليم الإبتدائي في المقام الأول، والذين يمكن أن يصبحوا نخبة صغيرة نسبيا. لكن يجب أن يُؤخذ الحذر خشية أن يؤدي السرد التاريخي والإقتصادي لتفكير نقدي جاد عن الطبقة، العرق، والجنس، وعن ما إذا كان حقا الاستشمار الأجنبي جيدا على القرويين الفقراء، عن ما إذا كانت تستطيع الديموقراطية النجاة حين يحصل عدم مساواة هائل في فرص الحياة الأساسية. إذا التفكير النقدي لن يكون جزءا مهما جدا للتعليم من أجل النماء الإقتصادي، ولم يكن كذلك في الولايات التي سعت لهذا الهدف باستمرار، كولاية الهند الغربية غوجارات، المعروفة جيدا بدمجها للتعقيد التقني مع الخضوع والتفكير الجمعي. حرية تفكير الطالب خطرة إذا ما كان المراد مجموعة من العاملين المطواعين المدربين تقنيا لتنفيذ خطط نخبة يهدفون نحو الاستثمار الأجنبي والتنمية التقنية. عندها سيتم تحبيط التفكير النقدي _كما هو حاصل منذ زمن في المدارس الحكومية في غوجارات.

قلت، قد يكون التاريخ أساسيا. لكن لن يريد معلمو النماء الإقتصادي دراسة للتاريخ تركز على الظلم في الطبقة، الجنس، والإنتماء العرق-ديني، لأن ذلك سيعزز التفكير النقدي عن الحاضر.كما لايريد هؤلاء المعلمون أي اعتبار جدي لصعود الوطنية، أي أضرار حصلت من المثاليات الوطنية، وعن الطريقة التي يتم تخدير الخيال المعنوي غالبا تحت سلطة السيادة التقنية_لقد تم بتشاؤم مرير استحضار كل هذة المواضيع عن طريق رابندرات طاغور في “الوطنية”، محاضرات قُدمت خلال الحرب العالمية الأولى، تُهمل في هند اليوم، بالرغم من الشهرة العالمية لطاغور كمؤلف حائز على جائزة نوبل.5 لذا فإن التاريخ الذي سيُعرض سيعرض الطموح الوطني، خاصة الطموح من أجل الثروة، كنفع عظيم، وسيقلل من أهمية مواضيع عن الفقر والمسائلة العالمية. مرة أخرى، يسهل إيجاد أمثلة واقعية من الحياة على هذا النوع من التعليم.

يمكن إيجاد مثال صامت على هذا التوجه للتاريخ في الكتب الدراسية المصنوعة من قبل حزب بهارتيا جناتا،حزب الهند السياسي الهندوسي الوطني، والذي يلاحق باستماتة نماءا إقتصاديا مبنيا على أجندة تنموية. أحبطت هذة الكتب تماما (لحسن الحظ، هي مسحوبة الآن، منذ خسر حزب بهارتيا جناتا السلطة في 2004) التفكير النقدي ولم تعطه موادا يعمل بها. عرضوا تاريخ الهند كقصة غير نقدية من مواد وانتصارات ثقافية حيث كانت كل مشكلة بسبب أغراب و”عناصر أجنبية” داخلية. كان انتقاد الظلم في ماضي الهند مستحيل تقريبا من خلال محتوى المادة ونشأتها المقترحة(كمثال، الأسئلة في نهاية كل فصل)، التي أحبطت التساؤل المدروس وحضت على الهضم والاستفراغ. كان يُطلب من الطلبة ببساطة امتصاص قصة عن خير غير مشوب، متعدية كل اللامساواة في الطبقة، الجنس، والدين.

تم تقديم قضايا تنمية معاصرة أيضا، بالتركيز على الأهمية البالغة للنماء الإقتصادي و عدم أهمية مساواة التوزيع نسبيا. قيل للطلبة بأن ما يهم هو وضع الإنسان المتوسط (ليس على سبيل المثال، كيف وضع الأقل سعة). بل حتى تم تشجيعهم على التفكير بأنفسهم كجزء من جماعة كبيرة تصنع تقدما، عوضا عن أفراد منفصلين بحقوق منفصلة:” في التنمية الإجتماعية، أي شي ينفع الفرد يأتي بوصفه فقط كائنا جماعيا”.6 هذا المعيار الجدلي (الذي يقترح لو كانت الأمة بحال جيد، يجب أن تكون أنت بحالة جيدة، حتى لو كنت مدقع الفقروتعاني من كثير من الحرمان) يُقدم على أنه حقيقة يجب على الطلبة حفظه واستفراغه في اختبارات وطنية إجبارية.

من المرجح أن يحمل التعليم من أجل النماء الإقتصادي هذة الصفات في كل مكان، بما أن الملاحقة الغير مقيدة للنماء لا تؤدي إلى التفكيرالدقيق بالتوزيع أو عدم المساواة الإجتماعية.(قد تصل عدم المساواة لنسب هائلة، كما حصل في جنوب أفريقيا الأمس، بينما ينمو البلد بشكل حسن جدا.) بالفعل، وضع وجه إنسان على الفقر من المرجح أن ينتج ترددا حول ملاحقة النماء؛ لأن الاستثمار الأجنبي غالبا يحتاج من يتودد له عن طريق سياسات تسئ بقوة للقرويين الفقراء.(في أجزاء كثرة من الهند، على سبيل المثال، يمسك عمال الزراعة الفقراء أرضا يراد أن يُبنى عليها مصانع، ومن المحتمل ألا يكونوا الكاسبين حين تحصل الحكومة على أرضهم_حتى لو تم تعويضهم، ليس لديهم نمطيا المهارات التي يمكن توظيفها في الصناعات الجديدة التي استبدلتهم.)7

ماذا عن الفنون والأداب، والتي غالبا تُقدر لدى معلمي الديموقراطية؟ سوف يزدري التعليم من أجل النماء الإقتصادي، في المقام الأول، هذة الأجزاء من تدريب الطفل، لأنه لايبدو أنهم سيؤدون إلى تقدم إقتصادي شخصي أو وطني. لهذا السبب، يتم قطع الفنون والإنسانيات، على كل المستويات، في كل أنحاء العالم. لصالح غرس التقنية، يفاخرون الأهالي الهنود في طفلهم الذي يحصل على قبول في معهد التقنية والإدارة؛ يخجلون من الطفل الذي يدرس الأدب، أو الفلسفة، الذي يريد أن يرسم أو يرقص أو يغني. يتحرك الأهالي الأمريكيون أيضا، بسرعة نحو هذا الإتجاه، رغم تقاليد العلوم الإنسانية الطويلة.

لكن سيفعل المعلمون من أجل النماء الإقتصادي أكثر من إهمال الفنون. سوف يهابونهم. لأن تعاطفا مغروسا وناميا هو عدو خطر للبلادة، والبلادة المعنوية ضرورية للعمل ببرامج التنمية الإقتصادية التي تهمل اللامساواة. من السهل التعامل مع الناس على أنهم أشياء يتم إستغلالها إن لم تتعلم مطلقا أن تراهم بطريقة أخرى. كما قال طاغور، تحتاج الوطنية المتشددة لأن تبلد الضمير الأخلاقي، لذا تحتاج أناسا لا يتعرفون على الفرد، يتكلمون بكلام المجموعة، من يتصرفون، ويرون العالم، مثل بيروقراطيون خاضعون. الفن هو عدو عظيم للتبلد، والفنانون (مالم يُرعبون بشكل تام أو يُفسدون) ليسوا خدما معتمدين لأي أيديولوجية، حتى لواحدة جيدة بالأساس_يطلبون من الخيال دائما المضي ما وراء الحدود المعتادة، ليروا العالم بطرق جديدة.8 لذا سيشن المعلمون من أجل النماء الإقتصادي حملة ضد الإنسانيات والفنون كمكونات للتعليم الأساسي. يحصل هذا الإعتداء حاليا في كل أنحاء العالم.

يصعب إيجاد نماذج خالصة من التعليم لأجل النماء الإقتصادي في الديموقراطيات المزدهرة بما أن الديموقراطية مبنية على الاحترام لكل شخص، ويحترم نموذج النماء الجمعي فقط.مع ذلك، تتحرك أنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم أقرب فأقرب لنموذج النماء دون كثير من التفكير عن مدى تلاؤمه السئ مع أهداف الديموقراطية.

كيف يمكننا التفكير بنوع الأمة ونوع المواطن اللذان نحاول بناؤهما بطريقة أخرى؟ يُعرف البديل الأولي للنموذج المبني على النماء في دوائر التنمية العالمية، والذي كنت مرتبطة به، بصيغة التنمية البشرية. تبعا لهذا النموذج، مايهم هو الفرص، و “القدرات” التي يملكها كل شخص في مجالات رئيسية تتفاوت من الحياة، الصحة، السلامة الجسدية إلى الحرية السياسية، المشاركة السياسية، والتعليم. يقرهذا النموذج من التنمية على أن كل الأفراد يملكون كرامة إنسانية ثابتة يجب أن تحترمها القوانين والمؤسسات. تعترف الأمة المحترمة، على أقل تقدير، بأن لمواطنيها الحق في ذلك وفي مجالات أخرى وتبتكر إستراتيجيات لجعل الناس فوق مستوى حد الفرص في كل منها.

نموذج التنمية البشرية ملتزم بالديموقراطية، بما أن الحصول على صوت في الخيار السياسي الذي يحكم حياة الشخص هو مكون رئيسي لحياة مُستحقة لكرامة الإنسان. سيكون نوع الديموقراطية التي تفضلها عموما، ذلك الذي له دورقوي في أساسيات الحقوق التي لا يمكن مصادرتها من الناس عن طريق جموح الأغلبية_لذا ستفضل الحمايات القوية للحرية السياسية؛ المرتبطة بحرية التعبير، والممارسة الدينية؛ والحقوق الأساسية في مجالات أخرى كالتعليم والصحة. يربط هذا النموذج جيدا التطلعات الذي يسعى إليه الدستور الهندي (وذلك لجنوب افريقيا). لم تعطي الولايات المتحدة أبدا الحماية الدستورية، على الأقل على المستوى الفيديرالي، للحقوق في المجالات “الإجتماعية والإقتصادية” كالصحة والتعليم؛ ومع ذلك، لدى الأمريكيون أيضا حس قوي بأن قدرة كل المواطنين للحصول على تلك الحقوق هي علامة مهمة للنجاح الوطني. لذا فإن نموذج التنمية البشرية ليس وعدا مثاليا خاليا؛ إنه مرتبط بقرب بالالتزامات الدستورية، ليست دائما مُحققة تماما، لدى الكثير إن لم يكن في أغلب دول العالم الديموقراطية.

إذا أرادت أمة دعم هذا النوع الإنساني، حساسية الناس الديموقراطية المتفانية لدعم فرص لـ ” الحياة، الحرية، وتعقب السعادة” لكل شخص على حدة، ما هي القدرات التي تحتاج أن تنتجها في مواطنيها؟ على الأقل يبدو اآتي حاسما:

  • القدرة على التفكير الجيد بخصوص القضايا السياسية المؤثرة على الأمة، بالاختبار، التأمل، المناقشة، المناظرة، واضعة جانبا التقاليد والسلطة.

  • القدرة على التعرف على المواطنين كأشخاص يملكون حقوقا متساوية، بالرغم من أنهم يمكن أن يختلفوا في العرق، الدين، الجنس، والجنسانية: بالنظر إليهم باحترام، كغاية، وليس فقط كأدوات يتم إستغلالها لمنفعة الشخص ذاته.

  • القدرة على الاهتمام بحياة الآخرين، استيعاب ماذا تعني السياسيات المختلفة لفرص وتجارب من أنواع مختلفة لمواطني الشخص، وللناس خارج أمته.

  • القدرة على التخيل جيدا أنواعا من المواضيع المعقدة التي تؤثر على حياة الإنسان لحظة تجليها: التفكير بالطفولة، المراهقة، العلاقات العائلية، المرض، الموت، والكثير بطريقة تم إخبارها بفهم المدى الواسع لقصص الإنسان، ليس فقط ببيانات تراكمية.

  • القدرة على الحكم على القادة السياسيين نقديا، بحس مطلع وواقعي للإمكانيات المتاحة لهم.

  • القدرة على التفكير بمصلحة الأمة ككل، وليس فقط في مجموعة الشخص المحلية.

  • القدرة على رؤية أمة الشخص، كجزء من نظام العالم المعقد حيث تحتاج قضايا من مختلف الأنواع لترجمة ذكية متبصرة لحلها.

هذة مسودة فقط، لكنها على الأقل بداية لإيضاح ما نحتاجه.