مجلة حكمة
كيركيجارد والصمت والأمل الراديكالي - جون ليبيت / ترجمة: فاطمة الشملان

كيركيجارد والصمت والأمل الراديكالي – جون ليبيت / ترجمة: فاطمة الشملان

J_LIPPITT
جون ليبيت

هل الأمل الراديكالي صيغة صمت؟ يناقش جون ليبيت تأملات كيركيجارد عن الصمت و يستقي المفهوم الملهم من كيركيجارد عن الأمل الراديكالي ليسأل ما إذا فحوى أملنا في وجه التغير المناخي يمكن أن يغدو شيئا آخر عدا الصمت.

كان سورين كركيجارد من أشد المعجبين بالصمت. قد يبدو ذلك مفارقة من نوع ما لكاتب خصيب مثله، والذي جعل من كاتب السير جوكيم غراف أن يسمي انتاجه غير الاعتيادي “هوس كتابة”. بيد أن عمل كيركيجارد يستكشف صيغا ومعانٍ مختلفة عن الصمت، وصفها البعض بالـ”شيطانية” وآخرون بالـ” مقدسة”.  إن أحد أكثر كتاباته شهرة، خوف ورعدة، كتبت باسم مستعار حيث الاسم ذاته، جوهانز دي سايلنتو، يعني الصمت. ولكن ما أريد التعليق عليه هنا باقتضاب، هو الصمت المنبثق كثيمة في خطابات كيركيجارد “البنائة” أو “التهذيبية” العدة: كنصوص التأمل الديني المنشورة تحت اسمه بمعية الأعمال المشهورة أكثر والمقرؤة بشيوع تحت اسم مستعار مثل، إما/ أو وخوف ورعدة. يميل الصمت الذي توصي به تلك النصوص ليكون صمتا معبرا عن انفتاح واثق ومستقبِل لأي شي تهبه لنا الحياة، عوضا عن احباط أمام عدم حصولنا على ما نريد: وهو ما أطلق عليه غريغوري بيباوت فضيلة “الاستقبال الفاعل”. إني أقترح بأن أحد سبل كون صمت كهذا مهما هو في أنه يحتضن أملا، وأن الكثير من الأمل الكيركيجاردي يشبه ما نعته جونثان لير بـ الأمل “الراديكالي”.

 

“إذا يمكن للصمت أن يحتضن الأمل، فبأي طريقة يمكن لهذا الأمل أن يكون ‘راديكاليا‘؟”

العديد من افتتاحيات الصحف لكيركيجارد تحط من الخطاب “الإنساني المجرد” لصالح الصمت “المقدس”. على المرء ألا “يتفوه بفارغ القول للرجال الآخرين” عن علاقته مع القداسة: “الحديث عن علاقة المرء بربه هو تفريغ يوهن.” (يذكر كيركيجارد باهتمام في افتتاحية أخرى منظور الكنيسة القديم بأن يمكن للمرء أن يعترف للمسيح عبر البقاء صامتا.) إن جزء من اعتراضه هنا وفي أماكن أخرى هو نتيجة قلق من جنوح الخطاب لأن يشوه ما يسميه “اللغو” [snakke] .

ففي كتابه عصران، يصر بأن ” يمكن فقط للإنسان الذي يبقى صامتا جوهريا أن يتحدث جوهريا وأن يفعل جوهريا. إن الصمت  جوهري… وهذا التوجه الجوهري للصمت هو شرط الحوار المتحضر.” ففي إعادته للوصلة الموسيقية الخيالية عن ثيمة ما يمكننا تعلمه من الزنابق في الحقل والعصافير في الهواء، المذكورة في متى -346:241، وهو نص إنجيلي يعود إليه في 14 خطاب على الأقل، يتواجد الصمت في قلبها ويتم التعامل معه على أنه درب يفضي إلى تجربة الأمل الماتع الذي يمكنه أن يهدئ قلقنا من المستقبل.

 إذا يمكن للصمت أن يحتضن الأمل، فبأي طريقة يمكن لهذا الأمل أن يكون “راديكاليا”؟ يناقش جونثان لير في كتابه أمل راديكالي، حالة بلنتي كوبس، آخر زعيم عظيم لقبيلة السكان الأصليين الأمريكيين والتي تسمى (قبيلة الغراب)، وحاجته لمواجهة الانهيار المحتمل للحياة كما يعرفها هو وشعبه، والتي سيخاطر فيها بالتخلي بلا معنى عن الأعراف والقيم التي شكلت حياة ممتازة نتيجة للتقدم الاقطاعي للمستوطنين البيض. إن تركيزا مركزيا ينصب في كيف تمكن بلنتي كوبس من القبض على الأمل في تلك الظروف التي يحتمل بؤسها. إن أمله راديكالي بمعنى أنه تعلق بالالتزام لخيرة تسمو فوق وجوده، مع إدراك محدود لهذا الخير. يصمد على أمل حدوث احتمالية مرغوبة تتجاوز قدراته الخيالية، أملا حيث يعجز فيه مفهومه عن الخير  أن يقيم العدل. ومن خلال استقراء مثاله الرئيسي، يقترح لير بأن أملا كهذا حاسم في ” الاستعلام الأخلاقي عن الحياة عبر أفق الفهم للمرء.” تحديدا،لأن فهمنا الحالي عن الحياة الجيدة يعجز أن يقبض على فحوى أمل الخير، حيث أن أملا كهذا يتطلب نوعا من الصمت. الكثير من الأمل الكيركيجاردي مثله، وقد حثيت في مواضع أخرى2 بأن أملا كهذا مهم إلا أنه جانب مهمل غالبا من الإيمان الكيركيجاردي.

 

“لأن فهمنا الحالي عن الحياة الجيدة يعجز أن يقبض على فحوى أمل الخير، حيث أن أملا كهذا يتطلب نوعا من الصمت.”

كانت الطامة الثقافية التي واجهت قبيلة الغراب مفرطة، ولكن هل تحمل مردافا معاصرا؟ يوحى إلي- وكما حث البرفسور بريون ويليستون عبر الكتابة3– وفيما يخص التغير المناخي، أننا نحن قبيلة الغراب. فكما في رواية لير، تأمل بلنتي كروبس أن شعبه “سينجون (أيا كان هذا يعني) وسيتمسكون بأرضهم (أيا كان هذا يعني)،” وبذا فيما يخص التغير المناخي، فإن اعترافا ولو متأخرا بأنه أمر ملح، وبالتغيرات في أنماط النشاط البشري الذي يتطلبه، قد يعني بأنه لا يزال من الممكن الأمل بعالم حيث يمكن للبشر أن ينجون ويزدهرون، وإن يكن من المحتمل في ظروف مختلفة جدا (أيا كان هذا يعني). إن موضوع أملنا مبهم: نأمل بأنه يمكننا الاستمرار بالازدهار في عالم كهذا مع سلامة وكالتنا الأخلاقية، ولكن مع التعرف على أن (كما يضعها ويليستون) ” يمكننا القول مقابل عدم القول إطلاقا عما ستساعد هذه القدرة في خلقه من ثقافات_عوالم.” والذي يمكن قوله بطريقة أخرى، بأن فيما يتعلق بفحوى أمل راديكالي كهذا – لا يمكننا أن نمنح سوى الصمت.

 

 

المصدر

 

 


المراجع:

  • 24”لا يقدر أحد أن يخدم سيدين لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال. 25 لذلك أقول لكم: لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس؟ 26 انظروا إلى طيور السماء: انها لا تزرع ولا  تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها؟27 ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعا واحدة؟ 28 ولماذا تهتمون باللباس؟ تأملوا زنابق الحقل كيف تنموا! لا تتعب ولا تغزل. 29 ولكن أقول لكم أنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. 30 فان كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم  ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا أفليس بالحري جدا يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان؟31  فلا تهتموا بالقائلين: ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس؟ 32 فإن هذه كلها تطلبها الأمم. لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. 33 لكن اطلبوا أولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم. 34 فلا تهتموا للغد لان الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم  شره.” (المترجمة)
  • ‘Learning to hope: the role of hope in Fear and Trembling’, in Daniel Conway (ed.), Kierkegaard’s Fear and Trembling: a critical guide (Cambridge: Cambridge University Press, 2015) or Routledge Guidebook to Kierkegaard’s Fear and Trembling (London: Routledge, 2016, second edition), pp. 175-196.

3-     Byron Williston, ‘Climate Change and Radical Hope’, Ethics and the Environment vol. 17 no. 2 (2012), pp. 165-186.