مجلة حكمة
كيليطو

كيليطو والعقيدة اللغوية – أسماء الباتلي

كيليطو والعقيدة اللغوية - أسماء الباتلي
عبدالفتاح كيليطو ، كاتب مغربي

هل اللغة كلمات نرددها ونألفها منذ الصغر؟

أم هي خطاب تُلقن به أفواهنا ؟

أم هي بمثابة وجه يكتسي ملامحنا ..وجه يعرفه الرائي قبل أن تتفوه بكلمة كما عبّر عن ذلك عبدالفتاح كيليطو “…أجل للغة وجه مهما كانت الكلمات الأجنبية التي أتلفظها تطلّ العربية مسموعة من خلالها كعلامة لا تمّحي”

هذا ليس كلام شخص يفخر بلغته بل هو إيمان يزهو به؛ اعتقاد خالص بأن العربية هي وجهته الأولى أيّما اصطبغ لسانه بتراجم أخرى .

والحديث عن المغربييّن ذو شجون لغوية .. باعتبار أن غلبة ابنائها صُبغت ألسنتهم بلغة أجنبية؛ أبناء الرباط والدار البيضاء الذين خضعوا لحماية فرنسا وألقمو الفرنسية في مهدهم .. عربٌ زاحمتهم لغة ظنّو أنها لغتهم الفطرية؛ ظنّو بأن لعبة التاريخ والاستعمار جعلتهم يستيقظوا بلسان فرنسي .. فنسوا عربيتهم.

فأنت أيّما وليت وجهك تجد اللغتين جنبًا الى جنب .. حيث الصحف والمجلات؛ وأسماء الطرقات كلها مكتوبة باللغتين .. العربية والفرنسية.

 كيليطو لا يُقصر الأمر بأنه ازدواجية بل هو شبيه بعبارة “اللسان المفلوق” وهي عبارة دالة في لهجة الهنود الحمر على الكذب والنفاق وازدواجية اللسان ..

فالواقع أنه وإن كانت عثرة التاريخ تمنحك لغة تنشأ معها تزاحم لغتك الام؛ إلا أن الإنسان لايستطيع أن يتخلص من لغته التي طعّم بها كحليب أمه ..فالكلمات التي يُسمع صداها في البيت؛ والأغاني التي تُهدهد لك وأنت في صغرك .. التراكيب التي يُتقوّم بها لسانك .. وتعجن به أنّى لها أن تتملص منها بلسان آخر .. فهذا هو الروائي ادريس الشرايبي في روايته “سيأتي صديق لزيارتكم” أصدق دليل على أنه يصعب على أيّ منّا التحرر من لغته حيث حفل النقاد بالرواية “… أنها تخيب آمال الفرنسيين والمغاربة على حد سواء ؛فأولئك يبدو أنهم يتوقعون من كاتب يحمل اسمًا غريبًا أن (يغرّبهم) عن وطنهم ولغتهم أما هؤلاء فيتساءلون عمّا إذا كان الشرايبي مازال مغربيًّا إذا كان يكتب باللغة الفرنسية ويطرق قضايا فرنسية محض”

جاك دريدا هو الآخر والذي غادر بلده الجزائر وقد بلغ الثلاثين الى فرنسا واكتسى الفرنسية؛ جنسيةً وخطابًا لم يبلغ اليقين اللغوي بأن يجعل من الفرنسية لسانًا طليقا يجري بسهولة “…لا أعتقد أني أضعت نبرتي وأنني فقدت كل مايميز لهجة فرنسي الجزائر يتجلى ذلك بحدة في بعض المواقف اليومية عند الغضب او الاندهاش والتعجب فهو يتجلى اكثر في المجالات الخصوصية اكثر مما يظهر في العمومية”

الأمر ليس قميصًا يستبدل بآخر؛ ودون أن يكون هناك فضل للغة على أخرى أو تقديس للهجة دون أخرى .. لكنه هو وجهك الذي ولدت معه واكتسيت به.