مجلة حكمة
فولتير القاموس الفلسفي لفولتير - حسن حنفي

فولتير – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: مشرف بك أشرف

د. شانك ج. ب، بروفيسور تاريخ العلم والطب في جامعة مينسوتا، ومتخصص في كتبات فولتير
د. شانك ج. ب، بروفيسور تاريخ العلم والطب في جامعة مينسوتا، ومتخصص في كتبات فولتير


بسم الله الرحمن الرحيم، حول الفيلسوف الناقد والناشط الاجتماعي فولتير ، عن سيرته وأفكاره، وانتقاله إلى إنجلترا، وكشف اللثام عن شخص الفيلسوف فيه؛ نص مترجم لد. شانك ج. ب.، من ترجمة: مشرف بك أشرف، والمنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة. نسخة PDF


فرانسوا ماري آروويه (1694-1778)، واسمه المستعار “فولتير” أكثر شهرة من اسمه الحقيقي، كان كاتبا وناشطا اجتماعيا فرنسيا، وقام بدور مرموق بارز في تحديد قسمات ما يعرف بالحركة التنويرية في القرن الثامن عشر، وأدى دورا فذا منقطع النظير في إقامة معالم الطريق الذي أدى إلى محطة التنوير، وكان عمله في صميمه ضرب سهما وافرا في صوغ المفهوم الحديث للفلسفة وللفيلسوف، وألقى بظلاله على تصورنا للفلسفة من نواح شتى إلا أنه لم يكن بوجه من الوجوه فيلسوفا بالمعنى الذي نعهده الآن، فإنا إذا ألقينا نظرة على ما كتبته يراعته، وجدناه قد خلف من المسرحیات والروایات والقریض ما یعادل عدد كتاباته ورسائله التي تنخرط بجلاء إلى سلك الكتب الفلسفية. ثم كان أكثر هذه الرسائل الفلسفية في حقيقة الأمر من باب النقد للدعاوى الفلسفية التي جاء بها أمثال لايبنتز ومالبرانش وديكارت، ولكنه بالإضافة إلى هذا النقد دافع بحماسة عن العلوم الطبيعية التي كان من رأيه أنها ترياق لسم التأملات التجريدية الفلسفية التي لا تثمر ولا تجدي، فأقام تخوما جديدة بين الفلسفة والعلوم، وحفر حدودا مختلفة بينهما، و ذب عن ذلك في الملأ، وناضل عنه نضالا شرسا في الحملات الشعبية التي شنها على ما رآه واتخذه عدوا من العصبية العمياء والخرافات فهو بهذا كله وجه ركب الفلسفة الجديدة إلى المحطات الكثيرة التي رفعت عصاها وسار إليها فيما بعد.

فلا تنسجم دراسة النواحي الفلسفية من فولتير  ومكانته في الفلسفة غير التقليدية مع النمط التقليدي المتبع لدراسة تاريخ الفلسفة، ويقتضي منا المقام أن نصوغ هذه المقالة صياغة خاصة لصاحبنا. فنوزع مادة هذه المقالة في قسمين:

1: القسم الأول يسلط الضوء على ترجمة صاحبنا فولتير، ويكشف عن محطات حياته ومنعطفات مسيرته. ثم هو إذا يمهد لنا الطريق إلى أعماله الفلسفية، فإنه مع ذلك يعرض علينا كيف أسهمت مسيرة فولتير الفكرية الخاصة فيما أسهمت فيه من الفلسفة الغربية؟

2: والقسم الثاني يدرس المواقف الفلسفية التي وقفها فولتير وساندها، ويسلط الضوء على الدور الذي أدت مساعيه لتثبيب قوائم تلك المواقف وتقريبها كي تحظى بالقبول.

  1. فولتير : فيلسوف ناقد وناشط اجتماعي

 1.1  فولتير : من نعومة أظفاره إلى شبابه (1694-1726)

1.2  فولتير في أنجلترا (1726-1729)

1.3 أيام فولتير التي تكشف اللثام عن وجه الفيلسوف منه

1.4 الجبهات النيوتنية (1732-1745)

1.5 فولتير من حماة حمى النيوتنية في فرنسا إلى فيلسوف الأنوار (1745-1755)

1.6 فولتير المكافح لأجل فلسفته (1755-1778)

1.7 إذا ذكر فولتير، ذكرت فلسفة الأنوار (من 1778 إلى الآن)

  1. فولتير: فلسفته التنويرية

2.1  الحرية

2.2  مذهب اللذة

2.3  الارتيابية

2.4  العلوم التجريبية النيوتنية

2.5 فلما فصلت عير العلوم عمّا بعد الطبيعة

* قائمة المراجع

أ: المراجع الأولية

ب: المراجع الأولية المترجمة

ب: المراجع الثانوية

  • أدوات أكاديمية

  • مصادر أخر على الأنترنت

  • مقالات ذات صلة


1.   فولتير : فيلسوف ناقد وناشط اجتماعي

فولتير لم يربط نفسه بالفلسفة، ولم يقمص نفسه قميص الفيلسوف إلا وقد صار كهلا، وكانت “رسائله الفلسفية” التي خرجت إلى المطبعة حينما طعن في سن الأربعين، كانت نقطة هذا التحول الفلسفي في حياته. ولا نلمس في حياة صاحبنا قبل ذلك ما يؤذن بالمصير الفلسفي الذي كان ينتظره، إلا أنه أدى دورا حاسما في صياغة اتجاهه الفلسفي ميزتان، تحلت بهما حياته من مقتبل عمره، الأول الجنوح إلى الأدب، والثاني عدم تقيده بما يراه المجتمع من الضوابط الأخلاقية الدينية، وميله إلى ما يعرف بالاجتماعية الإباحية المتحررة من العرف السائد.

1.1 فولتير : من نعومة أظفاره إلى شبابه (1694-1726)

ولد “فرانسوا ماري آروويه” سنة ألف وستّمائة وأربع وتسعين (1694) – وهو رابع خمسة – لأب ثري يشغل منصبا حكوميا، ولأم تنحدر من بيت من بيوت النبلاء، فبيت ” آروويه ” كان علية القوم في عهد الملك لويس السابع عشر ويجمع بين حسب نبيل وثروة طارفة وسلطة ملكية، في هذا الجو ترعرع ” فرانسوا ماري” الشاب، وحظي برغد العيش وأثرة سياسية، وانضم إلي ذلك أنه حاز دراسة عالية في كلية لويس العظيم، وكانت كلية راقية في باريس، يشرف عليها اليسوعيون. ثم هو تعرف على الآداب الجديدة من خلال أبيه “فرانسوا ماري” الذي كان شغوفا بالأدب، ومشاركا في الحركة الأدبية الثقافية في باريس عامة وفي قصر فرساي خاصة، نستطيع أن نخرص من خلال شغفه مدى ارتباطه بالأدباء وفرسان القلم، ولكنه مع ذلك نقم على ابنه طموحه لأن يصبح كاتبا، وخالف بشدة تطلعه لأن يتأسى بأمثال مولير، وجان راسين، وبيير كورني، ويضحي كاتبا مسرحيا، بل كان يرغب أن يرى ابنه متربعا على كرسي من الوظائف الحكومية، فحاول ابنه أن يلبي رغبته، ويحقق أمنيته، فالتحق بالبرنامج الحقوقي طالبا، ثم اشتغل مساعدا لمحام، وعاد في نهاية المطاف أمينا عاما لسفير فرنسي، ولكنه لم يثبت على منصب من المناصب، بل استقال منها كلها استقالة، تكتنفها فضيحة أحيانا.

كانت باريس في حكم الوصاية بين عهدي اللويس الرابع عشر واللويس الخامس عشر (1715-1723) نابضة بثقافة جانحة إلى الإباحية والتحررية، فصاحبنا فولتير كان يتخفف من مسئولياته الرسمية فيأوي إلى الحياة الاجتماعية المتحررة في باريس، وهنالك في العقد الثالث من القرن الثامن عشر، تكونت ناحية من نواحي شخصيته. لقد كان فولتير رزق اللباقة وخفة الروح وقريحة وقادا، وعرف عنه ذلك وهو شاب، فبدأ يتلألأ نجم شهرته بغير عناء على سماء النوادي الأدبية في ذلك العهد. ثم من كان طموحه أن يسبح في عالم الأدب، ويطير صيته في آفاق الكتابة، فلا بد أن ينال رضا أحد الأثرياء الذين يدعمون الأدباء والفنانين  ويسترعي انتباهه، ففولتير عرف هذا السر، وأدرك كيف يستغله، فما كان منه إلا أن عمل كتابات بديعة، وجذب إلى نفسه معارف معرفة وثيقة، وأبدى في مناسبات ملاحظات وتعليقات بارعة، فيها خفة، ووضع شيئا من ماله في تجارة وإن لم تربح إلا ربحا تافها لاسيما عند انهيار مشروع الاستثماري الذي يعرف بحباب مسيسيبي والذي كان أبا عذرته اقتصادي أسكتلندي، اسمه “جون لا”، هذا كله مكن فولتير أن يجعل من نفسه أديبا مستقلا من أدباء باريس، له ثقله، وكان أول عمله الذي يرى النور إعادة صياغة مأساة يونانية، تعرف بأوديب، وطبعت سنة ألف وسبعمائة وثماني عشرة (1718)، وحظيت بأن “دار دوقة مين” التي كانت تقع في بلدية “ساكس” الفرنسية، رحبت بها وفتحت بابها لها لـتكون أول دار تقوم بتمثيلها، فبشرت بمستقل زاهر بأنه لا يلبث أن يتسلق ذرى النوادي الأدبية. ثم هذه المأساة التي حملت طباعتها أول مرة اسم صاحبنا المستعار الذي ظل طوال حياته علما له – ألا وهو فولتير – فإنها ذكّرت بالنزعة الاتباعية (الكلاسيكية) الفرنسية التي نزع إليها جان راسين وبيير كورني، وبعثت إلى النفوس نفس الشعور الذي كان يثيره أعمال هذين الأديبين.

كان عهد الوصاية روحه وثقافته مجمع ما يبدو متخالفا متدابرا، فإذا كان فيها اهتمام بالأمانة والصدق وبالذوق السليم، كان فيها جنبا إلى جنب عناية باللذة والمتعة، فلا غرو إذن أن نجد صاحبنا كان يرتاد حلقات النبلاء مثل تجمعات “ساكس”، كما كان يحوم في المروج المحرمة، ولا عجب إذن أن تتجلى هذه الروح التزاوجية في الأعمال الفكرية التي أنجزها فولتير في العقد الثالث من القرن الثامن عشر والتي كانت مزيجا من القريض والمسرحيات، فإنها تزواج باستمرار بين رزانة الاتجاه الاتباعي (الكلاسيكي) وميوعة الإباحية والتحررية. وإذا كانت الثقافة مزيجا من ذلك، فالفلسفة لم تكن معزولة عن هذا التزاوج، بل كانت جزء منه. كان في حكم الوصاية رجل بارز، أثّر في تكوين فولتير الفكري أثرا بالغا، وهو السيد “بولنج بروك” الذي كان من نبلاء إنجلترا ومفكرا حرا، ومن سدنة حركة اليعاقبة فكان يصرم أيامه منفيا في فرنسا، وكان له في مدينة “أوليان” الفرنسية قصر، يعرف بقصر عين الماء وكان موئلا لكثرة كاثرة من المثقفين والمفكرين. كان فولتير يختلف إليه كثيرا، هنا في هذا القصر – في رأي كثير الدارسين – تاحت لفولتير أول فرصة للتعرف على الفلسفة الطبيعية عامة وعلى أعمال جون لوك وإسحاق نيوتن خاصة، ولاشك أن هذه الأفكار لاسيما في تجلياتها الربوبية ومظاهرها التحررية الإباحية كانت عصب الحياة الفكرية للسيد “بولنج بروك”.

1.2 فولتير في أنجلترا (1726-1729)

إذا كان “قصر عين الماء” مدرسة فولتير لأن يتعرف على الفلسفة الإنجليزية، فإن أثرها في أفكاره لم تتحدد قسماته وتتبلور مفاصله إلا بعدما ألقى عصا ترحاله في أنجلترا نجاة بنفسه، وبقي فيها فيما بين السنة السادسة والعشرين والسنة التاسعة والعشرين من قرن الثامن عشر (1726-1729). أما ما اضطره لأن يهاجر من مسقط رأسه فشأن يتعلق بالإساءة إلى السمعة والتشهير، اتهمه به دوق بلدية روهان في أوانه، فلم يخض صاحبنا الذي لم يكن له في الجهات الملكية من مكان، غمار هذه المرافعة القضائية، بل اختار أن يصون ماء وجهه ويبقي على كرامته، فنجا بنفسه مغادرا بلاده لمدة غير معينة، ففي ربيع السنة السادسة والعشرين من قرن التنوير (1726) شد رحاله إلى إنجلترا.

كان مقامه في إنجلترا مبدأ تكون جانبه الفلسفي بوضوح وجلاء، وكان السيد “بولنج بروك”  الذي ترك فولتير عنوانه في إنجلترا، قبيل مهاجرته من فرنسا، للمراسلة والمكاتبة، له القدح المعلى في هذا التكون، فانعقد له من خلاله وشائج مع جوناثان سويفت، وأسكندر بوب وجون جي الذين كانوا قد طفقوا يصبون في قوالب أديبة من الرواية والمسرحية وغيرهما نقدا سياسيا، ويجرّبون نمطا جديدا منه، وكان عمل الكاتب جوناثان سويفت “رحلات جوليفر” الذي ظهر بعيد بضعة أشهر من قدوم فولتير إنجلترا، خير مثال لهذا النمط من الأدب الذي يحتضن النقد السياسي، ثم أصدر بولنج بروك في السنة نفسها أول عدد من مجلة “الصانع البارع” السياسية التي قامت منبرا للحزب المحافظ يخاطب عليه الشعب، وينتقد حزب الأحرار (اليمينيين)، والتي كان لها عظيم إسهام في صياغة الصحافة الإنجليزية السياسية. على كل حال، تغلغل فولتير في حلقة معارف “بولنج بروك” في غضون الأعوام الثلاثة القادمة، يتشرب تلك الثقافة، ويدلي بدلوه في الخلافات السياسية المترشحة حوله.

فولتير وإن صاحب بولنج بروك، إلا أنه لم يحصر نفسه في دائرته، بل وسع دائرة معارفه لتشمل غيرها، فكان صاحبه بعد “بولنج بروك” تاجرا، يحمل اسم “إيويرارد فاكنير”، أطل فولتير من خلاله على وجه جديد من حياة مدينة لندن، الوجه الذي يختلف عما عهده عند مثقفي الحزب المحافظ، فاتصل بحلقات حزب الأحرار الذي يعارضه الحزب الأول، واقترب بالإضافة إلى ذلك من شخصيات مرموقة من أمثال صموئيل كلارك وغيره ممن كان ينتمي إلى أفكار نيوتن. أما نيوتن نفسه الذي وافته منيته في آذار(مارس) سنة ألف وسبعمائة وسبع وعشرين(1727) فلم يكن ليلقاه فولتير ، وإنما جمع اللقاء بينه وبين أخت نيوتن التي اطلع منها على أسطورة تفاتحة نيوتن الشهيرة، وكان له الحظ الأوفر فيما سارت بهذه الأسطورة الركبان واشتهرت، وكذلك تعرف على غيره من أصحاب المدرسة النيوتنية، والذي ترحج كفته أنه انكب على أعمالهم وكتبهم، وانهمك فيها؛ لأن صاحبنا فولتير تعلم اللغة الإنجليزية حتى أخذ بناصيتها فكان يراسل باللغة الإنجليزية، بل بلغ من تضلعه من الآداب الإنجليزية أن كان يبدع الأدب الخيالي فيها. هذا وتخلل أيام فولتير في إنجلترا أنه زار هولندا، وأقام هنا علاقة بالصحفيين وملاك زمام النشر والبث، خاصة وليم سير جريو ساند وغيره من المتخصيين في أفكار نيوتن الهولنديين.

ثم أيام فولتير ولياليها وماحوتا من النشاط آنذاك تسوغ لنا أن نظن ظنا غالبا أنه كان يرتاد مقاهي لندن، ويتردد إليها وإن لم يكن بأيدينا رواية حول ذلك موثوق بها، فلاغرو إذن أنه شهد محاضرات، ألقاها على الملأ بعض أصحاب المدرسة النيوتنية وهو جون ثيافليس ديسجلوريس أو أحد عصرييه. على كل حال، أصبح فولتير بحكم من صاحبه في إنجلترا، على دراية بأفكار الفلسفة الطبيعية الإنجليزية دراية عالية، مهما كان مناهلها ومواردها بالضبط والتعيين.

1.3 أيام فولتير التي تكشف اللثام عن وجه الفيلسوف منه

لقد أتت على فولتير السنة الثلاثون إلا واحدة من قرنه (1729) تحمل بشرى انجلاء الغربة والنفي، فعاد إلى وطنه بعدما كان ممنوعا منه، إلا أنه حرم مما كان يوفره قوت يومه من المعاشات، وكذلك وصد في وجهه أبواب قصر فرساي، ولكنه مع ذلك لم يكن من عامة الكتاب والمفكرين، بل كان نسيج وحده كتابة وفكرا، إلا أنه لا ينبغي – مع ذلك – أن نفرط إفراطا فنقول كما قال السيد مورلي: “فولتير ترك فرنسا شاعرا، وعاد محنكا حكيما، قد حلب أشطر الدهر”، ولا أن نغالي مغالاة فنقول: “إنه تحول من شاعر إلى فيلسوف وهو في إنجلترا”. لعلنا يخالفنا فيما قلنا مخالف، ولكنا نراه كذلك؛ لأن شعره وفلسفته كفرسي رهان لم ينفصم أحدهما عن الآخر قط، فلم تشهد حياته العقلية والفكرية الرغبة عن الشعر إلى الفلسفة، بل سارا جنبا إلى جنبا كركبتي بعير، مع ذلك لا يسوغ لنا أن ننكر ما لأيامه في إنجليترا من يد في إيقاد شرارة تغير وتحول فيه.

اجتهد فولتير بعد المرجع إلى تربته ليرتد إليه ما كان يتمتع به قبل المهاجرة من الموارد المالية والمداعم السياسية. أما الناحية المالية فلم تتطلب منه جهدا كثيرا؛ لأن الحكومة في نفس سنة رجوعها عرض على الجمهور – لتسديد بعض الديون الملكية – نوعا من اليانصيب، وحثت الشعب على المشاركة فيها، وتاحت لأحد خلان فولتير فرصة للتمويل والاستثمار في العروض الحكومية، فدعا بعض الناس – ومنهم فولتير –إلى مأدبة عشاء، وأنشأ فيها هيئة لشراء السهام، فما كان من فولتير إلا أن انتهز هذه الفرصة، ودخل في الهيئة، ووضع ماله، ولم تكن تكتمل دورة اليانصيب في نهاية السنة حتى كان صاحب ثروة كثة ومال جم. وأضف إلى ذلك أن قدره حالفه فنالت يده إرث أبيه في ذلك الوقت، فازداد ثروة، واستقرت قوائمه المالية، فعاد بعد ذلك اليوم آمنا من الضائقة المالية مطمئنا، ولم يؤت من هذا الجانب منذ ذلك اليوم، ولم يكن هذا أمرا هينا؛ لأنه أغناه في الأمور المالية عن نظام الرعاية الذي لم يكن في ذلك العصر للكتّاب والمثقفين الذين قد بدأوا السير وتشرئب أعناقهم إلى العلا مندوحة عنه ولا غنى، وإذا كان عامة الكتاب يقفون على عتبات الرعاة الأقوياء الأغنياء ليوفروا لأنفسهم لقمة عيشه فيضمنوا لأنفسهم مسيرتهم الفكرية، فإن فولتير لم يكن يرزح تحت حمل فلان، ولا يثقل كاهله أيادي علان.

على أنه ينبغي أن يذهب علينا أن نظام الرعاية في فرنسا القديمة لم يعن الدعم المالي وحده، بل كان يكسو الكاتب حلة الاعتماد والثقة في الأوساط الأدبية كي تحظى أعماله بالرضا والقبول، ولم يكن من السهل الميسور أن يستعيد فولتير ذلك الاعتماد الذي كان حِظة له يوما، ولكنه استأنف الرحلة، فعمل مسرحيات وقصائد ومقالات، تجلى فيها دهاؤها وألمعيته، وقدم نفسه على مجتمع باريس بحذر وتحفظ حتى بات ترتد إليه الثقة شيئا فشيئا، وكان فولتير قد تمكن من قصر فارساي عند خريف سنة ألف وسبعمائة واثنتين وثلاثين (1732)، ونادى منادي الغد أن عملته تكاد تروج وقدمه تكاد ترسخ في المجتمع الفرنسي مرة أخرى. وفي الوقت نفسه، كان فولتير قد وصل إلى عتبة مرحلة جديدة من مراحل مسيرة حياته.

دخلت في حياة فولتير في غضون جهد لاستعادة اعتباره، امرأة كانت ستقدر في سرد حياته بحلقات، وستوجه صوب ميسرته بمسافات، ألا هي “إيميلي دو شاتليه” التي كانت كريمة أحد أقدم رعاة فولتير . هذه السيدة البارعة براعة عالية انعقد قرانها في سنة ألف وسبعمائة واثنتين وعشرين (1722) فأصبح لقبا لها منسوبا إلى زوجها – على حسب أعراف ذلك العصر لدى النبلاء – ” الماركيزة دو شاتليه”. أما قصة ارتباطها بفولتير فتستهل وهي في السن الثلاثين إلا واحدة، في ربيع سنة ألف وسبعمائة وثلاث وثلاثين (1733)، وأما مناسبة مبدأ هذا الارتباط فكانت لقاءات، يعقدها أبوها “البارون دي براتوي”، فتجمع بين الأدباء – وفولتير منهم – وتشهدها كذلك السيدة. كان أبوها حريصا أن تحرز بنته من الدراسات ما لم يكن لتحصل عليه من بنات عصرها إلا من شذت وندرت، فتعلمت اللغتين اليونانية واللاتينية، وتخرجت في الرياضيات، فبرعت براعة متميزة، ولما لقيها فولتير سنة ألف وسبعمائة وثلاثة وثلاثين (1733) مرة أخرى بعد مرجعه من المنفى، ألفاها تتسع آفاق معرفتها، ولها أسلوبها في التفكير، وليس صدى لأسلوب آخر. وكان هذا مستوى السيدة، وهي لم تبدأ بعد، مسيرتها العلمية والفكرية التي تشمل فيما تشمل رسالة، عالجت فيها الفلسفة الطبيعية بأفكارها هي وطريقتها هي، وتشمل كذلك ترجمة لكتاب نيوتن “الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية” ترجمة كاملة لاتزال ترجمة كاملة فرنسية يتيمة طبعت حتى الآن، فكانت امرأة ذكية ونابضة بالحياة والنشاط نبضا خلابا وجذابا، فانجذب إليها صاحبنا جذبا، وتعلق كل منهما بصاحبه – وهي تصغره بتسع سنوات – تعلقا مع أن السيدة كانت حريم ضابط عسكري، له خطورة وشأن، واستمرت هذه الآصرة ودامت، وسارت مع الآصرة الزوجية في وئام ووفاق، وحينما صدرت رسائل فولتير المتنازع فيها وأحس بخطر الأسر والملاحقة يأزف، فرت به السيدة وآوته إلى قصر صهرها في “سايري”، وظل هذا القصر مأوى مستقرا له إلى أن أنت السيدة أنة النزع  وهي تصرخ صرخة وضع ولد، ولبت داعي الأجل في سنة ألف وسبعمائة وخمسين إلا واحدة (1749)، وظل القصر يشهد الاثنين يتجاذبان أطراف المباحث العلمية والفكرية، ويتعاونان في جميع المساعي العلمية، فلانجد سعيا علميا لأحدهما إلا وكان لصاحبه فيه سهم ونصيب، فكان التاريخ الفكري لكل منهما قبل سنة ألف وسبعمائة وخمسين إلا واحدة (1749) تاريخ اشتراك وتعاون وتنسيق في المساعي الفكرية. وفي هذا القصر نفسه، سطع أسماؤهما على سماء الفلسفة، وطار صيتهما فيلسوفين.

1.4 الجبهات النيوتنية (1745-1732)

الظروف التي اضطرت فولتير للالتجاء في “سايري” هي التي حملته على إنتاج جل ما أنتج هناك. لنعد إلى أيام فولتير في إنجلترا فإنا نجده قد بدأ يسجل – وهو في إنجلترا – ذكريات رحلته، وصبها في قالب سائد مستقر آنذاك، وهو قالب رحالة يكتب – في عالم خياله – من الغربة إلى أصدقاءه في تربته، ويقص عليه ما قابل من الظروف، وما لاحظ من الأمور، ويلاحظ في عمل فولتير أنه استلهم فكرة الرسائل من “الرسائل الفارسية” لصاحبها “مونتسكيو” التي أبدعها ونشرها سنة ألف وسبعمائة وواحدة وعشرين (1721)، وتصوّرُ جوّالين من بلاد الفارس يجوبون فرنسا، ومن “رحلات غوليفر” لصاحبها “جوناثان سويفت” التي نشرها سنة ألف وسبعمائة وست وعشرين (1726)، ولكن ما يميز رسائل فولتير عن مصدري الإلهام هذين أنهما مصوغان صياغة خيالية بجلاء، وأن فولتير فضل أن يقف موقف المراسل الصحفي في سرد الوقائع والتجارب، فشق أسلوبا مختلفا، ورسم نواحي شتى من مجتمع إنجلترا بوضوح ولمسة يغلب فيها الحقيقة على الخيال، فمكّن القارئ أن يعرفها على حقيقتها كأنه يلمس الحقيقة ويشمها، ويعيش الأمر الواقع. ثم كان فولتير بدأ ينشئ هذه الرسائل التي سماها في البداية “برسائل إنجلترا”، وترك نسخة من مسودتها لدى ناشر لندني حينما عاد أدراجه إلى فرنسا في السنة الثلاثين إلا واحدة بعد ألف وسبعمائة (1729)، فلما استقر به المقام في فرنسا مرة أخرى، أخذ يضيف إلى الرسائل أشياء جديدة، ويوسعها، وكان الجزء الذي خرج منها في إنجلترا تدور رحاه حول الفرق والنحل فيها، وحول مجلس نوابها (البرلمان)، وأما ما أضاف منها في فرنسا فكان كثير منه يسبح في فلك الفلسفة الإنجليزية، فكان في هذا العمل بعد إدخال الإضافات إليه وتحديثه في فرنسا، من الرسائل ما يتعلق بفرانسيس بيكون، وجان لوك ونيوتن، ومنها ما عالج موضوع الفلسفة النيوتنية بإسهاب، وكان فيه خاصة بحث حول الطريقة التلقيحية لمداواة مرض الجدري، فلما خرجت الطباعة الأولى لهذه الرسائل في فرنسا سنة ألف وسبعمائة وأربع وثلاثين (1734)، كانت تحمل عنوان “الرسائل الفلسفية” عنوانا جديدا.

كانت الكتب لا تطبع في عصر فولتير بغير رخصة من هيئة الرقابة الملكية، وكان الكاتب ملزما بتقديم العرض للحصول على الرخصة قبل أن يقدم على إخراج كتابه إلى الملأ، فتبع فولتير هذا القانون، ولكن ناشره أخرج الكتاب قبل صدور الرخصة من غير أن يعلم به فولتير ، فصيّر الطبعة الأولى غير مشروعة، وأشعل فتيل الفتنة التي مني بها فولتير ، ولكن خروج الكتاب بغير رخصة  لا يتناسب وحده مع اللغط الذي أثير حوله، ولايزال المؤرخون يتلمسون مسوغا للضجة التي أعقبها صدور الكتاب، ويتسائلون: “لماذا قوبل الكتاب بما قوبله به من النزاع والخصام؟!”، على كل حال، استفز الكتاب “النحل”، فثارت السلطات الفرنسية، وقامت بسرعة وشدة تنكل به، تذيقه مرار العذاب والعقاب، فأحرق الجلاد الملكي هذا الكتاب في الملأ بعد صدوره بشهور، وأصبح صاحب الكتاب – أي فولتير – يعرف ضالا فكريا، ولولا أن حاصت به السيدة دي براتوي إلى قصرها في “سايري”، لبطشت عليه و لكان قابعا في سجن الباستيل، ولكن قصر “سايري” الذي تمتع بالحرية والاستقلال بما كانت السيدة من طبقة النبلاء، قدم لهما ملاذا، ومقرا لكتابات فولتير المتمردة المتفلسفة التي شقت عصا الطاعة.

لاشك أن فولتير كان على مضض حينما فر بنفسه إلى المنفى مرة أخرى، ولو تاحت له فرصة لأن يقرض المحنة التي جرها عليه “الرسائل الفلسفية” لانتهزها، ولكن صبت عليه هذه المصيبة صبا بغير اختيار منه، فبدأ يتكيف مع الغربة، فرضي بنفسه فيلسوفا مشردا وكاتبا طريدا، وجعل من نفسه شخصية، كانت ستؤثّر في مسيرة الفلسفة الغربية على مدى بعيد، كانت الأداة الأولى لتحول فولتير هي فلسفة نيوتن وعلومه الطبيعية، لقد نشب في فرنسا قبل سنة ألف وسبعمائة وأربع وثلاثين (1734) بعقود خلافات حول مواصفات هذه العلوم النيوتنية ومدى ائتلافها مع العقل والمنطق، وكانت فكرة التجاذب الكوني وطبيعة جاذبية الثقل عبر فراغ الفضاء أكثر ما استرعى النقاش، فجاء فولتير يدلي بدلوه في هذا النقاش، وأسهم بسهمه، فكان من بين رسائله الفلسفية رسالة، طار صيتها وأصبحت يشار إليها بالبنان، اتخذ فيها من ديكارت مثالا فلسفيا فرنسيا ومن نيوتن مثالا فلسفيا إنجليزيا، فعقد بينهما وزانا، وبين أوجه الفرق بينهما، هذا وضم فولتير إلى الرسائل رسائل أخرى مرتبطة بالعلوم النيوتنية، وزعم أنه أخذ فيه أفكار كل من بيكون، وجون لاك ونيوتن وأطّرها، ورأى في هذا الإطار دواء لجميع الأخطاء والأوهام التي أدخلها – في نظره – على فرنسا رينيه ديكارت ونيكولا مالبرانش. والحقيقة أن فولتير لم يكن من فتق هذا الإطار، بل كان مسبوقا إليه، ولكنه أوقد بفتيل هذا الإطار نقاشا جادا حادا حول مواضيع، وجعل هذا النقاش فولتير وثلة من أحداث المعهد الملكي للعلوم في فرنسا يظهرون بمظهر المخالف للشيوخ البارزين من هذا المعهد الذي مثل مقرا رسميا للعلوم في فرنسا، فما إن استقر بفولتير و” الماركيزة دو شاتليه” المقام في “سايري” حتى استغلا ما ظهر بين صفوف المعهد الملكي للعلوم من الخلاف النظري، فانقضا على ما اتخذاه عدوا من النظام الديكارتي الصارم الذي كانت جذورها ضاربة في أعماق الأوساط العلمية آنذاك، ودافعا عن النظام النيوتني، وحاولا إحلال الثاني محل الأول.

أكبر مظهر لهذه الحملة كان كتاب فولتير “عناصر فلسفة نيوتن” الذي خرجت النسخة الأولى منه سنة ألف وسبعمائة وثمان وثلاثين (1738)، ثم ظهرت النسخة الثانية النهائية بعد حوالي سبعة أعوام، مضموما إليها فصل جديد، كان أنشأه فولتير باستقلال عن هذا الكتاب وطبعه على حدته في ألف وسبعمائة وأربعين (1740). كان مرمى هذا الكتاب أمرين:

1: تقديم أفكار نيوتن تقديما قريبا سهلا، يستسيغه عقول الأغرار الفرنسية (وكان جل عقول فرنسيا – في نظر فولتير – أغرارا)،

2: وأن يتخذ منه منجنيقا، يدك به الحصن الحصين من النظام الديكارتي الذي أكسف ذكاء العلوم الجديدة، وضرب غواشي بين أيدي أنوار الحقائق العلمية، لا تدع أرض فرنسا تستنير بها.

وقُفّي على آثار هذه الحملة بنقد صخاب، فمن النقاد من صوب سهام نقده إلى ميوله المتمردة المتحررة، ومنهم من قصر قلم انتقاده على آراءه وأفكاره. أما فولتير فلم يعالج فئتين كلا منهما على حدة، بل دمجهما في عدو واحد وأطلق نباله إليه لا يتزحزح عنه، إلا وهو “النظام الديكارتي المتخلف”، فبينما كان فولتير مستوفزا في جبهته الفكرية تدفع عاديات النقد، وتذب عن موقفه إذ نشب عراك ثقافي، لم تعهده فرنسا، وكانت ساحته هي الفلسفة الطبيعية النيوتنية صفة وقيمة، وجاءت السيدة ” الماركيزة دو شاتليه” تشد أزر فولتير ، فكتبت بيراعتها مقالا، أشادت فيه كتاب فولتير هذا، “عناصر فلسفة نيوتن”، وبعثت به إلى كبرى المجلات العلمية الفرنسية ثقة وحجة، وهي “جريدة الأحبار”، وانضم إلى ذلك أن كلا منهما اشترك في سجال حول طبيعة النار، أقامه معهد باريس سنة ألف وسبعمائة وثمان وثلاثين (1738)، وبرز أسماؤهما حول عطن هذا السجال، ونيطا بثقة وحفاوة في الأوساط العلمية. هذا و فولتير لم يزل تهدر شقاشقه على صفحات دوريات علمية مرموقة، تدحر سنان النقد الموجهة إلى مواقفه، ويصدر كتيبات لدعم فكرته، فوصل ليله بنهاره واجتهد، وكانت نتيجة هذا النضال المستمر أنه لم يكد يقبل على إخراج النسخة النهائية من كتابه “عناصر فلسفة نيوتن” إلا كانت الرياح قد أصبحت تجري بما تشتهي سفنه، وكانت الآذان تصغي إلى ما غنت مزاميره، وقد كانت فرنسا سرى في عروقها حتى السنة الخمسين بعد ألف وسبعمائة (1750) أن النظام النيوتني المحدث الصحيح قد قضى على النظام الديكارتي المتخلف الخاطئ، وسد مسده، والفضل في ذلك كله يرجع إلى أمثال صاحبنا فولتير .

1.5 فولتير من حماة حمى النيوتنية في فرنسا إلى فيلسوف الأنوار (1745–1755)

ما إن وضعت الحرب أوزارها، تلك الحرب التي نشبت بين أنصار النظام النيوتني ومؤيدي النظام الديكارتي ما بين العقدين الرابع والخامس من القرن الثامن عشر، و كان النصر حليف فولتير إلا بدأت شخصية له فلسفية مستقلة ترسخ قوائمها، وكان أكثر ما يلفت النظر في هذا المشهد وما كانت له الأهمية القصوى هو أن هذا النصر أوحى إلى أذهان الناس أنه لا يصحح الأخطاء السائدة بالحقائق الفلسفية ولا يغير الأفكار النمطية الرائجة بالوقائع الفكرية إلا من تجرع ببسالة مرارة النفي وتصبر بشجاعة على ملاحقة الرموز الحكومية، ومعلوم أن صاحبنا فولتير لم يخلع قط تماما هذه الوضعية وضعية المنفي المشرد، بل بقيت صفة له ملازمة، ويسوّغ لنا هذا أن نراه أول شهيد فكري شرعي من نوعه في المجتمع القديم الفرنسي. ومما ساعد فولتير – على الرغم من سنوات المحنة الثلاث وسخط القصر والنظام القديم – على استعادة شخصيته الأدبية والاعتراف بها في النظام الملكي القديم مع سنوات المحنة الثلاث،  أنه لم يقتصر على المواضيع الفلسفية والجدلية إبان الحرب الفكرية في العقدين الرابع والخامس من قرنه، بل لم يزل ينشئ وينشر بغزارة أعمالا أدبية من المسرحيات والشعر والقصص والتاريخ القصصي، تجرد هنا إشارة إلى أن فولتير وإن كان مولعا ومؤمنا بالأفكار النيوتنية، ولكن معظم أعماله الأدبية هذه لم تكن تحمل بصمات الولوع النيوتني، ولم يكن نَفَسه فيها مثل نَفَسه في الكتابات الفلسفية والجدلية، بل كانتا مختلفين تماما شكلا ومضمونا ورنينا ولهجة. هذا وكتب فولتير تاريخا للملك لويس السابع عشر وآخر للملك السويدي تشارلز الثاني، فمنحه القصر وسام المؤرخ الملكي الفرنسي في سنة ألف وسبعمائة وخمس وأربعين (1745)، فتشجع فولتير بهذه الحفاوة ومنحه هذا المنصب جرأة ليخرج سنة ألف وسبعمائة وواحدة وخمسين (1751) عمله الذي نال ما لم ينله غيره من الأعمال من الذيوع والقبول والتأثير، في القرن الثامن عشر على الأقل، وهو “مقالات على عادات الشعوب ونفسياتها” الذي عبّد طريق كتابة تاريخ جميع شعوب العالم، فأصبح يعرف بالحبر الذي يرعاه القصر ويتبناه ثم تلقى فولتير – بعد منية السيدة “الماركيزة دو شاتليه” سنة ألف وسبعمائة وتسع وأربعين (1749) – دعوة من قصر فريدريك العظيم الشاب في بروسيا (ألمانيا الآن)، فقبلها، فترسخ بذلك موضعه القصري وازداد تزلفا إلى النظام الملكي القديم.

ولكن لم يستمر هذا القرب السلطاني طويلا، ولو استمر فولتير تزلفا لدى القوى القصرية ولازمها ولزب بها، لما خرج لنا ما قد خرج بطلا غيّر مجرى تاريخ الفلسفة الغربية تغييرا، فقد دارت بفولتير في العقد السادس من القرن الثامن عشر دوائر، ردته كما كان في أيام الحرب النيوتنية محاربا فكريا طموحا إلى التغيير الجذري، وفيلسوفا ناقدا، وكانت الشرارة الاولى لارتداد فولتير إلى الحرب الفكرية كانت خلافا “لبيير لويس موبرتيوس” الذي كان قد زامله والذي سبق فولتير إلى القيام لأجل العلوم النيوتنية في فرنسا بقوة وصلابة، وقد كان يسترشده – وقد أحيل إلى المعاش والتقاعد عن المعهد الملكي الفرنسي للعلوم – فولتير حين كتابة الأجزاء المتعلقة بنيوتن في الرسائل الفلسفية سنة ألف وسبعمائة واثنتين وثلاثين (1732)، وكان هو الضوء الذي رفرف حوله شباب المعهد العلمي المتحمس الموالي لأفكار نيوتن إبان الحرب النيوتنية في العقد الرابع من القرن الثامن عشر، فكان هو و فولتير الذي قاد حملة منفصلة تسعى للهدف نفسه حاملي لواء النيوتنية في فرنسا، ثم كان له صلة بالسيدة “الماركيزة دو شاتليه”، ويتجاذب معها أطراف القضايا الرياضية التي كانت تفوق مواهب فولتير و قدراتها فواقا، وكان يختلف إلى السيدة اختلافا متقاربا ينزل عندها، ويراسلها و فولتير خلال هذه الأعوام، ولكنه جاء بالعجب العجاب في نظر بني جلدته سنة ألف وسبعمائة وخمس وأربعين (1745) حينما قبل عرض المستبد المستنير لبروسيا (الآن ألمانيا) فريدريك العظيم ليرأس معهد برلين للعلوم بعدما أدخل الملك عليه التحديثات والإصلاحات.

كانت بوصلة “موبرتيوس” بدأت تتجه نحو أفكار لايبنتز المتعلقة بما وراء الطبيعة، ونزعته العقلانية في نظرية المعرفة، ويرى أن فيها هي فكاكا لغلق بعض قضايا الفلسفة الطبيعية، وكانت السيدة “الماركيزة دو شاتليه” أيضا تشهد في عالمها الفكري مثل هذا التغير، وتمثل في كتابها “مؤسسات العلوم الطبيعية” الذي أخرجته سنة ألف وسبعمائة وأربعين (1740) والذي قدم منهجا للتوفيق بين أفكار نيوتن ولابينتز، لم يكن فولتير ليستسيغ هذا التغير، فطفق ينشر في العقد الخامس من القرن الثامن عشر من الكتابات والخطابات ما قام سدا منيعا لحماية نسخته للنزعة النيوتنية، وبذلك أصبح فولتير في واد من الفكر والسيدة في واد، إلا أن هذا لم يقطع حبل علاقتهما، ولكن الأمر مع “موبرتيوس” لم يكن كذلك، فإن “موبرتيوس” قد كان شغل منصبه في معهد برلين حنيما اتصل فولتير ببلاط فريدريك العظيم في برلين بعد وفات السيدة، فاجتمعت النزعة اللايبنتزية في صورة موبرتيوس والنزعة المضادة لها في صورة فولتير ، فاجتمع السيفان في غمد واحد، ونشب بينهما خلاف، وزاد الطين بلة أن فولتير هجاه وهو رئيس معهد برليس، ونشر هذا الهجاء يصوره فيلسوفا جبارا مهرجا، واضطر الملك فريدريك أن يقف إلى جانب أحدهما، ويولي غيره دبره، فاختار موبرتيوس، وعرض على فولتير أن يتراجع عن افتراءه وهجاءه ويستعفيه له أو يغادر برلين، وآثر فولتير الأخير، وأضحى مرة أخرى مضحيا بطمانينته ومقامه لأجل ما كتب ، ووقف طورا آخر موقف “المتمرد الممحون المتشرد”.

1.6 فولتير المكافح لأجل فلسفته (1755-1778)

كان هذا الحدث آخر ما شهدت حياته الصاخبة الحافلة من مواجهته مع السلطات. وبعد ما استدبر برلين، لم يشأ أن يتجه إلى مسقط رأسه باريس ويستعيد صيته هناك، بل اختار جنيف محط رحاله، ولكنه اجتوى الجو الفكري لهذه المنطقة المتزمتة في المذهب الإصلاحي – أو الكالفينية – وضاقت به، فرفع عصاه منها مرة أخرى، وابتاع من ماله قصرا في “فيرني” إحدى المناطق الفرنسية النائية عن صخب المدن، المتاخمة لسويسرا، واستقر في سكناه سنة ألف وسبعمائة وستين إلا واحدة (1759)، وكان القصر آخر محطاته في حياته، وظل فيه حتى النفس الأخير، ومنه حرك خيوط حركة تنوير فرنسا، فقام هذا القصر مقرا، يختلف إليه أنصار فولتير في غايته، وأتباعه في بغياه، وكان مقرا كذلك للتنوير الفرنسي – في نظر أنصاره على الأقل.

شهد القصر نفسه أكثر مواقفه جرأة وبسالة وأشده فعلا وتأثيرا، وهو انتماؤه إلى “حزب الإنسانية” فعد نفسه عضوا منه، وجند نفسه وعقله وفكره له، ورابط على حدوده يحارب بكل قوة ويناضل بكل شدة العصبية العمياء والخرافات اللتين لم تقمعا حتى تبرزا مرة أخرى في صورة أخرى، فحاول أن يستأصل شأوهما، فإذا كانت جهوده متجهة وقواه مصروفة نحو إحلال الأفكار النيوتنية في فرنسا في العقدين الرابع والخامس من القرن الثامن عشر، فإنه في بعد النصف الأول من القرن الثامن العشر (1750) نذرها ونفسه للدفاع عن فلسفته، ومقارعة أعداءه – في نظره – من المؤسسات الكنسية والملكية النبيلة التي هي المراد من قوله الذي ذهب شعارا له حينما قال: “أبيدوا كل شائن ومخزي”، فالتحمت فلسفة الأنوار على يد صاحبنا – وإن كان هذا الالتحام ثمرة طبيعية لمسير فولتير الفكري الخاص – بالمشروع الثقافي النقدي والسياسي الإصلاحي التحاما كان سيعود أعظم إسهام من إسهاماته في تاريخ الفلسفة الأوروبية.

أول عامل، ركض حصان هذا المشروع واستفزه، كان مشروع الموسوعة التي أشرف عليها “دنيس ديدورو” و”جان لو رون دالمبير” والتي كانت في طبيعتها عملا مستوعبا لتعريفات الأشياء ونبذ المفاهيم العلمية والفكرية بإيجاز واختصار، فإنها ما إن كسي المجلد الأول منها بالطباعة سنة ألف وسبعمائة وواحدة وخمسين (1751) حتى انهال عليه الاعتراضات، ولاقى من المصير ما قد لاقى فولتير من قبل حتى تعوده، فجاشت مشاعره وانبعث لأن يقف إلى أصحاب هذا المشروع الموسوعي، فمد يده إليهم يكتب مقالات، ظهرت في المجلد الخامس منها الذي حلي بالطباعة سنة ألف وسبعمائة وخمس وخمسين (1755)، ولكن شبح المحنة لم يزل مطاردا لمشروع الموسوعة، فألغي تصريح طباعة الموسوعة في فرنسا سنة ألف وسبع مائة وستين إلا واحدة (1759)، ولكنه لم يسطع أن يفتّ في عضد المشروع ولا أن يثبط القائمين عليه، فإن سويسرا طبعت فيها الموسوعة على خفية من أنظار القانون. على كل حال، ظل فولتير واقفا في جانب أصحاب المشروع يشد أزرهم ويقوي عضدهم، ويحارب أعداء المشروع، لاسيما هؤلاء اليسوعيين الباريسيين الذين كانوا قائمين على “مجلة تريفو” الشهرية، ورسمهم في صورة “الشائن المخزي” المتزمت الذي يريد إطفاء النور من المعمورة وإخراس الصدق، ولكن دانه مخالفو المشروع كما دانهم هو، فردوا على هذه الحملة بأن هدفوا أخلاق أصحاب المشروع المتحررة، وتميعها وانحلالها، وصوروهم متآمرين على تدمير النظام الأخلاقي وقطع حبل النظام الاجتماعي.

أصبحت معالم هذا السجال الفكري بين أصحاب الموسوعة وأنصار التقليد، مع تصرم أيام، تتحدد وتتبلور، وتتزايد قوة وأثرا يوما بعد آخر، هنالك بسط فولتير ذراعيه له، وجعله قضية قضايا حياته، وركز جهوده له، فتقرب، لأجل أن يخرج من هذه المعرك ظافرا غانما، إلى “دالمبير”، وأوثق صلته به، وأصبحا متكاتفين يؤسسان خطة للغزو التنويري، ويوسعان دائرتها فيجيشان إلى جبهاتهم للتغيير السياسي والفكري، الفلاسفة الجدد الذين قد بدأوا يعيشون النزعة الفلسفية فيهم على مستوى الشعور، ويعمرون بالإحساس بوجود النزعة فيهم، (من الجدير بالإيماء هنا أن كلمة الفلاسفة وكلمة الموسوعيين أصبحتا مرآتين لمصداق واحد، يتراوح بينهما للإشارة إلى شيء)، ولكن لم يجمع هؤلاء الفلاسفة خيط واحد من النظام الفلسفي، بل كانت الغاية التي لمت شملهم هي حماية “الفلسفة” من خصومها في نظرهم هم، وكذلك عرف عنهم في الأوساط أنهم مناشير، تثقف بستان العالم وتقطع من أشجاره شراييف الأخطاء والخرافات. هذا وكانت المهمة الأولى من هذه الخطة هي – بطعبية الحال- مشروع الموسوعة، ثم ضموا إليها مهمة ثانية إجلاء أكبر خصوم التنوير – في نظرهم – من ساحة النفوذ الشعبي، وإحباط مساعيهم، ألا وهو “اليسوعيون”، وأنجزوا هذه المهمة في سنة ألف وسبعمائة وثلاث وستين (1763)، وتسللوا إلى المعاهد العلمية والمؤسسات الفكرية في فرنسا، ومدوا نفوذهم فيها، حتى أمر أمرهم، فإن واحدا من ثلتهم – أيها الفلاسفة الموسوعيون الموالون لفولتير – تسلق منصب أشد وزارة في فرنسا تأثيرا ونفوذا، هي وزارة المراقبة المالية، واسمه “آن روبير جاك تيرجو”، واستعمله على هذا المنصب الملك لويس السابع عشر الذي كان حديث عهد بالتتويج آنذاك. لم يأت هذا النصر في ليلة وضحاها، بل بذل فولتير وموالوه نفسه ونفيسه لتعبيد الطريق إلى ذلك، وأخرجوا في العقد السابع من القرن الثامن عشر فيضا من الكتابات والمقالات التي عرضت الأفكار الفلسفية التي ينحاز إليها “آن روبير جاك تيرجو” بشرى بالأنوار ودعوة للإصلاح، وصورت مناوئيها مجحفين يحمون حمى النظام المتحجر الراكد.

كان من حلقات نضال فولتير كتابه “القاموس الفلسفي” الذي عمله فيما بين السنة الرابعة والستين والسنة السبعين من القرن الثامن عشر(1764-1770)، وكانت مادة هذا الكتاب مقالاته التي كتبها للموسوعة مشفوعة بمقالات جديدة مصبوغة بنفس صبغة مقالات الموسوعة، ثم هذا العمل وإن عالج في صلبه فلسفة فولتير ، ولكننا لانستطيع أن نحدق بفلسفة فولتير التي أقام عليها صرح الأنوار بغير أن نجوب في أعماله الأدبية التي لاتنخرط إلى سلك الفلسفة أصالة من القصص الخيالية، والأهاجي والقصائد والكتيبات، فلنأخذ – على سبيل المثال – أكثر أعماله شهرة وذيوعا، وهي روايته “التفاؤل” التي دخلت المطابع أول مرة في سنة ألف وسبعمائة وتسع وخمسين (1759)، فإنها قصة خيالية، تدور أحداثها حول فتى رحالة متسكع، يخوض مغامرات هزلية، ولكن نلمس فيها على فلسفة لايبنتز نقدا جادا صارما، يعدّ إلى حد بعيد أوج ما بدأ فولتير قبل عقود في معرض الذب عن أفكار نيوتن، ثم لايقتصر الأمر على قراءة أعماله الأدبية بل لابد أن ندرس نشاطه السياسي الذي هو تجسيد لطراز تفلسفه، فهو على سبيل المثال دافع عن “جان كالاس”، وجعل منه مثالا ناطقا لضحية حكومة مستبدة متجبرة وقانون ذي ضراوة ذي تخبط خبط عشواء، (فإن “كالاس” كان بروتستانيا لقي من الملكية الكاثولوكية اضطهادا) وكان كثيرا ما يقرن تأملاته الفلسفية بدفاعه السياسي هذا، فنجد هذا القران – مثلا – حنيما ساعد على ترجمة عمل “سيزاري بيكاريا” المتعلق بالنصفة الإنسانية وإصلاح نظام التعزيرات إلى اللغة الفرنسية، وقدم لها فكتب لها ديباجا حول القسط والتسامح الديني، وكانت ميزة مفهوم الفلسفة على حسب تصور فولتير هي هذه الحملات والمعارك التي هَدَتْ التفكير النقدي إلى النظر في انتهاكات الحكم الملكي القديم وتخبطاته – في نظره – وصيرتها مواجهة له.

1.7  إذا ذكر فولتير ، ذكرت فلسفة الأنوار (من 1778 إلى الآن)

عمر فولتير طويلا، فاستطاع أن يشاهد ثمار بعض جهوده الطويلة آخذة في بدو الصلاح، قد كان النظام الفرنسي بدأ يرحب بالفلاسفة نوعا جديدا من الترحيب، ويفسح لخطتهم المجال كما اعتلى الملك لويس السابع عشر العرش سنة ألف وسبعمائة وأربع وسبعين (1774) وتربع ” تيرجو” على وزارة المراقبة المالية، فكان أن سمح لفولتير – وقد بلغ الثمانين فعاد شيخا كبيرا – بالقفول إلى باريس في غرة سنة ألف وسبعمائة وثمان وسبعين (1778)، ورحب به الباريسيون بطلا للفكر التنويري الذي تجسد في فولتير ، وأُمر لحفاوته واحترامه بنحت تمثال، يمثل ذكرى تراثه، ومثلت مسرحيته “أريين” تمثيلا صوره بطلا وطنيا ولكن هذا لا يعني أن نقاد هؤلاء الفلاسفة التقليديين أخذوا في ضعف وخوار، بل ظلوا أقوياء أصحاب نفوذ، وقد كان لابد من بقاءهم كذلك لتستعلن الفلسفة التنويرية مكسوة بحلة جميلة بهيجة من الحداثة والرقي والازدهار، ولو لم يكن بقاؤهم كذللك ربما لم يناول فولتير الأجيال القادمة ذلك السوط الذي ضربت به السلطات فيما بعد. وأما رحيل فولتير من هذا العالم فنودي به بعد هذه الأحداث الحافلة المكرمة له بأسابيع، ولكن الحفاوة التي ابتدأت بهذه الأحداث، لم تبذل بموت صاحبها، بل لاتزال هذه الزهرة متفتحة ناضرة ذات بهجة.

كان فولتير مع فلسفته التنويرية التي تجسدت فيه وتمثلت، هو الموجه للفلسفة الغربية فيما بعد، فقد كانت الأسوة الفولتيرية للفيلسوف أنه قبل كل شيء مواطن ناقد ومناضل ناشط، ولا يشتغل بالتفكير المنهجي الغامض المبهم إلا إذا مست إليه الحاجة، فالتأمل الفلسفي المجرد أصبح ثنية بعدما كان قاعدة، وعاد ضرورة وقد كان عادة، وبها تأست الفلسفة الغربية في مسيرها فيما بعد، والعنصر التالي في هذه الأسوة هو منهجه لتقويم الفلسفة، وتعيين قيمتها، فالفلسفة تتحدد قيمتها بصلاحيتها لإدخال تغيير مؤثر على المجتمع، فإن أحدثت الفلسفة في المجتمع تغييرا، فهي على الرأس والعين، وإلا فأنت – أيتها الفلسفة – لا مرحبا بك، فهل نلمس صلة بين هذا وبين ما قال كارل ماركس حينما قال: “على الفلسفة أن تقدم على تغيير العالم، ولا تبقى مكتوفة اليدين مكتفية بفهمه”؟ نعم، فإن نظرية كارل ماركس الشهيرة مدينة لفولتير دينا كبيرا، وأما تأثير فولتير في أفكار كارل ماركس فقد جاء عن طريق موجة النهضة الفرنسية التي كان فولتير أحد أبطالها المؤسسين. هذا ومن مظاهر حفاوة فرنسا بفولتير أنه أول من نقل جثمانه من قبره الأول إلى “مقبرة عظماء فرنسا” التي بنتها الحكومة الجديدة المتكونة بعد الثورة الفرنسية سنة ألف وسبعمائة وواحدة وتسعين (1791)، وكان نقل جثمانه إلى المقبرة عرفانا للجميل، أبدى به أصحاب الثورة اعترافهم بفضله وفضل مسيرته الفلسفية في التجديد الذي جاءت به الثورة، وأثره في تكوين الملامح العامة لها، ولايزال فولتير قدوة لأصحاب العزائم التجديدية التقدمية التحديثية الذين يرون بين النشاط التفكيري الناقد والنشاط السياسي المعارض أواصر ووشائج قوية.

2.   فولتير : فلسفته التنويرية

إن ذهبنا نأم مواطن التراث الفلسفي لفولتير و مظانه، نجدها في الأساس في أسلوب تطبيقه للفلسفة، وتجسيدها في أرض الأوقع والأغراض التي جعل الفلسفة مطية إليها، فإذا كنا ندرس المبادئ والأفكار لمعرفة التراث الفلسفي للمفكرين، فأسلوب صاحبنا هذا وأغراضه هذه محل دراستنا لتراثه الفلسفي إلا أن المواقف الفلسفية المعينة التي وقفها فولتير ، وحملاته الفلسفية التي قادها لدعم مفاهيم ودحض أخرى، صيرت مجموعة يسوغ لنا أن نطلق عليها مصطلح “الفلسفة التنويرية الفولتيرية”. نحن إذا نظرنا إلى مسيرة حياة صاحبنا وسمات شخصيته، فأحرى وصف بهذه المجموعة أنها مواقف فكرية واتجهات ونزعات، من أنها نظام منسق ومواقف قائمة على منهج متكامل، ولكن من الباحثين من يلمس لدى فولتير نظاما من الفلسفة، يناسق بين مواقفه الفلسفية التي وقفها، ويحدد كل من هذا النسق وهذه المواقف قسمات وجه الفلسفة التنويرية التي مثلها فولتير وجسّدها.

2.1 الحرية

إن الحرية هي المحور الذي يدور حوله هذه المجموعة الفلسفية التنويرية لفولتير ، وهي القطب الذي دارت حوله رحى نشاطه الاجتماعي وجولانه في مباحث الفلسفة النسقية التي لا يجول فيها إلا ما شذ وندر. لقد كتبت يراعة صاحبنا وهو في “سايري”، في عقب المحنة التي جرها عليها “الرسائل الفلسفية” رسالة، عالجت بالمصطلح الفلسفي الفني موضوع الحرية البشرية  التي كان النقاش حولها حامي الوطيس في الأوساط الفلسفية الأوربية آنذاك، فقد ذكر فولتير بصريح العبارة في هذه الرسالة التي تركها بتراء، فرسان الفكر والفلسفة من مثل هوبز و لايبنتز، في معرض تعرضه للمذهب المادي والحتمية و قضية “العناية الإلهية وأغراضها”  التي كانت تلوكه ألسنة الفئة المعروفة بالربوبية من نحو جان تولاند وأنتوني كولنز، وأضف إلى ذلك ما تجاذب أطرافَه لايبنتز و صموئيل كلارك من البحث حول الفلسفة النيوتنية الطبيعية، فإن أثره بارز في هذه الرسالة حيث يتطرق صاحبها إلى طبيعة الوجود البشري والأخلاق، ويحاول وضعهما في الموضع اللائق بهما في هذا الكون الذي يتحكم فيه النظام العقلاني ويضبط سيره النواميس العمياء غير الشخصية التي لا تشعر ولا تعي.

أما الموقف الذي اختاره فولتير في هذه الرسالة فهو موقف وسط مقتصد بين النزعة الحتمية الصارمة التي كان أنصارها الماديين العقلانيين، والنزعة المتعالية الإرادية التي دان بها اللاهوتيون الطبيعيون المعاصرون لفولتير، فليس الإنسان – في رأي صاحبنا – ريشة في مهب رياح المادة والحركة، تسيرانها كيف شائتا، بل هو صاحب عقل وإرادة، ولكن له مع ذلك جانبا طبيعيا، تسيره النواميس الطبيعية الحرون التي لا تتزحزح، وأما الأخلاق فناطها فولتير بما جبل عليه البشر من نور العقل، وجعل العمل الصائب ما كان منبثقا منه، وبهذا الموقف افترق طريق فولتير عما للربوبيين المتطرفين من نحو “جان تولند”، وتأكد افتراقه هذا بأنه نزع في تحديد دور الدين في المجتمع نزعة نخبية، ورأى أن من استطاع أن يصغي إلى نداء المنطق في ضميره ويلبي دعوة عقله فهو في غنى عن الدين، وهو يستطيع أن يسلك المسك السوي المستقيم في حياته ولكن عامة الناس – في نظره – لا يتحلون بهذه الموهبة، فلا يحصلون على العلم الضروري للسير، ولا يتمالكون أنفسهم تمالكا، يضبط سير المجتمع، ويلم شمله، ويقيه من الانهيار والفوضى، وكان لنزوع فولتير هذا في مجال الدين انعكاس على موقف فولتير في مجال السياسة، فقد ظل طوال حياته مواليا للملكية التي تضمن حرية الفرد بعد إدخال ما يلزم من الإصلاحات على وضعها الراهن، ولم يرتح لمبادئ حكم الشعب، ونجد أصداء ميوله السياسية هذه في تأملاته السياسية، فانشق طريق فولتير عن أمثال “جان تولند” الذين حملوا رأية الجمهورية وحكم الشعب.

ولكن يترشح – في الجانب المعاكس – من “الرسائل الفلسفية” أن فولتير وقف فيها من الحتمية في البشر موقفا متطرفا لاسيما في رسالته التي عنيت بجون لاك والتي جنحت إلى التفسير المادي لموقف “جون لاك” من قضية الجسد والروح أو الجسد والعقل. يرد بعض دراسي أعمال فولتير المحنة التي أثارها “الرسائل الفلسفة” إلى ما ذكر فيها حول “جون لاك”  الذي كان اسمه آنذاك متداولا في المناقشات الفلسفية الرامية للتغييرات الجذرية، وتجدر بالمناسبة الإشارة إلى أن ما جاء في الجزء الأول من الموسوعة التي أشرف عليها “دنيس ديدورو” و”جان لو رون دالمبير” مما يتعلق بتفسير الروح زند نار المحنة التي منيت بها الموسوعة، وألهبها، ثم أوضح فولتير الموقف نفسه من قضية الجسد والروح في كتابه “القاموس الفلسفي”. فالشاهد هنا أن فولتير كان على أهبة للدفاع عن المواقف المتنازعة الساخنة على منابر المناقشات الشعبية وإن لم تنسجم مع الكتابات التي تعبر عن آراءه التي وصل إليها بإمعان وبحث وأفكاره في خاصة نفسه، ثم لم يدافع عنه فقط، بل تحمس لها، فيلاحظ الدارس في مثل هذه المواضع التي تتعلق بقضية فلسفية معقدة أن صاحبنا يشد أزر النزعة غير الناضجة ولا الموزونة على الميزان العقلي وزنا منضطبا، وينأى بجانبه عن النزعة ذات النضج والضبط المنطقي، فيستعرض عقيدته بأن حرية التعبير، بغض النظر عن المعبر عنه، قداسة لا تمس.

لقد اشتهر عن فولتير عن خطأ أنه قال: “أخالفك الرأي، ولكن أستميت لحقك في التعبير عنه” وسارت بهذه المقولة الأسطورية الركبان، ولاتزال مربوطة بفولتير ربطا وثيقا، ولاتزال تصفر بها بلابل التنوير إذا نزلت في رياض إرثه، ولايزال يذكر بإنشادها تراث صاحبنا. من الخيوط الثقافية التي تخيط تراث صاحبنا بهذه المقولة أنها ترسم صورة شبه مطابقة لوجه فلسفته لحرية الفرد. ثم فولتير وإن لم يعالج ولم يخلف لنا كتابا في موضوع “فلسفة الحريات المدنية والفكرية”، ولكن مراسلاته الغريزة خاصة، وكتاباته التي خرجت في سياق المناقشات الشعبية عامة، تبدو متجهة تجاه تكوين فلسفة مثل هذه، فيستحق عن جدارة أن يسمى بأبي عذرة “فلسفة الحريات المدنية والفكرية”، ورائد ركبها، وأضف إلى ذلك أن مسيرة حياته وحملاته الفلسفية أعلت راياتها مرفرفة، وأوقدت نارها ملتهبة، فنلمس أثر فولتير – على سبيل المثال – في كانط في مقالته: “ما التنوير؟” حيث قال قولته الشهير: “إن التنوير ينبثق من سريان النقد في الملأ بحرية، ومن الحرية التي تدع النقاش النقدي يسير غير مكبول”. صحيح أن ليس في مجموعة أعمال فولتير عمل، يشار إليه بأنه بالضبط صاحب التأثير في كانط، ولكنه مع ذلك موجود واضح وضح النهار.

2.2 مذهب اللذة

كانت “الحرية” عند فولتير ملتحمة بنزعته اللذية التي هي أيضا لؤلؤة مركزية من عقد فلسفته التنويرية، وكان أحد الطرق التي سلكها لعرض فلسفته هذه قصائده الغرامية الشهوانية التي صورت بتصريحاتها الشبقية وتلميحاته الجنسية الثقافة التحررية الحيوية التي كانت تجري منه مجرى الدم، ولكنه لم يقتصر على القصائد، بل قوّى مذهبَ اللذة والإباحية (الصورة المتطرفة من اللذة) على الصعيد الفلسفي بثنائه على الحرية في الأخلاق المتمثلة في الحرية الجنسية. كان معارضوه من الأصوليين يرمونه بأنه مخرب طائش مستهتر، مكب على استئصال النظم الاجتماعي، ويبرهنون عليه بأعماله الفنية وسلوكه، فأصبحت فلسفة اللذة التي كان ينتمي إليها علنا جزء، لا يتجزأ، من شخصيته الفلسفية. أما التهم الموجهة إليه فلم يستلسم لها ولم يخضع  بأن يحاول نفي التهمة عن نفسه، وإبراء ساحته منها، بل جعل فضيلة من الفضائل تلك الإباحية التي اتهموه بها رذيلة، ودافع عنها وبرهن عليها، فانضبط نشاطه الاجتماعي الشعبي للذب عنها بنظام فلسفي كامل كان له صدى بالغ، وانضاف إلى ذلك على سبيل الخصوص أن فولتير جعل من نفسه مثالا للشخصية التي تجمع بين الإباحية والسعادة، وعلى سبيل أخص الخصوص أنه كسا هذه الشخصية المتحررة رداء أخلاقيا منسوجا من التفلسف والبرهنة، ومنحها شرعية أخلاقية، وتتجلى هذه المحاولات كثيرا ما في نظمه البديع ونثره الأريب. بهذا كله كان فولتير أصدع من نفخ في بوق الأخلاق التنويرية التي ترسم للمتعة الجسدية صورة حسنة وتقدمها فضيلة على الصعيد الشخصي والصعيد العرفي كليهما، وتتخذ من عيار النظم الأخلاقية ما يقل فيه الألم وتكثر المتعة، وأعلن فولتير لإرساء قوائم هذا المنطق من الأخلاق حربا دائمة على متطلبات التعليمات المسيحية المتوغلة في الزهد في الدنيا، القمعية غير المتحضرة – في نظره – لاسيما عزوف الرهبان عن الزواج، وما كان نواة السلوك المسيحي حتى أيامه من مدافعة الشهوة وهدم الذات وكسر النفس.

ثم هذه الأخلاق القائمة على المتعة واللذة هي بعينها كانت حاسمة في تكوين الحرية (الليبرالية) السياسية الاقتصادية في عهد الحركة التنويرية، وأدلى فولتير فيها بدلوه بتطبيق فلسفته التحررية عليها، وكان المحفز له لاقتحام هذا الميدان ما استتبع نشر قصيدة “قصة النحل” لصاحبها ” برنارد ماندفيل” التي احتوت على موقفه الشهير الذي يقول: “إن الرذائل الخاصة التي تعنى بحصول النفع ولو على حساب ضرر الأخر هي سائقة المجتمع إلى الازدهار والرقي، وإن الفضائل الخاصة هي ملجمة المجتمع من ذلك.”، فإن هذه القصيدة أشعلت فتيل نقاش محتدم حول القيمة الأخلاقية للجشع والطمع، فجند فولتير قلمه للذب عن هذه الفكرة، فقرض سنة ألف وسبعمائة وثلاثين (1730) قصيدة بعنوان “إنسان هذه الدنيا” أشاد فيها بملاذ الدنيا دما صالحا متدفقا في عروق المجتمع، بخلاف ما كانت تراها المسيحية من دم فاسد جامد يضر بجسد المجتمع، وكذلك نلفي فولتير في عمله ” مقالات على عادات الشعوب ونفسياتها ” يوافق الرأي المفكرين الذين أعلوا من شأن الثروة المالية والتجارة الراقية في تقدم ركب الحضارة، وبالرأي نفسه كان سيقول آدم سميث ويدعمه في رسالته الشهيرة ، “بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها”، المطبوعة سنة ألف وسبعمائة وست وسبعين (1776)، المؤسسة للحرية التنويرية الاقتصادية. لاغرو أن فولتير لم يجار آدم سميث في إثراء العلوم الاقتصادية السياسية، ولكنه قاد الحملات الفلسفية التي نفّقت سوق الأخلاق المبنية على الحرية الفردية والمتعة، وقرّبتها إلى نفوس الناس. ومعلوم أن هذه المفاهيم الأخلاقية كانت قطب رحى فلسفة كل منهما. فمن هذه الزاوية يأتي دور فولتير في فلسفة آدم سميث.

إن كانت فكرة الحسن الذاتي المتأصل في الحرية أكبر سمة لفلسفة فوليتر – وهي حقا كذلك – فهي ترتبط بها فكرتان أخريان: هي أهمية الارتيابية، ومكانة العلوم التجريبية في إذابة جليد الجزمية وما تلاها من السلطة المدمرة.

2.3  الارتيابية

تعود جذور الارتيابية لدى فولتير إلى البيرونيةً الجديدة التي جددتها النهضة الغربية، وخاصة “ميشيل دي مونتين” الذي مقالاته الشهيرة جمعت في خيمة واحدة نزعة الريب وإثبات “ذات” مغروسة في الارتيابية الفلسفية، وخاصة” بيير بايل” الذي كانت نزعته الارتيابية ذات تأثير في فولتير . وما ينشق به طريق فولتير وسلفيه هذين عن النازعين إلى مذهب الشك كمثل ديكارت هو أن الريب لدى فولتير وغيره حظي بقيمة ذاتية، فلم يكن مطية، بل كان غاية، لقد انتقد بشدة فيما انتقد، نزعة ديكارت الذي وضع – في رأي فولتير – رجله في غرز الشك، ولكن نزل عنه وركب مشروعا فلسفيا آخر يحل عقد الشك، ويحلو لفولتير أن يسمي مثل هذه التجارب “غرامات فلسفية”، وقصد بها النظم المتكاملة التي تطوي كشحها على الشك مستندة إلى أن الإنسان بخياله ووجدانه مضطر إلى التفاسير المتكاملة والنظم المنسجمة الأشقاص والمتوافقة الأجزاء، فأدانها فولتير ووصمها بأنها ليست فلسفة، بل خيالا في خيال، ولقن الفلاسفة أن عليهم أن يعرفوا جيدا أن معظم ما يوصف بالتفسير المفلسف فلسفةً كثةً في حقيقة الأمر لا يقدم تفسير شيء.

قامت هذه الارتيابية درعا لفولتير ، في ذبه عن الحرية، فإنا إذا ارتبنا في كل شيء وجعلنا هذا نزعة لنا، لم يعد هنا شيء مقدس؛ لأن القداسة تتبع الإيمان واليقين، فقد صدع فولتير بأن السلطة – مهما كانت مقدسة – لاينبغي أن تأنف من أن تقف في قفص الاتهام لمحكمة النقد العقلي والبرهان. صحيح أن فولتير كما يظهر من كتاباته الخاصة التي يشوبها تعقيد، لم يكن ملحدا ولم يصح كذلك أن يوصف بمعاداة المسيحية إن أخذنا المسيحية بمعناه الواسع، ولكن  مهما اكتنف ميوله الدينية غموض وتعقيد، فإنه كان بوضوح وجلاء عدوا لدودا لسلطة الكنيسة ورجالها، وانجرّ كرهه للسلطة عندما كبر ونضج، إلى تزايد معاداته للأساطير المقدسة التي شيد عليها الملوك والفئة النبيلة في عهد الوصاية صرح سلطتهم.

نجد فولتير في هذه المواقف يسخّر نزعته الارتيابية لقناعاته التحررية وهو يقوض خيام الخرافات وما تلاها من السلطة، ولكنه لم يعاد الدين لأجل الدين بالضرورة، بل كان همه الأكبر هو الذب عن الارتيابية والحرية، وكان أكبر دافع له في نشاطه من هذا النوع، فإنه على نفس المنوال وضع على المحك السلطة الفلسفية لأمثال ديكارت ومالبرانش ولايبنتز ممن يسميهم فولتير بالخياليين.

إذا ننظر إلى شخصية فولتير من هذه الكوة، تبارد إلى الذهن سقراط الذي كان فيما قبله مؤسسا مثله للفلسفة الغربية، فإن الميزة الجوهرية لسقراط الفيلسوف هي الامتناع عن اتخاذ مواقف فلسفية معقودة بعضها ببعض بخيط نظام صارم، فقد تردد صدى قول سقراط “لا أعرف شيئا” في إصرار فولتير على أن الفيلسوف الصادق يتجرأ على أن يقتنع بعدم معرفته، ثم لا يأنف أن يجهر به في الملأ، ثم من مناحي الشبه بين سقراط وفولتير أنه كان مثل سقراط ناقدا شعبيا ومجادلا يجعل دور الفلسفة إطلاق سراح أفكار الشعب من أسر الجزمية وتهذيب تصوراته من الأفكار النمطية غير المعقولة، ولكن هذا الشبه لا يعني أن فولتير خضع وخنع لسقراط وكل ما قال وفعل، بل انتقد نفس الجدلية الفلسفية الصارمة التي كان سقراط بطلها، وألقى على عاتقي هذه الجدلية نفسها مسئولية الجزمية التي عمل يحد من سورتها وشدتها، وينازلها من كبرياءها وخيلاءها، وأتى بنيانها من القواعد بالهجاء والهزل والظرافة. ثم رأى سقراط الخطابة أم الأخطاء السوفسطائية التي نذر حياته لتصحيحها، ولكن فولتير استغل نفس الخطابة وتفنن فيها لتذهب ريح الجدلية التي احتضنت الفلسفة التقليدية.

2.4 العلوم التجريبية النيوتنية

لقد نأى فولتير بجانبه عن الارتيابية الصارمة المتطرفة التي لا يستطيع صاحبها إلا أن يسبح في فضاء الجهل المطلق وعدم المعرفة، وعن الأنظمة المعرفية التي تتظاهر بالعلم والمعرفة والتي سماها فولتير خيالا في خيال من الفلسفة، وشق بينهما طريقا وسطا، لا يمر بجدلية سقراط الصارمة. ألا هو طريق العلوم التجريبية النيوتنية الرصينة، لقد سخّر من قوتها واتخذ من شأنها أعلاما لرحلته الفكرية، ففوليتر كان مدينا للتيارات النيوتنية، بل كان نزوعه إلى محاربة الخيال الفلسفي المتمثل في الديكارتية تعدى إليه من أنصار النيوتنية القاطنين في إنجلترا وهولندا الذين كان جلهم من الجالية الهوغونوتية الفرنسية، فإنهم أقاموا جبهة من الخطابات لدحر التيارات المعادية لفلسفة نيوتن الطبيعية من التيار اللايبنتزي والتيار الديكارتي. لقد قدم إسحاق نيوتن في كتابه ” الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية” (طبعت النسخة الأولى منه سنة ألف وستمائة وسبع وثمانين 1687 والنسخة الثانية المنقحة سنة ألف وسبعمائة وثلاث عشر 1713) إطارا كاملا لتفسير سلوك الأجرام السماوية والأجسام الأرضية تفسيرا قائما على الأساس التجريبي مصوغا بصيغة الرياضيات  ولكنه طوع كشحه ولوى عذاره عن العلة الفاعلة لسلوك الأجرام والأجسام فانحرف في تفسيره بقرابة مائة وثمانين درجة عن الفلسفة الطبيعية السائدة آنذاك القائمة على مبدأ العلة والمعلول، الجاعلة للعلة أو السبب عنصرا جوهريا لكل تفسير علمي مقبول، فلما سئل إسحاق نيوتن عن عنصر العلة، قال قولته الشهيرة: “لا أختلق الفروض”، فكأنه تخطى السؤال، ولم ير التنقيب عن العلة الكامنة وراء حركات الأجسام والأجسام ضرورة من الضرورات العلمية، فهو بذلك أعمل معول النقد الصارم على الأساس المعرفي القديم، وهنا يقع إسهام نيوتن الفلسفي البارز، وأضحى الذب عن موقف نيوتن – خاصة ذب فولتير – أشد زخم وأكبر دفع للركب الفلسفي نحو التغيير في النصف الأول من القرن الثامن عشر.

كانت نظرية المعرفة الجديدة النيوتية وإن كانت فضفاضا تسمح بالتنوعات، ولكنها حملت في طياتها موجات ريب لصحة تفسير الطبيعة القائم على الأفكار البديهية المستقلة عن التجربة والحسّ، واصطحبت رياحا لفرض المنهج التجريبي الصارم منهجا لاختبار صحة المعرفة وحيدا غير مفتقر إلى الأفكار البديهية ولا راجع إليها. لقد كان الفلاسفة الطبيعيون من أوروبا النصف الأخير من القرن السابع عشر ولوا أدبارهم المدرسة الأرسطية الفلسفية بطبيعتها وما بعد طبيعتها، ونبذوا فكرة العلل الأربع وهجروا المنهج الغائي لتفسير الحركة والنظام والكوني، ولكنهم أحلوا محلها “عليّة آلية جديدة”، حذت العليةَ الأرسطيةَ الباليةَ حذو النعل بالنعل في افتراض شيء خارج عن نطاق الحس فإنها فسرت نظام الكون بمادة خاملة غير عاقلة، لا تتحرك ولا تتغير إلا بمباشرة مباشر وفعل فاعل، وانتهت بالتفسير الدواري الدردري الذي يرى الأجسام المادية سابحة في لجة من البحر الأثيري، وتترجح وتتراوح بفعل هذه اللجة، وتسفر عما نشاهد بأم أعيننا من الحركات والسلوك. ولكن هل ينسحب رداء الحس على هذا الكون الآلي اللجي المزعوم؟ بل هل ينجر على أمواج عوامل هذا الكون الآلي اللجي التي تتقاذفنا وتحركنا؟ كلا! فلم الاعتقاد بهذا كله؟ جوابه أن النزعة العقلانية أمْلتْ على أصحابها بأن الإيمان بهذا ضرورة لا مناص منها، لولاه لعاد ركب الفلسفة أدراجه إلى العلل الغامضة والمبادئ الغائية الأرسطية. فكانت المهمة الموسدة إلى رجالات الفلسفة الطبيعية الآلية في نهاية القرن السابع عشر هي كشفَ اللثام عن كنه تلك الآليات الشبيهة بآلية شبه الموصّل الذي يتصل بسطحه بالمعادن، والبحثَ عن تلك الكوى التي يؤثّر من خلالها البحر الأثيري. وقد قامت منارة شهرة ديكارت وكرستيان هوغنس ولايبنتز في حقل العلوم في الأصل على مسعاهم لتحقيق هذه المهمة.

لقد أخذ نيوتن الفلسفة الطبيعية بيديها، وصرفها إلى جهة مختلفة، فلا يقبل تفسير لنظام الكون وحركته – في هذه الجهة الجديدة – إلا إذا خنع لتحليل رياضي صارم قائم على الحقائق المحسوسة الملموسة، وفلا يحظى التفكير المجرد المنعزل عن التجربة في هذا البلاط الجديد، وكان الخطأ الفادح لكل من المدرسة الأرسطية الفلسفية والمدرسة الآلية الجديدة أنها لم تلتزم بالنزعة التجريبية الصارمة التزاما، بل كل لكل منهما نوع من التخلف. فمدرسة التفسير الدواري – مثلا – رأت وراء الحركة يدا خفية، ولكنها هنا – في وجهة النظر النيوتنية – لم تفسر ما يحدث، بل قدمت خيالا في حلة تفسير معقول مقبول، وعلى أولياء الفلسفة الطبيعية أن يقاوموا إغراء مثل هذ الخيال، ويتقيدوا بما يمكن تأكده بمقاييس التجربة والحس. واسترسلت المدرسة النيوتنية قائلة: ثم إذا لم نسطع أن نفسر الحقائق التي يكون إنكارها مكابرة إلا بأنها حقائق بأنفسها وتحتل مساحة من الحقيقة، ولا نتطرق إلى عامل خارج، فهذا ليس من فشل الفلسفة بقدر ما هو التزام بمنهج وخضوع لصرامته. مثل هذه الحروب المعرفية ارتفع أوارها حول ناموس التجاذب الكوني النيوتني. فقال بعض من قال: لقد باح نيوتن بسنة كونية رياضية، لا يختلف في أمرها اثنان ولا يتناطح في شأنها فحلان، وهي أن بين كل جسمين في الكون قوة جاذبة، ترتفع كلما ازدادت كتلهما هما، وتنخفض كلما ازدادا هما ابتعادا، ولكن هل يترشح هذا التفسير الرياضي الصارم لأن يسمى بالتفسير الفلسفي؟ كان جؤاب “لابنتيز” وغيره من النقاد بالنفي؛ لأن التفسير الرياضي – في رأيهم – ليس من الفلسفة في شيء، ونيوتن في الجانب المعاكس رفض تقديم تفسير علّي كاشف عما في حنايا الباطن وطوايا الداخل، وصدعت المدرسة النيوتنية بأن تفسير الظواهر ناهيك عن تفسير في نطاق العلوم ما دام مبنيا على التجربة والحقائق المحسوسة الملموسة، وما لم تنقشع سحب الجهل عن المعلومات التي تجلو هذه المناحي من التجاذب، فلا سبيل إلى تفسيرها تفسيرا علميا مقبولا، بل خطا أنصار المدرسة النيوتنية الأوفياء خطوة، وأصروا على أن ما أخبرنا نيوتن من عمل التجاذب ففيه الغنية، ولا يعوزنا بعده تفسير آخر، فتفسير القانون في نفسه تفسير متكامل غير مفتقر إلى شيء، بل تعدى بهم الأمر أن استهزأوا بمن يصر على نشدان تفسير للكون، بغير الحقائق العلمية المحسوسة  من نحو أنصار “التفسير الدواري الدردري الأثيري”، ووصفوه بأنه كمن يشتهي لحم عنقاء مغرب.

هذه أضواء من مشاهد المساجلات الفلسفية المحتدمة في العقود الأولى من القرن الثامن عشر وهي إذا كشفت موقف المدرسة النيوتنية منها، أبرزت للعيان موقف بطلنا فولتير كذلك؛ لأن فولتير لم يكن أبا عذرة فكرة  من الأفكار التي تبني إطار النيوتنية، بل كان فضله أنه جعل نظرية المعرفة النيوتنية الجديدة شعاره ودثاره، ونفخ في بوقها، وأذن في الناس بها حتى كان أعظم مبلغ لها ومؤذن فأصبحت عملتها بفضل جهوده رائجة وألفت كلمتها آذانا صاغية في فرنسا وغيرها من أصقاع أوروبا، يجدر بنا في هذا المساق أن نزاوج بين فولتير وديفيد هيوم اللذين خاضا الغمار نفسه، وأدليا بدلاءهما في هذا التحول الفلسفي المعرفي العظيم واللذين استهل كل منهما مسيره بعدم الاطمئنان بالفلسفة العقلانية، ودان للمقاييس التجربية الصارمة التي نصبها نيوتن لجس الحقّيّة في معمل الفلسفة، ولكن هيوم ظل المستهدف لديه هو الفلسفة التقليدية، وشغله الشاغل مدى حياته هو مد أطناب الارتيابية إلى جدوى الفلسفة المتعالية، وإثبات أن أرض الفلسفة المتعالية قاحلة ماحلة. وهذا هو الذي أيقظ كانط – كما اشتهر عنه – من سبات جزميته، وحثه على صياغة الفلسفة صياغة جديدة، فكان اهتمام هيوم مقصورا على ما يشبه هدم البناء القديم البالي وقطع الجسد المترهل. أما صاحبنا في حديثنا هذا فولتير فكانت مهمته أكثر أهمية، فإنه كان مرتبطا بالعلماء التجريبيين النيوتنيين الجدد، وهو وإن لم يكن عالما متخصصا متضلعا بل كان بمنزلة صاحب الهواية من العلوم التجريبية، إلا أن تفانيه للمنهج النيوتني لدراسة الطبيعة جعل منه – من بعض الوجوه – أكبر محام وأشد تابع لبديع فكرة الفلسفة المحكومة بالمنهج العلمي التجريبي، تلك الفكرة التي غرس جذورها إسحاق نيوتن.

كانت الأهمية القصوى عند فولتير وغيره من أوفياء المدرسة النيوتنية في القرن الثامن عشر هي للدفاع عن العلوم التجريبية وإحلالها محل الفلسفة الطبيعية التقليدية، كانت هذه المهمة بطبيعة الحال بحاجة إلى ما جاء به ديفد هيوم من صب جام النقد على النظام العقلاني التجريدي، ولكنها كانت أكثر من ذلك بكثير، كانت في إلحاح حاجة إلى حركة، تتخذ من هدفها الدفاع عن البرهان والاستقراء القائمين على التجربة والمشاهدة، وتجعل من ذلك نظرية معرفة جديدة منسجمة مع الفلسفة التنويرية الحديثة، فكان أكبر تجلّ لهذه الحركة فولتير الذي حارب – بشراسة – نظرية المعرفة العقلانية التقليدية في عقر دارها حينما اتخذ منها نقاد النيوتنية سلاحا لمحاربتها. فلنأخذ – مثلا – ما ذكر في روايته ” التفاؤل” – وهو ينقد النظام التقليدي – من أن سراب التفاؤل الذي يراه من يرى ويقنع به من يقنع يتبدد كما أفلت شمس الجدلية التجريدية، وطبقت سحب المنهج التجريبي، ونستطيع أن نشم من قولته هذه رائحة جنوحه إلى النزعة النيوتنية، ثم نلمس كذلك أثر النزعة النيوتنية في البديل الذي عرّض به فولتير تعريضا في الرواية نفسها حيث أشاد بحياة منكبة على أعمال عادية غير معقدة، لها ثمرة واضحة ملموسة. فهذه النظرة النفعية نفسها هي التي استعانت بها المدرسة النيوتنية لتسويغ منهجها، وتبرير نظامها. ثم كانت حملته لصالح الطريقة التلقيحية لمداواة مرض الجدري، التي انطلقت من بحث له حولها في “الرسائل الفلسفية”، لجأت إلى حقائق المرضى وما تجمع حولهم من المعلومات، وبددت بها الشبه والمخاوف التي أثارها من أثارها باستنتاجه من المبادئ البديهية التي تتظاهر بالقوة والمتانة، ولم يلق إلى الحقائق الملموسة بالا. فبيت القصيد هنا أن جميع حملات فولتير اتخذت من المنهج التجريبي والحقائق الملموسة ترياقا لسم الأفكار النمطية غير المعقولة وشفاء لداء الانتماء إلى الأفكار السائدة انتماء أعمى وأن فلسفته المتمثلة في كل ما سلف كانت مدينة لأنصار المدرسة النيوتنية في ميوله المعرفية.

2.5 فلما فصلت عير العلوم عمّا بعد الطبيعة

لقد غيرت الثورة النيوتنية وشائج ما بين العلوم وما بعد الطبيعة قبل ما رحبت بها الحداثة التنويرية، وضرب فولتير في هذا التغيير نصيبا مباشرا، وكان أبرز ما جاء به موقفه مما بعد الطبيعة وأنه لابد أن تبدو بينه وبين ما يترشح لأن يسمى بالعلم المنظم قطيعة، فقد كان موقف لايبنتز – مثلا – إصراره على أن العلوم الطبيعية لابد قبل أن تشد رحالها أن تتخذ موقفا من كنه الجسم الذي ستدرسه وحقيقته واضحا صارما، ولكن الفلسفة الطبيعية التي جاءت بها المدرسة النيوتنية بعكس لايبنتز ومن لف لفه أصرت أن البحث عن كنه “الجسم” وحقيقته إن لم يكن مضيعة للوقت، فلا أقل أنه يثني دارس العلوم الطبيعية عن موضوعها الأساسي، ويلفت انتباهه إلى ما هو في غنى عنه في مجال تلك العلوم، وعلى الدارس في رأي نيوتن أن يقيد نفسه بدراسة الآثار الملموسة المحموسة وتفسيرها تفسيرا كمّيّا وغير قمن به أن يستسلم لرغبته في خرص ما لا يلمس ولا يقاس، وكانت هذه القطيعة الصارمة بين العلوم الطبيعية وما بعد الطبيعة قلب المدرسة النيوتنية ولبها، ولكن لم يناضل لأجلها أحد بحماسة وشدة مناضلة فولتير ولم يبينها لعامة الناس أحد بيان فولتير .

لقد قدمت مجابهة فولتير للايبنتزية في العقد الخامس من القرن الثامن عشر منصة لتحقيق هذه القطيعة، كانت السيدة ” الماركيزة دو شاتليه” ألفت كتابها “مؤسسات العلوم الطبيعية” الذي قدم منهجا للتوفيق بين أفكار نيوتن ولابينتز، وحاولت أن يصل أرحام العلوم وما بعد الطبيعة ولم يكن فولتير ليستسيغ هذا الائتلاف، فطفق ينشر في مستهل العقد الخامس من الكتابات والخطابات ما يصدع بمعارضة هذه النزعة الائتلافية، هذا وفولتير خطا نفس الخطوات المعارضة حينما عاد إلى المشهد النزاع المتعلق “بالقوة الحية” بعد صدور كتاب السيدة المذكور آنفا وبقي لمدة قصيرة، ووقف مع التفسير التجريبي الآلي معارضا رأي لايبنتز في نفس القضية، الجانح إلى ما بعد الطبيعة، وكذلك نشر فولتير في السنة الأربعين بعد ألف وسبعمائة، كتيبا يحمل عنوان “مواقف نيوتن مما بعد الطبيعة” وتأبط ردا لموقف السيدة في كتابها بغير تصريح، لم يتول الكتيب تفسير موقف نيوتن مما بعد الطبيعة كثيرا كما يقتضي عنوانه، بقدر ما حوى إشادة نيوتن بأنه ازورّ عما بعد الطبيعة وخرصه ازورارا، وشفع هذه الإشادة بأن اتهم لايبنتز بأن حبه لإقامة العلوم الطبيعية على أس ما بعد الطبيعة أعماه وأصم. ثم جعل فولتير هذا الكتيب مقدمة للنسخة النهائية من كتابه “عناصر فلسفة نيوتن”، وحدد بذلك قسمات وجه العلاقة بين العلوم الطبيعة وما بعد الطبيعة – في رأيه هو – مخالفا بذلك موقف السيدة من تلك القسمات موقفا منها ميالا إلى لايبنتز. لقد جنح نفس الجنوح حينما أدان “وبرتيوس” في العقد السادس من القرن الثامن عشر، بل مزج هذه الإدانة بتجريح ذاته والهزء منه وربط تعامله مع الطبيعيات تناولا قائما على أسس ما بعد الطبيعة، فيما ربط، بتزايد غروره في ميوله الفلسفية وبسلوكه مع زملاءه ونقاده سلوك السيد مع عبده.

لا شك أن فولتير رشق ذات ويرتيوس وشخصه في انتقاده وهجومه عليه، ولكنه كان في صميمه تأكيدا لنظرته مما بعد الطبيعة، من أنه يعمي على أصحاب العلوم الطبيعية المنهج المستقيم تعمية، ويعرقل عليهم مضيهم عليه عرقلة. هذا وقد ولدت النزعة النيوتنية تيارين قوين في الفلسفة فيما بعد:

۱:  إعادة صياغة الفلسفة المتعالية بالثورة الكوبرنيكوسية الفلسفية التي أثارها  كانط. فإن كانط ضيق على ما بعد الطبيعة خناقه حتى حجزه في القضايا البديهية المستقلة عن التجربة (القضايا القبلية).

۲: وتضاؤل ما بعد الطبيعة حينما هبت رياح الفلسفة الوضعية وما قامت عليه من المنهج التجريبي المجانب لخرص ما بعد الطبيعة.

فنظرا إلى ما قام به فولتير من قيامه إلى جانب المدرسة النيوتنية بحماسة ودعوته إليها بشدة، ينبغي أن يعد صاحبنا سلفا للتيار الثاني ورائده. ثم نسب – في جانب واحد – كثير من مفكري القرن التاسع عشر الوضعية إلى فولتير ، وجعلوا أفكاره هي السلالة التي انحدرت منها الوضعية، وكان فولتير بحملاته الشهيرة – في جانب آخر – من الرعيل الأول ممن كشف زيف “الخرافات غير المعقولة” وما تلاها من السلطة وفضحها، فقوض خيام المؤسسات الكنسية والملكية النبيلة. فإن زاوجنا بين الجانبين من تراث فولتير ، فلعلنا يتأكد لنا ما يزعم بعض من ارتباط حلول الوضعية العلمية بالسآمة من المسيحية والتضجر ونفيها من حياة الناس والعلمنة، فإن الوضعية العلمية كانت – في نظرهم – أكبر عامل لإقصاء المسيحية وحط العلمانية رحالها مكانها. فنستطيع بناء على ذلك أن نقول: لقد سن فولتير سنة فلسفية، اقتفاها من بعده أوغست كونت وتشارلز داروين، وبقي عودها غضا طريا حتى سار عليها كارل بوبر ورتشادر داكنز في القرن العشرين.


قائمة المراجع

أ: المراجع الأولية

كان فولتير نجما متلالئا على سماء الشهرة، فلم يكد يودع هذا العالم حتى قامت جهود منظمة – و هي مستمرة حتى اليوم – بجمع أعماله وكتاباته وتوثيق نسبتها إلى فولتير ، وأثمرت ثلاث مجموعات موثوق بها، و تحوي فيما تحوي مراسلاته، والمجموعة الثالثة فيما يلي لاتزال تنتظر الإكمال. وهي:

  • Oeuvres complètes de Voltaire, edited by A. Beuchot. 72 vols. Paris: Lefevre, 1829–1840.
  • Oeuvres complètes de Voltaire, edited by L.E.D. Moland and G. Bengesco. 52 vols. Paris: Garnier Frères, 1877–1885.
  • Oeuvres complètes de Voltaire, edited by Theodore Besterman. 135 vols. (غير مكتملة) Geneva, Banbury, and Oxford: Voltaire Foundation, 1968–.

ب: المراجع الأولية المترجمة

مجموعة أعمال فولتير

  • The Works of Voltaire: A Contemporary Version, William F. Fleming (ed. and tr.), 21 vols., New York: E.R. Du Mont, 1901. [Complete edition available at the Online Library of Liberty]
  • The Portable Voltaire, Ben Ray Redman (ed.), New York: Penguin Books, 1977.
  • Selected Works of Voltaire, Joseph McCabe (ed.), London: Watts, 2007.
  • Shorter Writings of Voltaire, J.I. Rodale (ed.), New York: A.S. Barnes, 1960.
  • Voltaire in his Letters, Being a Selection of his Correspondence, S.G. Tallentyre (tr.), Honolulu, HI: University Press of the Pacific, 2004.
  • Voltaire on Religion: Selected Writings, Kenneth W. Applegate (ed.), New York: F. Ungar, 1974.
  • Voltaire: Selected Writings, Christopher Thacker (ed.), London: Dent, 1995.
  • Voltaire: Selections, Paul Edwards (ed.), New York: Macmillan, 1989.

مسرحيات فولتير

  • Translations of Voltaire’s major plays are found in: The Works of Voltaire: A Contemporary Version, William F. Fleming (ed. and tr.), New York: E.R. Du Mont, 1901. [Complete edition available at the Online Library of Liberty]
  • Seven Plays (Mérope (1737), Olympia (1761), Alzire (1734), Orestes (1749), Oedipus (1718), Zaire, Caesar), William Fleming (tr.), New York: Howard Fertig, 1988.

أعمال فولتير المتعلقة بالتاريخ

  • The Age of Louis XIV (1733) and other Selected Writings, J.H. Brumfitt (ed.), New York: Twayne, 1963.
  • The Age of Louis XIV (1733), Martyn P. Pollack (tr.), London and New York: Dutton, 1978.
  • History of Charles XII, King of Sweden (1727), Honolulu, HI: University Press of the Pacific, 2002.
  • History of Charles XII, King of Sweden (1727), Antonia White and Ragnhild Marie Hatton (eds.), New York: Barnes & Noble Books, 1993.
  • The Philosophy of History (1764), New York: The Philosophical Library, 1965.

مقالات فولتير ومراسلاته وقصصه

  • The Complete Tales of Voltaire, William Walton (tr.), 3 vols., New York: Howard Fertig, 1990.
    • Vol. 1: The Huron (1771), The History of Jenni (1774), The One-eyed Street Porter, Cosi-sancta (1715), An Incident of Memory (1773), The Travels of Reason (1774), The Man with Forty Crowns (1768), Timon (1755), The King of Boutan (1761), and The City of Cashmere (1760).
    • Vol. 2: The Letters of Amabed (1769), The Blind Judges of Colors (1766), The Princess of Babylon (1768), The Ears of Lord Chesterfield and Chaplain Goudman (1775), Story of a Good Brahman (1759), An Indian Adventure (1764), and Zadig, or, Destiny (1757).
    • Vol. 3: Micromegas (1738), Candide, or Optimism (1758), The World as it Goes (1750), The White and the Black (1764), Jeannot and Colin (1764), The Travels of Scarmentado (1756), The White Bull (1772), Memnon (1750), Plato’s Dream (1737), Bababec and the Fakirs (1750), and The Two Consoled Ones (1756).
  • The English Essays of 1727, David Williams and Richard Walker (eds.), Oxford: Voltaire Foundation, 1996.
  • Epistle of M. Voltaire to the King of Prussia (1738), Glasgow, 1967.
  • The History of the Travels of Scarmentado (1756), Glasgow: The College Press, 1969.
  • Micromégas and other Short Fictions (1738), Theo Cuffe and Haydn Mason (eds.), London and New York: Penguin Books, 2002.
  • The Princess of Babylon (1768), London: Signet Books, 1969.
  • The Virgin of Orleans, or Joan of Arc (1755), Howard Nelson (tr.), Denver: A. Swallow, 1965.
  • Voltaire. Essay on Milton (1727), Cambridge: Cambridge University Press, 1954.
  • Voltaire’s Romances, New York: P. Eckler, 1986.
  • Zadig, or L’Ingénu (1757), London: Penguin Books, 1984.
  • Zadig, or the Book of Fate (1757), New York: Garland, 1974.
  • Zadig, or The Book of Fate an Oriental History (1757), Woodbridge, CT: Research Publications, 1982.

أعمال فولتير المتعلقة بالسياسة

  • The Calas Affair: A Treatise on Tolerance (1762), Brian Masters (ed.), London: The Folio Society, 1994.
  • The Sermon of the Fifty (1759), J.A.R. Séguin (ed.), Jersey City, NJ: R. Paxton, 1963.
  • A Treatise on Toleration and Other Essays, Joseph McCabe (ed.), Amherst, NY: Prometheus Books, 1994.
  • A Treatise on Tolerance and other Writings. Edited by Brian Masters. Cambridge and New York: Cambridge University Press, 1994
  • Voltaire. Political Writings. Edited by David Williams. Cambridge and New York: Cambridge University Press, 1994

طبعات كتب فولتير المستقلة الرئيسية

  • The Elements of Sir Isaac Newton’s Philosophy (1738; 2nd expanded ed. 1745)
    • Translated John Hanna. London: Cass, 1967.
    • Birmingham, AL: Gryphon Editions, 1991.
  • Philosophical Dictionary (1752)
    • Edited by Theodore Besterman. London: Penguin Books, 2002.
    • Translated by Peter Gay. New York: Basic Books, 1962.
    • Philosophical Dictionary: A Compendium, Wade Baskin (ed.), New York: Philosophical Library, 1961.
    • Philosophical Dictionary: Selections, Chicago: The Great Books Foundation, 1965.
  • Philosophical Letters (Letters on the English Nation, Letters on England) (1734)
    • John Leigh and Prudence L. Steiner (ed.), Indianapolis, IN: Hackett, 2007.
    • Leonard Tancock (ed.), London and New York: Penguin Books, 2003.
    • Ernest Dilworth (ed.), Mineola, NY: Dover, 2003.
    • Nicholas Cronk (ed.), New York: Oxford University Press, 1994.
    • F.A. Taylor (ed.), Oxford: Basil Blackwell, 1946.
    • Harvard Classics, Vol. 34, Part 2. [Available online from Bartleby.com]
  • Voltaire’s Letters on the Quakers (1727), Philadelphia: William H. Allen, 1953.
  • Candide, or Optimism (1758). Hundreds of English editions of this text have been published, so this list is restricted to the most important scholarly editions published since 1960.
    • C.H.R. Niven (ed.), London: Longman, 1980.
    • Candide and other Writings, Haskell M. Block (ed.), New York: Modern Library, 1985.
    • Richard Aldington, Ernest Dilworth, and others (eds.), New York: Modern Library, 1992.
    • Shane Weller (ed.), New York: Dover, 1993.
    • Candide: A Dual Language Book, New York: Barnes & Noble Books, 1993.
    • Robert Martin Adams (ed.), New York: W.W. Norton, 1996.
    • Electronic Scholarly Publishing Project, 1998. [Available online at Electronic Scholarly Publishing Project]
    • Daniel Gordon (ed.), Boston: Bedford/St. Martin’s, 1999.
    • Candide and Related Texts, David Wooton (ed.), Indianapolis, IN: Hackett, 2000.
    • Lowell Bair (ed.), New York: Bantam Books, 2003.
    • Candide & Zadig, Lester G. Crocker (ed.), New York: Pocket Books, 2005.
    • Raffael Burton (ed.), New Haven: Yale University Press, 2007.
    • Theo Cuffe (ed.), London and New York: Penguin Books, 2007.
    • Candide and other Stories, Roger Pearson (ed.), Oxford: Oxford University Press, 2008.
    • Candide, Zadig, and Selected Stories, Donald Frame (tr. and ed.), New York: Signet Classic, 2009.

ج: المراجع الثانوية

لقد اتسع ولايزال يتسع ما كتب حول فولتير، فنقتصر تقريبا فيما يلي على كتب المتخصصين في “فولتير”، وإنما نورد أسماء شيء من المقالات المرموقة المهمة أهمية بالغة. هذا وتصدر مؤسسة فولتير سلسلة، أصدرت حتى الآن أربعمائة مجلد وخمسين مجلدا، وكانت تحمل في أول أمرها عنوان “دراسات حول فولتير والقرن الثامن عشر”، ثم غيرت عنوانها في سنة ألفين وثلاث عشر (2013) إلى “دراسات جامعة أكسفورد حول الحركة التنويرية” تغييرا، يعكس اتساعا في نظاق محتويات المجموعة، ولكنها لاتزال – مع “الكراسات الفولتيرية” التي تصدره “مؤسسة فولتير في فيرني” – أمثل مصدر يتجدد دوريا ويحوي ما يستجد من البحوث والدراسات فيما يتعلق بفولتير.

  • Aldridge, Alfred Owen, 1975, Voltaire and the Century of Light, Princeton: Princeton University Press.
  • Badinter, Elizabeth, 1983, Émilie, Émilie, l’ambition féminine au XVIIIe siècle, Paris: Flammarion.
  • Badinter, Elizabeth, 1999–2002, Les Passions intellectuelles, 2 vols., Paris: Fayard.
  • Barber, W.H., 1955, Leibniz in France from Arnauld to Voltaire: A Study in French Reactions to Leibnizianism 1670–1760, Oxford: Clarendon Press.
  • Barrell, Rex A., 1988, Bolingbroke and France, Lanham, MD: University Press of America.
  • Besterman, Theodore, 1969, Voltaire, New York: Harcourt, Brace, & World.
  • Brooks, Richard A., 1964, Voltaire and Leibniz, Geneva: Droz.
  • Brown, Harcourt, 1947, Voltaire and the Royal Society of London, Toronto: University of Toronto Quarterly.
  • Brumfitt, J.H., 1970, Voltaire: historian, London: Oxford University Press.
  • Brumfitt, J.H., 1973, The French Enlightenment, Cambridge: Schenkman Pub. Co.
  • Brunel, Lucien, 1967, Les Philosophes et l’académie française au dix-huitième siècle, Genève: Slatkine Reprints.
  • Brunet, Pierre, 1931, L’introduction des théories de Newton en France au XVIIIe siècle, Paris: A. Blanchard.
  • Collins, J. Churton, 1908, Voltaire, Montesquieu, and Rousseau in England, London: E. Nash.
  • Conlon, Pierre M., 1961, Voltaire’s literary career from 1728 to 1750, Genève: Institut et Musée Voltaire.
  • Cottret, Bernard, 1992, Bolingbroke: exil et écriture au siècle des Lumières, Paris: Klincksieck.
  • Cronk, Nicolas, 2009, The Cambridge Companion to Voltaire, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Cronk, Nicolas, 2014, Voltaire: a very short introduction, Oxford: The Voltaire Foundation.
  • Darnton, Robert, 1979, The Business of Enlightenment: The Publishing History of the Encyclopédie, 1775–1800, Cambridge: Harvard University Press.
  • Darnton, Robert, 1982, The Literary Underground of the Old Regime, Cambridge: Harvard University Press.
  • Dickinson, H.T., 1970, Bolingbroke, London: Constable.
  • Dieckmann, Herbert, 1943, Le Philosophe: Texts and Interpretations, (Series: Washington University Studies, New Series, Language and Literature, no. 18), St. Louis: Washington University Press.
  • Duchet, Michèle, 1971, Anthropologie et histoire au siècle des lumières Buffon, Voltaire, Rousseau, Helvetius, Diderot, Paris: F. Maspero.
  • Ehrman, Esther, 1986,  du Châtelet: Scientist, Philosopher and Feminist of the Enlightenment, Leamington [Spa]: Berg.
  • Gandt, François de, 2001, Cirey dans la vie intellectuelle: la réception de Newton en France, Oxford: Voltaire Foundation.
  • Gardiner Janik, Linda, 1982, “Searching for the Metaphysics of Science: The Structure and Composition of Mme. Du Châtelet’s Institutions de physiques, 1737–1740”, Studies on Voltaire and the Eighteenth Century, 201: 85–113.
  • Gay, Peter, 1954, The Party of Humanity: Essays in the French Enlightenment, New York: Knopf.
  • Gay, Peter, 1969, The Enlightenment: An Interpretation, Vol. 1, The Science of Freedom, New York: Knopf.
  • Gay, Peter, 1977, The Enlightenment: An Interpretation, Vol. 2, The Rise of Modern Paganism, New York: Knopf 1977.
  • Gay, Peter, 1988, Voltaire’s Politics: The Poet as Realist, New Haven: Yale University Press.
  • Guerlac, Henry, 1981,Newton on the Continent, Ithaca.
  • Gurrado, Antonio, 2013, Voltaire cattolico, Torino: Lindau.
  • Hagengruber, Ruth (ed.), 2011, Emilie du Châtelet between Leibniz and Newton, Dordrecht: Springer.
  • Ḥadīd, Javādī, 2012, Voltaire et l’Islam, Ozoir la Ferriere : Albouraq.
  • Hellman, Lilian, 1980, Dorothy Parker, John La Touche, Richard Wilbur, and Leonard Bernstein, 1956–1957, Candide, An Operetta in Two Acts, New York: Jaini Publications.
  • Hutchison, Ross, 1991, Locke in France: 1688–1734, Oxford: Voltaire Foundation.
  • Iltis, Carolyn, 1977, “Madame du Châtelet’s metaphysics and mechanics”, Studies in the History and Philosophy of Science, 8: 29–48.
  • Israel, Jonathan, 2000, The Radical Enlightenment: Philosophy and the Making of Modernity, 1650–1750, Oxford: Oxford University Press.
  • Israel, Jonathan, 2006, Enlightenment Contested: Philosophy, Modernity, and the Emancipation of Man 1670–1752, Oxford: Oxford University Press.
  • Israel, Jonathan, 2009, A Revolution of the Mind: Radical Enlightenment and the Intellectual Origins of Modern Democracy, Oxford: Oxford University Press.
  • Israel, Jonathan, 2011, Democratic Enlightenment: Philosophy, Revolution, and Human Rights 1750–1790, Oxford: Oxford University Press.
  • Israel, Jonathan, 2014, Revolutionary Ideas: An Intellectual History of the French Revolution from The Rights of Man to Robespierre, Oxford: Oxford University Press.
  • Jacob, Margaret, 1981, The Radical Enlightenment: Pantheists, Freemasons, and Republicans, London: Cornerstone Book Publishers.
  • Kramnick, Isaac, 1968, Bolingbroke and His Circle: The Politics of Nostalgia in the Age of Walpole, Cambridge: Harvard University Press.
  • Lanson, Gustave, 1894, Histoire de la littérature française, Paris: Hachette.
  • Lanson, Gustave, 1906, Voltaire, Paris: Hachette.
  • Libby, Margaret Sherwood, 1935, The Attitude of Voltaire to Magic and the Sciences, New York: Columbia University Press, 1935.
  • Lilti, Antoine, 2005, Le monde des salons. Sociabilité et mondanité à Paris au XVIIIe siècle, Paris: Fayard.
  • Mason, Haydn Trevor, 1963, Pierre Bayle and Voltaire, London: Oxford University Press.
  • Mason, Haydn Trevor, 1975, Voltaire, New York: St. Martin’s.
  • Masseau, Didier, 1994, L’Invention de l’intellectual dans l’Europe du XVIIIe siècle, Paris: Presses Universitaires de France.
  • Mattei, Silvia, 2010, Voltaire et les voyages de la raison, Paris: Harmattan.
  • Maurois, André, 1935, , Paris: Gallimard.
  • Mauzi, Robert, 1960, L’idée du bonheur dans la litterature et la pensée francaises au XVIIIe siècle, Paris: A. Colin.
  • McKenna, Antony, 1994, Écraser l’infame, 1759–1770Voltaire en son temps, René Pomeau (ed.), Vol. 4, Oxford: Voltaire Foundation.
  • McMahon, Darrin M., 2001, Enemies of the Enlightenment: The French Counter-enlightenment and the Making of Modernity, New York: Oxford University Press.
  • McNutt, Jennifer Powell, 2013, Calvin meets Voltaire: the clergy of Geneva in the age of enlightenment, 1685-1798, Burlington: Ashgate.
  • Melton, James Van Horn, 2001, The Rise of the Public in Enlightenment Europe, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Méricam-Bourdet, Myrtille, 2012, Voltaire et l’écriture de l’histoire: un enjeu politique, Oxford: Voltaire Foundation.
  • Mervaud, Christiane, 1991, De la cour au jardin, 1750–1759Voltaire en son temps, René Pomeau (ed.), Vol. 3, Oxford: Voltaire Foundation.
  • Mitchell, Harvey, 2104, Voltaire’s Jews and modern Jewish identity: rethinking the Enlightenment, London: Routledge.
  • Morize, André, 1909, L’Apologie du luxe au XVIIIe Siècle: “Le Mondain” et ses Sources, Paris: H. Didier.
  • Neiertz, Patrick, 2012, Voltaire et l’économie politique, Oxford: Voltaire Foundation.
  • Northeast, Catherine M., 1991, The Parisian Jesuits and the Enlightenment, 1700–1762, Oxford: Voltaire Foundation.
  • Orieux, Jean, 1966, Voltaire, ou la Royauté de l’esprit, Paris: Flammarion.
  • Palmer, Robert R., 1939, Catholics and Unbelievers in 18thCentury France, Princeton: Princeton University Press.
  • Pappas, John N., 1957, Berthier’s Journal de Trevoux and the Philosophes(Studies on Voltaire and the Eighteenth Century, Volume 3), Geneva: Institut and Musée Voltaire.
  • Pappas, John N., 1962, Voltaire and d’Alembert, Bloomington: Indiana University Press.
  • Pearson, Roger, 1993, The Fables of Reason: A Study of Voltaire’s “Contes philosophiques”, Oxford: Clarendon Press.
  • Perry, Norma, 1975, Sir Everard Fawkener, friend and correspondent of Voltaire, Oxford: Voltaire Foundation.
  • Pettit, Alexander, 1997, Illusory Consensus: Bolingbroke and the Polemical Responses to Walpole, 1730–1737, Newark: University of Delaware Press.
  • Pomeau, René, 1969, La réligion de Voltaire, Paris: Nizet.
  • Pomeau, René, 1985, D’Arouet à Voltaire, 1694–1734Voltaire en son temps, René Pomeau (ed.), Vol. 1, Oxford: Voltaire Foundation.
  • Pomeau, René (ed)., 1985–1994, Voltaire en son temps, 5 vols., Oxford: Voltaire Foundation.
  • Pomeau, René, 1994, On a voulu l’enterrer, 1770–1791Voltaire en son temps, René Pomeau (ed.), Vol. 5, Oxford: Voltaire Foundation.
  • Popkin, Richard Henry, 1979, The History of Scepticism from Erasmus to Spinoza, Berkeley: University of California Press.
  • Proust, Jacques, 1962, Diderot et l’Encyclopédie, Paris: Slatkine.
  • Rasmussen, Dennis Carl, 2014, The pragmatic enlightenment: recovering the liberalism of Hume, Smith, Montesquieu, and Voltaire, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Rousseau, André Michel, 1976, L’Angleterre et Voltaire (1718–1789), Oxford: Voltaire Foundation.
  • Saigey, Émile, 1873, Les sciences au XVIIIe siècle: la physique de Voltaire, Paris: G. Baillière.
  • Schlereth, Thomas J., 1977, The cosmopolitan ideal in Enlightenment thought, its form and function in the ideas of Franklin, Hume, and Voltaire, 1694–1790, South Bend, IN: University of Notre Dame Press.
  • Shank, J.B., 2008, The Newton Wars and the Beginning of the French Enlightenment, Chicago: University of Chicago Press.
  • Spink, John Stephenson, 1960, French Free-thought from Gassendi to Voltaire, London: University of London, Athlone Press.
  • Terrall, Mary, 2002, The Man Who Flattened the Earth: Maupertuis and the Sciences in the Enlightenment, Chicago: University of Chicago Press.
  • Tlili, Mahbouba Saï, 2009, Voltaire et l’IslamTunis: Arabesques.
  • Torrey, Norman L., 1930, Voltaire and the English Deists, New Haven: Yale University Press. 2nd, Hamden, CT: Archon Books, 1967.
  • Torrey, Norman L.,1938, The Spirit of Voltaire, New York: Russell and Russell. 2nd, 1968.
  • Undank, Jack, 1989, “Portrait of the Philosopher as Tramp”, in A New History of French Literature, Dennis Hollier (ed.), Cambridge: Harvard University Press, 1989, pp. 421–428.
  • Vaillot, René, 1988, Avec madame Du Châtelet, 1734–1749Voltaire en son temps, René Pomeau (ed.), Vol. 2, Oxford: Voltaire Foundation.
  • Van Kley, Dale, 1975, The Jansenists and the Expulsion of the Jesuits in France, 1757–1767, New Haven: Yale University Press.
  • Vercruysse, Jeroom, 1966, Voltaire et la Holland, Genève: Institut et Musée Voltaire.
  • Vernière, Paul, 1954, Spinoza et la pensée française avant la Révolution, Paris: Presses Universitaires de France.
  • Wade, Ira Owen, 1938, The Clandestine Organization and Diffusion of Philosophic Ideas in France from 1700 to 1750, Princeton: Princeton University Press.
  • Wade, Ira Owen, 1941, Voltaire and Madame du Châtelet: An Essay on the Intellectual Activity at Cirey, Princeton: Princeton University Press.
  • Wade, Ira Owen, 1947, Studies on Voltaire with Some Unpublished Papers of Mme. du Châtelet, Princeton: Princeton University Press.
  • Wade, Ira Owen, 1969, The Intellectual Devevelopment of Voltaire, Princeton: Princeton University Press.
  • Zinsser, Judith, 2006, La Dame d’Esprit: A Biography of the Marquise du Châtelet, New York: Viking.
  • Zinsser, Judith and Hayes, Julie (eds.), 2006, Emilie du Châtelet: Rewriting Enlightenment Philosophy and Science, Oxford: Voltaire Foundation.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up this entry topic at the Indiana Philosophy Ontology Project(InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الأنترنت

مقالات ذات صلة

Clarke, Samuel | Descartes, René | hedonism | Hume, David: Newtonianism and Anti-Newtonianism | Leibniz, Gottfried Wilhelm | liberty: positive and negative |Newton, Isaac | skepticism

[1] Shank, J.B., “Voltaire”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2015 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2015/entries/voltaire/>.