مجلة حكمة
شق ستار الجهل: إعادة كتابة تاريخ الفلسفة - روث هاغنبيرغ

شق ستار الجهل: إعادة كتابة تاريخ الفلسفة – روث هاغنبيرغ / ترجمة: فاطمة الشملان

csm_UPB_Prof._Dr._Ruth_Hagengruber_2611f3f5d7
د. روث هاغنبيرغ، فيلسوفة ألمانية

نبذة:

باعتبار التاريخ الطويل والغني للفيلسوفات اللاتي جعلن أنماط تأويلاتنا تتحور: كيف يمكن أن نفهم الأثر المهم للفيلسوفات على جانب من المعرفة، بالرغم من أننا في عداه نؤكد بأنهم أقصوا منه؟ وكيف من الممكن لفلسفتهن أن أدت إلى مساهمات بما يتعلق بالأمر عموما في حين أصررن أيضا أن المفاهيم الفلسفية مرتبطة بالوعي الجندري؟ أحاج بأن البحث في تاريخ الفلسفة يمنح تفسيرات وحلول ويطرح نفسه كطريقة استكشافية للإجابة على هذه المتناقضات.

إن معرفتنا بتاريخ الفلسفة جزئي دائما، يعرف كل جيل تراثه جزئيا فقط لأن كلّ يرى تاريخ الفلسفة على أنه مؤطر بفئات عصرية، فلسفية وثقافية كذلك. وبالتالي تاريخ الفلسفة ككل هو سجل من الشمول والإقصاء، من النسيان وإعادة الاكتشاف. فلسلفة اليوم ليست الكتاب الموجود فوق كومة الكتب ويحتوي كل معلومات الذين تحته. بل تشي كومة الكتب تحته بعوالم مختلفة من الأفكار التي يمكن تنقيبها لاكتشاف تبصر بديل عن تلك الرائدة حاليا والتي لم نسمع ببعض منها قبلا. ورفاه بالتبصر كهذا تمنحه دراسة تاريخ الفيلسوفات، حيث معيار الشمول والإقصاء يختلف عن ذلك المطبق على التيار العام. إن سجل عمل الفيلسوفات لم يتم أخذه بعين الاعتبار بشكل معتبر مطلقا، حيث أن كتابتهن أقصيت لأسباب تتعلق باحتقار النساء الثقافي. إلا أننا نملك الآن كتلة ضخمة من العمل الذي يخبرنا عن الفيلسوفات من العصور الغابرة حتى الآن.1

وكما أثبتت السجلات التاريخية، ساهمت النساء منذ القدم في الفلسفة. نملك كتابات قيمة لفيلسوفات من الأزمنة الغابرة والعصور الوسطى، وتراث متصل من عصور النهضة إلى اليوم. وبذا فإن تاريخ الفيلسوفات يمتد في القدم إلى تاريخ الفلسفة ذاتها. ويتوازى حضور وغياب الفيلسوفات عبر مسار التاريخ مع تاريخ الفلسفة ككل. لم تظهر إديث شتاين وحنة أرندت وسيمون دي بوفوار، أشهر ممثلات هذا التراث في القرن العشرين، من العدم. هن يقفن، إذا يمكننا القول، على أكتاف عمالقة إناث أتين قبلهن.

بالرغم من أن ولوج النساء للتعليم والمشاركة في المجتمع كان مقيدا، إلا أن قيودا كهذه لم تمنعهن بالكامل من التفكير والكتابة. إن إدخال أفكارهن في تاريخ الفلسفة يعني أكثر بكثير من إضافة كومة ثانية من الكتب بجانب الأولى ببساطة. حين ننقب تاريخ الفيلسوفات، نحن لا نقوم بمجرد تبديل مذهب بآخر، حيث تقال فيه ذات الأشياء وتمحص فيه ذات المواضيع. عوضا عن أن المذهب الذي شكلته الفيلسوفات يملك خصائصه وتراثه الخاص، ويمكن قراءته كتاريخ مقاومة ونقد، وكتراث من التقدمات والمساهمات الأصلية كذلك. تمنحنا المادة التي سطع عليها الضوء سببا لإعادة التفكير في كل من مفاهيمنا وتأويلاتنا لتاريخ الفلسفة على العموم وفي منظورنا لتاريخ الفيلسوفات على الخصوص.

تاملات منهجية

كتبت بوفوار سنة 1949 في كتابها الجنس الآخر، “طالما انتمى العالم للرجال”. حيث قدمت هناك عددا مثيرا من أسماء الفيلسوفات بما فيهن أسبازيا، ماري دي غورناي، إميلي دو شاتليه، ماري ولستونكرافت وأخريات عدة، يعد بعضهن الآن من شكلن جزءا من مذهب الفيلسوفات. غير أن بوفوار لم تسخر أي دراسة أخرى عن تلك المؤلفات، مقتنعة بأن النساء مجبرات على الاختفاء، وحين يظهرن فإنهن انعكاس لقيم الرجال.2 كما أعادت بالمثل المؤرخة غيردا ليرنر تعليقات بورفوار في 1993، بالرغم من تمكنها للوصول إلى كمية أكبر من المواد المتعلقة بالأمر، بما فيها أعمال مؤلفات من العصور الوسطى، فكتبت “تنص الأبحاث الحديثة على أن النساء لم يمتلكن أي تأثير مهم في كتابة التاريخ حتى نهاية أواخر القرن الثامن عشر.” ومثل بورفوار، حكمت ليرنر على عمل النساء عبر عدسة الذكر، وبالتالي خاسفة إنجازات النساء إلى نسخ من “ذات الأنماط التي صنعها الرجال سابقا.” أنكرت ليرنر بأن النساء الأوائل امتلكن احتمالية ابتكارية لأن يصبحن فيلسوفات، لأن “كن النساء حينها محرومات من امتياز التعليم.” و “ولم يشاركن بشكل بالغ في صنع النظام الرمزي [الثقافي].”3

 

ويعكس البحث النسوي في تاريخ الفلسفة أيضا أسلوبهم المقيِّد، مركزين على تاريخ احتقار النساء، على سبيل المثال الدراسات النسوية عن أفلاطون أو هيغل.4 وهذه الاستراتيجية التأويلية تستخدم بشكل رئيسي ثانية في كتب الفيلسوفات النسويات عن تاريخ الفلسفة، حيث يُقسم الكتاب إلى 35 قسم عن الفلاسفة، بينما تشير سبعا منها فقط إلى النساء في تاريخ الفلسفة.5

لا يوجد شك بأن الفلسفة النسوية صنعت منظورا جديدا للبحث في تاريخ الفلسفة؛ بيد يبدو أن بحثا كهذا يعاني من التناقض. كيف يمكننا تفسير أن النساء ساهمن في تاريخ الفلسفة بينما وفي الوقت نفسه نؤكد بأنهن استثنين؟ كيف يمكن تغيير نمط تأويلنا كي يقبل سجل التاريخ الغني بالفيلسوفات دون انكار القمع الذي عشن تحته؟ إن أحد أهم تبصر منحه البحث في الثلاثين سنة الأخيرة هو أنه كان هناك دائما حقب وظروف ومؤسسات مكنت مشاركة النساء. ويظهر لنا هذا الكشف بأنه كان هناك ظروف سمحت بمشاركة الفيلسوفات أو على الأقل لم تعيق أو تدمر عملهن – أو حتى حياتهن، كما في حالة هباتيا وأولمبي دي غوج. ولاستعراض كيف من الممكن استعادة إرث فريد ضمن تاريخ الفيلسوفات، سأمنح في البدء أمثلة تستعرض نمطا من السلوان وإعادة التذكار؛ ثانيا، سأراجع النمط التاريخي لمراجع الفيلسوفات عن المفكرات في الأزمنة الغابرة، مركزة على فيلسوفات بداية العصر الحديث.

وبذا ينصب اهتمامي بتاريخ الفيلسوفات، ويقف في تضاد مع الاهتمامات العصرية (بفضح احتقار النساء وما شابهه) التي وجهت العديد من الفلاسفة النسويات. ينعكس هذا التضاد فيما أسميه “التناقضين” للتاريخ النسوي عن الفيلسوفات. الأول: كيف يمكن أن توجد فيلسوفات مع موقفهن الفلسفي الخاص بهن، في حين يسمح لهن الادعاء التأويلي أن يبرزن للميدان كمقصيات ومهمشات؟ والثاني: كيف يمكننا، كمؤرخات نسويات للفلسفة، أن ندعي بأن الفلسفة الواعية بالجندر (النسوية) تملك الحق في أن تكون صالحة بأن تعمم، بينما ننتقد الفلسفة (الذكورية) ضمن المذهب على أنها مجرد تعبير عن اهتمام ذكوري على وجه الخصوص؟ أحاول هنا أن أفند هذين التناقضين- “شمول المقصيات” و “جندرة المعمم”- اللذين أراهما لب التأمل الذاتي للفلسفة العصرية.

شمول المقصيات

لاحظ غيليس ميناج، جامع تاريخ الفيلسوفات ((Historia mulierum philosopharum، والذي يعد اليوم تجميعا شهيرا للمصادر والذي يشير إلى وجود حوالي 65 فيلسوفة في الأزمنة الغابرة، نفس نمط السلوان عن المؤلفات. لاحظ بأن، وبالنظر إلى هذا الرقم الكبير، بأن من المذهل ن أفرادا من هذه المجموعة لا زال يُنظر إليهن على أنهن استثناء لقاعدة أن النساء لا يكتبن الفلسفة، كما حين يتم تذكر ثيانو وثيميسثي على أنهما ظاهرتان “فردتيان” من قبل ديدموس ولاكتانتيوس.6 تذكر ماري إلين ويث كيف حين كانت تجهز نصوص الفيلسوفات الفيثاغوريات، حاول أحد الفلاسفة الذكور إقناعها بأن لم تكن تلك النصوص فلسفة وإنما “اقتصادا

 منزليا.”7 امتلكتا أسبازيا وديوتيما، اللاتي كانتا معلمات بارزات لسقراط، دورا راسخا في تاريخ أوروبا الثقافي، بالرغم من أنهما أكثر الفيلسوفات المنتقدات ومحط جدل ضمن كل من التيار العام والبحث النسوي التاريخي.8

يحمل عصر النهضة خصوصا عددا مفاجئا من المراجع عن الرموز النسائية من الأزمنة الغابرة، غالبا مربوطات بالسياق “الأفلاطوني”. فغالبا ما يُذكرن الطالبات من المدرسة الأفلاطونية ويخدمن كذلك كقدوة للمؤلفات اللاحقات.9 كانت هيباتيا، رئيسة المدرسة الأفلاطونية في الإسكندرية، مقدرة جدا خلال عصور النهضة، وقيل بأن رافييل رسم نفسه كهبياتيا في لوحته الجصية الشهيرة، مدرسة أثينا، حيث كانت الممثلة الوحيدة الامرأة.10 كما نجد قائدات في السياق الأكاديمي للمدارس الأفلاطونية التي بُعثت في القرون الأخيرة.11 وقيل بأن النساء الأرستقراطيات للبلاط الفرنسي، اللاتي كن مرتبطات بأسرة ميديشي، “رفعن بجرأة مكانة المرأة،” كما في حالة لويس دي سافويا و مارجريت ملكة نافارا.12 ونلاحظ انتقادات على ربط أرسطو زيف الكزمولوجيا بنظرياته المحتقرة للنساء.13 وتستمر تلك المراجع، على سبيل المثال، في مقالة لوكريزا مارنيلا سنة 1951 عن نبل وبراعة النساء التي تشير بوضوح إلى اسبازيا وديوتيما وتدعي هناك تفوق النساء. أعيد نشر نصها مرات عدة، كما يشير له بيير بايل في معجمه (Dictionnaire) وكذلك إلى نص ماري دي غورناي مساواة الرجال والنساء المنشور في 1622، الذي ينكر ادعاء التفوق.14

 

يميل التاريخ المعتاد، الذي يعيد سرد قصة امرأة واحدة واستثنائية، بأن ينزل كستار يحجب تراث الأفكار النسائية. وعلى الصعيد الآخر، كثيرا ما تكررت مزاعم عن تواضع وذل مؤلفات تلك الأفكار التي لا تصمد أمام بحث أكثر تفصيلا.

فمارغريت كينغ على سبيل المثال، توفر مادة مهمة مستنبطة من تلك الحقبة؛ لكنها لا تحاج لصالح إنجازات تلك الفيلسوفات فتزعم ” تلك النسوة المتعلمات من عصر النهضة…لم يتلقين أي شهادة” و “لم يقدمن أي تأثير فعال على الأنماط المنبثقة لتاريخ الأفكار.”15 ووفقا للتأويل المطروح هنا، فإن النظر ثانية للأمر يكشف تاريخا لمؤسسات تعليمية تفعم موضوعنا بطرق مثيرة للاهتمام. فمزاعم الذلة والوثوق بالنفس لا يتعارضان مع بعضهما، كما سنرى في أمثلة متعددة، بل إنها صيغة من الدمج موصل للعقلانية المنتجة. تعي مارغريت كافينديش على سبيل المثال، بأنهن في عدم اتقانهن العظيم للاتينية والفرنسية، يتنافسن مع ” من تعج رؤوسهم بالمجازات والكنايات” التي تتدفق “بسهولة وحرية.”16 والحكم على كتابة النساء باستخدام معايير متدنية يصم تلك النسوة الاستثنائيات اللواتي لا يتوافقن مع هذا النمط. حتى دو شاتليه التي نعلم بأنها كانت متقنة لسبع لغات، بالإضافة للرياضيات والفيزياء، تقدم نفسها على أنها امرأة بتعليم قاصر، كونها مهتمة برعاية الشعر والأسنان. بيد أنها أصرت في رسالة إلى ملك بروسيا بثقة وبتأكيد للذات:” قد يكون هناك رياضيون وفلاسفة ذوي علم أعظم مني. غير أني لم أقابلهم بعد.”17

تعرض نظرة أعمق إلى تاريخ المؤسسات التعليمية استثناءات تؤثر قدما في الموضوع قيد اهتمامنا الآن. جامعة بولونيا هي مثال على ذلك، فلأنها انبثقت من مدارس الطب والتشريع العلمانية، تضاربت مع الأسس الكاثوليكية في كولونيا أو أكسفورد أو باريس. كما أن هناك دليل على أن الفيلسوفات تعلمن في بولونيا: بيتسيا غوزادوني ونوفيلا دو أندريا المذكورات في القرن الثالث عشر. فقد اكتسبت دوروثي بوكا، الأستاذة في بولونيا من 1390، شهرة لدرجة أن الباحثين من كل أرجاء أوروبا قدموا ليستمعوا لها. أصبحت أكادومية بولونيا فيما بعد أحد الأكاديميات الأوربية القلائل، على الأقل جزئيا، المفتوحة للنساء، وغدت أغينسي وباسي ودو شالتيه عضوات فيها.

وبهذا، وبالرغم من صحة أن النساء عانين في التاريخ من الإخضاع، إلا أنه كانت هناك ظروف تمردن فيها على تلك القيود وكن قادرات على أن يصبحن منتجات. نلحظ بأن النساء كن منخرطات بشكل واسع في الأمور التعليمية في القرن السادس عشر، وحين يُعاد كتابة تاريخ الفلسفة، فإن التأملات الفلسفية عن النساء في التعليم من المؤلفات القديمات إلى إباني وكاثرين ماكاولي وحتى أرندت ستوفر تيارا مهما. وبلا شك، بسبب تجربتهن الخاصة في الإخضاع كذلك، لعبن الفيلسوفات دورا هاما في ضمن النزاع الفكري خلال التنوير ضد العنصرية العرقية والجندرية، كما هو ملاحظ في عمل أولمبي دو غوج “استعباد الزنوج” (L’E´sclavage des Ne`gres) سنة 1788. لم يعانين الفيلسوفات من القيود فحسب، بل أيضا أبعدن أنفسهن من تلك القيود عبر تأمل ظروفهن والذي لولاه لم يصبحن فيلسوفات.

الجندرة الموحدة أو: الفلسفة في ذاتها

إن مهمة شمول الفيلسوفات في مذهب تاريخي يتحدانا على مستويين: الأول هو تناقض شمول المقصيين والآخر هو ليس معضلة فهم كيف تشكل المقصيات جسدا من الأفكار فحسب بل الدفاع عن منظور أن هذا الجسد من الأفكار كان قادرا بطريقة ما على تغيير مسار الفلسفة. إذا كن الفيلسوفات مقصيات من التيار العام للفلسفة، وإذا كن النسويات ينتقدن الممارسات التي أدت إلى هذا الإقصاء، ألا يؤكد هذا حقيقة اعتماد أعمالهن والموضوعات التي يتوجهن إليها؟ كيف يمكننا تصور فلسفة مدركة للجندر تنتج ما هو صالح للتعميم؟

سأقدم في التالي أمثلة لفيلسوفات شكلن فلسفة تخصهن وتم قبولها كجزء من تراثنا. أولهن ماري دي غورناي وأميلي دو شالتيه وإليزالبيث من بوهيميا، مفكرات لم يتشاركن مسعى منهجيا مشتركا فحسب بل مرجعا مشتركا للأزمنة الغابرة ولأفكار إحداهن الأخرى كذلك.18 تملك ماري دي غورناي، مؤلفة مساواة الرجال والنساء (1622) والمحررة والمعلقة في مونتيغن، تأثيرا عريضا ببركة الدعم الملكي الذي تلقته، بحيث قُرئت كتاباتها بشكل متساو في إنجلترا.19 والجرأة التي قدمت بها أفكارها الفلسفية جعلتها رمزا مشهورا في عصرها ولاحقا كذلك. قارنت نفسها بدووتيما وأسبازيا، وحكمت على قيمة الكتابات الذكورية من منطلق تعاملهم مع الجندر.20 ولزمن طويل، تناقلت كتاباتها الفلسفة بين الفلاسفة الذكور والإناث على السواء والذين أساءوا تقييمها على أنها مجرد مساهمة في “سؤال المرأة.” ولكن كما أشار أونيل، يتوه القارئ غير الخبير عن استراتيجية حجة غورناي.21

فحين تشير غورناي، على سبيل المثال، إلى حوار ماكرينا عن الروح والبعث وعن التضاد بين “الآلة الجسدية” والروح الخالدة، فإنها تحاجج دفاعا عن مساواة الجندر بالرغم من الاختلافات الجسمانية. هدفها الرئيسي هو تشخيص الرب جندريا:” إذا كان هناك من هو غبي لدرجة تخيل ذكورية أو أنوثة في الرب…فإن امرؤ كهذا يظهر على الملأ بأنه سيء كفيلسوف بدرجة سوئه كلاهوتي.”22 انتقدت غورناي السياسة الأبوية بارتباطها مع الأدوار الجندرية المختلفة للسياسيين المحافظين الجدد في دفاع عن الإصلاح المضار، كالتي مثلها على سبيل المثال جان بودان. اكتسب التعرف على الوضع المعضل لفكرة مبدأ الذكر الجندري كأساس للشرعية السياسة اعترافا أكبر وسيق قدما في نقاش لوك ضد فيلمر.23

 

تمتعت إليزابيث من بوهيميا بتعليم ممتاز، حتى أنها لقبت ب “الإغريقية”.24 كانت تعرف عن غورناي كما تراسلت معها صديقتها أنا فان شورمان. ويوضح نقدها لصديقها ديكارت كيف تحورت المواضيع الميتافيزيقية بالأخذ بالاعتبار التأملات الخاصة جدا و”الأنثوية” عن هذه الحالة من إليزابيث من تجربتها الجسدية. وبناء عليه تنتقد وجهات نظر ديكارت عن انفصال العقل عن الجسد، مجادلة في المقابل لصالح مفهوم المادة المستمرة.

كانت إميلي دو شالتيه مهتمة بإعادة تفحص الإنجيل، إعادة كتابة فيزياء نيوتن، وتحديد منهجية جديدة للفلسفة والعلوم كذلك. ومثل غورناي، ربطت دو شالتيه نفسها بديوتيما وأسبازيا. وكامرأة، خاضت عداء مهولا ولكن نجاحا غير معتاد كذلك. فزملائها في برلين جحدوا مبادئها الفيزيائية على أنها مجرد تقليد، غير أنها غدت في ألمانيا على الأقل جزءا من المذهب في كاتبات مختارة، لتحذف مرة أخرى إلى السلوان في حقبة من احتقار النساء في المثالية الألمانية.25 طُبعت أعمالها التي ألهمت الفلاسفة التنويريين وأعيد طباعتها في المعجم، كما أثرت على منهجيات الفيزياء في القرن اللاحق.26 ومثل ديوتيما، عكست أدوار المعلم والباحث.27 واتهم أيبرهارد كانط الذي أهدى كتابه الأول إلى أطروحتها عن القوة الحية (vis viva)، بأنه نسخ عنها.28

 

تتعرف دو شالتيه على التناقضات المفاهيمية كمنهجية في تقييم الحقائق العلمية والاجتماعية وفي التعرف على الإجحاف الاجتماعي والجندري.29 لقد بدأت مهنتها بنقد لوك وما رأته على أنه تجربته النسبية، مما سمح للنساء أن يصبحن “خادمات للرجال”. حاجت ضد لوك لصالح البحث عن مبدأ يسمح لنا بهزيمة النسبية الثقافية. وكناقدة للجندرة الذكورية والدوغمائية القومية والفلسفية، احتضنت التجربة الملاحظاتية ضد “خرافات وخيالات” دراسية تتعلق بالعلوم والنساء. وفي الوقت ذاته، تشير بأن الظاهرة توفر فقط مجموعة واحدة من الظروف الاعتباطية ولا تمثل بالضرورة ما يجب أن تكون عليه المسألة. تتعرف على التجربة الفردية على أنها منح ثقل معين لمعطيات خاصة ضمن مدى من الاحتمالات. فباستخدام وظائف الاحتمال كأداة للعقلانية الفلسفية والعلمية، تكون دو شالتيه أول من يعارض النظريات الذكورية عن المعرفة. المعرفة التي تقول لنا دو شالتيه بأنها مبنية بدرجات معينة من الاحتمالية التي تتدفق من الوزن المتعاقب للنتائج في كل خطوة من العقلانية.30 إن منظورها الشكي تجاه مزاعم “حقيقة” الدوغمائية كانت على الأقل محفزة من تجربتها الجندرية؛ مما جعلها خصما حماسيا ضد التصنيم و “التصلب” و “التحيز” في تاريخ الفلسفة.31

 

إعادة كتابة تاريخ الفلسفة

إذا ما استخلصنا من سجل التيار العام الأفكار التي أحدثتها غورناي ودو شالتيه فقط، فسيبدو التراث مختلفا جدا. فمنظور غورناي عن التشخيص الذكوري للرب على أنه دوغمائية تناقض الذات هو جزء مقر به في تاريخنا، بالرغم من أن تيار الفلسفة العام تجاهله لقرون. وضمن العديد من الثقافات، بما فيها ثقافتنا، كان تعزا “العقلانية”” للذكور، وحتى حين كان لديهم تحفظات بما يتعلق بالتصنيم والفساد، استمر المذهب الذكوري بالتمسك بمنظور ضمن هذه الحدود.32 نقر اليوم بأن التجربة الفردية، بغض النظر عن الإيعازات القومية أو الجندرية، هي أساس المعرفة.

ليستا غورناي ودو شالتيه سوى مثالين للفيلسوفات العدة اللاتي صنعن جدليات متينة وشكلن مسار تاريخ الفلسفة. فقد قمن بنفس التأثير صوفي جيرمان وهارييت تايلور وفيكتوريا ويلبي، بالرغم من أن استمر قراءة تلك المؤلفات من منظور يراهن على أنهن يقعن خارج الأنماط التأويلية المهيمنة. ورويدا رويدا، مع هذا، فإن البحوث التي تُكتب ستغير منظورنا للعالم أثناء ما نجد أنفسنا نواجه في الحال أصلا مخفيا للمواضيع الفلسفية وجدليات لطالما انتمت لتاريخنا. تم تجاهل أفكار النساء لحقبة طويلة وذلك جزئيا بسبب أننا نعتمد على تاريخ فلسفة لا يأخذ بالاعتبار أفكار النساء أو يحط منها، وذلك جزئيا بسبب أننا لا نعرف بأن تلك الأفكار ابتكرتها فيلسوفات، حتى حين كانت تلك الأفكار مسطى عليها في المذهب (أحيانا عبر أفعال من القرصنة الصريحة).33 كانت الفيلسوفات فاعلات من الأزمنة الغابرة وحاضرات كفيلسوفات عبر القرون، تفاعلن واستجبن وانتقدن وحسن مسار الفلسفة. لم يكن فريدات ولا حالات معزولة، بل وقفت أعمالهن شاهدة على القمع، وكان تأثيرهن أعظم مما يُفترض ويُقر به الآن. كانت الفيلسوفات مبتكرات ومطورات للأفكار، وأحدثن خطوطا للجدال والتساؤل والتوجه.

إعادة كتابة تاريخ الفلسفة ليست مجرد مهمة لتصحيح الماضي؛ بل يمنح أيضا المجال لبزوغ مهمات فلسفية جديدة. وكما توفر تأويل عالمنا عبر مدى كبير من الأفكار الذكورية، فإن الفلسفة تملك الفرصة الآن لخلق صناعة مفاهيمية كاملة عبر ربط الأفكار الموجودة مع الأفكار التي صنعتها النساء عبر العصور. وبذا يمكن لإعادة كتابة تاريخ الفلسفة أن يغير الفلسفة للأفضل. أظهرت الفيلسوفات عبر مسار التاريخ تكرارا بأنه حتى وإن أركن إلى الغياب، فإن أفكارهن تملك من القوة ما يجعلها تتجلى ضد القوة الخاوية للمؤسسات الموجودة. إن لم يكن ذلك حقا، إن لم يكن ذلك ممكنا، فكل الفلسفة لا طائل منها. هذا ما نجحت العديد من الفيلسوفات في إثباته.34


الملاحظات والمراجع:

1.Mary E. Waithe, ed., A History of Women Philosophers, vols. I–IV (Dordrecht: Kluwer, 1987–1995).

Linda Kelly, Women of the French Revolution (London: H. Hamilton, 1987). Ethel M. Kersey and Calvin

  1. Schrag, Women Philosophers: A Bio-Critical Source Book (New York: Greenwood Press, 1989). E.M.

Barth, Women Philosophers. A Bibliography of Books Through 1990 (Bowling Green, Ohio: Philosophy

Documentation Center, 1992). Noe¨l Hutchings and William D. Rumsey, The Collaborative Bibliography

of Women in Philosophy (Bowling Green, Ohio: Philosophy Documentation Center, 1997). Sharon M.

Harris and Linda K. Hughes, eds., A Feminist Reader: Feminist Thought from Sappho to Satrapi

(Cambridge: Cambridge University Press, 2013).

  1. Simone de Beauvoir, The Second Sex (London: Random House, 2011), 73.
  2. Gerda Lerner, “From the Creation of Feminist Consciousness: From the Middle Ages to Eighteen-

Seventy” in A Feminist Reader, vol. IV, 302–37, 304f.

  1. Robin May Schott, “Feminism and the History of Philosophy,” Discovering Feminist Philosophy (Lanham:

Rowman and Littlefield, 2003), 25–52, reprinted in The Blackwell Guide to Feminist Philosophy, ed. Linda

Alcoff and Eva F. Kittay (Hoboken: Wiley-Blackwell 2007), 43–59, 53.

40 _ Cutting Through the Veil of Ignorance: Rewriting the History of Philosophy

  1. See http://plato.stanford.edu/entries/feminism-femhist/bib.html.
  2. Gilles Me´nage, The History of Women Philosophers, ed. Beatrice Hope Zedler (Lanham, MD: University

Press of America Lanham, 1984), 3.

  1. Waithe, A History of Women Philosophers, vol. I, XI.
  2. The bibliography on Diotima is worth a history itself. See the balanced presentation in Waithe, A History

of Women Philosophers, vol. I, 83–117. Andrea Nye, “The Hidden Host: Irigaray and Diotima at Plato’s

‘Symposium’,” Hypatia 3 (1989), 45–61. Madeleine M. Henry, Prisoner of History: Aspasia of Miletus and

Her Biographical Tradition (New York/Oxford: Oxford University Press, 1995).

  1. On Periktione and Potone, see Debra Nails, The People of Plato: A Prosopography of Plato and Other

Socratics (Indianapolis: Hackett, 2002). On Axiothea of Phylasia and Lasthenia of Maninea in

Renaissance sources, see Margaret L. King. Renaissance Humanism: An Anthology of Sources

(Indianapolis: Hackett Publishing 2014), n. 31 on 277f.

  1. Plato’s arguments in favor of women’s equality in the Republic served as the model for later utopian

essays by Thomas More, Tommaso Campanella and others.

  1. “The Italian Academies,” in Frances A. Yates, Renaissance and Reform: The Italian Contribution. Collected

Essays (London: Routledge, 1983), 6–29. The mother of Duke Eberhard V, the founder of the University

of Tu¨bingen, established a “Platonic Academy” in Rottenburg.

  1. Hugh M. Richmond, Puritans and Libertines: Anglo-French Literary Relations in the Reformation (Berkeley/

Los Angeles/London: University of California Press 1981), 9.

  1. Christa Gro¨ssinger, Picturing Women in Late Medieval and Renaissance Art (Manchester: Manchester

University Press, 1997).

  1. Encyclopedia of Italian Literary Studies, ed. Gaetana Marrone and Paolo Puppa (New York: Routledge

2005), 1153. Christine Faure´, Political and Historical Encyclopaedia of Women (New York: Routledge

2003), 181.

  1. Margaret L. King, Humanism, Venice, and Women: Essays on the Italian Renaissance (Aldershot and

Burlington: Ashgate 2005), XI, 81.

  1. Margaret Cavendish: Political Writings, ed. Susan James (Cambridge: Cambridge University Press, 2003),

xxxiii.

  1. Ruth Hagengruber, “Emilie du Chaˆtelet Between Leibniz and Newton and the Transformation of

Metaphysics,” in Ruth Hagengruber, ed. Emilie du Chaˆtelet between Leibniz and Newton (Dordrecht/

Heidelberg/London/New York: Springer 2012), 1–59, 2.

  1. See my introductory essay in Von Diana zu Minerva: Philosophierende Aristokratinnen des 17. und 18.

Jahrhunderts, eds. R. Hagengruber and A. Rodrigues (Berlin: Akademie 2010), 11–33.

  1. “King James I of England wished to read about her”: Marjorie H. Illsley, A Daughter of the Renaissance:

Marie Le Jars de Gournay, her Life and Works (The Hague: Mouton 1963), 126.

  1. “Plato whose title of divine no one has disputed . . . and consequently Socrates . . ., attribute to women

the same rights, faculties, and functions in their Republics” (Marie Le Jars de Gournay, Apology for the

Woman Writing and Other Works, eds. Richard Hillman and Colette Quesnel [Chicago: University of

Chicago Press, 2002], 76).

  1. Eileen O’Neill, “Justifying the inclusion of Women in Our Histories of Philosophy: The Case of Marie

de Gournay,” The Blackwell Guide to Feminist Philosophy, 2007, 17–42.

  1. Gournay, Apology for the Woman Writing, 94.
  2. Alan Levine, Early Modern Skepticism and the Origins of Toleration (Boston: Lexington, 1999).
  3. Lisa Shapiro, ed., The Correspondence Between Princess Elizabeth of Bohemia and Rene´ Descartes (Chicago:

University of Chicago Press, 2007), 11.

  1. Johann Christian Stockhausen, Critischer Entwurf einer auserlesenen Bibliothek (Berlin: Haude and Spener,

1771), 40.

  1. Robyn Arianrhod, Seduced by Logic: E´ milie du Chaˆtelet, Mary Somerville and the Newtonian Revolution

(Oxford University Press, 2012), 132–47.

  1. Andrew Brown, “‘Mine`re dictait et j’e´crivais’: les archive Du Chaˆtelet retrouve´es,” Cahiers Voltaire 11

(2012), 154–67.

  1. Johann August Eberhard, “U¨ ber den wesentlichen Unterschied der Erkenntnis durch die Sinne und

durch den Verstand,” Philosophisches Magazin, vol. I (Halle: Johann Jacob Gebauer 1789), 290–306, 301.

  1. Emilie du Chaˆtelet, Selected Philosophical and Scientific Writings, eds. Isabelle Baur and Judith P. Zinsser

(Chicago: University of Chicago Press, 2009), 48.

Cutting Through the Veil of Ignorance: Rewriting the History of Philosophy _ 41

  1. Hagengruber, Emilie du Chaˆtelet and the Transformation of Metaphysics, 20.
  2. Du Chaˆtelet, Selected Philosophical and Scientific Writings, 122.
  3. Genevie`ve Lloyd, The Man of Reason: ‘Male’ and ‘Female’, vol. 1, Western Philosophy (Minneapolis:

University of Minneapolis, 1984).

  1. See for example Bertrand Russell’s acknowledged plagiarism of E.E. Constance Jones, documented in

Waithe, A History of Women Philosophers, vol. IV, 25–49.

  1. These ideas were first presented at the International Association of Women Philosophers conference in

June 2014. I am grateful to Mary Ellen Waithe for valuable comments and corrections.