مجلة حكمة
الفلسفة الإسلامية العربية الفكر اليهودي

تأثير الفلسفة العربية والإسلامية في الفكر اليهودي – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: شهد بن رشيد


حول تأثير الفلسفة العربية والإسلامية في الفكر اليهودي بواسطة الرازي، والكندي، وابن سينا، والغزالي وإخوان الصفا وغيرهم، نص مترجم ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة. نسخة PDF


لم يسبق أن دُرس “تأثير” الفلسفة العربية والإسلامية على الفكر اليهودي بشكل كلي. في حقيقة الأمر، وحتى وقت متأخر، لم يكن تأثيرها موضع تحليل شامل ومفصل، ما عدا ما قدّم في مقالة عامة.1 ركزت تلك المقالة على مواضيع محددة لهذا “التأثير” -وهي: الاقتباسات، والترجمات والتفاسير للنصوص التي كتبها بعض الفلاسفة العرب المسلمين (وهم إخوان الصفاء، وابن سينا، وابن رشد)- ولكنها لم تشمل المؤلفين الآخرين مثل الكندي والغزالي وابن باجة، ولا بعض الشخصيات الثانوية التي خلفت آثارًا على الفلسفة اليهودية في العصر الوسيط. وقد تطرقت بعض المقالات وأجزاء من الكتب2 بالتأكيد للأسئلة على “التأثير” العام للفلاسفة العرب المسلمين، على المؤلفين البارزين مثل ابن جبيرول وموسى بن ميمون. لكن هذا لم يحدث في حالة المؤلفين اليهود الآخرين النشطين في الفترة بين عامي 900 و1500 -رغم أن علماء العصر الحديث قد وجدوا مراجع صريحة أو ضمنية للفلاسفة العرب المسلمين في العصر الوسيط في كتابات الكثير من المؤلفين اليهود- ومن أشهر هؤلاء المؤلفين اليهود: يعقوب القرقساني، وإسحاق الإسرائيلي، وسليمان بن جبيرول، وبحي بن باقودا، وإبراهيم برحيا، وجوزيف بن تصديق (Joseph ibn Tzaddik)، وموسى بن عزرا، ويهوذا اللاوي، وإبراهيم بن داود، وصاموئيل بن تيبون، وشيم توف بن فالقويرا (Shem Tov Ibn Falaquera)، وليفي بن جرشون (جرسونيدس)، وموسى بن جوشوا (ناربوني)، وحاسداي سيركاس (Hasdai Crescas). ولم يقد غالبًا اكتشاف هذه المراجع العلماء المعاصرين للتوصل حتى إلى نتيجة مبدئية عن المدى الحقيقي لهذا “التأثير” وطرق انتشاره بين المؤلفين اليهود، إلا في بعض الحالات -مثل حالة تأثير المصادر العربية على المنطق اليهودي في القرن الرابع عشر في بروفنس [منطقة جنوب شرق فرنسا] 3.

ونظرًا لصعوبة وتعقيد الفكرة والنقص الكبير في المؤلفات السابقة تحديدًا والمكرسة منهجيًا لها، فيمكن للتحليل الشامل والمفصل لـ”تأثير” الفلسفة العربية والإسلامية على الفكر اليهودي أن يرسم بعض الحدود. ويجب أن يحدد مفهوم “التأثير” ذاته على حالات استخدام المؤلفين اليهود المباشرة والواضحة -والصريحة إن لزم الأمر- للمصادر العربية الإسلامية المثبتة أو التي يمكن إثباتها. (فمن المعروف -مثلًا- أن موسى بن ميمون قد عرف واستخدم عددًا من المصادر الفلسفية العربية، لكن يجب الإقرار بأن المؤلفين اليهود في أواخر العصر الوسيط في عددٍ من الحالات قد عرفوا واستخدموا هذه المصادر استخدامًا غير مباشر ولكن بالرجوع إلى موسى بن ميمون). ولا يجب أن يقيد هذا التحليل نفسه بالحالات التي بالكاد “ترجم” فيها المؤلف نصًا واحدًا (أو عددًا من النصوص) إلى العبرية أو اقتبسها حرفيًا بنسختها الأصلية العربية. وقد تطرقت بعض الكتب 4 وعدد من المقالات المتأخرة لهذه الحالات، لكن يجب أن يتوسع مثل هذا التحليل ليشمل الحالات التي علق فيها المفكرين اليهود أحيانًا على هذه النصوص مباشرةً أو استخدموها فعلًا لبناء فلسفتهم الخاصة. (ويجب الإشارة -في هذا الشأن- إلى أن كثيرًا من الفلاسفة اليهود في أواخر العصر الوسيط قد عرفوا فلسفة ابن سينا، وفي الواقع ربما عرفها بعضهم من الغزالي ولم يعرفوها منه مباشرة – مثلما قد حدث في حالة موسى بن ميمون ايضًا). ولا يجب أن تستمر الدراسة التاريخية لهذا التأثير وفق الخطوط الرئيسية لتاريخ الفلسفة اليهودية، بل بحسب ترتيب التسلسل الزمني لمختلف الفلاسفة العرب والمسلمين الذين قرأ لهم المؤلفين اليهود، سواء قرأوا نصوصهم الأصلية أو قرأوا ترجمتها العبرية، أو في بعض الحالات قرأوا النسخ اللاتينية في العصر الوسيط – وما يجب توضيحه هو أن الفلاسفة اليهود لم يستعملوا المؤلفين العرب النشطين بعد عام 1200 تقريبًا مصدرًا لهم كما هو ظاهر. وعلى مثل هذه الدراسة أن تضع بعين الاعتبار أن “الفلسفة العربية” و”الفلسفة الإسلامية” لا يمكن تحديدها بالكامل، ولكن تبدو العلاقة بينهم في بعض الأحيان وكأنها نقطة التقاء بين مفهومين غير متطابقين تمامًا. (فقد كتبت -مثلًا- بعض المؤلفات الفلسفية الإسلامية الرئيسية مثل كتاب ابن سينا كتاب العلوم (The Book of Science) باللغة الفارسية، بينما كتب بعض الفلاسفة المسيحيين في العصر الوسيط النشطين في الشرق الأدنى [تركيا والشام وبلاد ما بين النهرين] مؤلفاتهم باللغة العربية، وهم الذين يستحسن إضافتهم ضمن حالات “تأثير الفلسفة العربية (المسيحية) على الفكر اليهودي”).

  1. الكندي

  2. أبو بكر الرازي

  3. إخوان الصفاء واتباعهم

  4. الفارابي

  5. ابن سينا

  6. الغزالي

  7. ابن باجة

  8. ابن طفيل

  9. ابن رشد وبعض اتباعه

  10. فخر الدين الرازي وشهاب الدين السهروردي

  11. المؤلفون العرب المسيحيون

  12. المراجع

  13. أدوات أكاديمية

  14. مصادر أخرى من الإنترنت

  15. مواد ذات صلة


  1. الكندي

يبدو أن علامات “تأثير” الكندي (796-866) على الفكر اليهودي في العصر الوسيط كانت هزيلة نوعًا ما، باستثناء بعض الاقتباسات والمقاطع المأخوذة من مؤلفاته، ومن إحداها على وجه الخصوص، على أي حال ظهرت هذه الاقتباسات بصورة محدودة في الفترة الأولى من الفكر اليهودي حينما كان تأثير النابولية (أو كما تعرف بالأرسطية العربية الإسلامية، عندما لعب أفلوطين وبرقلس الدور الأساسي كمفسرين للميتافيزيقية [الغيبيات في الفلسفة]) ظاهرًا ظهورًا قويا. وفي الحقيقة فإن علينا استعراض “الكندية” اليهودية من خلال تأثير بعض الأتباع العرب للكندي (وتحديدًا العرب المسيحيين) بدلًا من الحديث عن تأثير الكندي على الفكر اليهودي (انظر أدناه، 11).

ظهرت أول علامة لتأثير الكندي على يعقوب القرقساني –وهو كاتب يهودي قرائي (Karaite Jewish) كان يعيش في بلاد ما بين النهرين في النصف الأول من القرن العاشر (حيث عاش فيها الكندي ذاته قبله بقرن) –، فقد ذُكر في الكتاب الأساسي غير الفلسفي المنشور للقرقساني وهو كتاب الأنوار والمراقيب دراسة للأجزاء القانونية من التوارة، وعرّف جورج فيدا (Georges) بعض مقاطع الكندي من رسالة في ماهية النوم والرؤيا التي استخدمها القرقساني في وصفه لمفهوم “النوم” 5. ووجد برونو تشيزا (Bruno Chiesa) آثارا أخرى لعمل فيلسوفي كتبه الكندي وهو رسالة في العلة الفاعلة للمد والجزر في مقطع عن خلق العالم في أهم عمل لاهوتي فلسفي للقرقساني (لم ينشر بعد) وهو كتاب الرياض وهو دراسة للأجزاء غير القانونية من التوراة 6. وبالتأكيد فإن التحليل الكامل لـ”فلسفة” القرقساني -كما هو وارد في كتاب الرياض– لازال مطلوبًا حتى يمكن تقييم القوة الحقيقية لتأثير الكندي على فكره.

ويمكن العثور على علامات أخرى لتأثير الكندي الفلسفي بعد القرقساني على المفكرين اليهود اللاحقين. ظهرت أهم علامة على إسحاق إسرائيلي الذي عاش في مصر وتونس بين عامي 850 و950 تقريبًا (أو بين عامي 830 و932 تقريبًا وفقًا لعلماء آخرين). ويعد كتاب الحدود -وهو أحد أهم الكتب الفلسفية الرئيسية للإسرائيلي- اقتباسا يهوديًا فعليًا لكتاب الكندي الذي يدور حول نفس الموضوع وهو كتاب رسالة في حدود الأشياء ورسومها، فقد اقتبس إسرائيلي الكتاب للقراء اليهود، وعلق أحيانًا على عدد من تعاريف الكندي للمفردات الفلسفية واللاهوتية [دراسة الإلهيات دراسة منطقية]، كما أظهرها صموئيل ميكلوس شتيرن (Samuel Miklos Stern) 7. ويعتبر توظيف إسرائيلي لفلسفة الكندي في تكوين مؤلفاته الفلسفية أبزر حالة لتأثير الكندي على الفلسفة اليهودية في العصر الوسيط. أما الحالة الثانية هي حالة شيم توف بن فالقويرا (Shem Tov Ibn Falaquera) (حوالي 1225-1295) وهو الفيلسوف الاسباني اليهودي الذي كتب عددا من الكتب باقتباسات ملائمة من مصادر عربية عديدة (مترجمة إلى العبرية واقتبسها ليستخدمها في مؤلفاته)، ويظهر كتابه بلسم الحزن (Balm for Sorrow) تأثره القوي بكتاب الكندي في الحيلة لدفع الأحزان حيث أدرج عددا من الاقتباسات منه كما أثبت ذلك عدد من العلماء 8. وبغض النظر عن هاتين الحالتين، فهناك علامات قليلة تدل على معرفة الفلسفة اليهودية في العصر الوسيط بمؤلفات الكندي، ويمكن الإشارة إلى نظرية علم الحيوان للكندي كمرجع في كتاب موسى بن عزرا الفلسفي اللغوي الذي لم ينشر حتى الآن، وهو كتاب مقالة الحديقة في معنى المجاز والحقيقة المكتوب في عصر اسبانيا المسيحية حوالي عام 1130 9.

  1. ابو بكر الرازي

أثرت سمعة أبو بكر الرازي (850-952 تقريبًا) السيئة كفيلسوف “مبتدع” و”كافر” من فلاسفة الإسلام في العصر الوسيط على أغلب الكتاب اليهودي في العصر الوسيط عمومًا، كما يظهر في مؤلفات موسى بن ميمون تحديدًا، ولكن لم يمنع ذلك بعضهم من الاستشهاد ببعض مؤلفاته واستعمالها مصدرًا لتكوين فكرهم.

أما بالنسبة لحكم موسى بن ميمون على الرازي باعتباره فيلسوفًا، فقد استند فيه بوضوح على معرفته بالمحتويات العامة لفرضيات الميتافيزيقيا واللاهوتية التي كتبها الرازي في كتاب العلم الإلهي، كما ورد في كلًا من كتابه دلالة الحائرين وفي أحد رسائله للمترجم “الرسمي” لمؤلفاته صموئيل بن تيبون (Samuel Ibn Tibbon)، فيؤكد في رسالته أن كتاب الرازي العلم الإلهي غير مفيد، إذ أن الرازي لم يكن سوى طبيب (وليس فيلسوفًا حقيقيًا) 10. ويؤكد بصراحة أكبر في الجزء الثالث من الفصل الثاني عشر من كتاب الدلالة أن كتب الرازي مليئة بالأفكار اللاعقلانية وتنم عن جهل: فاعتقد الرازي -وفقًا لابن ميمون- أن كفة الشر في حياة الإنسان تغلب كفة الخير، لذا يجب التشكيك حتى في الخير الإلهي 11. وعلى الرغم من ذلك، فقد استشهد على الأقل فيلسوفان يهوديان آخران بالرازي واستخدما بعض أفكاره، فاقتبس موسى بن عزرا في الفصل الخامس من كتابه مقالة الحديقة مقطعًا للرازي عن الحركة، واقتبس تعليقات عليه تؤكد أن رأي الرازي يخالف رأي ارسطو ويدعم أفلاطون بدلًا منه 12. وتبع أبو البركات بن مالكة البغدادي -كان يعمل في بغداد حوالي عام 1150- بعض مبادئ الرازي في كتابه المعتبر في الحكمة الذي يعتمد في غالبه على فلسفة ابن سينا -وربما كتبه قبل أن يتحول إلى الإسلام- وتحديدًا مبدأه عن الفكرتين المختلفة عن الوقت –”الزمن الأبدي (المطلق)” و”الزمن المحدود”- 13.

  1. إخوان الصفاء وأتباعهم

كان للموسوعة العلمية الفلسفية العربية الإسلامية بعنوان رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفا -التي تضمنت 52 رسالة في علوم الرياضيات، والمنطق، وعلوم الفيزياء، والميتافيزيقيا، وعلم الإنسان (anthropology)، واللاهوت (theology)- تأثيرًا على الفكر اليهودي في العصر الوسيط منذ القرن الحادي عشر وحتى القرن الخامس عشر في إسبانيا وبروفنس وكذلك في اليمن، رغم أنه تأثير مفاجئ وغير مدروس.

يقال أن هذه الموسوعة -التي ربما كتبت في الشرق الأدنى في النصف الأول من القرن التاسع، وكاتبها لايزال مجهولا (قد يكون أبو القاسم مسلمة المجريطي، توفي عام 964 14)- اشتهرت في اسبانيا قرابة عام 1050، وفي الواقع قد تجد بعض علامات لتأثيرها على سليمان بن جبيرول 15) وهو أحد أشهر الفلاسفة اليهود في العصر الوسيط -عاش وعمل في الأندلس في النصف الأول من القرن الحادي عشر-. ووفقًا لجاك شلينجر 16 فمن الممكن أن ابن جبيرول قد أخذ عن إخوان الصفاء التوفيق بين التسلسل الهرمي للكائنات وتسلسل الأرقام العشرة الأولى، كما رجع إلى مبادئ بعض الحكماء في الضروريات لـ”صقل” أرواحنا بدراسة المخلوقات السماوية. ويمكن العثور على علامات أكثر -وفقًا لجورج فيدا 17– في الفصل الثاني من من كتاب الهداية إلى فرائض القلوب الذي كتبه المؤلف الإسباني اليهودي بحي بن باقودا في الفترة من عام 1050 إلى عام 1080 حيث قد تجد موافقة لمبادئ إخوان الصفا في علم الكون (cosmological)، بالإضافة إلى كتابته بأسلوب مشابه لهم في دفاعه عنهم. ولا تُثبت كلتا هاتين الحالتين في الحقيقة استخدام هذين الفيلسوفين اليهوديين لكتاب إخوان الصفاء استخدامًا مباشرًا. وقد ظهر أول دليل مؤكد على تأثير مبادئ إخوان الصفا المباشر في كتابين مكتوبين في منطقتين إسبانيتين مختلفتين وهما مكتوبان باللغة العربية اليهودية (وهي لغة اليهود الذين يقطنون في الدول العربية) قرابة عام 1130، ويمكن أن هذين الكتابين قد تأثرا ببعضيهما، اسم الكتاب الأول العالم الصغير لكاتبه جوزيف بن تزاديك (توفي عام 1149)، أما الكتاب الثاني فهو رسالة الحديقة لموسى بن عزرا. وقد ضاع النص الأصلي لكتاب جوزيف بن تزاديك -وهو قاضٍ حاخامي يعيش في قرطبة- لكن ترجمة كتابه لازالت محفوظة ونشرت مرتين، ويتضمن الكتاب عددًا من المراجع الواضحة غير الحرفية لمذاهب إخوان الصفاء 18، كما اعترف اعترافًا ضمنيًا بعلاقته بهم بقوله: “يبدو لي أن الحصول على هذه المعرفة العظيمة والمخيفة (ويعني الحقائق اللاهوتية) تكمن في فهم كتب الفلاسفة الأصيلون والحكماء الربانيون” 19. بالإضافة إلى ذلك فقد أكد موسى بن ميمون صراحة في رسالته إلى صموئيل بن تيبون قائلًا: “لم اقرأ كتاب العالم الصغير لجوزيف بن تزاديك، ولكني أعرف الكاتب ومبدأه ومبدأ كتابه: وهو بالتأكيد يتبع أفكار إخوان الصفاء” 20، ويجب تفسير هذا التأكيد على أنه نقد جوهري لآراء ابن صديق حسبما ترى ساره سترومزا 21. أما بالنسبة لموسى بن عزرا، فواضح أن كتابه رسالة الحديقة مليء بشواهد من مقاطع ومبادئ متأثرة تأثرًا غير مباشر بكتب أخوان الصفاء، وفي بعض الحالات مأخوذة منها حرفيًا. وكما أظهر بول فنتون مؤخرًا في كتابه عن محتويات كتاب رسالة الحديقة لابن عزرا 22 فقد تضمن الكتاب على الأقل ستة وثلاثين مقطعًا من رسائل إخوان الصفاء، بالإضافة إلى عدد من الحالات التي يظهر فيها تأثيرهم عليه واضح إلى حدٍ ما. وقد أثر إخوان الصفاء -على سبيل المثال- تأثيرًا واضحًا على مبادئ ابن عزرا في خلق الكون من المبدأ الأول (The First Intellect) وفي انبثاق الخلق من الله وتحولهم إلى مادة، وفي الطبيعة كطاقة للروح الكونية، وأيضًا عن الإنسان باعتباره عالمًا صغيرًا. حتى إبراهيم بن عزرا – وهو المؤلف اليهودي الإسباني المعروف والعالم النشط في إيطاليا وفرنسا وإنجلترا في الفترة من عام 1140 إلى عام 1160- كان قد عرف واستخدم إخوان الصفاء في الفترة نفسها 23.

وقد انتشر على ما يبدو تأثير إخوان الصفا على عدد من الفلاسفة اليهود الذين عملوا في إسبانيا خلال القرن الثالث عشر، وربما ذلك نتيجة لانتشار المؤلفات المذكورة سابقًا. وقد انتقل هذا التأثير في بعض الحالات بسبب المؤلفين العرب المسلمين الثانويين الذين عرفت مؤلفاتهم بين القراء اليهوديين الإسبان. كتب الفيلسوف الإسلامي الإسباني ابن السيد البطليوسي (من بطليوس، توفي عام 1127) نوعًا من التلخيص لمبادئ إخوان الصفا مثل كتاب الحدائق الذي انتشر انتشارًا واسعًا بين أوساط المؤلفين اليهود 24 سواءً في نسخته العربية الأصلية، أو في ترجماته الثلاثة إلى العبرية في العصر الوسيط (التي كتبت بين عامي 1200 و1370)25 في الغالب كان تحت عنوان الحلقات الفكرية (بالعبرية: Sefer ha-‘agullot ha-re‘yoniyyot)، وقد كان هذا الكتاب احد المصادر المباشرة للفيلسوف الاسباني والقبلي [يتبع مذهب القبالة اليهودي] إسحاق بن لطيف الذي تحدث عن مبدأ الإخوان في درجات الروح الخمسة (نباتية، حيوانية، إنسانية، إيمانية، روح القدس) في كتابه العبري بوابة السماوات (بالعبرية: Sha‘ar ha-shamayim) في الفترة من عام 1230 إلى عام 1250 26. كما كتب كاتب مجهول آخر في إسبانيا القرن الثالث عشر كتاب ميزان المواقف (بالعبرية: Me’ozney ha-‘iyyunim) بالعبرية (أو اللغة العربية اليهودية في نسختها الأصلية المفقودة) وهو مليء بمقاطع عن علم الأعداد وعلم الكونيات واللاهوت والعلوم الطبيعية، وربما قد استوحى بعضها من خلاصة البطليوسي، في حين أخذ بعض المقاطع الأخرى بلا شك من رسالة إخوان الصفاء وتحديدًا تلك التي تتمحور حول ماهية الإيمان، وعلم المعادن، وعلم النبات 27. وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن شيم توف فلاقويرا قد استعمل إخوان الصفاء كمصدر فلسفي مباشر في عددٍ من المناسبات، ويعتبر كتاب مختاراته الأدبية الفلسفية الأفلاطونية كتاب الدرجات اقتباس عبري منسوب إلى أحد “الحكماء” (أكان فالقويرا يعلم بأن المجريطي هو من كتبه؟) وهو في الأساس مقاطع منقولة حرفيًا من رسالة إخوان الصفاء تتناول العلاقة بين الروح الكونية (Universal Soul) الأرواح الفردية (Particular Souls). يزخر كتاب “الباحث” (بالعبرية: Sefer ha-Mevaqqesh) لفالقويرا -وهو نوعًا ما موسوعة شعبية كتبت في عام 1236-  باقتباسات من معظم رسائل الإخوان: وتتناول هذه الاقتباسات العديد من المواضيع، مثل الفرق بين العلم والإيمان، وبعض المسائل الرياضية، ومبادئ علم الفلك والموسيقى، ومعنى مصطلح “الطبيعة”، ومبدأ روح العالم (باللاتينية: Anima mundi) [يناقش الصلة الجوهرية بين الكائنات الحية]، والمناخات، وكذلك بعض مبادئ المنطق، وعلم الأرصاد الجوية، والموسيقى 28، وعلم الفلك والعلوم الطبيعية، وحتى بعض الحكايات/القصص الأخلاقية. كما أثرت مبادئ إخوان الصفاء العلمية تأثيرًا بالغًا على المؤلفين اليهود في القرن الثالث عشر. ويقتبس فالقويرا في كتابيه الثاني والثالث من موسوعته العلمية الفلسفية الضخمة أراء الفلاسفة (بالعبرية: De‘ot ha-filosofim) -التي كتبها حوالي عام 1270 ولم تنشر بعد- عددًا من مقاطع الإخوان فيما يتعلق بعلم المعادن وعلم النبات، حيث يمكن إيجاد نوع من الخلط بين المبادئ الأرسطية والخيمياء [تلجأ الخيمياء إلى الرؤية الوجدانية في تعليل الظواهر]. وقد أثرت مبادئ فالقويرا في علم المعادن تأثيرًا مباشرًا على تناول علم المعادن في الكتب العبرية الأخرى والمكتوبة حوالي عام 1300 وتحديدًا كتاب بوابة السماوات (The Gate of Heavens) لجرشوم بن سولومون (Gershom ben Solomon) من مدينة آرل الفرنسية، وفي مقال خيميائي نسبت خطأً لمؤلف عربي. وأخيرًا فقد استخدم كالونيموس بن كالونيموس (Qalonymos ben Qalonymos) فرضيات إخوان الصفاء في علم الحيوان والرياضيات لتأليف كتابه العبري في الأخلاقيات (رسالة في الحيوان، وبالعبري: Iggeret ba‘aley hayyim) وفي الرياضيات (كتاب الملوك، وبالعبري: Sefer ha-melakim). 29

وقد أوحت على الأرجح العلاقة المفترضة بين رسالة إخوان الصفاء والإسماعلية باقتباس هذا الكتاب كواحد من المصادر الرئيسية لما يسمى بـ”اليهودية الإسماعيلية” كما يظهر في اليهودية اليمنية في أواخر العصر الوسيط. وانحصر المذهب “اليهودي الإسماعيلي” على اقتباس بعض المبادئ الإسماعيلية في علم الكون والنبوءة وعلم التأويل لليهودية 30. كما أظهرت العديد من الحالات أن إخوان الصفاء قد أثّروا على بعض الفلاسفة والمؤلفين اليمنيين اليهود في الفترة بين عامي 1150-1550 31. فيتضمن -على سبيل المثال- الفصل الثاني من الكتاب اللاهوتي الفلسفي اليهودي العربي حديقة العقول لناتانئيل الفيومي -المكتوب في اليمن عام 1165- توفيقًا بين الأعداد من واحد إلى عشرة، وعشرة مفاهيم علمية وفلسفية (قدرات الروح، والحواس، والاتجاهات، والمواد والأجزاء الجسدية، وغيرها) يتطابق معظمها مع ما ذكره إخوان الصفاء. أيضا توجد بعض آثار مبادئ إخوان الصفاء في انبثاق الكائنات من المبدأ الأول، وكذلك مبادئهم في علم الأعداد في سلسلة المدراش الأدبية اليمنية الفلسفية، وتعني التفاسير اليهودية العربية للنصوص التوراتية، التي كتبت في الفترة بين عام 1420 وعام 1430، وهما: التعلم الباعث على السرور (بالعبرية: Midrash ha-hefez) ليحيى الطبيب، وسراج العقول لمنصور بن سليمان الضمري 32.

  1. الفارابي

يتضح تأثير “الأستاذ الثاني” العربي (بعبارة أخرى أرسطو الثاني) أبو نصر الفارابي (870-950) في كثير من مجالات الفلسفة اليهودية في العصر الوسيط، وهي: نظرية المعرفة، والمنطق، والميتافيزيقيا واللاهوت، والأخلاقيات، وحتى الفيزياء.

وأثر عمل الفارابي الرئيسي في نظرية المعرفة وهو كتاب إحصاء العلوم الذي يتناول المحتويات العامة للسانيات، والمنطق، والعلوم الرياضية، والفيزياء، والميتافيزيقيا، وفلسفة الأخلاق وحتى الفقه الإسلامي والدين، تأثيرًا هامًا على عدد من العلماء اليهود في الفترة بين عامي 1200 و1400. وأدرج يوسف بن يهوذا بن القانين (توفى سنة 1226) -وهو تابع مغربي يهودي لموسى بن ميمون- أقسام طويلة من النسخة الأصلية العربية في الفصل 27 من كتابه الرئيسي في الأخلاقيات طب النفوس، واقتبس في شرحه لرسالة نشيد الأنشاد في كتاب انكشاف الأسرار عددًا من كتب الفارابي عن نظرية المعرفة، والمنطق، والميتافيزيقيا، وحتى الموسيقى. وأضاف شيم توف بن فالقويرا عددًا من مقاطعه (بالعبرية) لـ”إحصاء العلوم” الذي كتبه، وهو الجزء الثاني من كتاب بداية العلم (بالعبرية: Reshit hokhmah) وقد كتبه على الأرجح حوالي عام 1250 33. وترجم كالونيموس بن كالونيموس الكتاب كاملا إلى العبرية في عام 1314، بالإضافة إلى “مقدمة قصيرة لأرسطو” كتبها الفارابي بنفسه، وأضاف بوضوح فرضياته الخاصة على بعض المواضيع المفقودة في النص العربي الأصلي، وهي لم تضف لأن الفارابي على الغالب رفض اعتبارها علوما حقيقة، وهي: الطب، والخيمياء، والسحر. واقتبس بعض العلماء اليهود لاحقًا نسخة كالونيموس، وخاصة خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر. وفيما يتعلق بالفلسفة عمومًا، يجب الإشارة إلى أن فالقويرا كتب نوعًا ما خلاصة بالعبرية لكتب الفارابي الثلاثة الرئيسية، وأدرجها في الجزء الثالث من كتاب بداية العلم، وهذه الأجزاء هي: تحصيل السعادة، وفلسفة أفلاطون، وفلسفة أرسطو، لينشر بين اليهود المعرفة العامة بمحتويات كتب أفلاطون وأرسطو 34. كما اقتبس فالقويرا مقطعا تقديميا قصيرا لكتاب الفارابي رسالة في معرفة الفلسفة في كتابه كتاب الدرجات 35.

وقد أثر الفارابي تأثيرًا أقوى في مجال المنطق على الفلسفة اليهودية في العصر الوسيط، ويعتبر تأثيره تقريبًا مثل تأثير المفسر “الرسمي” الأشهر للمنطق الأرسطي، وهو: ابن رشد. ووفقًا لموسى بن ميمون فلم تكن هناك ضرورة لدراسة النصوص المنطقية باستثناء التي كتبها الفارابي، مادام أن “كل ما كتبه… يزخر بالحكمة، كما يعتبر كاتبًا مقنعًا” 36. وقد أثرت مؤلفات الفارابي المنطقية (وغير المنطقية) بالتأكيد على كتاب مقالة في سيناء المنطق التي تنسب عادة إلى موسى بن ميمون، وربما كتبت حوالي عام 1160 37: وتُرجم هذا النص ثلاث مرات إلى العبرية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وانتشر انتشارًا واسعًا وجليًا بين القراء اليهود في أواخر العصر الوسيط. وفي الحقيقة فقد تُرجمت كافة مؤلفاته المنطقية إلى العبرية، أو على الأقل استخدمها عدد من الفلاسفة اليهود في العصر الوسيط من القرن الثالث عشر وحتى القرن الخامس عشر (ومن بينهم صاموئيل بن تيبون في معجم شرح المصطلحات الصعبة (بالعبرية: Perush ha-millot ha-zarot 38)، رغم أنه لم يقاس مدى تأثير الحقيقي على المنطق اليهودي من جميع جوانبه بعد. أما بالنسبة للترجمات العبرية الجمة لملخصاته أو “تفاسيره القصيرة” لكتاب إيساغوجي [باليونانية وتعني المقدمة] للفيلسوف فرفوريوس الصوري، ومجموعة كتب أورغانون [بالأغريقية وتعني الآلة] لأرسطو، فيمكن تحديد خمس مجموعات من هذه الترجمات (ولا تغطي هذه الترجمات سلسلة المخلصات كاملة): وقد كتبت بعض الترجمات في وقت مبكرٍ جدًا ربما قبل عام 1200، ويجب أن ينسب بعضها لليهودي الإسباني موزيس بن لاجيس (Moses Ibn Lagis)، بينما كتب بعضها أفراد من عائلة ابن تيبون خلال القرن الثالث عشر، وتم استخدامها غالبًا كمصدر لبعض الفلاسفة اليهود في القرنين الرابع عشر والخامس عشر (وهم: يهوذا بن آيزك كوين (Judah ben Isaac Cohen)، وابراهام افيغادور(Abraham Avigdor))، وقد كتبت الترجمات الأخرى التي تضمنت تنقيحًا للترجمات التي كتبها أبناء ابن تيبون قبل عام 1320 ومعروف بالتأكيد أن كاتبها هو حزقيا بار حالفتا(Hezekiah bar Halafta) (انظر اسفل، 7)، وأخيرًا فقد قدمت ترجمتين عام 1330 وربما يكون تودرس تودروسي -وهو مترجم فلسفي يعمل في مدينة آرل- هو من قدم هاتين الترجمتين (وهي الترجمتين الوحيدة لمخلصات الفارابي لكتابي فن الشعر والخطابة لأرسطو) 39. وقد اقتبس ملخص المقولات للفارابي على وجه الخصوص وعلق عليه الفيلسوف اليهودي غير المعروف سار شالوم (Sar Shalom) الذي ربما كان نشطًا في بروفنس حوالي عام 1300 40. كما يظهر أن بعض “الشروح” التي كتبها الفارابي عن منطق ارسطو -حتى تلك التي فقدت نسختها الأصلية العربية- قد أثرت على الفلاسفة اليهود: وسبب حفظ شرح المقولات هو الاقتباسات الكثيرة لها من مؤلف يهودي في أواخر العصر الوسيط -وهو يهوذا بن آيزك كوين- التي نشرت مؤخرًا 41: وترجم شرح التفسير (the Long Commentary on De interpretation) -المكتوب بالعربية- إلى العبرية قبل عام 1334 (ولا يزال نص المقدمة العربية موجودًا) ويبدو أنه أثر على الفيلسوف جرسونيدس أيضًا 42. كما ترجم تدروس تدروسي مقاطع عديدة من شرح الكتاب الثامن من العناوين -المفقود في نسخته العربية- إلى العبرية في عام 1334. وقد عرف موسى بن ميمون واستخدم صراحة اختصار الفارابي لكتاب العناوين، الكتاب الأول، الفصل 11 مصدرًا لمقطع من كتابه دلالة الحائرين، الجزء الثاني، الفصل 25 حول مناقشة بين نظريتي ارسطو وأفلاطون المختلفتين عن أزلية العالم حسبما أثبت جورج فيدا 43، كم عرف موسى بن ميمون وأعاد صياغة بعض المقاطع من المؤلفات المنطقية الأخرى للفارابي 44.

أما بالنسبة لأشهر مؤلفات الفارابي وهو كتاب أراء أهل المدينة الفاضلة، فيعد توظيف فالقويرا له مصدرًا للميتافيزيقيا واللاهوت في كتابه كتاب الدرجات وتحديدًا في الكتاب العاشر من موسوعته آراء الفلاسفة أبرز استخدام لهذا الكتاب، حيث دمج أراءه بآراء الفارابي وابن رشد في تعرضه بصورة عامة لنظرية طبيعة الله 45، إلى جانب بعض الاقتباسات القصيرة من كتاب الفارابي الموجودة في رسالة الحديقة لموسى بن عزرا 46 وكتاب إسحاق بن لطيف المذكور سابقًا 47. ويظهر أن معظم الفلاسفة اليهود في العصر الوسيط قد تجاهلوا كتاب المدينة الفاضلة للفارابي، ولم يترجم -في الحقيقة- موسى بن تيبون الكتاب إلى العبرية، لكنه فضل أن يترجم كتاب السياسة المدنية للفارابي عوضًا عنه 48 – وهو أحد نصوص الفارابي التي عرفها فالقويرا واقتبس منها 49. وعلى الرغم من أن موسى بن ميمون لم يقتبس اقتباسًا صريحًا من كتاب أراء أهل المدينة الفاضلة للفارابي في كتابه دلالة الحائرين -حسبما وضح بينز (Pines)- لكنه بالتأكيد أحد المصادر الرئيسية التي شكلت رأي موسى بن ميمون عن الأدوار المختلفة التي يؤديها الفيلسوف والنبي 50. وأثرت فكرة الفارابي عن العلاقة بين الفيلسوف والدين تأثيرًا قويًا على أفكار موسى ميمون في نفس الموضوع 51، إذ يرى الفارابي أن منزلة الفيلسوف أعلى بكثير مقارنة بمنزلة الدين -كما هو مذكور في كتابيه كتاب الحروف وكتاب الملة-، كما استعمل فالقويرا كتاب الحروف لاحقًا كمصدر في تناوله للغويات في كتاب بداية العلم. ووفقًا لدافيسون، فقد اقتبس موسى بن ميمون واستخدم في الحقيقة كتاب السياسة المدنية للفارابي تحت عنوان الموجودات المتغيرة لمناقشة مسألة أزلية العالم في الجزء الثاني، الفصل 74، من كتاب الدلالة 52. وتجدر الإشارة إلى أن الفلاسفة اليهود الأوروبيين الناشطين في القرنين الثالث عشر والرابع عشر قد أظهروا اهتمامًا أكبر بكتاب آخر للفارابي، وهو: رسالة في العقل. وقد أثار هذا الاهتمام على ما يبدو موسى بن ميمون، الذي اقتبس وعلق على بعض فقرات الكتاب التي تتناول فكرة اللاهوتيين عن العقل البشري ودور العقل الفعّال في كتابه الدلالة 53. وكما أظهر جاد فرودنثال (Gad Freudenthal) مؤخراً، فقد كتبت ثلاثة نسخ مترجمة على الأقل من رسالة في العقل من العربية إلى العبرية (واحدة بقلم كالونيموس بن كالونيموس، والأخران لمترجمان مجهولان)، كما قُرئت وعُلق عليها مرة واحدة على الأقل في أوروبا الغربية بين عامي 1150 و1320 تقريبًا 54. كما استمرت مبادئ الفارابي عن بعض المفاهيم الرئيسية في الميتافيزيقيا واللاهوت (مثل نظرية المسبب الأول (the First Cause)، والنبوءة، إلخ) بالتداول في إسبانيا حوالي عام 1350 55 (وإن لم يكن مرجعها مؤلفات الفارابي بصورة مباشرة).

أما بالنسبة للأخلاقيات، فتوجد أول آثار لمبدأ الفارابي حول الفرق بين الفلاسفة والطبقات الأدنى للرجال في مؤلفات إبراهيم برحيا 56. مع ذلك فقد أثر إثبات الفارابي لكمال الأخلاق البشرية وعلاقته بالكمال العقلي المقصور على حياة الإنسان في هذا العالم -المذكور في تفسيره المفقود لكتاب أرسطو الأخلاق النيقوماخية– على فكرة موسى بن ميمون عن الكمال كما يتضح في الجزء الثالث، الفصل 18، من كتابه دلالة الحائرين 57. وترجمت أيضًا مؤلفات الفارابي الأخلاقية الأخرى -وهما كتابي رسالة في التنبيه إلى سبيل السعادة وفصول منتزعة– إلى العبرية ربما حوالي عام 1300، واقتبسها بعض الفلاسفة اليهود، وهم: شيم توف بن فالقويرا 58، وكالونيموس بن كالينوموس، ويوسف بن عقنين 59.

على حد قول ياير شيفمان (Yair Shiffman) فإن فالقويرا قد اقتبس ضمنيًا من الكتاب المفقود للفارابي في مجال الفيزياء -وهو شرح نظريات أرسطو في الفيزياء– في كتابه دلالة الدلالة، وهو تفسير فلسفي لكتاب دلالة الحائرين لموسى بن ميمون المكتوب عام 1280 60. وقد اقتبس منه مقطعًا عن الاختلافات الشكلية والمادية بين السماوات والنجوم، وكان قد علق عليه موسى بن ميمون بنفسه في الفصل 19 من الجزء الثاني في كتاب دلالة الحائرين 61.

  1. 5. ابن سينا

قد يكون السبب الرئيسي لاهتمام عدد من فلاسفة اليهود في القرون الوسطى بابن سينا (980-1037) هو اهتمام ابن سينا نفسه بالتوفيق المبدئي بين الفلسفة الأرسطية والدين 62. ويرجع سبب مثل هذا الاهتمام إلى موقف الفيلسوف الخاص تجاه الإسلام، والمذهب الشيعي على وجه الخصوص؛ وهو الموقف الذي طبقه الفلاسفة اليهود من مدرسة ابن سينا (Avicennian Jewish) بوضوح على اليهودية. اعتبر هؤلاء الفلاسفة أن ابن سينا مناصر رئيسي للدين على حساب الفلسفة؛ لذا قرنوه بمنزلة الغزالي فيما يتعلق بالفلسفة. وبهذا اندمج ببطء مذهب مدرسة ابن سينا اليهودي (Jewish Avicennism) كأحد أنواع مذهب “مدرسة الغزالي اليهودية” (Jewish Ghazalism) بهدف الدفاع عن اليهودية ضد الرشدية (Averroism) (انظر ادناه، 6). على أي حال، وفقًا للدراسات الحديثة العميقة التي أجريت على نطاق أوسع على كافة المواد اليهودية العربية والعبرية الموجودة عن ابن سينا كفيلسوف ومتصوف وفيزيائي في العصور اليهودية الوسطى فإن من الواضح أن قلةً من بين الكتاب الفلاسفة اليهود قد كرسوا أنفسهم لمدرسة ابن سينا (Committed Avicennian)، بينما استعمل كثيرون من “اتباع مدرسة ابن سينا الانتقائيين” (Eclectic Avicennians) عددًا متفاوتًا من أفكار ابن سينا -حتى وإن كان بعضهم لم يطلع اطلاعا مباشرا على مؤلفاته63-.

ويعد ابن سينا المصدر الأساسي لمعتقد انتشر بين الفلاسفة اليهود في القرنين الحادي عشر والثاني عشر كما كتب عنه مرة هاري ولفسون 64: في عقل الإنسان -وفقًا لهذا المعتقد- خمس حواس داخلية (الحس السليم، والتقدير، والخيال، والفكر، والذاكرة). وقد ظهر أول أثر لهذا المعتقد عند الحاخام بحي بن باقودا: ولكنه ربما قد أخذه عن فيلسوف عربي أو خلاصة لاهوتية مستوحاة من ابن سينا. وربما يكون مثل هذا التوظيف العرضي لابن سينا كمصدر لفكرة معينة من فكر فلاسفة يهود العصر الوسيط، هو ما حدث في كتاب العالم الأصغر [الإنسان] لجوزيف بن تزاديك؛ كما لاحظ فيدا في دراسته للمصادر الفلسفية لجوزيف بن تزادك 65. ويعد موقف المؤلف اليهودي الأندلسي المعروف يهوذا اللاوي (1085-1141) حالة أكثر أهمية، فقد أورد في كتابه اليهودي العربي الرئيسي كتاب الخزري (بالعبري: Sefer ha-Kuzari) دفاعًا صريحا عن اليهودية فيما يتعلق بالأديان الأخرى وبالفلسفة، واستعمل كتاب رسالة في النفس لابن سينا استعمالًا ملحوظًا باعتباره مصدرًا حرفيًا ومباشرًا وإن كان مصدرًا ضمنيًا في وصفه للروح البشرية في الفصل 12 من الكتاب الخامس كما وضحه بلا شك الدكتور داوود بانيت 66. كما ألهم كتاب ابن سينا الذي تظهر فيه “الصوفية” أكثر الحاخام إبراهيم بن عزرا لتأليف كتابه بالعبرية في نفس الموضوع وهو كتاب رسالة حي بن ميقتس (the Iggeret Hay ben Meqits) (حوالي عام 1150) وهو ما أشار اليه إسرائيل ليفين 67.

وعلى أية حال، فقد ظهر تأثير فلسفة ابن سينا بشكل أوسع على الفكر اليهودي في العصر الوسيط بعد عام 1150. ويعد إبراهيم بن داود -الذي عاش في توليدو بين عامي 1110 و1180 تقريبًا- أول حالة بارزة حيث يتضح من كتابه الفلسفي العقيدة الرفيعة (فقد معناه في نسخته العربية اليهودية الأصلية، ولكن حُفظ في نسختيه المترجمتين إلى العبرية في القرن الرابع عشر) أنه أول يهودي أرسطي (Jewish Aristotelian) إلا انه اُستعمل مصدرًا مثل مصدريه الرئيسيين وهما ابن سينا والغزالي. ويتضح تأثير ابن سينا غالبًا في الكتاب الأول من العقيدة الرفيعة، حيث درس ابراهيم بن داود الموضوعات الفلسفية: الفئات، والمادة والحركة، والأرواح والأجرام السماوية حسبما أظهرت الدراسات الأخيرة التي أجرتها أميرا ايران (Amira Eran) وتحديدًا في كتابها عن محتويات كتاب ابن داود (ايران 1998، 27). ولم يشر ابن داود مباشرةً إلى محتويات موسوعة ابن سينا الرئيسية -موسوعة الشفاء– عندما ناقش هذه الموضوعات، بل إلى موسوعته الثانوية التي تتناول المنطق والفيزياء والميتافيزيقيا وهي: موسوعة النجاة، بالإضافة إلى أنه قد يفترض أن ابن داود في الواقع قد استخدم الغزالي مصدره الرئيسي لتكوين “أفكاره عن مدرسة ابن سينا” (Avicennism) عوضًا عن ابن سينا نفسه (انظر ادناه، 6)، تمامًا كما فعل العديد من فلاسفة يهود العصر الوسيط المتأخرين بدءًا بموسى بن ميمون. يبدو أن موسى بن ميمون لم يعتبر ابن سينا مصدرًا فلسفيًا مهما ومباشرا، وعلى الرغم من وجود أصداء واضحة لمبادئ ابن سينا في التمييز بين الماهية والوجود، وبين واجب الوجود وجائز الوجود، ودليل ابن سينا المعروف عن وجود الله في كتاب موسى بن ميمون دلالة الحائرين 68، فإن رأي موسى بن ميمون الظاهر عن فكر ابن سينا فاتر إلى حدٍ كبير 69. فقد أكد في رسالته إلى صموئيل بن تبون بقوله: “رغم أن كتب ابن سينا غامضة وصعبة، وليست ككتب الفارابي، ومع ذلك فإنها مفيدة وهو أيضًا مؤلف يجب أن تدرس كلماته وتفهم” 70.

لم يمنع رأي موسى بن ميمون غير الحماسي، عن ابن سينا، العلماء اليهود اللاحقين من دراسة مؤلفاته وتوظيفها كمصدر لفلسفاتهم الخاصة، حتى أن صاموئيل بن تيبون مترجم كتاب الدلالة لموسى بن ميمون رجع إلى مبادئ ابن سينا وإثباتاته عن علم الأرصاد الجوية في كلاً من ترجمته العبرية لكتاب ارسطو علم الأرصاد الجوية (بما في ذلك بعض الملاحظات التي دونها)، وفي كتابه رسالة في تجمع المياه (بالعبرية:  (Ma’amar be-yiqqawu ha-mayim) كما أوضحت ريسيان فونتين (Resianne Fontaine) في نسختها النقدية وترجمتها الإنجليزية لكتاب دلالة الحائرين 71، ويمكننا حتى اعتبار هذا الفيلسوف اليهودي مبدئيًا “يهودي ملتزم بمدرسة ابن سينا” (committed Avicennian). رجع شيم توف بن فالقويرا (Shem Tov Ibn Falaquera) –الذي تبدو كثيرًا من مؤلفاته، نوعًا ما، “حوض اقتباسات”-  إلى عدد من مؤلفات ابن سينا الفلسفية واستعملها مصدرًا في شروحاته لأفكار موسى بن ميمون وارسطو في كتابه دلالة الدلالة (Guide to the Guide) وأراء الفلاسفة (Opinions of the Philosophers) وعددًا من مؤلفاته الثانوية الأخرى. واقتبس تحديدًا بعض المقاطع من كتاب الشفاء لابن سينا عن الأجرام السماوية، والمعادن، وعلم الحيوان، وعلم النفس، والميتافيزيقا، واقتبس عددًا من المقاطع من كتاب النجاة عن المنطق وعلم النفس؛ واختصر محتويات كتاب رسالة في النفس، كما اقتبس مقاطع قصيرة من كتاب ابن سينا الإشارات والتنبيهات؛ وأخيرًا يعتبر ابن سينا أحد المصادر الرئيسية لمعجم فالقويرا الفلسفي في مطلع كتابه أراء الفلاسفة (Opinions of the Philosophers)، وكذلك في تعريفه للعلوم في الجزء الثاني من كتابه بداية الحكمة (Beginning of Wisdom). استمر تأثير ابن سينا على الفكر العلمي اليهودي بعد سنة 1300، فقد وجدت آثاره على سبيل المثال في شرح العالم اليهودي الفرنسي سولومون بن موزيس من ميلقي (Solomon ben Moses of Melgueil) بالعبرية، في كتاب يدّعي انتهاج مدرسة ابن سينا (pseudo-Avicennian) (بين سنتي 1306 و1309) 72.

وظهرت على الأرجح حالة هامة من “مدرسة ابن سينا اليهودية” الانتقائية في القرن الرابع عشر في بروفنس وإسبانيا. ويظهر على طابعها الأساسي توظيف بعض جوانب فلسفة ابن سينا فيما يخدم ناموس الدين اليهودي – على الرغم من أن هذه الجوانب لم تستخدم بشكل قاطع ضد النواميس الفلسفية الأرسطية كما تمثلها العقلانية الرشدية. حاول في الحقيقة بعض هؤلاء “اليهوديين من مدرسة ابن سينا” الانتقائيين التوصل إلى توافق حقيقي بين الدين والفلسفة اليهوديتين؛ وقد يكون لآخرين تأثير معاكس كما حدث في حالة أبنار من برغش (Abner of Burgos).

أعلن يهوذا بن سولومون ناتان (Judah ben Solomon Natan) -وهو طبيب ومترجم نشط في بروفنس حوالي عام 1330- صراحة عن السبب خلف اهتمامه بابن سينا في مقدمة ترجمته العبرية لكتاب الغزالي مقاصد الفلاسفة؛ حيث أكد أنه ترجم الكتاب لأنه مفيد جدًا في التوفيق بين النواميس الدينية والفلسفة، ووجد توافقًا جوهريًا بين الكتاب وبعض المقاطع في كتاب الشفاء لابن سينا حول الفيزياء والميتافيزيقا، وفي كتاب النجاة لابن سينا ايضًا. استخدم ترجمة يهوذا ناتان صديقه تودروس تدروسي (Todros Todrosi) في ترجمته هو للكتاب “التابع لمدرسة ابن سينا” عيون المسائل، فيؤكد في مقدمته لهذا الكتاب أنه وجد فيه نفس الرأي الوارد في كتاب الغزالي المذكور أعلاه. اقتبس تودروس في هذا الكتاب وفي مختاراته الفلسفية (التي يعود تاريخها إلى عام 1334) بعض مقاطع ابن سينا عن الأسئلة المنطقية، والفيزيائية، والميتافيزيقية، فأخذهما من الأقسام المنطقية لكتاب الشفاء (واقتبس ايضًا مقطعًا عن الحركة اللامتناهية من الكتاب ثلاثة، الفصل الثامن من الجزء الفيزيائي من الكتاب) ومن كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا. أخيرًا فقد كان المؤلف الوحيد الذي ترجم بالعبرية في العصر الوسيط تقريبًا كتابًا كاملًا لواحد من كتب ابن سينا الفلسفية وهما: الكتاب الثاني والثلاثة من كتاب النجاة عن الفيزياء والميتافيزيقيا. وهناك مؤلفان يهوديان فرنسيان آخران استخدما ابن سينا وهما: يهوذا كوهن الذي ربما كان نشطًا في بروفنس حوالي عام 1350، وقد ألهمه على ما يبدو كتاب رسالة في العشق لابن سينا 73، والآخر هو الفيلسوف اليهودي ومفسر ابن رشد المعروف موسى بن جوشوا -عاش في الفترة بين 1300 و1360- الذي اقتبس احيانًا بعض المقاطع من كتاب الشفاء وكتاب النجاة في تفسيره “الرشدي” لكتاب مقاصد الفلاسفة74. وعثر على الكثير من الاتجاهات المختلفة لابن سينا في القرنين الثالث والرابع عشر في إسبانيا، واتخذ موسى حاليفي توجه ابن سينا في الميتافيزيقيا مصدرًا أساسيًا لكتابه الذي كتبه بالعربية اليهودية مقاله إلهية قبل عام 1300 تقريبًا، وقد درس فيدا محتوياته بالتفصيل75 – وتعد هذه أحد الحالات القليلة في الالتزام بمدرسة ابن سينا. يبدو أن الفيلسوف اليهودي أبنار من برغش (1270-1350 تقريبًا) -قبل وبعد تحوله إلى المسيحية- قد استعمل في كثير من الأحيان ابن سينا لصالح النظرية الحتمية الفلسفية وضد ابن رشد (ويدعي أنه اقتبس بعض المقاطع المفقودة من كتاب الحكمة المشرقية لابن سينا76. وحاول يوسف بن وقار في كتابه المقالة الجامعة بين الفلسفة والشريعة -المكتوب بالعربية اليهودية حوالي عام 1360 وحلله فيدا- أن يجمع بين ابن رشد وابن سينا والغزالي في مجال صعب للغاية وهو: الميتافيزيقيا77. واستطاعت الدائرة الأفلاطونية (Neoplatonic) المؤلفة من كتّاب يهود من عظماء مفسري الشروح التوراتية لإبراهيم بن عزرا بالعبرية -النشطين في إسبانيا في النصف الثاني من القرن الرابع عشر وفي بروفنس في بداية القرن الخامس عشر- أن يوظفوا أفكار ابن سينا في الدفاع عن عقيدة الحتمية النجمية (astral determinism) بطريقة مختلفة وغير مباشرة78. لا يزال فكر ابن سينا قد أثر على بعض جوانب فلسفة حسداي كريكاس (Hasdai Crescas) (انظر ادناه، 6). ويُعد الدور الذي لعبه ابن سينا في التأثير على بعض جوانب الفكر اليهودي في القرنين الرابع والخامس عشر -وفقًا لدوف شوارتز- أكثر انتشارًا من تأثير ابن رشد الذي لايزال يعتبر حتى الآن أهم “أستاذ” في الفلسفة اليهودية أواخر العصر الوسيط بعد موسى بن ميمون 79.

  1. الغزالي

تشير الدلائل إشارة ملفتة إلى أن الممثل الرئيسي للاهوت العربي الإسلامي السني -وهو الغزالي (1058-1111)- قد أثر “تأثيرًا” هامًا على بعض جوانب الفلسفة و الفكر اليهودي في العصر الوسيط. ولم يدرس العلماء هذه الحقيقة دراسة منهجية بعد أو يشرحوها، ولكنها حقيقة لا يمكن تجاهلها بسهولة. إضافةً إلى وجود نوع من “الغزالية اليهودية” في القرن الرابع عشر -مبنية على مؤلفات الغزالي (في الفلسفة واللاهوت على حدٍ سواء)- بحيث استعملت العديد من جوانب فكره كمفكر إسلامي نموذجي استعمالًا مثيرًا للدفاع عن عدد من الجوانب المشابهة للنواميس الدينية اليهودية.

وظهرت أول آثار مؤكدة لتأثير الغزالي على الفكر اليهودي في وقت مبكر، حوالي عام 1160، عندما استخدم إبراهيم بن داود عمل الغزالي الفلسفي الرئيسي – مقاصد الفلاسفة– كأحد المصادر الرئيسية التي لم يصرح بها في كتابه هو العقيدة الرفيعة80. ومن المؤكد أن أعمال الغزالي أثرت ليس فقط على محتويات الكتاب الأول من العقيدة الرفيعة، الذي يتناول بعض جوانب الفلسفة الأرسطية (المنطق والفيزياء والميتافيزيقيا)، ولكن أيضا الكتاب الثاني منه، الذي يدور حول اللاهوت (انتفاء الجسمية الإلهية (God’s incorporeity)، والوحدانية، والصفات، بالإضافة إلى الخلق الإلهي، والنبوءة، والعناية الإلهية). وربما قد أثر الغزالي تأثيرًا مشابهًا على موسى بن ميمون أيضًا، وتحديدًا على فكره الفلسفي. ولا يوجد أي إشارة مباشرة وصريحة في الواقع إلى الغزالي، سواء في كتاب دلالة الحائرين أو في رسالة موسى بن ميمون لصاموئيل بن تيبون الآنف ذكرها، ولكن يمكن تفسير بعض آثار مبادئ ابن سينا الظاهرة في مؤلفات موسى بن ميمون (في كتاب الدلالة وغيره) على أنها نتائج تأثير ابن سينا التي تأثر بها على يد الغزالي، وتحديدًا من كتابه مقاصد الفلاسفة -كما أشار هربرت ديفيدسون وغيره من العلماء81-. ويقول ديفيدسون -بخاصة- مؤكدًا: “يعزو موسى بن ميمون عمليًا كل شخصية ميتافيزيقية إلى أرسطو، لكنها في الحقيقة مستمدة من ابن سينا الذي عرفها من الغزالي”، وتوجد أوجه تشابه بارزة بين موسى بن ميمون والغزالي -حسبما قال ديفيدسون- حتى في الأسلوب اللغوي82.

ظهرت أدلة مباشرة وصريحة على تأثير الغزالي على الفلسفة اليهودية في العصر الوسيط في إسبانيا وبروفنس منذ عام 1270 فصاعدًا. وتتضح أول حالة في كتاب الدرجات لشيم توف بن فالقويرا، فقد أخذ بالتأكيد مقطعين من كتاب مقاصد الفلاسفة 83. وتعتبر حالة إسحاق البلاغ هي الحالة الثانية والأهم لتأثير الغزالي، وهو فيلسوف كتالوني أو فرنسي يهودي وأول من ترجم كتاب مقاصد الفلاسفة إلى العبرية، ثم علق عليه في كتابه تصحيح المقاصد (مقاصد الفلاسفة) (بالعبرية: Tiqqun ha-de‘ot) الذي كتبه نهاية القرن الثالث عشر. ولم يستخدم إسحاق البلاغ الغزالي للدفاع عنه، بل لانتقاده بدلًا من ذلك كما أظهر فيدا -الذي نشر طبعة نقدية لشرح البلاغ ودرس محتوياته الفلسفية بالتفصيل84-، فيبدو أن البلاغ وعلى العكس من الغزالي قد اقتبس مذهب وجود الحقيقة المزدوجة [أو مذهب الحقيقتين]، وهما: حقيقة الفلسفة (تختص بالفلاسفة الحكماء وذوي الخبرة)، وحقيقة الدين (تختص بعامة الناس). وتُرجم كتاب المقاصد للغزالي إلى العبرية في بروفنس بعد البلاغ في النصف الأول من القرن الرابع عشر مرتان، كتب الترجمة الأولى يهوذا بن ناتان (Judah Natan) الذي زعم أنه كتبها لدحض حجج “الفلاسفة” (وبالعبرية: mitfalsefim) -ويعني الرشديين- (انظر أعلاه، 5)، أما الترجمة الثانية فهي لمترجم مجهول، ربما هو موسى بن جوشوا أو رجل يعمل لصالحه. وقد علق في الواقع بن جوشوا على كتاب المقاصد بأسلوب مختلف تمامًا وجوهره مذهب الرشدية 85. وتوجد براهين واضحة أخرى للتأثير المباشر لمؤلفات الغزالي الفلسفية على الفكر اليهودي في القرن الرابع عشر على بعض الكتاب الإسبان -النشطين بعد عام 1350- مثل موسوعة موزيس بن يهوذا (Moses ben Judah) الفلسفية –محبة المتعة (الفكرية) (بالعبرية: Ahavah ba- ta’anugim)- التي كتبت عام 1354 86. وقد كتب بعض الفلاسفة شروحات كثيرة في إسبانيا القرن الخامس عشر وحتى بعد ذلك، معظمها عن قسم الميتافيزيقيا من كتاب المقاصد (وهم إسحاق بن شيم توف، إيلي هابيو (Eli Habillo)، وموزيس الموسنينو (Moses Almosnino)، وبعض المؤلفين المجهولين)، وقد حددهم المستشرق اشتينشنيدر87 ولكنهم لازالوا بحاجة لبحث أعمق. ويمكن تفسير هذا الاستخدام الواسع لكتاب الغزالي مصدرًا فلسفيًا على أنه طريقة أسهل لمعرفة المحتوى العام للمنطق والفيزياء والميتافيزيقيا الأرسطية88. ومع ذلك فلا يعتبر كتاب المقاصد للغزالي هو الكتاب الوحيد الذي عرفه المؤلفون اليهود في أواخر العصر الوسيط واستخدموه مصدرًا لهم؛ فقد تأثروا بالتأكيد بمؤلفّيه الفلسفيين الآخرَين عن المنطق، وهما: كتاب معيار العلم، وكتاب محك النظر. واقتبس تدروس تدروسي كلا الكتابين اقتباسًا صريحًا في كتاب مختاراته الأدبية الفلسفية، وقد استخدم اثنان من الفلاسفة اليهود بالتأكيد كتاب معيار العلم -الذي ربما ترجم إلى العبرية قبل نهاية القرن الخامس عشر- مصدرًا لهم، وهما: زيريهايا هان (Zerahyah Hen) (كان نشطًا في روما، 1277-1290)، وموسى بن جوشوا. عرف واستخدم بعض هؤلاء المؤلفين -الذين عاش أغلبهم في منطقة شمال إسبانيا- بعض مؤلفات الغزالي الأخلاقية وحتى اللاهوتية89: فترجم ابراهام بن حسداي (Abraham Ibn Hasdai) من مدينة برشلونة كتاب ميزان العمل إلى العبرية في الفترة حوالي عام 1210 إلى 1230، وتُرجم كتاب مشكاة الأنوار مرتين في القرن الرابع عشر، وترجم زيريهاها حاليفي صلاح الدين (Zerahyah ha-Levi Saladin) كتاب تحفة الفلاسفة قبل عام 1411 – ومن المحتمل أن يكون عضوًا في الدائرة الكتالونية لحسداي كريكاس الذي ربما قد استخدم كتاب الغزالي كأحد مصادره غير المعلنة لكتابه الشهير نور الله (أور أدوناي [أحد اسماء الإله في الديانة اليهودية])، وهو نقد عميق لبعض النقاط الأساسية في فلسفة أرسطو، (لكن هاري ولفسون انتقد هذه الفرضية90).

  1. ابن باجة

عرف الفلاسفة اليهود في العصر الوسيط واستخدموا عددًا من المؤلفات الفلسفية التي كتبها المؤلف الإسباني العربي المسلم أبو بكر بن باجة (توفي عام 1138)، ويسمى عادةً “ابن الصائغ” في التقليد اليهودي.

ويعد الفيلسوف اليهودي المعروف والمعاصر من نفس دولة ابن باجة -يهوذا اللاوي- أول الفلاسفة الذين برهنوا “تأثرهم” بابن باجة؛ كما وضح شلومو بينز (Shlomo Pines) 91، فهو لا يعكس فلسفة ابن سينا في الفصل الأول من أحد كتبه وهو كتاب الخزري (كما هو الحال في أحد أجزاء كتابه؛ انظر أعلاه 5)، بل يعكس فلسفة ابن باجة كما شرحها ابن باجة في رسالته رسالة الاتصال، كما كتب ملخصًا لأفكاره الرئيسية عن الله والعالم. ويجل موسى بن ميمون ابن باجة أقصى إجلال، ويقول مؤكدًا: “إن ابن باجة فيلسوف عظيم وحكيم، وكل مؤلفاته صحيحة وصائبة”، وربما احترمه كمفسر لأرسطو أيضًا92. وتأثر في بعض الحالات بالتأكيد بفكر ابن باجة من كتابه دلالة الحائرين، فقد أشار بصراحة إلى بعض أفكاره الفلسفية والعلمية، وكشف تحديدًا عن تأثير مبادئه عن وجود عقل واحد فقط بعد الموت، وإمكانية الربط بين الإنسان والعقل الفعال، وتقسيم الناس على ثلاث طبقات (وفق اختلاف درجات علمهم بالحقائق الرفيعة)، بالإضافة إلى فكرته عن النبي كإنسان مثالي ومتوحد -ويبدو انه استوحى هذه الفكرة من كتاب ابن باجة المشهور تدبير المتوحد-، كما عرف موسى بن ميمون فرضيات ابن باجة التي يعتبر بموجبها أن الله هو روح الجرم السماوي الذي يضم كل ما هو موجود في أرجاء الأرض93. وقد وجد ابن ميمون هذه الفكرة الأخيرة في شرح ابن باجة لكتاب ارسطو الفيزياء -ويبدو أنه كتاب معروف لفيلسوف يهودي من العصر الوسيط لاحق وهو: شيم توف بن فالقويرا-. واقتبس فالقويرا في تعليقه على كتاب الدلالة لموسى بن ميمون اقتباسًا حرفيًا تقريبًا، وعلق بإيجاز على عدد من المقاطع المأخوذة من مؤلفات مختلفة لابن باجة -كما وضح برونو تشيزا وياير شيفمان94-، ولم يقتبس من كتاب تدبير المتوحد ورسالة الاتصال فحسب بل حتى من رسالة الوداع وبعض مؤلفاته الأخرى الأقل شهرة مثل شرحه لكتب أرسطو: الفيزياء -الآنف ذكره- وكتاب الروح؛ ووجدت بعض هذه الاقتباسات في كتاب الدرجات لفالقويرا أيضًا.

وأظهر ثلاثة فلاسفة يهود آخرين يعيشون في النصف الأول من القرن الرابع عشر اهتمامًا كبيرًا بالفكر الفلسفي لابن باجة ، وهم: حزقيا بار حالفتا، وديفيد بن بليا (David Ibn Bilia)، وموسى بن جوشوا. فكتب حزقيا بار حلفتا (الملقب بـ”بوننفانت دو ميلو Bonenfant de Millau”) -وهو فيلسوف يهودي فرنسي- في عام 1320 شرحًا لشرح كتاب بطرس الإسباني [أو بطرس هسبانيوس] سامولاي (Summulae)، حيث أخذ عددًا من المقاطع من شروحات ابن باجة لشرح ملخصات الفارابي لكتاب الفيلسوف فرفوريوس الصوري إيساغوجي ومن كتابي المقولات والعبارة لأرسطو وعلق عليها: وربما تعد هذه الحالة الأولى والفريدة من نوعها لتأثير ابن باجة كعالم بالمنطق وكمترجم للفارابي في الدراسة اليهودية في العصر الوسيط للمنطق95. وتولى ديفيد بن بيليا -وهو يهودي برتغالي كان يعمل في الفترة من عام 1320 وحتى عام 1340- دراسة ترجمة رسالة الوداع التي كتبها حايم بن بيباس، وكتب ملاحظات هامشية على بعض النقاط المذكورة فيها96. كما علق موسى بن جوشوا على نفس الرسالة97، بالإضافة إلى أنه كُلف (أو كتب بنفسه) وعلق على خلاصة عبرية لكتاب التدبير لابن باجة98. وربما أوحت تأكيدات موسى بن ميمون لابن باجة لبناء رأي ابن جوشوا الإيجابي تجاه هذا الفيلسوف العربي الإسلامي. ومن المعروف أن ابن جوشوا يتبع المذهب الرشدي (انظر أدناه، 9) لكنه ربما حاول إيجاد أوجه اتفاق بين ابن باجة وفكر ابن رشد الفلسفي.

  1. ابن طفيل

يعد التأثير الذي أحدثه الكتاب الفريد والمشهور للفيلسوف الإسباني العربي الإسلامي ابن طفيل (توفي عام 1185) وهو كتاب حي بن يقظان تأثيرًا محدودًا للغاية، فيقول بينز مثلًا مؤكدًا: “لا يوجد دليل يبرهن أن موسى بن ميمون تأثر بأي حال من الأحوال برواية ابن طفيل الفلسفية”، ولكن لا يمكن إقصاء تأثيره تمامًا99.

وتعتبر ترجمة المترجم المجهول لكتاب ابن طفيل إلى العبرية (تحت عنوانIggeret Hayawan ben Yaqtsan أي رسالة حي بن يقظان) هي الحالة الرئيسية من بين الحالات القليلة التي تظهر تأثير ابن طفيل المباشر على شخصية بارزة ممن يمثلون الفكر اليهودي في العصر الوسيط، وهو ما علق عليه موسى بن جوشوا؛ فقد كتب موسى بن جوشوا شرحه (ويبدو أنه الكتاب الوحيد الموجود عن هذا النص حتى الآن) عام 1349 ونشره الفيلسوف موريس روبن هيون (Maurice-Ruben Hayoun) مؤخرًا100. ويحمل شرح ابن جوشوا عنوان رسالة الاتصال (وبالعبرية: Iggeret ha-devequt)؛ مما يدل على أن ابن جوشوا قد علق على هذا النص على وجه الخصوص ليعثر فيه على تأكيد جوهري عن المبدأ المشهور عن الاتصال بين الإنسان والعقل الفعال. وربما يكون ابن جوشوا هو مترجم هذا الكتاب إلى العبرية في الواقع كما حدث مع مؤلفات ابن باجة الفلسفية، أو أنه على الأقل قد كلف عضوًا من “فريقه” بكتابة الترجمة. وقد أثر تفسير ابن جوشوا لكتاب ابن طفيل على عدد من الفلاسفة اليهود في القرن الخامس عشر، ومعظمهم من إسبانيا وإيطاليا ممن عُرفوا وربطت أسماءهم ارتباطًا وثيقًا بابن رشد101، وهم: جوزيف بن شيم توف (Joseph Ibn Shem Tov) (عاش حوالي عام 1450)، وابراهام بيباغو (Abraham Bibago) (توفي عام 1489)، وآيزك أراما (Isaac Arama)، وإسحاق أبرافانيل (1437-1508)، ويوهانين أليمانو (Yohanan Alemanno) (عاش في النصف الثاني من القرن الخامس عشر). وتجدر الإشارة أخيرًا إلى أن مؤلفات ابن طفيل (ليس فقط كتاب حي بن يقظان، ولكن بعض الأعمال الثانوية أيضًا التي فقدت فيما يبدو في نصوصها العربية الأصلية) قد ظهرت من بين المصادر الرئيسية لمؤلف يعد مثالا نموذجيا لـ”اليهود من مدرسة ابن سينا” الانتقائيين في إسبانيا القرن الرابع عشر، وهو: المقالة الجامعة بين الفلسفة والشريعة ليوسف بن وقار.

  1. ابن رشد وبعض أتباعه

عادة ما يُنظر إلى ابن رشد في الأوساط اليهودية (ابن رشد، 1126-1198) على أنه “الأستاذ” الرئيسي للفلسفة الإسلامية في أواخر العصر الوسيط – مع أنه ربما قد اضطر لمشاركة هذا المنصب الرئيسي مع ابن سينا والغزالي. وترجمت جميع أعماله الفلسفية تقريباً من العربية إلى العبرية في الفترة من عام 1230 إلى عام 1330، وأحياناً تترجم أكثر من مرة (وقد ترجمت لاحقاً واحدة منها فقط من اللاتينية إلى العبرية، حوالي عام 1480)؛ كما اقتبس عدد من الفلاسفة جميع هذه المقالات تقريبًا، ولخصوها، وأعادوا صياغتها، وشرحوها، وعلقوا عليها خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر. وقد حُفظت بعض هذه النصوص في الحقيقة في ترجماتها فقط بسبب فقدان نسخها الأصلية، ولاقت نجاحًا بين الفلاسفة اليهود أوسع من الذي اكتسبته بين المفكرين العرب، وربما مساوٍ للنجاح الذي لاقوه بين المسيحين اللاتينيين. ولم يوثق التاريخ الحقيقي لـ”الرشدية اليهودية” حتى الآن، لذا فمصدر أغلب المعلومات حولها موثقه في كتاب للمستشرق اشتينشنيدر عن الترجمات اليهودية في العصر الوسيط103.

هيأ موسى بن ميمون الموقف لهذا النهج اليهودي تجاه ابن رشد بتأكيده في رسالته لصاموئيل بن تيبون بقوله: “احذر أن تقرأ كتب أرسطو دون أن تقرأ شروحاتها التي كتبها: الإسكندر (الأفروديسي)، وثامسطيوس، وابن رشد”104. وتشير بعض الدلائل إلى حقيقة أن موسى بن ميمون وابن رشد قد اتفقا في مبادئهم على بعض النقاط الرئيسية، وخاصةً في مجالات الميتافيزيقا واللاهوت؛ مع أن موسى بن ميمون صرح في رسالة إلى تلميذه جوزيف بن يهوذا (Joseph ben Judah) -التي كتبها عندما أنهى بعض أجزاء كتاب الدلالة– أنه حصل على نسخة من معظم شروحات ابن سينا لكتب أرسطو، ولكنه لم يقرأها بعد105. ولم يعثر حقيقةً على دليل ملموس وقاطع على تأثير ابن رشد على الفكر الفلسفي لموسى بن ميمون، ولكن هذا لا ينفي أنه عرف فلسفة ابن رشد حق المعرفة. وبأي حال فقد فتح موسى بن ميمون الطريق لنوعٍ من التكييف لابن رشد كمفسر غير رسمي و”متهود” [مسيحي يؤمن بوجوب اتباع التوراة] لأرسطو: ويبدو أن العديد من أتباع موسى بن ميمون اليهوديين من أوروبا الغربية (النشطين في إسبانيا وبروفنس وإيطاليا من القرن الثالث عشر حتى القرن الخامس عشر) قد رجعوا إلى الكلمات المذكورة أعلاه على أنها مبرر لاستخدام شروحات ابن رشد لقراءة وتفسير مؤلفات أرسطو. ويُلحظ أنهم لم يستخدموا الإسكندر وثامسطيوس -وهما المفسران الآخران اللذان أوصى بهما موسى بن ميمون-. قد يفسر اختيارهم الخاص لابن رشد، إما بسبب المثال الذي طرحه المفسرين المسيحيين اللاتينيين المعاصرين، أو بسبب سهولة توفر شروحاته في إسبانيا (حيث كتبت وانتشرت على حياة ابن رشد) بالمقارنة الشروحات التي كتبها الفارابي وابن سينا وابن باجة، أو بسبب فائدتها التعليمية لمعرفة كلمات أرسطو بالتفصيل، ولمعرفة أراء جميع المفسرين اليونانيين والعرب الآخرين الذين اقتبس لهم ابن رشد وناقش أفكارهم في مؤلفاته. ويؤكد شيم توف بن فالقويرا في مقدمة كتابه أراء الفلاسفة (وهو شرح مفصل لنظريات أرسطو في الفيزياء والميتافيزيقا): “يتوافق كل ما كتبته هنا مع كلمات أرسطو كما شرحها الحكيم ابن رشد، فهو آخر المفسرين (لأرسطو)، وقد جمع صفوة مؤلفات المفسرين السابقين، بالإضافة إلى كلمات أرسطو”. وقد أدت ترجمة مؤلفات ابن رشد من العربية إلى العبرية دورًا واضحًا ورئيسيًا لبثّ معرفة مباشرة بفلسفة ابن رشد للفلاسفة اليهود، بما ذلك شروحات ابن رشد المتعددة لنصوص أرسطو. وشملت عملية الترجمة هذه عددًا من العلماء: وهم بالترتيب الزمني التقريبي كما يلي: جاكوب أناتولي (الذي أنهى ترجمة “تلخيصات” ابن رشد لكتاب إيساغوجي لفرفوريوس، وكذلك كتب المقولات106، والعبارة، والقياس لأرسطو في مدينة نابولي الإيطالية عام 1232)، وموسى بن ميمون (الذي كتب ترجماته في بروفنس في الفترة من عام 1244 وحتى عام 1261 لملخصات ابن رشد لكتب أرسطو الفيزياء، وجوامع السماء والعالم، والكون والفساد107، والآثار العلوية، والنفس، والحس والمحسوس 108، وكتاب ما وراء الطبيعة، بالإضافة إلى “تلخيص” كتاب النفس109)، وسليمان بن أيوب (الذي كتب في مدينة بيزييه الفرنسية عام 1259 ترجمته لـ”تلخيص” كتاب جوامع السماء والعالم)، وشيم توف بن إسحاق من مدينة طرطوش في إسبانيا (كتب ترجمته لـ”تلخيص” كتاب النفس حوالي عام 1255 إلى عام 1260)، و زيريهايا هان (أنهى في روما عام 1284 ترجمته لـ”تلخيص” كتاب الفيزياء، وكتاب ما وراء الطبيعة110)، وجايكوب بن ماخير (Jacob ben Makhir) (أنهى في بروفنس عام 1289 ترجمة ملخصات ابن رشد لكتاب إيساغوجي لفرفوريوس، وكتب أرغانون لأرسطو، بما في ذلك كتابي الخطابة وفن الشعر، كما ترجم “تلخيصات” ابن رشد لكتابي أجزاء الحيوانات وأجيال الحيوانات عام 1302)، وكالونيموس بن كالونيموس (ترجم في مدينة آرل الفرنسية في الفترة بين عام 1313 وعام 1317 “تلخيصات” لكتب أرسطو الجدل، وتبكيت السوفسطائية Sophistical Confutations))، والفيزياء، والكون والفساد111، وكتاب الآثار العلوية، وما وراء الطبيعة112، بالإضافة إلى “شروحات” كتابي البرهان، والفيزياء، وكذلك كتاب ما وراء الطبيعة113. وسامويل دي مارسيل (الذي ترجم في بلدة بوكير الفرنسية من عام 1320 إلى عام 1322 “تلخيص” كتاب الأخلاق النيقوماخية لأرسطو114، وكذلك مختصر ابن رشد لكتاب الجمهورية لأفلاطون115 [في كتاب السياسة]، كما نقح نسخ الترجمات من العربية إلى العبرية السابقة لكتاب ابن رشد المختصر في المنطق وتلخيص إيساغوجي لفرفريوس)، وموزيس من مدينة صالون الفرنسية (Moses of Salon) (ترجم “شرح” ابن رشد لكتاب ما وراء الطبيعة لأرسطو حوالي عام 1320، وربما استخدم ترجمة كالونيموس السابقة)، وتدروس تدروسي (ترجم في منطقة ترينكويتالي الفرنسية عام 1337 “تلخيصات” كتابي الخطابة وفن الشعر لأرسطو116). كما تُرجم الجزء الأول من شرح ابن رشد لكتاب العقل المنسوب إلى إلاسكندر الأفروديسي إلى العبرية117. وعُرفت أعمال ابن رشد الفلسفية الأخرى من نسخها المترجمة من العربية إلى العبرية التي كتبت في القرن الرابع عشر، وتتضمن كتاب مسائل في الحكمة (كتب بعض هذه الترجمات بعض تابعيه الإسبانيين العرب المسلمين) وكتاب مسائل في الفيزياء (ترجمه غولدستين (Goldstein) إلى الإنجليزية عام 1990)، ومقالة في الجرم السماوي – التي فقدت نسختها العربية، لكنها حُفظت في الترجمة العبرية في العصر الوسيط لمترجم مجهول ونشرها آرثر هيمان في نسخة نقدية 118 – ورسالة إمكانية الاتصال العقل (Epistle on the Possibility of the Conjunction of the Intellect) – وهي مفقودة بنسختها العربية، وحُفظت بترجمة مترجم غير معروف إلى العبرية وشرحها موسى بن جوشوا119 – ورسالة في المحرك الأول – التي فقدت نسختها العربية وحُفظت في بعض اقتباسات موسى حاليفي120 وشيم توف فالقويرا لها بالعبرية في العصر الوسيط. علاوة على ذلك، استخدم دفاع ابن رشد عن فلسفة أرسطو (وفلسفته هو) ضد هجمات الغزالي -في كتاب تهافت التهافت– لأول مرة أول كمصدر رئيسي لكتاب فالقويرا دلالة الدلالة، ثم ترجمه كاتب مجهول مرتين إلى العبرية في بروفنس قبل عام 1340 (ربما هو موسى بن جوشوا؟) وترجمه كالونيموس بن ديفيد تدروسي (Qalonymos ben David Todrosi) (ربما هو يهودي رشدي) – ترجمه الأول للدفاع عن الأرسطية، بينما ترجمه الثاني ليظهر تناقضات الكتاب الداخلية121. وأخيرًا، فقد تٌرجم مؤلف قصير عن العقل كتبه إبن ابن رشد -أبو محمد عبدالله بن رشد- إلى العبرية، وربما قد أثر قليلًا على الفكر اليهودي في أواخر العصر الوسيط122.

اقتبس عدد من الفلاسفة اليهود في القرنين الرابع عشر والخامس عشر كل هذه المؤلفات تقريبًا وشرحوها (كما حدث في حالة كتاب الفيزياء لأرسطو البارزة123). ووجدت مقاطع حرفية مأخوذة من الشروحات لكتب أرسطو في الجزء الأول من موسوعة يهوذا بن سولومون ها-كوين (Judah ben Solomon ha-Cohen) -وهي تعلم العلم (بالعبرية: Midrash ha-hokhmah)- المكتوبة باليهودية العربية، ثم ترجمت إلى العبرية في الفترة بين عام 1235 إلى عام 1247 124، وترجمها فالقويرا في كتابه أراء الفلاسفة125. ومع ذلك، انتشر تأثير هذه الشروحات انتشارًا واسعًا في بروفنس -في النصف الأول من القرن الرابع عشر- عندما دونت عدد من الشروحات عليها. فكتب الفيلسوف والعالم اليهودي المعروف ليفي بن جرشون126 -النشط في بلدة أفينيون الفرنسية ومناطق فرنسية أخرى منذ عام 1319 وما بعده- سلسلة من الشروحات على الشروحات لكتب أرسطو في الفترة من عام 1320 إلى عام 1324، وتبعه بعض “طلابه” (وهم: س. حاليفي (S. ha-Levi)، وبورفاش (Porfash)، وسولومون من أورقول (Solomon of Urgul)، وفيتال (Vital)) وكذلك الفيلسوف اليهودي الفرنسي يداياه حابيني (Yeda‘yah ha-Penini) من مدينة بيزييه (عاش من عام 1280 حتى عام 1340 تقريبًا)127. ويعد جرشون بالتأكيد أكثر مفسري فلسفة ابن رشد أصالة من بين المفسرين اليهود في القرن الرابع عشر نظرًا لنهجه المبدع والنقدي أحيانًا في دراسة أرسطية ابن رشد، ولكنه لم يكن المفسر الرئيسي الوحيد. فيوجد نهج أكثر إخلاصًا لابن رشد وهو نهج موسى بن جوشوا -الذي كتب عددًا من الشروح غير المنشورة لمؤلفات ابن رشد (وليست شروحًا لشروح ابن رشد الأرسطية، بل حتى شروحًا على بعض النصوص الفلسفية الأخرة لابن رشد)- كما يعتَبر ابن رشد المفسر المثالي للأرسطية. وقد أكد على أنه لا حاجة من التأكد من تدريس أرسطو، إذ أنه صحيح بلا شك، كما أكد ذلك تأييد ابن سينا بأن كلمة أرسطو هي الكلمة القاطعة في كل الأمور.

وقد استمرت الرشدية اليهودية -في إطار توافق جوهري مع تفسير ابن رشد لمؤلفات أرسطو- في إسبانيا وإيطاليا القرن الخامس عشر. ووجد هذا التوافق -على سبيل المثال- في الشروحات الفلسفية على شروحات “تلخيصات” ابن رشد لكتب أرسطو البرهان وما وراء الطبيعة التي كتبها اليهودي الأراغوني [الإسباني] ابراهيم بيباغو حوالي عام 1450، بالإضافة إلى ما ذكر في مؤلفات عضو من أفرد عائلة الفلاسفة اليهوديين الإسبان -وهم عائلة ابن شيم توف-، فقد كتب إسحاق بن جوزيف بن شيم توف -النشط في الفترة من عام 1470 إلى عام 1490- سلسلة من الشروحات على شروحات ابن رشد لكتاب أرسطو الفيزياء128. ويمكن العثور على آثار واضحة عليه أيضًا عند إيليا ديميديجو (Elijah Delmedigo) (1460-1493)، الذي أشاد بان رشد كأفضل فيلسوف بعد أرسطو والإسكندر الأفروديسي. ويبدو مع ذلك، في بعض الحالات، أن هذا النوع من الرشدية قد تأثر بطريقة غير عادية ببعض الاتجاهات اللاتينية السكولاستية [فلسفة المدرسة]، مثل التوماوية والرشدية اللاتينية. وربما هذا ما حدث مع الشرح العبري المجهول لـ”تلخيص” كتاب الأخلاق النيقوماخية لأرسطو، الذي قد كُتب على الأرجح في إسبانيا حوالي عام 1440، كما هو الحال أيضًا مع المؤلفات التي كتبها كاتب إيطالي في القرن الخامس عشر، وهو: يهوذا ليون ميسر (Judah Messer Leon) (1425-1498 تقريبًا) الذي استند في شروحاته الكبيرة على الكتب واحد واثنين وثلاثة من كتاب الفيزياء لأرسطو استنادًا صريحًا على “تلخيصات” و”شروح” ابن رشد لأرسطو، إلا أنه استعمل الكثير من المصادر السكولاستية المباشرة وغير المباشرة129. وقد هاجم -في حالات أخرى- بعض الفلاسفة الإسبانيين اليهود من القرن الخامس عشر هجومًا ظاهرًا على الرشدية كونها اتجاه قديم، وقام بذلك إيلي هابيو قرابة عام 1470، في تقديمه لترجمته لأسئلة أنطونيوس أندريس عن كتاب الميتافيزيقيا لأرسطو.

وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أنه قد ترُجمت بعض أعمال ابن رشد “الدينية” إلى العبرية واستعملها بعض الفلاسفة اليهود مصادرًا لهم: كتاب فصل المقال (ظهرت نسخة نقدية من الترجمة العبرية في قولب (Golb) بين عامي 1956-1965) ومقال الضميمة الملحق به130، وكتاب الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة131. وألهمت كل هذه المؤلفات فالقويرا لكتابة بعض أجزاء شرحه لكتاب موسى بن ميمون الدلالة، بالإضافة إلى دفاعه عن الفلسفة في مؤلفه رسالة في الجدل من اجل شرح التوافق ما بين الشريعة والعلم132. ولكن يبدو أنه لم يكن لهذه المؤلفات تأثير واسع على الفلسفة اليهودية في العصور الوسطى المتأخرة -ما عدا هذه الحالة-.

  1. فخر الدين الرازي وشهاب الدين السهروردي

يقدم المؤلفان المسلمان اللذان يتبعان إتجاهات مختلفة من الرشدية الإسلامية -وهما: فخر الدين الرازي (توفي عام 1210) وشهاب الردين السهروردي (1155-1191)- أدلة على أنهم “أثروا” على بعض الفلاسفة اليهود، في كلٍ من أوروبا والشرق الأدنى.

فقد ذكر فخر الدين الرزاي -وهو تابع وشارح مخلص لابن سينا ومؤلفاته كمفسر لأرسطو- واُستعمل بصراحة كمصدر لثلاثة مؤلفين “يهوديين من مدرسة ابن سينا” من القرن الرابع عشر (أنظر أعلاه، 5). وأشار يهوذا بن سولومون ناتان إلى كتاب الرازي المباحث المشرقية كأحد نقاطه المرجعية في مقدمة ترجمته لكتاب الغزالي مقاصد الفلاسفة. ووضع تدروس تدروسي بعض المقاطع من نفس الكتاب -الذي ترجمه شخصيًا من العربية إلى العبرية- في هامش ترجمته للكتاب المنسوب خطأً للفارابي: مصادر الأسئلة (The Sources of Questions)، وهذه المقاطع هي: تعريف الرازي لمفهوم “الإخطار” أو “التعريف”، ومقطع ميتافيزيقي عن تفسيره “المستند على مدرسة ابن سينا” لسلسلة انبثاق المخلوقات من المبدأ الأول، الذي يقارنه تودروس مع مقطع مشابه مأخوذ من كتاب النجاة لابن سينا. وعلاوة على ذلك، فقد ذكر تدروس في كتابه الفلسفي مقاطع أخرى عن المنطق مزعوم بأنها مأخوذة من الرازي -وهذه المقاطع لم تحدد بعد-. وأخيرًا، فقد اقتبس يوسف بن وقار بصراحة مقطعين من شرح الرازي لكتاب ابن سينا الإشارات والتنبيهات، ولباب الإشارات133.

أما سهروردي -وهو أحد المفسرين الإسلاميين “الصوفيين” لابن سينا- فربما قد استلهم بعض الأفكار الفلسفية من كتاب المعتبر لأبي البركات -وتحديدًا فكرته عن الملائكة-134، واقتبسها صراحةً ديفيد بن جوشوا الميموني (David ben Joshua Maimonides)135.

  1. المؤلفون العرب المسيحيون

يقدم بعض الفلاسفة العرب المسيحيون الذين عملوا في القرنين التاسع والعاشر أدلة على “تأثيرهم” على الفكر اليهودي في العصر الوسيط. وأول هؤلاء الفلاسفة عبد المسيح بن ناعمة الحمصي -أحد المتعاونين مع الكندي-، وربما أثر عمله العربي الفلسفي الشهير وهو “النسخة المختصرة” من كتاب أثولوجيا [أو الربوبية المنسوب] لأرسطو (إعادة صياغة لأجزاء من الكتاب الرابع والخامس والسادس من كتاب التاسوعات لأفلوطين)، بالإضافة إلى النصوص العربية الأخرى المتعلقة به (أقوال الحكيم اليوناني (Sayings of the Greek Sage)، وكتاب العلل (De causis) ، والكتاب المنسوب خطأً لإيمبيدوكليس وهو كتاب المواد الخمسة (the Five Substances) تأثيرًا مباشرًا على سليمان بن جبيرول حسبما أشار جاك سكلانجر136 (Jacques Schlanger). وعلى ذلك، فربما قد كتب العالم اليهودي العربي “نسخة أطول” من كتاب ثيولوجيا أرسطو في القرن العاشر أو الحادي عشر في مصر: وقد اقتبسه على ما يبدو شيم توف بن فالقويرا137 -الذي عرف واستعمل على كل حال “النسخة المختصرة” من الكتاب138– وترجمه إلى العبرية في القرن السادس عشر موزيس أروفاس139 (Moses Arovas). وكتب فالقويرا أيضًا ملخصًا لكتاب المواد الخمسة140، الذي يثبت أنه مفيد في إعادة بناء محتويات النص الأصلي المفقودة141. وقام كتاب العلل بالدور الرئيسي في التأثير على الفلسفة اليهودية -وهو كتاب عربي يخلط بعض جوانب علم اللاهوت عند أفلوطين وبرقلس، وربما كتبه في القرن التاسع كاتب من جماعة الكندي وهو لا يزال مجهولًا (ربما يكون كاتبًا عربيًا مسيحيًا): وتُرجم إلى العبرية أربع مرات في الفترة من عام 1260 إلى عام 1480، و”أثر” تأثيرًا كبيرًا على عدد من الفلاسفة اليهود142.

كما تُرجم كتاب فلسفي ثانوي لمؤلف عربي مسيحي من القرن التاسع -وهو كاتب الفصل بين الروح والنفس– إلى العبرية في العصور الوسطى143: واقتبسه بعض المؤلفين اليهود من العصر الوسيط. أخيرًا، فقد حصل “تبادل أراء” في النصف الأول من القرن العاشر بين جماعة أتباع الفارابي، عن بعض المبادئ الميتافيزيقية: وشارك الفيلسوف العربي المسيحي يحيى بن عدي وعالمين يهوديين ثانويين -وهما ابن ابي سعيد الموصلي (Ibn Abi Sa‘id al-Mawsili) وبشر بن سمعان بن عرس (Bishr ibn Sam‘an ibn ‘Irs)- كما بيّن ذلك شلومو بينز144 (Shlomo Pines).


المراجع

Abrahamov, B. (1995) “The Sources of the Book Mozney ha-‘iyyunim le-sedeq ha-sar‘efim (in Hebrew),” Daat, 34: 83–86.

Altmann, A. and S.M. Stern (1958) Isaac Israeli. A Neoplatonic Philosopher of the Early Tenth Century (Oxford: Oxford University Press).

Averroes (1986) De Substantia Orbis: Critical Edition of the Hebrew Text, With English Translation and Commentary, ed. A. Hyman (Cambridge, Mass. and Jerusalem: The Medieval Academy of America and Israel Academy of Arts and Sciences).

Averrois Cordubensis (1954) Compendia librorum Aristotelis qui Parva naturalia vocantur, ed. H. Blumberg (Cambridge, Mass.: The Medieval Academy of America).

––– (1958) Commentarium medium et Epitome in Aristotelis De generatione et corruptione libros, ed. S. Kurland (Cambridge, Mass.: The Medieval Academy of America).

––– (1969) Commentarium medium in Porphyrii Isagogen et Aristotelis Categorias, ed. H. Davidson (Cambridge, Mass. and Los Angeles: The Medieval Academy of America).

Berman, L.V. (1974) “Maimonides, The Disciple of Alfarabi,” Israel Oriental Studies, 4: 54–78.

––– (1999) Middle Commentary on Aristotle’s Nicomachean Ethics in the Hebrew Version of Samuel ben Judah (Jerusalem: Israel Academy of Arts and Sciences).

Blumenthal, D.R. (2007) “Hoter ben Shelomo and His Worldview,” in D.R. Blumenthal, Philosophic Mysticism. Studies in Rational Religion (Ramat Gan: Bar-Ilan University), 155–171.

Brague, R. (1996) Maïmonide, Traité de logique (Paris: Desclée de Brouwer).

Burnett, Ch. and M. Zonta (2000), “Abu Muhammad ‘Abdallah Ibn Rusd (Averroes Junior), On Whether the Active Intellect Unites with the Material Intellect Whilst it is Clothed with the Body,” Archives d’histoire doctrinale et littéraire du Moyen Age, 67: 295–335.

Carusi, P. (2000) “Il trattato alchemico Rutbat al-hakim. Alcune note sulla sua introduzione,” Oriente Moderno (n.s.), 80 (19): 491–502.

Chiesa, B. (1986) “Note su al-Farabi, Averroè e Ibn Bagga (Avempace) nella tradizione ebraica,” Henoch, 8: 79–86.

––– (1989) Creazione e caduta dell’uomo nell’esegesi giudeo-araba medievale (Brescia: Paideia).

Chiesa B. and C. Rigo (1993) “La tradizione manoscritta del Sefer ha-ma‘alot e una citazione ignorata della Risala fi ‘ilm al-falsafa di al-Farabi,” Sefarad, 53: 3–15.

Davidson, H. (1988) “Averroes’ Commentary on De intellectu by Alexander of Aphrodisias (in Hebrew),” Jerusalem Studies in Jewish Thought, 7: 205–217.

––– (2004) “Maimonides, Aristotle, and Avicenna,” in De Zénon d’Elée à Poincaré. Recueil d’études en hommage à Roshdi Rashed, ed. R. Morelon and A. Hasnawi (Louvain and Paris: Peeters), 719–734.

––– (2005) Moses Maimonides. The Man and His Works (Oxford and New York: Oxford University Press).

––– (2011) Maimonides the Rationalist (Oxford: The Littman Library of Jewish Civilization).

De Smet, D. (1998) Empedocles Arabus. Une lecture néoplatonicienne tardive (Brussels: Koninkljike Accademie voor Wetenschappen, Letteren en Schone Kunsten van Belgie).

Di Donato, S. (2006) “La trasmissione del Kitab al-kasf ‘an manahig al-adilla fi ‘aqa’id al-milla: gli indizi delle diverse tradizioni del trattato nella traduzione ebraica,” paper read at the 14th Annual Symposium of the Société Internationale pour l’Etude de la Philosophie Médiévale Averroès, l’averroïsme, l’antiaverroïsme (Genève, October 4th-6th, 2006).

Dobbs-Weinstein, I. (2002) “Maimonides’ Reticence Towards Ibn Sina,” in Avicenna and His Heritage, ed. J. Janssens and D. De Smet (Leuven: Leuven University Press), 281–296.

Efros, I. (1935) “Palquera’s Reshit Hokmah and Alfarabi’s Ihsa’ al-‘Ulum,” The Jewish Quarterly Review (n.s.), 25: 227–235.

Eisenmann, E. (2000) “Ahavah ba-Ta‘anugim: A Fourteenth-Century Encyclopedia of Science and Theology,” in The Medieval Hebrew Encyclopedias of Science and Philosophy, ed. S. Harvey (Dordrecht, Boston and London: Kluwer), 429–440.

Eran, A. (1998) From Simple Faith to Sublime Faith. Ibn Daud’s Pre-Maimonidean Thought (in Hebrew) (Hakibbutz Hameuhad).

––– (2001) “Al-Ghazali and Maimonides On the World to Come and Spiritual Pleasures,” Jewish Studies Quarterly, 8: 137–166.

Fenton, P. (1976) “Gleanings from Moseh Ibn ‘Ezras’ Maqalat al-Hadiqa,” Sefarad, 36: 285–298.

––– (1984) “The Literary Legacy of David ben Joshua Maimonides, Last of the Maimonidean Negidim,” The Jewish Quarterly Review (n.s.), 75: 1–56.

––– (1986) “The Arabic and Hebrew Versions of the Theology of Aristotle,” in Pseudo-Aristotle in the Middle Ages. The Theology and Other Texts, ed. Jill Kraye, William F. Ryan and Charles B. Schmitt (London: The Warburg Institute), 241–264.

––– (1992) “Shem Tov Ibn Falaquera and the ‘Theology of Aristotle’ (in Hebrew),” Daat, 29: 27–39.

––– (1997) Philosophie et exégèse dans Le Jardin de la métaphore de Moïse Ibn ‘Ezra, philosophe et poète andalou du XIIe siècle (Leiden: Brill).

Fontaine, R. (1995) Otot ha-shamayim. Samuel Ibn Tibbon’s Hebrew Version of Aristotle’s Meteorology (Leiden: Brill).

––– (2000) “Judah ben Solomon ha-Cohen’s Midrash ha-Hokhmah: Its Sources and Use of Sources,” in The Medieval Hebrew Encyclopedias of Science and Philosophy, ed. S. Harvey (Dordrecht, Boston and London: Kluwer), 191–210.

Freudenthal, G. (2003) “Ketav ha-da‘at or Sefer ha-Sekhel we-ha-muskalot: The Medieval Hebrew Translations of al-Farabi’s Risalah fî’l-‘aql. A Study in Text History and in the Evolution of Medieval Hebrew Philosophical Terminology,” The Jewish Quarterly Review (n.s.), 93: 29–115.

––– (2011a) “The Assimilation of Greco-Arabic Learning by Medieval Jewish Cultures: A Brief Bibliographic Introduction,‘ in Science in Medieval Jewish Cultures, ed. G. Freudenthal (Cambridge: Cambridge University Press), 13–16.

––– (2011b) “Arabic and Latin Cultures as Resources for the Hebrew Translation Movement: Comparative Considerations, Both Quantitative and Qualitative,‘ in Science in Medieval Jewish Cultures, ed. G. Freudenthal (Cambridge: Cambridge University Press), 74–105.

Freudenthal, G. and M. Zonta (2012) “Avicenna Among Medieval Jews. The Reception of Avicenna’s Philosophical, Scientific and Medical Writings in Jewish Cultures, East and West,” Arabic Sciences and Philosophy, 22: 217–287.

Glasner, R. (1995) “Levi ben Gershom and the Study of Ibn Rushd in the Fourteenth Century,” The Jewish Quarterly Review (n.s.), 86: 51–90.

––– (1996) “The Hebrew Version of De celo et mundo Attributed to Ibn Sina,” Arabic Sciences and Philosophy, 6: 89–112.

––– (2002) “On Gersonides’ Knowledge of Languages,” Aleph, 2, 235–257.

––– (2011) “The Evolution of the Genre of Philosophical-Scientific Commentary: Hebrew Supercommentaries on Aristotle’s Physics,‘ in Science in Medieval Jewish Cultures, ed. G. Freudenthal (Cambridge: Cambridge University Press), 182–206.

Golb, N. (1956–1957) “The Hebrew Translation of Averroes’ Fasl al-Maqal,” Proceedings of the American Academy for Jewish Research, 25: 91–113; 26: 41–64.

Goldenthal, J. (1842) Be’ur Even Rushd le-Sefer ha-halasah le-Aristu (Leipzig: H. Franke).

Goldstein, H.T. (1990) Averroes’ Questions in Physics (Dordrecht: Springer).

Halper, Y. (2010) Averroes on Metaphysical Terminology. An Analysis and Critical Edition of the Long Commentary on Aristotle’s Metaphysics Delta, Ph. D. Thesis, 2 vols., Bar-Ilan University of Ramat-Gan.

––– (2013) “Revision and Standardization of Hebrew Philosophical Terminology in the Fourteenth Century: The Example of Averroes’ Long Commentary on Aristotle’s Metaphysics D,” Aleph, 13: 95–137.

Harvey, S. (1987) Falaquera’s Epistle of the Debate. An Introduction to Jewish Philosophy (Cambridge, Mass.: Harvard University Center for Jewish Studies).

––– (1992) “Did Maimonides’ Letter to Samuel Ibn Tibbon Determine Which Philosophers Would Be Studied by Later Jewish Thinkers?,” The Jewish Quarterly Review (n.s.), 83: 51–70.

––– (2000) “Shem-Tov Ibn Falaquera’s De‘ot ha-Filosofim: Its Sources and Use of Sources,” in The Medieval Hebrew Encyclopedias of Science and Philosophy, S. Harvey (ed.), Dordrecht, Boston and London: Kluwer, 211–247.

––– (2001) “Why did Fourteenth-Century Jews Turn to Alghazali’s Account of Natural Science?,” The Jewish Quarterly Review (n.s.), 91: 359–376.

––– (2002) “Falaquera’s Alfarabi. An Example of the Judaization of the Islamic Falasifah,” Trumah, 12: 97–112.

––– (2009) “Avicenna’s Influence on Jewish Thought: Some Reflections,” Avicenna and his Legacy: A Golden Age of Science and Philosophy, ed. Y. T. Langermann (Turnhout: Brepols), 327–340.

Hayoun, M.-R. (1987) “Moses of Narbonne and Ibn Bajja (I): the edition of the Hebrew translation of the Regimen of the Solitary Man (in Hebrew),” Daat, 18: 27–44.

––– (1990a) “Ibn Bajja et Moïse de Narbonne: édition de l’Iggeret ha-Petirah,” in Alei Shefer. Studies in the Literature of Jewish Thought, ed. M. Hallamish (Ramat Gan: Bar-Ilan University Press), 75-93.

––– (1990b), “Moses of Narbonne and Ibn Bajja (II): the Hebrew version of the Epistle of Farewell (in Hebrew),” Daat, 25: 93–125.

––– (2002) “Moses Narbonis Kommentar zum Hayy ibn Yaqzan des ibn Tufayl,” Trumah, 12: 199–204, and Hebrew section.

Heller-Wilensky, S.O. (1967) “Isaac Ibn Latif – Philosopher or Kabbalist?,” in Jewish Medieval and Renaissance Studies, ed. A. Altmann (Cambridge, Mass.: Harvard University Press), 185–223.

Horovitz, S. (1903) Der Mikrokosmos der Josef Ibn Saddik (Breslau: Schatzky).

Ibn Rushd (1982) The Epistle on the Possibility of Conjunction with the Active Intellect, with the Commentary of Moses Narboni, ed. K.P. Bland (New York: Ktav Publishing House).

Ivry, A.L. (2003) The Commentary of Averroes on Aristotle’s De Anima in the Hebrew Translation of Moses b. Samuel Ibn Tibbon (in Hebrew) (Jerusalem: Israel Academy of Arts and Sciences).

Jospe, R. (1994) “Torah and Astrology According to Abraham Ibn Ezra (in Hebrew),” Daat, 32/33: 31–52.

Judah Halevi (1977) Kitab al-radd wa ’l-dalil fi ’l-din al-dhalil, ed. D.H. Baneth (Jerusalem: Magnes).

Kaufmann, D. (1880) Die Spuren al-Batlajusi’s in der juedischen Religionsphilosophie (Budapest: Jahresbericht des Landes-Rabbinerschule in Budapest).

––– (1899) Studien ueber Salomon ibn Gabirol (Budapest: Jahresbericht des Landes-Rabbinerschule in Budapest).

Kiener, R. (1984) “Jewish Isma’ilism in Twelfth Century Yemen,” The Jewish Quarterly Review (n.s.), 74: 249–266.

Klugman-Barkan, R. (1971) Shem Tob ben Joseph Ibn Falaquera’s “Sori Yagon” or “Balm for Assuaging Grief”. Its Literary Sources and Traditions, Ph.D. Thesis, Columbia University (Ann Arbour, Michigan: Xerox University Microfilms).

Langermann, Y.T. (1996) Yemenite Midrash. Philosophical Commentaries on the Torah (San Francisco: Harper).

––– (1999) “A New Hebrew Passage from the ”Theology of Aristotle“ and Its Significance,” Arabic Sciences and Philosophy, 9: 247–259.

Lasinio, F. (1872) Il commento medio di Averroè alla Poetica di Aristotele (Pisa: Annali delle Università Toscane).

Levin, I. (1983) Igeret Hay ben Mekitz by Abraham Ibn Ezra. A Critical Edition Supplemented with a Hebrew Translation of the Arabic Original Hay Ibn Yaqizian by Abu Abi Alhusain Ibn Abdalla Ibn Sina (in Hebrew) (Tel Aviv: Katz Institute for the Study of Hebrew Literature, Tel Aviv University).

Lévy, T. (1996) “L’histoire des nombres amiables: le témoignage des textes hébreux médievaux,” Arabic Sciences and Philosophy, 6: 63–87.

Mahdi, M. (1962) Alfarabi’s Philosophy of Plato and Aristotle (New York: The Free Press of Glencoe).

Marx, A. (1934–1935) “Texts By and About Maimonides,” The Jewish Quarterly Review (n.s.), 25: 371–428.

Moses Maimonides (1963) The Guide of the Perplexed, tr. S. Pines, 2 vols. (Chicago: University of Chicago Press).

Pessin, S. (2007) “The Influence of Islamic Thought on Maimonides,” in Stanford Encyclopedia of Philosophy, Summer 2007 Edition, Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2007/entries/maimonides-islamic/>.

––– (2013) Ibn Gabirol’s Theology of Desire. Matter and Method in Jewish Medieval Neoplatonism (Cambridge: Cambridge University Press).

Pines, S. (1955) “A Tenth Century Philosophical Correspondence,” Proceedings of the American Academy for Jewish Research, 24: 103–136.

––– (1971) “Avicenna,” in Encyclopaedia Judaica (Jerusalem: Keter), 3: 955–960.

––– (1979) Studies in Abu ’l-Barakat al-Baghdadi Physics and Metaphysics (Leiden and Jerusalem: Brill and Magnes Press).

––– (1980) “Shi‘ite Terms and Conceptions in Judah Halevi’s Kuzari,” Jerusalem Studies in Arabic and Islam, 2: 165–251.

Plessner, M. (1956) “The Importance of R. Shem Tov Ibn Falaquera for the Study of the History of Philosophy (in Hebrew),” in Homenaje à Millas-Vallicrosa, vol. II (Barcelona: Consejo Superior de Investigaciones Cientificas), 161–186.

Richler, B. (1977) “Identification of the Anonymous Translation of the Book of Intellectual Circles (in Hebrew),” Kiryath sepher, 53: 577.

Rigo, C. (1992) Il De substantia orbis di Averroè: edizione della traduzione latino-ebraica con commento di Yehudah b. Mosheh Romano, Ph.D. Thesis, 2 vols. (Università di Torino).

Ritter, H. and R. Walzer (1938 [1943]) “Studi su al-Kindi II. Uno scritto morale inedito di al-Kindi (Temistio Perì alypìas?),” Memorie della Reale Accademia Nazionale dei Lincei, Classe di Scienze Morali, s. VI, vol. 8, 1–63.

Robinson, J. (2009) “Samuel Ibn Tibbon’s Perush ha-Millot ha-Zarot and al-Farabi’s Eisagoge and Categories,” Aleph, 9 (1): 41–76.

Rosenthal, E.I.J. (1956) Averroes’ Commentary on Plato’s Republic (Cambridge: Cambridge University Press). Second revised edition: 1966.

Rothschild, J.-P. (1985) Les traductions hébraïques du Liberde causis latin, Ph.D. Thesis, 2 vols. (Université de Paris).

––– (1994) “Les traductions du Livre des causes et leur copies,” Revue d’histoire des textes, 24: 393–484.

Schlanger, J. (1968) La philosophie de Salomon Ibn Gabirol (Leiden: Brill).

Schwartz, D. (1995) “Chapters on the Doctrine of the Divinities by the Circle of the Commentators on the Kuzari in Provence (in Hebrew),” Tarbiz, 64: 401–421.

––– (1996) Old Things in a New Bottle. The Speculative Doctrine of the Neoplatonic Circle in 14th-Century Jewish Philosophy (in Hebrew) (Jerusalem: Mossad Bialik and Ben Tzvi Institute).

Shem Tov Ibn Falaquera (2001) Moreh ha-Moreh, ed. Y. Shiffman (Jerusalem: The World Union of Jewish Studies).

Shiloah, A. (1968) “Falaquera’s Sources in the Chapter on Music in the Seeker (in Hebrew),” in Papers of the Fourth World Congress of Jewish Studies (Jerusalem: The World Union of Jewish Studies), 2: 373–377.

Szpiech, R. (2010) “In Search of Ibn Sina’s ”Oriental Philosophy“ in Medieval Castile,” in Arabic Sciences and Philosophy, 20: 185–206.

Steinschneider, M. (1893) Die hebraeischen Uebersetzungen des Mittelalters und die Juden als Dolmetscher (Berlin: Kommissionsverlag des Bibliographischen Bureaus).

Strauss, L. (1936) “Eine vermisste Schrift Farabis,” Monatschrift zur Geschichte und Wissenschaft des Judentums, 80: 96–106.

Stroumsa, S. (1990) “A Note on Maimonides Attitude to Joseph Ibn Saddiq (in Hebrew),” Jerusalem Studies in Jewish Thought, 9: 33–38.

Vajda, G. (1938) “Abraham bar Hiyya et al-Farabi,” Revue des études juives, 104: 113–119.

––– (1941–1945) “Etudes sur Qirqisani,” Revue des études juives, 106: 87–123.

––– (1947) La théologie ascétique de Bahya Ibn Paquda (Paris: Imprimérie nationale).

––– (1948) “Un champion de l’avicennisme. Le problème de l’identité de Dieu et du premier moteur d’après un opuscule judéo-arabe inédit du XIIIe siècle,” Revue thomiste, 56: 480–508.

––– (1949) “La philosophie et la théologie de Joseph Ibn Çaddiq,” Archives d’histoire doctrinale et littéraire du Moyen Age, 17: 93–181.

––– (1954) “Les deux versions hébraïques de la dissertation d’Averroès sur la science divine,” Revue des études juives, 113: 63–66.

––– (1960) Isaac Albalag, averroïste juif, traducteur et annotateur d’al-Ghazali (Paris: Vrin).

––– (1962) Recherches sur la philosophie et la kabbale dans la pensée juive du Moyen Age (Paris and La Haye: Mouton).

––– (1965) “A propos d’une citation non identifiée d’Al-Farabi dans la Guide des égarés,” Journal Asiatique, 254: 43–50.

––– (1977) “La question disputée de l’essence et de l’existence vue par Juda Cohen, philosophe juif de Provence,” Archives d’histoire doctrinale et littéraire du Moyen Age, 44: 127–147.

Wolfson, H.A. (1929a) Crescas’ Critique of Aristotle (Cambridge, Mass.: Harvard University Press).

––– (1929b) “Isaac Ibn Shem-Tov Unknown Commentaries on the Physics and His Other Unknown Works,” in Studies in Jewish Bibliography and Related Subjects in Memory of A.S. Freidus (New York: The Alexander Kohut Memorial Foundation), 279–290.

––– (1935) “The Internal Senses in Arabic, Latin, and Hebrew Philosophic Texts,” Harvard Theological Review, 28: 69–133.

––– (1950) “Averroes’ Lost Treatise on the Prime Mover,” Hebrew Union College Annual, 23: 683–710.

Yishaq Albalag (1973) Sefer tiqqun ha-de‘ot, ed. G. Vajda (Jerusalem: Israel Academy of Arts and Sciences).

Zonta, M. (1996) La filosofia antica nel Medioevo ebraico (Brescia: Paideia).

––– (1997a) “Linee del pensiero islamico nella storia della filosofia ebraica medievale,” Annali dell’Istituto Orientale di Napoli, 57: 101–144, 450–483.

––– (1997b) “Fonti antiche e medievali della logica ebraica nella Provenza del Trecento,” Medioevo, 23: 515–594.

––– (2006a) “Al-Farabi’s Long Commentary on Aristotle’s Categoriae in Hebrew and Arabic: a critical edition and English translation of the newly-found extant fragments,” in Studies in Arabic and Islamic Culture, ed. B. Abrahamov, vol. II (Ramat Gan: Bar-Ilan University Press), 185–254.

––– (2006b) Hebrew Scholasticism in the Fifteenth Century. A History and Source Book (Dordrecht: Springer).

––– (2010) “The Revisions of Qalonymos ben Qalonymos’s Medieval Hebrew Version of Averroes’s Middle Commentary on Aristotle’s Metaphysics,” Documenti e studi sulla tradizione filosofica medievale, 21: 457–473.

––– (2011a) Il Commento medio di Averroè alla Metafisica di Aristotele nella tradizione ebraica. Edizione delle versioni ebraiche medievali di Zerahyah Hen e di Qalonymos ben Qalonymos con introduzione storica e filologica, 3 vols. (Pavia: Pavia University Press).

––– (2011b) “Medieval Hebrew Translations of Philosophical and Scientific Texts: A Chronological Table,‘ in Science in Medieval Jewish Cultures, ed. G. Freudenthal (Cambridge: Cambridge University Press), 17–73.

––– (2011c) “Arabic Philosophical Texts, Jewish Translations of,‘ in Encyclopedia of Medieval Philosophy. Between 500 and 1500, ed. H. Lagerlund (Dordrecht: Springer), 1: 84–88.

الهوامش:

1 Zonta 1997a; see also a wide table and a short sketch of the Arabic-to-Hebrew philosophical works: Zonta 2011b and 2011c.

2 see in particular Pessin 2007, Davidson 2011, Pessin 2013.

3 see Zonta 1997b.

4 Steinschneider 1893, Zonta 1996.

5 Vajda 1941–1945, 115–122.

6 Chiesa 1989, 95.

7 Altmann and Stern 1958, 3–78

8 Ritter and Walzer 1938 [1943], Klugman-Barkan 1971

9 see ms. of Jerusalem, Jewish National and University Library, 8° 570, pages 206, line 8 – 207, line 7.

10 Marx 1934–1935, 378; about the real influence of Maimonides’ letter, see also Harvey 1992.

11 Moses Maimonides 1963, 2:441–442

12 see ms. of Jerusalem, Jewish National and University Library, 8° 570, page 51, lines 5–8.

13 see Pines 1979, 151–153.

14 see Carusi 2000, 500–502

15 Avicebron, 1021–1058 or 1070

16 see Schlanger 1968, 94–97

17 see Vajda 1947, 24–33

18 see Vajda 1949

19Horovitz 1903, 3

20 Marx 1934–1935, 379

21 Stroumsa 1990

22 Fenton 1997; see also Fenton 1976, 297

23 see Jospe 1994, 46–48

24 Kaufmann 1880, 32–63

25 see Steinschneider 1893, 286–288; Richler 1977

26 see Heller-Wilensky 1967, 199

27 Abrahamov 1995

28 about this point, see Shiloah 1968

29 see Lévy 1996, 69

30 Kiener 1984

31 Langermann 1996

32 see Blumenthal 2007

33 Efros 1935; Strauss 1936; about Falaquera’s knowledge of al-Farabi’s works, see Harvey 2002

34 Strauss 1936; see also Mahdi 1962

35 as pointed out in Chiesa and Rigo 1993

36 Marx 1934–1935, 379

37 see Brague 1996; Maimonides’ authorship has been recently challenged by Davidson 2005, 313–322

38  Robinson 2009

39 about all these translations, see Zonta 1996, 189–193

40 Zonta 1997b, 523

41 Zonta 2006a

42 Glasner 2002, 252–254

43 Vajda 1965

44 the summary of De interpretatione, the Long Commentary on Prior Analytics: see Davidson 2005, 113–114

45  Chiesa 1986, 81–84

46 Fenton 1976, 297

47 Chiesa 1986, 80

48 Steinschneider 1893, 290–292

49 Plessner 1956, 189–193

50 see Moses Maimonides 1962, 1:lxxxvii-xcii

51 see Berman 1974

52 Davidson 2005, 113

53 see what has been written by Pines in Moses Maimonides 1962, 1:lxxxii-lxxxiii

54 Freudenthal 2003

55 see Vajda 1962, 216–217, where these doctrines are found in Joseph Ibn Waqqar’s work

56 Vajda 1938

57 Moses Maimonides 1962, 1:lxxix-lxxxii; Davidson 2005, 113

58 Plessner 1956, 179–183

59 Steinschneider 1893, 290–292

60 Shem Tov Ibn Falaquera 2001, 234

61 see Moses Maimonides 1962, 2:239

62 see Harvey 2009

63 Freudenthal and Zonta 2012

64 Wolfson 1935

65 see Vajda 1949, 180

66 see his introduction to Judah Halevi 1977

67 see Levin 1983

68 see Moses Maimonides 1962, 1:xciii-ciii

69 for a different interpretation of this judgement, see however Dobbs-Weinstein 2002

70 Marx 1934–1935: 380

71 Fontaine 1995

72 see Glasner 1996

73 Vajda 1977, 136

74 Steinschneider 1893, 318

75 see Vajda 1948

76 see Szpiech 2010

77 Vajda 1962, 132

78 see Schwartz 1996

79 Schwartz 1995, 420

80 see Eran 1998, 27

81 Davidson 2005, 104; see also Pines 1971, 958; for a particular case-study, see Eran 2001

82 Davidson 2004, 732; see also Davidson 2005, 115

83 Chiesa 1986, 86

84 Vajda 1960, Yishaq Albalag 1973

85 see Steinschneider 1893, 311–319

86 Eisenmann 2000

87 Steinschneider 1893, 320–325

88 see Harvey 2001

89 see Steinschneider 1893, 328–330, 342–347

90 see Wolfson 1929a, 11–16

91 see Pines 1980, 210–217

92 Marx 1934–1935, 379

93 see Pines’ observations in Moses Maimonides 1963, 1:ciii-cvii; about Maimonides’ knowledge of Ibn Bajja’s doctrines, see also Davidson 2005, 114–115

94 Chiesa 1986, 85–86; Shem Tov Ibn Falaquera 2001, 156–157, 180, 207, 221–223, 265–266, 277, 318, 323–328, 331–332

95 Zonta 1997b, 576–583

96 see Steinschneider 1893, 358–359

97 see Hayoun 1990a; critical edition in Hayoun 1990b

98 critical edition in Hayoun 1987

99 Moses Maimonides 1963, 1:cviii; see also Davidson 2005, 115–116

100 Hayoun 2002

101 ee Steinschneider 1893, 366–368

102 see Vajda 1962, 128, 132

103 Steinschneider 1893, 49–339

104 Marx 1934–1935, 378

105 about the relationship between Maimonides and Averroes, see Pines’ observations in Moses Maimonides 1963, 1:cviii-cxx

106 both published in a critical edition in Averrois Cordubensis 1969

107 critical edition: Averrois Cordubensis 1958

108 critical edition: Averrois Cordubensis 1954

109 critical edition: Ivry 2003

110 critical edition: Zonta 2011

111 critical edition: Averrois Cordubensis 1958

112 see Zonta 2010 and 2011

113 about the last work, however, see Halper 2010 and 2013

114 critical edition: Berman 1999

115 critical edition: Rosenthal 1956, 1966

116 critical editions: Goldenthal 1842, Lasinio 1872

117 critical edition: Davidson 1988

118 Averroes 1986; about another aspect of the Medieval Hebrew tradition of this work, see Rigo 1992

119 critical edition by Kalman P. Bland in Ibn Rushd 1982

120 see Wolfson 1950

121 Steinschneider 1893, 332–337

122 Burnett and Zonta 2000

123  see Glasner 2011

124 Fontaine 2000

125 Harvey 2000

126 Gersonides, 1288–1344

127 see Glasner 1995

128 Wolfson 1929b

129 see Zonta 2006b, 214–217

130 see Vajda 1954

131 see Di Donato 2006

132 critical edition: Harvey 1987

133 see Vajda 1962, 125-126

134 see Pines 1979, 254–255

135 see Fenton 1984, 36–37

136 see Schlanger 1968, 52–109

137 Langermann 1999

138 Fenton 1992

139 about this translation, now lost, see Fenton 1986

140 edited in Kaufmann 1899, 17–37

141 see the French translation by Győngy Hegedüs in De Smet 1998, 208–231

142 see Rothschild 1985, 1994

143 Steinschneider 1893, 289

144 Pines 1955

[1] Zonta, Mauro, “Influence of Arabic and Islamic Philosophy on Judaic Thought”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2016 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2016/entries/arabic-islamic-judaic/>.