مجلة حكمة
كيف صُوّرت نساء القرن التاسع عشر كحسناوات غاويات ومصاصات دماء خطرات؟ كيف صُوّرت نساء القرن التاسع عشر كحسناوات غاويات ومصاصات دماء خطرات؟

كيف صُوّرت نساء القرن التاسع عشر كحسناوات غاويات ومصاصات دماء خطرات؟ / ترجمة: آية هشام محمود

large
“رامية الحمض” 1894 لـيوجين سامويل جراسيت

في الثالث والعشرين من شهر يوليو عام 1877، اجتمعت الحشود في قاعة محكمة إيرانية لمشاهدة محاكمة الأرملة جراس، والتي كانت قد اتُهمت بالتلاعب بإحدى العُمال وتحريضه على رمي سائل حمضي في وجه حبيبها. هذه الجريمة، وجرائم أخرى مثلها، ألهمت لوحة “رامية الحمض” (1894)  للفنان، سويسري الأصل، يوجين جراسيت. تظهر المرأة في اللوحة بيد ثابتة، وهي تلتف للنظر للمشاهد بعينين خضراوين تميلان إلى الصفار وتبدو عليهما الاضطراب، مما يعبر عن حالتها النفسية.

ظهرت الحسناوات الغاويات، من أمثال الأرملة جراس، بشكل مستمر في أدب و فنون نهايات القرن التاسع عشر، خلال حركتا مابعد الإنطباعية والرمزية. كانت هؤلاء الحسناوات الغاويات يتمثلون في العديد من الهيئات المختلفة، تتراوح بين هيئات النساء العادية ومصاصي الدماء وأشباح الهاربي. صُوِرَت هؤلاء الغاويات ككائنات قاسية ومخادعة وعنيفة، غالبًا ما تستخدم سلطة إغوائها كوسيلة لتدمر بها أعدائها.

برز هذا النموذج إلى الوجود جزئيًا كرد فعل للتغير الذي طرأ على مكانة المرأة في المجتمع. ففي خلال القرن التاسع عشر في فرنسا وأوروبا الشمالية، قطع النشطاء الحقوقيين شوطًا كبيرًا تجاه حقوق المرأة الإجتماعية والسياسية، وتحدوا الادعائات التي ظل يروجها المجتمع، لفترات طويلة من الزمن، عن دور المرأة في مقرالعمل والمنزل والعلاقات الحميمية. بينما كان المتوقَع من الزوجات هو الخضوع والخنوع لأزواجهن، صور العديد من فناني وكتاب نهايات القرن التاسع عشر المرأة ككائن مخادع بطريقة خطرة ومؤثرة، مما يعكس خوف المجتمع من النساء المستقلات الذين كانت أعدادهم في تزايد مستمر. ومع أن الكثير من هذه الأعمال يمكن تفسيرها كأعمال معادية للنساء، إلى أنها نتاج عصرها وتعبر عن رد فعل لتحديات تغيير المعاني الراسخة للذكورة والأنوثة خلال القرن التاسع عشر.

المرأة الغاوية ككائن متوحش

f6b8555bb31fb7dcdda2bba5167c1f08
“مصاصة الدماء” 1893-1895 لـ إدفارت مونك                       

عُرضت لوحة “مصاصة الدماء” (1893) للرسام النرويجي إدفارت مونك في الأصل تحت عنوان “الحب والألم”، إلى أن بدّل أحد المؤلفين ومحبي أعمال مونك العنوان إلى “مصاصة الدماء” عام 1894، مما أدى إلى خلق قصة جديدة للوحة. تحولت اللوحة بسبب العنوان الجديد من لوحة تصور ثنائي من المحبين في نزع إحتضان عاطفي، إلى لوحة تصور امرأة مستبدة تنتزع انتقامًا وحشي.

لم تكن مصاصي الدماء هي الكائنات الخرافية الوحيدة التي صُوِرت كنساء غاويات في هذه الفترة. ففي لوحة “أوديب يقابل أبا الهول” (1864) لغوستاف مورو، يظهر أبو الهول (كائن السفينكس)، برأس امرأة وجسد أسد وأجنحة طائر، كإمرأة غاوية. صورت المرأة في اللوحة ككائن غامض ذا عنف حيواني، تنبش بمخالبها في صدر أوديب وتقترب بأرجلها الخلفية بشكل خطير من أعضائه التناسلية، مما يعزز من الجاذبية الجنسية في الصورة. تصوير النساء الغاويات ككائنات متوحشة أعطى تكوين مرئي لهذه السمات التي اعتبرها الفنانون فاسدة ومنفرة في المرأة، وهي: الميل نحو السلوك الداعر والخداع والتلاعب بالآخرين.

 

large-2
“الرؤيا” (1876) لغوستاف مورو

إعادة النظر في نماذج النساء الغاويات المعروفة:

                                                  

اهتم بعض الفنانين من أمثال مورو وبول غوغان وغوستاف كليمت وفرانز ستاك وجان توروب بنماذج معروفة من النساء الغاويات في القصص التاريخية، والإنجيلية، والخرافية، ليشددوا على مخاطر الإستسلام للإغراء الجنسي للنساء. في لوحة “الخطيئة” (1893) لفرانز ستاك، والتي تشير إلى حواء في جنة عدن، يعرض ستاك امرأة عارية تنظر للمشاهد بنظرة حازمة، ويلتف حول عنقها وجسمها ثعبان، ليطوق نهديها ويعزز من غوايتها. ايضًا كانت ” سالومة”، المرأة الغاوية سيئة السمعة في العهد الجديد، موضوع محبب لدى فناني القرن

large-1
“الخطيئة” (1893) لفرانز ستاك

التاسع عشر. القصة تقول أن رقصة سالومة المثيرة هي التي اقنعت هيرودس بأن يمنحها جائزة، فطلبت منه أن يحضر لها رأس يوحنا المعمدان على طبق. تصور لوحة مورو المائية “الرؤية” (1874-1876) سالومة بملابس شفافة وهي مستغرقة في رؤيا اكتسابتها الأخيرة، وهي رأس يوحنا المعمدان المبتورة.

 

 

 

 

 

 

 

نماذج النساء الغاويات في الحياة اليومية

downloadfile-3
“الإنفصال” (1896) لإدفارت مونك والكذبة” (1897) لفليكس فالوتون
                                                                   

لم تكن جميع النساء العاشقات في فنون نهايات القرن التاسع عشر، شخصيات شريرة ذات بُعد خرافي، فصوّر الفنانون ايضًا آلآم وتعقيدات العلاقات الرومانسية العادية. اشتهر الفنان الفرنسي فليكس فالوتون بمجموعته الفنية المنحوتة “علاقات حميمية” (1897-1898)، والتي تمنح المشاهد لمحة عن الحياة الشخصية لثنائي باريسي في لحظات شديدة الضعف العاطفي. في لوحة “الكذبة”، إحدى لوحات المجموعة، صور فالوتون ثنائي يضم كلاهما الآخر، بينما تهمس المرأة في أذن الرجل. هذه الحميمة تعطي إنطباع عكسي لعنوان اللوحة، مما يوحي أن تناغمهم الرومانسي ما هو إلا إدّعاء. عالج إدفارت مونك ايضًا قضية آلآم الحب في لوحته “الإنفصال” (1896). في اللوحة يصور مونك امرأة شابة تنظر بعيدًا تجاه الإمتداد الأبدي للمحيط، بينما ينصرف عنها حبيبها الذي تلتف خصلات شعرها حول قلبه، كتعبير مادي على إرتباطهما العاطفي. في حين تقوم المرأة بقطع العلاقة بينهما، ينطوي الرجل بدوره على نفسه متألمًا، ممسكًا صدره بيده التي لطخها الدماء. هؤلاء الفنانون صوروا الحب كعملية عنيفة عاصفة ومؤلمة، ليزيلوا الغطاء عن الطبيعة المعقدة للعلاقات الجندرية (علاقات النوع الإجتماعي) في بدايات القرن العشرين.

 

 


المصدر