مجلة حكمة
اللانهائية ومابعدها: لم بعض اللانهائيات أكبر من غيرها؟ - أدريان ويليام مور / ترجمة: رنا المطيري

اللانهائية ومابعدها: لم بعض اللانهائيات أكبر من غيرها؟ – أدريان ويليام مور / ترجمة: رنا المطيري

220px-Adrian_W._Moore
د. أدريان ويليام مور، دكتور الفلسفة في جامعة أكسفورد

في عام 1883 قام عالم الرياضيات الألماني الرائع جورج كانتور بإنتاج أول نظرية رياضية دقيقة ومنتظمة لانهائية. وقد كان عملٌ عبقريٌ، تماما على عكس أي شيء من ذي قبل. كما انها تتضمن بعض العواقب الملحوظة. وأظهر كانتور أن بعض من اللانهائية أكبر من غيرها؛ وأن بإمكاننا ابتكار أدوات رياضية دقيقة لقياس هذه الاحجام اللانهائية المختلفة؛ كما أن بإمكاننا إجراء الحسابات باستخدامها. واعتبر هذا إعتداء ليس فقط على الحدس بل ايضا على الحكمة الرياضية المستلمة. ففي اللحظة المناسبة، سأقوم بذكر بعض السمات الرئيسية لعمل كانتور وذلك يتضمن اهم نتائجه المعروفة باسم “نظرية كانتور”. لكن أولا أريد إعطاء لمحة تاريخية موجزة عن سبب نظرته لهذا العمل على انه مخالف للتقاليد. ففي نهاية المطاف، إن هدفي هو إظهار أن هذا الإدراك في الحقيقة خاطئ. فاعتراضي سيكون على عمل كانتور بعيداً عن ان يكون على الاعتداء على الحكمة الرياضية المستلمة والتي فالواقع تدعم ذلك.

المفهموم القياسي للانهائية انها لانهاية لها ولامحدودة ولايمكن الاستغناء عنها كما انها لاتقدر ولاتحصى. حيث منذ أن استطاع الناس التفكير فهم يتعاملون مع اللانهائية بمزيج غريب من الحيرة والريبة والسحر والاحترام. فهم من ناحية يتسألون عما إذا بإمكانهم إعطاء معنى للانهائية: أم هي بحكم طبيعتها تراوغ مفهومنا المحدود؟ ومن ناحية أخرى فكانو مترددين بل غير قادرين على تجاهلها تماماً.

في القرن الرابع ماقبل الميلاد، قام أرسطو بالرد على هذه التساؤلات من خلال التمييز. فهو يعتقد بأن هناك نوع واحد من اللانهاية لا معنى له في الحقيقة والآخر مألوف وأساسي للواقع. فسمى ارسطو الأول بـ ” الواقعي”. والأخر بـ “الخيالي”. اللانهائية الواقعية هي التي تقع في وقت ما. واللانهائية الخيالية هي التي تنتشر مع مرور الوقت. كذلك، اللانهائية كائن كبير فإذا كان هناك شيء من هذا القبيل فسيكون مثالاً على اللانهائية الواقعية. وجزئها الضخم سيكون هناك في كل مرة. ومن ناحية أخرى، فإن مدار الساعة الذي لا نهاية له، سيكون مثالا على اللانهاية الخيالية. فإن دقات الساعة اللانهائية ستكون غير مكتملة إلى الأبد. مهما طالت دقات الساعة فسيكون هناك دائماً المزيد من الدقات قادمة. اعتقد ارسطو ان هناك شيئاَ إشكالي عميق، إن لم يكن غير مترابط، حول اللانهائية الواقعية. لكنه اعتبر أن اللانهاية الخيالية وجدت للاعتراف في أي عملية من شأنها أن تنتهي أبدا، مثل عملية العد، أو عملية تقسيم كائن إلى أجزاء أصغر وأصغر، أو مرور الوقت نفسه.

وقد ثبت أن تمييز أرسطو له تأثير كبير. فمن الصعب المبالغة في أهميته للمناقشة اللاحقة للانهائية. حيث لأكثر من 2,000 سنة او اقل حالة من الحالات الارثوذكسية. ولكن المفكرين في وقت لاحق، على عكس أرسطو نفسه، فسروا الإشارات إلى الوقت في التمييز بين الواقعية / الخيالية باعتبارها استعارة لشيء أكثر تجريدا.

فإيجاد موقع “في الوقت المناسب” او التواجد “فجأة” جاء لإتخاذ معاني أوسع مما فعله أرسطو. ففي نهاية المطاف، يجادل كانتور بقوله إن اللانهائية الواقعية أصبحت فكرة إستتثنائية لإمكانيتها بأن تكون موضوع مشروع للدراسة الرياضية بحد ذاتها.

وبالتحديد مافعله كانتور كان إثبات مع دقة موثوقة، بأن يمكن للانهائية أن تكون مشروع للدراسة الرياضية بحد ذاتها.  فعلى وجه الخصوص أظهر كانتور أن بإمكاننا أن نتعرف على مجموعات كبيرة بلا حدود – مثل مجموعة من الأرقام 1،2،3،4،5،6، ألخ – وبالإضافة إلى التحقيق في الخصائص الرياضية لهذه المجموعات. وللحد من ذلك، هذا ينطوي على أعضاء هذه المجموعات معاً، حيث يمكن ان ينظر إلى نهايتها كالتواجد “فجأة”.

فقد كان جوهر عمل كانتور هو فكرة مقارنة المجموعات في الحجم مع بعضها البعض. فالآن بإمكانك التعرف على ان مجموعتان مختلفتان تتفقان بالحجم من خلال عد أعضاءها. فعلى سبيل المثال، لنفترض أنك بإجتماع، وعليك ان تحسب عدد الرجال في الغرفة ثم عدد النساء، وتبين ان هنالك 12 من كل منهما. بالتالي بإمكانك التمييز ان حجم مجموعة الرجال في الغرفة هو نفس حجم مجموعة النساء فيها. ولكن أحياناً يمكنك أيضاً ان تتعرف على ان المجموعتان متفقتان في الحجم دون العد. كذلك لنفترض أنك في اجتماع حيث لايمكنك تمييز عدد الأشخاص الموجودين ولكن لاحظت ان الاشخاص يجلسون حول الطاولة حيث النساء والرجال متقبلين. إذا بإمكانك تمييز ان حجم مجموعة الرجال في الغرفة هو نفس حجم مجموعة النساء فيها على الرغم من أنك لاتعرف اعدادهما.  فهناك حالات متماثلة حيث يمكنك تمييز ان المجموعتين تتساوى في الحجم دون الحاجة للعد. كما أن بإمكانك تمييز أن حجم مجموعة التوائم كبار السن الذين ولدوا في أي وقت مضى هو نفس حجم مجموعة التوائم الشباب الذين ولدوا في أي وقت مضى. فالمبدأ الأساسي هنا هو في أي وقت يمكننا إقران جميع أعضاء مجموعة واحدة مع جميع أعضاء مجموعة أخرى مثل مجموعتي الرجال والنساء المتقابلين ومجموعتي التوائم والمجموعتين المتفقتان في الحجم.

فهذه الحالة هنا تكون فائقة الغرابة-وذلك بأن هناك اختلافات في الحجم تم إقرارها حتى في الحالة اللانهائية.

فهل هذا المبدأ يمتد إلى مجموعات اللانهائية؟ فكانتور لم يعارض ذلك.  ولكن تبدأ الأمور هنا بأن تصبج غريبة قليلاً. فعند إعادة النظر إلى مجموعة الأرقام 1،2،3،4،5،6، ألخ. فبإمكاننا إقران أعضاء هذه المجموعة بشكلٍ واضح مع أعضاء مجموعة الأرقام 2،4،6،8،10،12 ألخ. حيث يمكننا إقران 1 مع 2؛ و2 مع 4؛ و3 مع 6؛ وإلى ماذلك.  لذاك إذا قمنا بتوسيع المبدأ الموصوف أعلاه إلى مجموعات لانهائية، فنحن مضطرون إلى استنتاج ان حجم مجموعة جميع الأرقام هو نفس حجم مجموعة الأرقام المتساوية، على الرغم من ان اول مجموعة تشتمل على كل شيء في المجموعة الثانية بالإضافة إلى جميع الأرقام الفردية.

فبعض الناس يتفاعلون بقولهم إنه ليس من المنطقي وضع مقارنات من حيث الحجم عندما يتعلق الأمر بالمجموعات اللانهائية.  ولكن كانتور لم يبدي نفس ردة الفعل. فقد تولى هذه الحالات الشاذة في مساره. وأقر بأن المجموعات المعنية –مجموعة جميع الأرقام ومجموعة الأرقام المتساوية-هي في الواقع تتفق في الحجم، وعلى الرغم من انها غريبة بما فيه الكفاية إلا انها ليست فائقة الغرابة. بعد كل ذلك، ربما يمكنا تبيين أن جميع مجموعات اللانهائية هي نفس الحجم.  وإذا كان الأمرصحيحاً، فإن ذلك لن يكون بديهيا بشكل خاص: فالمجموعات ستكون إما محدودة، وفي هذه الحالة سيكون هناك سؤال آخر يتعلق بالضبط كم هي كبيرة، أو لانهائية، وفي هذه الحالة لن نتطرق إلى هذا السؤال كالسابقة. لكن لا! فاكتشاف كانتور الرائع-وهنا تصبح الأمور فائقة الغرابة حقاً-هو ان هنالك اختلافات في الحجم تم إقرارها حتى على الحالة اللانهائية. فبعض مجموعات اللانهائية أكبر من غيرها. فإقران هذا النوع المأخوذ بعين الإعتبار ليس متاحاً دائماَ، حتى عندما تكون المجموعتين المعنيتين لانهائية.

لنرى لماذا لا، دعونا نركز مرة أخرى على الأرقام. فلا يمكننا حصر اللانهائية عليها فهناك العديد من المجموعات.  فيما يلي بعض الأمثلة:

مجموعة الأرقام المتساوية السابقة.

مجموعة المربعات.

مجموعة الأعداد أقل من 100.

مجموعة الأعداد أكبر من 100.

مجموعة من الأرقام المقسمة بواسطة 13 رقماَ.

مجموعة الأرقام التي تتألف من 3 أعضاء فقط، 6 و17 و243.

ولكن من المستحيل إقران كل هذه المجموعات من الأرقام مع الأرقام الفردية. حيث قام كانتور بإظهار حجة بارعة بأن كلما تم إقران مجموعات من الأرقام مع الأرقام الفردية لابد من استبعاد مجموعة واحدة على الأفل: وذلك لان هنالك مجموعات من الأرقام أكثر من مجموعات الأرقام الفردية. حيث تقايض حجة كانتور حقيقة أن نظراً لهذا الإقران فإن بعض الأرقام تنتمي إلى أي مجموعة مقترنة بها والعكس صحيح فبعضها لاتنتمي. فعلى سبيل المثال لنفترض الإقران الذي يقرن المجموعات المذكورة أعلاه مع الأرقام الستة الأولى فبالتالي:

1__مجموعة من الأرقام المتساوية.

2 — مجموعة المربعات.

3 — مجموعة الأعداد أقل من 100.

4 — مجموعة الأعداد أكبر من 100.

5__ مجموعة من الأرقام المقسمة بواسطة 13 رقماَ.

6 — مجموعة الأرقام التي تتألف من 3 أعضاء فقط، 6 و17 و243.

إذا 1 لاينتمي إلى المجموعة التي تم إقرانها به لأنهما لايتساوان. وعلى النقيض 3 ينتمي إلى المجموعة التي تم إقرانها به لأنه ينتمي إلى الأرقام أقل من 100 بحد ذاته. وبالمثل 6 ينتمي إلى المجموعة التي تم إقرانها به لأنه واحد من أعضاء تلك المجموعة. فدعونا نسمي الأرقام التي لا تنتمي إلى المجموعة المقرنة بها بـ “المستبعدة” وتلك التي تنتمي إلى المجموعة المقرنة بها بـ “المنتمية”. فإذاً 1 و2 و4 و6 تستبعد بينما 3 و6 ينتميان إلى مجموعتيهما. فالآن الأرقم المستبعدة تشكل مجموعة. فهذه المجموعة لايمكن إقرانها مع أي رقم: حيث يجب إهمالها. لماذا؟  حسناً، لنفترض أنه تم إقرانها مع عدد على سبيل المثال 821. بعبارة أخرى، لنفترض أنه تم إكمال القائمة المذكورة أعلاه، نجد في نهاية المطاف الإقران التالي:

821__مجموعة الأرقام المستبعدة.

وبالتالي تُظهر إختلافات حول ما إذا كان 821 مستبعد أم لا. فإذا كان مستبعد فهو ينتمي إلى المجموعة التي تم إقرانها به (مجموعة الأرقام المستبعدة)، فإذاً يعتبر منتمي إلى المجموعة. بينما إذا كان لاينتمي إلى المجموعة التي تم إقرانها به (مجموعة الأرقام المستبعدة)، فإذاً يعتبر مستبعد من المجموعة. على أي حال، لاتوجد إجابة مرضية عن مسألة ما إذا كان 821 مستبعد أم منتمي.

وذلك يجب علينا تقبل أن هنالك مجموعات من الأرقام أكثر من الأرقام الفردية. وفي الواقع مع مؤهل حاسم من المؤهلات التي يمكننا العودة إليها يمكن تطبيق هذه الحجة على أي شيء على الإطلاق: فهناك مجموعات من مجموعات من الموز أكثر من الموز ومجموعات من النجوم أكثر من النجوم ومجموعات من النقاط في الفضاء أكثر من النقاط في الفضاء ومجموعات من مجموعات الموز أكبر من مجموعات الموز وهكذا. بشكل عام-تابع للمؤهل الذي قلت إننا سنعود إليه سابقاً-هنالك دائماً مجموعات من أي نوع من الأشياء أكثر من هذا النوع المعين. وتلك هي نظرية كانتور.

ولكن ماذا عن مجموعات من المجموعات؟ فهل توجد منها أكثر من التي توجد بها مجموعات؟ بالتأكيد هذا مستحيل. فكيف يمكن أن يكون هناك مجموعات من أي شيء أكثر من مجموعات كلها؟

هنا يكمن الغموض. فإنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بلغز راسل الذي سميّ باسم الفيلسوف البريطاني وعالم الرياضيات برتراند راسل الذي قد اكتشفه في بداية القرن العشرين. فيتحول لغز روسل إلى حقيقة على الرغم من أن بعض المجموعات لا تنتمي عادة إلى نفسها، وبعضها لا. فعلى سبيل المثال، مجموعة الموز لاتنتمي إلى نفسها، فانها مجموعة، وليست موز. ولكن مجموعة الأشياء المذكورة في هذه المقالة، تنتمي إلى نفسها كما ذكرت. ويتعلق لغز راسل بمجموعة المجموعات السابقة: مجموعة من المجموعات التي لا تنتمي إلى نفسها. فهل تنتمي المجموعة لنفسها؟ فكما هو الحال مع السؤال ما إذا كان 821 مستبعد أو منتمي، لا توجد إجابة مرضية.

فقد كان كانتور على علم بهذا اللغز.  ولكن مرة أخرى لم يتجاهله.  فقد وضع مفهوم قوي وبديهي نسبي للمجموعات حيث لا تظهر تلك الألغاز ببساطة.  فعلى هذا المفهوم، يجب أن يكون أعضاء المجموعة الموجودة ‘ قبل’ المجموعة بنفسها: فوجود المجموعة طفيلي عليهم.  لذلك أولاًهنالك الموز ثم مجموعة من الموز.  وهناك مجموعات من الموزأولاً، ثم مجموعة من مجموعات من الموز.  وبصورة أعم، أولا هنالك أشياء ليست مجموعات (كالموز والنجوم وما إلى ذلك)؛ ثم مجموعات من هذه الأشياء؛ ثم مجموعات من هذه الأشياء. ووما إلى ذلك، دون نهاية.  فعلى هذا المفهوم، ليس كل مجموعة تنتمي إلى نفسها.  فلا يمكن أن توجد المجموعة بحد ذاتها “قبل”. (إذا أردنا أن نتحدث عن مجموعة الأشياء المذكورة في هذه المقالة، فنحن بحاجة أولا إلى أن نكون أكثر دقة سواء حول الأشياء التي نضعها في الاعتبار وحول ما يعتبر ” بالذكر” واحد منهم.  وبمجرد الانتهاء من ذلك، سنكون قادرين على التعرف على مثل هذه المجموعة، ولكنها لا تنتمي إلى نفسها.) علاوة على ذلك، كل مجموعة تنجح عن طريق مجموعات جديدة أخرى تنتمي إلى نفسها، مجموعات موجودة بالفعل عندما أوصلت نفسها إلى حيز الوجود. لذلك لايوجد هناك مجموعة من جميع مجموعات.

وهذا يتلف لغز راسل، لأن مجموعة من المجموعات التي لا تنتمي إلى أنفسهم، إن كان هناك شيء من هذا القبيل، سيكون مجموعة من جميع مجموعات (لأنه لا توجد مجموعة تنتمي إلى نفسها).  ومع ذلك، ليس هناك شيء من هذا القبيل في هذا المفهوم. لذا فإن السؤال عما إذا كانت تلك المجموعة تنتمي لنفسها أم لا لن يتاح للظهور أبداً.

فلانهائيتهم المشتركة، على النقيض من اللانهاية لأي واحد منهم، فهي خيالية، وليست واقعية.

فاللغز بأن هناك مجموعات من المجموعات أكثر من المجموعات الفردية هو كذلك مراوغ. ونظرية كانتور تنطبق فقط عندما يتم مقارنة المجموعات في الحجم: فهذا هو المؤهل الحاسم الذي أشرت إليه في وقت سابق. كذلك، على الرغم من أن بإمكاننا القول ان هنالك مجموعات من الموز أكثر من الموز، وذلك لأن مجموعة من الموز أكبر من مجموعات من الموز. وعلى النقيض من ذلك، لا يمكننا القول إن هناك مجموعات من المجموعات أكثر من المجموعات الموجودة. وهذا يعني أن مجموعة من مجموعات من المجموعات أكبر من مجموعة من مجموعات. ولكن هذا لا معنى له في مفهوم كانتور. فلا توجد مجموعة من مجموعات من المجموعات ولا مجموعة من المجموعات.  لذا فإن مسألة ما إذا كانت إحدى هاتين المجموعتين أكبر من الأخرى، كذلك لن تتاح للظهور أبداَ.

كما قلت سابقاَ، مفهوم المجموعات المعنية هنا، بديهي نسبيا. ولكنه أليس أيضا أرسطوطاليسي لافت للنظر؟ فهناك استعارة زمنية تدعم هذا. فقد وصفت المجموعات بأنها تأتي إلى حيز الوجود ‘بعد’ أعضائها، إذاَ هناك “دائماً” المزيد في المستقبل.  فلانهائيتهم المشتركة، على النقيض من اللانهاية لأي واحد منهم، فهي خيالية، وليست واقعية: إذ أن وجودها ينتشر “بمرور الوقت” بدلا من أن يكون موجودا في أي نقطة “في الوقت المناسب”. وعلاوة على ذلك، يمكننا القول ان اللانهاية المشتركة أفضل للقب لوصفها.  وللتذكير للمفاهيم التي ذكرتها في وقت سابق كتميز المفهوم القياسي للانهائية: لانهاية لها، لامحدودة، لايمكن الاستغناء عنها، لاتقدر ولاتحصى. فهذه المفاهيم تنطبق بدقة على مجموعة كاملة من المجموعات أكثر من أي واحد منهم. وهذا بدوره يرجع إلى النجاح الذي يتمتع به كانتور في إخضاع المجموعات الفردية لفحص رياضي دقيق. فعلى سبيل المثال أظهر أن مجموعة الأرقام محدودة في الحجم.لأنها لاتمتلك العديد من الأعضاء كمجموعة من مجموعات من الأرقام.

كما أظهر (على رغم أنني لم افصل هذا) أن يمكن قياس حجمها قياس رياضي دقيق. وبالتالي أليس هناك معنى للذي أكده بأن مجموعة الأرقام هي “في الواقع” محدودة وأن ما هو “في الواقع” لانهائي هو شيء من نوع مختلف تماما؟   ففي النهاية، ألم يخصص عمله لدعم الأرثوذكسي الأرسطوطاليسى أن اللانهاية “في الواقع”لاتكون واقعية أبداً، ولكن أيجب أن تكون دائما خيالية؟

فقد تعترض على الأسس التالية: فإن تسمية مجموعة الأرقام “في الواقع” محدودة لن يكون فقط مخالف للمصطلحات الرياضية القياسية، بل أيضا للتباين، وهذا متناقض مع ما يعتقده معظم الناس. والذي أنا شخصيا أتفق عليه. فإذا أراد معظم الناس التعليق على هذه الشروط على الإطلاق، سيقولون إن مجموعة الأرقام لا حصر لها. ولكن مرة أخرى، معظم الناس لا يدركون عمل كانتور. كما أنهم لا شك أنهم يقولون إنه من المستحيل أن تكون المجموعة اللانهائية أكبر من الأخرى.  على أي حال وجهة نظري ليست حول ما يقوله معظم الناس. فانها حول كيفية فهم ما يقولون، وكيف أن هذا الفهم هو أفضل قدرة، لأي غرض معين، لاستيعاب صدمة نتائج كانتور.  فلا شيء هنا مفروض علينا. فبالتأكيد يمكننا القول إن بعض مجموعات لانهائية هي أكبر من غيرها، كما يقول علم الرياضيات في الوقت الحاضر بشكل روتيني.

ولكن يمكننا أن نقول أيضا أن مجموعة الأرقام هي محدودة فقط، وكما (اقترحت) سيكون هناك بعض الأسس المنطقية للقيام بها.  ففي هذه المسألة، يمكن أن نعود إلى ماذكرنا ونقول إنه لا يوجد شيء مثل مجموعة الأرقام في المقام الأول، ربما على أساس أن فكرة جمع أشياء لا حصر لها في مجموعة واحدة هي بالفعل أيضا إقرارعظيم لـ “واقعية-اللانهاية الودية” كمفهوم للانهائية. ففي مفهوم كانتور كانتور، عاجلا أو آجلا، سنضطر إلى أن نقول شيئا بخصوص ماذكر: على الأقل، سنضطر إلى القول بأنه ليس هناك شيء مثل مجموعة المجموعات.  فلماذا لانبادر إلى قول ذلك الآن؟

وليس المقصود من أي من هذه الملاحظات بمثابة الهجوم على أي شيء ما يقوله علماء الرياضيات أو مايقومون به. إنني ببساطة أحث على توخي قدر كبيرمن الحذر عندما يتعلق الأمر بتفسير ما يقولونه ويفعلونه، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بقول كيف يؤثر هذا على المفاهيم التقليدية للانهائية.  فبعد كل شيء، في برهنة كانتور لم يخطئ أرسطو أبداً.

المصدر