فالسر روائي وقاص نمساوي يكتب بالألمانية. ولد 1878 ومات 1956
كلايست شاعر وروائي ألماني ولد 1777 ومات منتحرا 1811 برفقة صديقته التي يذكر أنها كانت مصابة بالسرطان والاكتئاب.
ثون هي بلدة صغيرة في سويسرا، بقرب نهر الآر، عند مدخل جبال الألب البرنية. تعد وجهة لكثير من السياح.
الرابط
لماذا يكتب فالسر عن كلايست؟
فالسر عاش آخر سنوات حياته في اضطراب ذهني، قاده إلى دخول مصحّات عقلية كثيرة. فالسر الذي تصفه سوزان سونتاج بأنه الحلقة المفقودة بين كلايست وكافكا، حيث أن الأخير كان من أكثر المتأثرين به، اختلق سردا يقوم على تفكيك التراتبية السردية في خدمة الصورة واللغة والجرْس. فالسر الشاعري، ذو الحساسية الرومانتيكية. هذا الصنف يجب ألا يخدعكم، إنه دائما ينتج أكثر الناس كآبة وعرضة للألم. ولهذا فالسر يحب كلايست ، ويكتب عن كلايست: الجمال في الألم، والألم في الجمال. لماذا انتحر كلايست؟ نظريات كثيرة، لا جدوى منها. المهم هو أن كلايست كان مهيئا للموت، حسب ما يكتب فالسر. الوحدة، لا شك عنصر أساسي. ولكن الأهم، هو الجمال. الجمال هو دافع كلايست لأن ينتحر، إن الجمال في حد ذاته ألم، تذكير بانعدام وشيك يورث نشوة صلاتية، بفراغ من الممكن أن يفيض على السطح. الجمال الذي لشدة ما يبدو جميلا يكاد يبدو مصطنعا، مزيفا، لاحقيقي، ” ألبوم رسمه هاوٍ حصيف “. يصف فالسر مراقبة كلايست لصورة جمالية “يجلس هناك، وجهه ينتَـأ إلى الأمام، وكأنه يجب أن يكون مستعدا لقفزة الموت في صورة ذلك العمق الفاتن. إنه يريد أن يفنى في تلك الصورة”. ولذا بالنسبة لـ كلايست ، فالانتحار ليس موتا، وإنما فناء في الحياة المتلاشية، فناء في صورة الجمال الذي يهمُّ بالاندثار، الجمال الذي يعقبه دائما ضمور مشبع ببلادة رتيبة ويكاد يخالطه كمال يُشبه التأليف المتعمد. الأسباب المحسوسة التي تقف وراء انتحاره، هي مجرد الشكل، وهو مهم بلا شك، ولكن السبب الرئيسي هو الجمال، ولذا أي حياة كان سيعيشها كلايست وأي خيارات كان سيتخذها، كلها ستؤدي إلى انتحاره، عاجلا أما آجلا، حسب ما يكتب فالسر … مرحبا بك في عصر رومانتيكيي القرن الثامن عشر!
أسلوب فالسر
فالسر يلقب بالمراوغ، لا يُفهم دائما. أحيانا يمنحك جملا مكركبة لامفهومة، ولكن فيها كلمة واحدة كفيلة بالإيحاء – إما إلى شيء سابق أو شيء لاوجود له في النص – الذي يجعلك تفقد تركيزك وتتشتت. هذا كل ما يريده، أحيانا بالطبع، أن تتشتت، أن تشعر أنّ النص يذهب بك إلى مناطق غامضة، مكركبة، متداخلة، يتسرب من يديك وأنت تحاول الإمساك بتراتبية جمله. وغالبا، تصل تلقائيا وسريعا – لأن فاولسر كاتب جيد – إلى تركيب المعنى من الجملة المراوغة، ولكنه معنى إيحائي لغوي صوري. ولذا ستلاحظ عدة فجوات أحيانا، قفزات أو مناطق فراغ. هذه اللغة تشبه عملية المونتاج، حيث التقطيع والتداخل. وفالسر في هذا رائد أصيل، حيث أنه سبق كافكا وبروست وفوكنر. لغته فيها ذلك الغموض المكركب اللذيذ.
ولهذا قررتُ في ترجمته ألا أغيّر شيئا، ألا أحاول أحيانا وضع كلمة أو ترتيب قد يشرح الرابط أو يجعل الجملة أكثر تماسكا مع ما قبلها وبعدها، فمن المهم أن يأتي النص تماما كما أراده فالسر، مكركبا، متداخلا، تشتبك أفعاله وأسماؤه أحيانا، صفاته وضمائره، لتشكل هذا الجسد السردي الغامض اللاواعي الذي ينبض بجرس يتجاوز مطلب الفهم المجرد، إلى الشعور نفسه، الحدس نفسه، الذي تحسه بقدر ما تفهمه. ولهذا ففالسر في هذا النص حسي تماما، نصه العبقري يخاطب الجوارح بقدر ما يخاطب العقل، الأذن بقدر العين.
كما أن فالسر من أوائل من اعتمدوا “الميتا فيكشن”. وهي دخول الكاتب في قصته. إذ يخرج فالسر في نهاية القصة، وينهيها بطريقة مقطوعة وكأنها يوميات.
الترجمة
عبر الترجمة الإنجليزية للشاعر كريستوفر ميدلتون، المتخصص في الأدب الألماني، وتحديدا في أدب جوته وفالسر وهولدرلن وسيلان، وهو الذي اعتمدت عليه أكثر في الترجمة، مع مراجعة النص الألماني.