مجلة حكمة
سيرة ابن النفيس - جورج سارتون / ترجمة: هيفاء الصعب

سيرة ابن النفيس – جورج سارتون / ترجمة: هيفاء الصعب

Castro_0
جورج سارت 

كان ابن النفيس الذي توفي في عام ١٢٨٦ م -و الذي عادةً ما يلتبس ذكره مع عالم آخر كبير و هو أبي فرج المعروف بابن العبري (بار عبريو) الذي توفي في العام نفسه- طالباً لابن أبي أُصيبعة الذي كرّس له حاشية في خاتمة النسخة المنقحة لكتابه “عيون الأنباء في طبقات الأطباء”.

       من أهم أعماله مُختصر طبّي بعنوان: “جامع الغرض في حفظ الصحة ودفع المرض” وهو دليل في ما يجب على المرء معرفته من أجل الحفاظ على صحته والوقاية من الأمراض- ورسالة في الجراحة بعنوان: “كتاب العمدة في صناعة الجراحة”. وهذا الأخير تم تقسيمه لجزئين: جزء نظري وعملي، وأتى كل جزء في عشرة فصول. حيث يستفتح الجزء النظري منه بمقدمة تفصيلية في التشريح، يليها فصل في علم الأمراض (الباثولوجي) حيث يعرض فيه تصنيفًا للأمراض وفقاً لنظرية الأخلاط الأربعة (The theory of four humours). ويشرح المؤلف في الفصل التاسع عشر أربعة طرق للختان، وطريقة جديدة لعملية استخراج الحصاة من المثانة الملائمة للنساء.

إضافة إلى ماسبق، كتب ابن النفيس شرحاً تفصيلياً حول حِكم أبقراط في كتابه “كتاب الأصول في شرح الفصول” وهذا الكتاب ما زال باقياً، وشروحاً لكتابي القانون والإشارات لابن سينا، ولكنها فُقدت. وهناك العديد من الأعمال الطبية الأخرى المنسوبة إليه.

 

ابن النفيس

هو علاء الدين أبو الحسن علي ابن أبي الحزم ابن النفيس القُرشي (أو القَرشي) المصري الشافعي، وهو طبيب مصري (أو سوري) درس على يد العالم ابن الدّخوار في دمشق، وورث شهرة معلّمه مع الوقت. توفي خلال الفترة بين عامي ١٢٨٨-١٢٨٩ م (يُستبعد أن يكون تاريخ وفاته بين عامي ١٢٩٦-١٢٩٧) في دمشق وهو يناهز الثمانين من العمر. وقد كتب عدداً من الشروحات في الحديث، والكتابات الطبية لأبقراط (الحكم و الدلائل)، وشرح مسائل حنين ابن إسحاق، وكتبًا لابن سينا (كتاب شرح تشريح القانون وكتاب جموع القانون). وتشمل أعماله الطبية المستقلة رسالة في أمراض العين، وأخرى في الغذاء، و “كتاب المختار من الأغذية”.

ولابد من التعريج هنا على ذكر ابن الدَّخوار، أحد أشهر الأطباء في زمنه. اسمه مُهَذِّب الدِّين أبو محمد عبد الرحيم ابن علي الدمشقي ابن الدَّخوار، وُلد عام ١١٦٩-١١٧٠ م في دمشق، حيث كان والده علي طبيب عيون معروف، وتم تنصيبه رئيساً للأطباء في مصر وسوريا من قبل الملك العادل أبي بكر بن أيوب (حكم من عام ١١٩٦ و حتى ١٢١٨م)، وخليفته من بعده الملك المعظّم الذي عينه رئيساً لمستشفى دمشق، حيث عمل في التدريس وأصبح ابن أبي أُصيبعة أحد طلبته. تم استدعاءه إلى بلاد الرافدين من قبل الملك أيوب الأشرف موسى (حكم هناك ١٢١٠-١٢٣٠ م)، و لكنه عاد إلى دمشق سنة ١٢٢٨-١٢٢٩ م و توفي فيها عام ١٢٣٠ (و ليس ١٢٥٠). و كتب الكثير من المؤلفات الطبية، التي يبدو أنها اندثرت سوى واحد منها، وهو شرح حِكم أبقراط؛ حيث دوّن فيه تعليقات طويلة بشكل اسثنائي. (A. Muller’s edition, vol. 2, 239-246)

أشهر مؤلفات ابن النفيس في شرح كتاب القانون لابن سينا هو كتاب: “موجز القانون” (ويُسمى أيضاً الموجز في الطب). تم تقسيم هذا الكتاب في أربعة أجزاء: (١) تعميمات حول النظرية و التطبيق في الطب؛ (٢) الأغذية و الأدوية، البسيطة و المركبة؛ (٣) الأمراض المختصة بعضو بعينه؛ (٤) الأمراض الأخرى، أسبابها وعلاماتها ومعالجاتها.

و يتجلى الانتشار الواسع و المستمر لكتاب الموجز في جملة الشروحات المستفيضة والتراجم له. أولى تلك الشروحات كانت كتاب أبي إسحاق ابراهيم ابن محمد الحاكم السويدي (ت. ١٢٩١ م)، و آخر بعنوان “حل الموجز” لمؤلفه جمال الدين محمد ابن محمد الأقصارئي المتوفى قبل عام ١٣٩٧م. وكتاب ثالث تم إعداده في كرمان و اكتمل في سمرقند عام ١٤٣٧ م لمؤلفه نفيس بن عوض الكرماني، و الذي أُلحق به تعقيبات من قبل غرس الدين أحمد بن ابراهيم الحلبي سنة ١٥٦٣-١٥٦٤ م. بالإضافة إلى ذلك، كتب محمود بن أحمد الأمشيطي الحنفي (ولد في ١٤٠٧-١٤٠٨ م) شرحاً مطوّلاً بعنوان “المنجز”، وكُتبت شروحات أخرى في أوقات زمنية مجهولة؛ ككتاب شهاب الدين بن محمد الإجي البلبلي و كتاب السديدي (أو سديد الدين) الكازروني بعنوان “الشرح المغني” أو “المغني في شرح الموجز”.

تمت ترجمة كتاب الموجز للتركية مرتين على ما يبدو، واحدة ترجمها مصلح الدين مصطفي ابن شعبان السروري (ت. ١٥٦١ م)، و أخرى لطبيب في مدينة أدرنة التركية و هو أحمد ابن كمال. و هناك أيضاً ترجمة للكتاب للغة العبرية بعنوان “سفر الموجز” و من المتوقع أنها تُرجمت في اليونان.

ومن أعمال ابن النفيس كتابه “شرح تشريح ابن سينا”، و هو شرح لفصل التشريح من كتاب القانون، ويبدو أنه مهم للغاية من وجهة نظر فسيولوجية. في خمسة مواضع مختلفة، يقتبس ابن النفيس آراء ابن سينا في جريان الدورة الدموية في القلب و الرئتين، ويكرر الأجزاء الجالينوسية المذكورة في رواية ابن سينا، ومن ثم يتابع ليُناقض هذه الآراء بمنتهى الحماس. يذكر ابن النفيس خمس مرات، وبمصطلحات واضحة، بأن الدم الوريدي لا يمكنه الجريان من اليمين إلى البطين الأيسر من خلال ثقوب مرئية أم غير مرئية في الحاجز، بل يجب أن ينفدع للرئتين عبر الشريان الوريدي، وهناك يمتزج بالهواء ويعبر من خلال الوريد الشرياني إلى البطين الأيسر، وهناك يكوّن  “الروح الحيوية”. ولو أن أصالة نظرية ابن النفيس مُثبتة، فإن أهميته ستزيد بشكل كبير؛ حيث أنه لابد أن يُعتبر أحد السابقين الأساسيين لويليام هارفي، الفسيولوجي الأول في العصور الوسطى. ولكننا بحاجة لإثبات. النص العربي لهذه النظرية تم تحريره مع ترجمة جزئية مليئة بالأخطاء للغة الألمانية من قبل طبيب مصري و هو محي الدين التطاوي في شكل أطروحة مقدّمة لكلية الطب في فرايبورغ (١٩٢٤ م). ولسوء الحظ لم تُطبع هذه الأطروحة، بل دُونت خمسة نسخ منها بخط اليد، ولم تتوفر أي منها لي. وتوجد نسخة واحدة في مكتبة برلين الحكومية (Staatsbibliothek zu Berlin)، وأخرى بحوزة الطبيب ماكس ميرهوف، والذي بفضله عرفت كل شيء عن هذا الموضوع. (رسالة خاصة بتاريخ 22 أغسطس 1930 م).

 

 


Source: Introduction to the History of Science, II 2 By George Sarton