مجلة حكمة
التفكير من خلال علم النفس الإيجابي

التفكير من خلال علم النفس الايجابي – جون كريستوفر، وفرانك ريتشارد، وبرنت سلايف / ترجمة: خولة العقيل


ملخص: يقدم علم النفس الايجابي التصحيح اللازم لأوجه القصور في علم النفس السائد. غير أن عدد محاولات التحليل والتقييم المنهجي لهذه الحركة قليل نسبيا. سيتناول هذا العدد الخاص، الركائز المنهجية والمبادئ التوجيهية لـ علم النفس الايجابي . تخلص هذه المقالات بشكل عام إلى أن علماء النفس الإيجابي لم يعالجوا بشكل كاف تحديات تقديم اعتبارات موثوقة ومضيئة للازدهار الانساني في عصر مابعد الوضعية وفي مجتمع تعددي. ويقترح المؤلفون طرقا نواجه بها التحديات، تتيح لنا أن نناقش قضايا الفاعلية الانسانية والشخصية والحياة الجيدة رغم اختلاف وجهات النظر عبر العصور التاريخية والثقافات. نأمل أن يساعد ذلك على تحقيق بعضا من أهداف علم النفس الايجابي .


خلال فترة توليه منصب رئيس جمعية علم النفس الأمريكية قام مارتين سليجمان بتحدي علماء النفس على أن يؤسسوا “علم القوة والفضيلة”،  والذي من شأنه أن يرعى أجمل مافي أنفسنا (ص ١)، ولتحقيق هذا الهدف، اقترح سليجمان مع ميهالي سيكسزمنهالي على أن نشجع حقلا جديدا من علم النفس الايجابي والذي يمكنه “أن يصوغ رؤية للحياة الجيدة على أن تكون سليمة تجريبيا وفي الوقت ذاته سهلة الفهم وجذابة”، علم يستطيع أن يجذب علماء الاجتماع وعامة الناس (سليجمان وسيزكميهالي ص٥). من المحتمل أن يكون علم النفس الايجابي حركة مؤثرة جدا، فقد نال اهتماما كبيرا وتلقى سمعة طيبة على مستوى الإعلام، إلا أنه نادرا مايتلقى تقييما انتقاديا من قبل علماء النفس أو غيرهم. إن الغرض الرئيسي من مقالات هذا العدد الخاص “التفكير من خلال علم النفس الايجابي” هو الكشف والصياغة والتقييم النقدي للركائز المفاهيمية والاخلاقية الاساسية لهذه الحركة.

بحسب تصور سليجمان، فإن لدى علم النفس الايجابي ثلاثة أهداف أساسية. الأول تحديد وقياس الصفات الايجابية “والتي تتجاوز الثقافات والأمور السياسية الخاصة، وتتنتهج العمومية” وهو بذلك يضعنا في مركز للبدأ في بناء القوى الانسانية، والفضائل المدنية، والحياة الجيدة. الهدف الثاني تعزيز الخبرات والعواطف الايجابية. الهدف الثالث خلق مجتمعات ومؤسسات أكثر ايجابية والتي من شأنها أن تجسد وتعزز تلك القوى والخبرات.

هناك مأخذ قوي على علم النفس الايجابي وهو أنه لا يفلت من العديد من المشاكل والعيوب التي تصيب علم النفس التقليدي فهو يسعى الى التحويل. على سبيل المثال تشير الانتقادات الاولية إلى جنوحه نحو تجاهل التغلغل الثقافي في الأنشطة البشرية كلها (كريستوفر ١٩٩٩، جينون ٢٠٠٢، هيلد ٢٠٠٢، وولفوك ٢٠٠٢). وهو أيضا يعكس النوع أحادي الجانب من الفردية التي يرى كثير من المنتقدين أنها أساءت بشكل كبير إلى علم النفس في القرن العشرين.(على سبيل المثال كوشمان ١٩٩٥، ريتشاردسون فاورز و جينون ١٩٩٩، سامبسون ١٩٧٧، ١٩٨٨، سبينس ١٩٨٥، تايلور ١٩٨٥) من المهم بلا شك دراسة الأسس الفلسفية والتوجه الأخلاقي لهذه الحركة الجديدة المؤثرة عن كثب. وبصفتنا محرري هذا الإصدار، فإننا نتعاطف مع الكثير من أهداف علم النفس الايجابي . إلا أننا قلقين من أنه بفكرته الحالية، قد لا يكون كافيا لتعزيز حتى أفضل أهدافه الخاصة.

إن المقصد الأساسي من هذا العدد الخاص هو طرح الاسئلة الصعبة حول البرنامج الحالي لـ علم النفس الايجابي واقتراح أسس مفاهيمية معدلة لهذه المبادرة. سوف نقوم ببحث القضايا الرئيسية بخصوص مايعني تقديم اعتبارات للسلوك البشري والخبرة في عصر مابعد الوضعية، وعن كيفية الحديث عن مسائل الشخصية الانسانية والحياة الجيدة في مجتمع تعددي، وكيفية ايضاح طبيعة الفاعلية الانسانية والمسؤولية على الرغم من اختلاف وجهات النظر بين الثقافات. مازال علم النفس الايجابي لا يولي هذه القضايا حتى الآن سوى اهتمام محدود. إننا نرى مع ذلك، أنه من خلال التناول العميق فقط لهذه القضايا فسيتمكن علم النفس الايجابي فعلا من خدمة علم النفس والمجتمع ويتفادى أن يكون موضة عابرة لا تترك إلا القليل من النتائج المفيدة الدائمة.

تعرض عددا من مقالات هذا الاصدار انتقادات لحركة علم النفس الايجابي وأفكارها الرئيسية. ونظرا للنمو السريع لهذه الحركة واندفاع علماء النفس في إعادة توجيه عملهم تحت عنوان علم النفس الايجابي ، فإن تناول كامل البحوث المرتبطة به سيصبح أمرا مستحيلا. وبدلا من ذلك، ستقدم هذه المقالات تحليلا لمسارات مؤثرة وممثلة داخل مجال أكبر من علم النفس الايجابي . إن الفكرة الرئيسية التي تدور حولها هذه الانتقادات هي أن علم النفس الايجابي يعجز عن أخذ الاعتبار الكامل للسياق الثقافي الخاص. فهو يميل إلى القول والتوصية بالقيم الاخلاقية ومبادئ الصحة النفسية التي تعكس النزعة الفردية أحادية الجانب للمجتمع الامريكي بتشديده على الاستقلال الشخصي والإنجاز الفردي. وعندما يتضمن قيما وأخلاقا من تصورات أخلاقية أو روحية أخرى، فإنه يميل إلى عرضها كأمور مفيدة إذ أنها توظف غالبا كوسائل تخدم تلك الغايات الفردية، وهذا المنطق الذرائعي ذاته يعكس تحيزات — قد يعتبرها البعض مصلحية وفردية للغاية- ثقافتنا. علم النفس يعمم بتعجل وشيء من السذاجة تفضيلاته ومثله الثقافية الخاصة على أنها صالحة أو قابلة للتطبيق على كافة المجتمعات البشرية.

أحد نتائج هذا النهج كما يبين أول مقالين من هذا الإصدار الخاص(بيكر و ماريسيك ٢٠٠٨، كريستوفر و هيكينبوتوم ٢٠٠٨) ، هو تواطئ علم النفس الايجابي عن غير قصد مع بعض الجوانب الاقل رغبة او ذات الإشكال النفسي لنمط حياتنا الحالي. هذا النوع من الفردية والذرائعية تم ربطه من قبل كثير من علماء النفس وآخرين بالعزلة الوجدانية، والاجهاد المرتفع، والمعدلات العالية للاكتئاب واضطرابات الشخصية المختلفة، وغيرها من العلل النفسية في المجتمع الغربي (بيكر ٢٠٠٥، فرانك وفرانك ١٩٩١، جيرجين ١٩٩١، هيلمان وفينتورا ١٩٩٢، شوماخر ٢٠٠١، سميث ١٩٩١). إضافة إلى ذلك، وخلافا لـ علم النفس الايجابي السائد، فإن العديد من التقاليد الثقافية والاخلاقية، سواءَا الغربية وغير الغربية ( كالبوذية والهندوسية والفكر الاجتماعي المجتمعي وعلم نفس ماوراء الشخصي) يحددون شعورهم بالهوية من خلال انتمائهم إلى واقع جماعي عريض أو روحي ويضعون تركيزا أكبر على التعلم وإيجاد معنى في المعاناة بدلا من السعي بأي ثمن للخلاص منها. ويشيران إلى أن الطريق إلى توسيع وتعميق علم النفس (وفي الواقع نمط حياتنا ذاته) ليس بإصدار نظرية شاملة ومبررة علميا، بل من خلال الحوار المتأني والمستدام والقائم على الاحترام المتبادل مع الثقافات ووجهات النظر الأخرى. ولا شك في أن لدى نظرية العلوم الاجتماعية والبحوث الكثير ليقدمانه في مثل هذا التبادل، ولكن عليهم ان يساهموا بطريقة متكاملة وبحثية.

تستعرض المجموعة الثانية من مقالات هذا العدد الخاص الأطر النظرية والفلسفية البديلة التي يمكننا من خلالها أن نعيد التفكير بشكل مثمر بأهداف وأساليب علم النفس الايجابي (كريستوفر وكامبل ٢٠٠٨، ريتشاردسون وجويجنون ٢٠٠٨، سليف وريتشاردسون ٢٠٠٨، ساوندارجان ٢٠٠٨). هذه المقالات تعتمد على ما نأخده ليكون وجهات نظر حديثة في الفلسفة والنظرية الاجتماعية من أجل تطوير أساس نظري ملائم للتحقيق في المسائل التي يثيرها علماء النفس الإيجابي حول علم النفس والحياة الجيدة. وتحاول أن تتناول الحاجة المحددة من قبل علماء النفس الايجابي لطرح نهج لعلم النفس العلمي والمهني يكون أكثر إيجابية ومتمحور حول الصحة وموضوعي من الناحية الأخلاقية، وأيضا يتحدث عن المعضلات الحالية والاحتياجات الثقافية. لكن مقالات المجموعة الثانية تسعى إلى فعل ذلك بطريقة أكثر حساسية للسياق الثقافي، وهو ماقد يساعد في تصحيح الفردية أحادية الجانب والذرائعية التي يظهر أنهما تصبغان علم النفس الايجابي . و قد يسمح لنا هذا بالتنظير حول الحاجات و والقدرات الانسانية الأساسية بطريقة تتجنب التفسير والتعميم المفرط المتسرع لنتائج البحوث المبنية على المثل الثقافية الحالية.

علم النفس الايجابي بتشجيع من سليجمان، يحافظ على امكانية استمرار علم النفس كنوع من العلم الوصفي أو الموضوعي والذي يتجنب التوصيات التوجيهية. جميع المقالات في العدد الخاص تواجه هذا الادعاء. ويرى الكثيرون أن على الرغم من جهود سليجمان لأن يكون وصفيا فقط، إلا أنه يشجع ويؤيد عددا من القيم والتصورات الاخلاقية والثقافية الموضوعية. ويقترح ريتشاردسون وغويغان (٢٠٠٨) نهجا تفسيريا أو تأويليا للنظرية الاجتماعية وعلم النفس يقر بإلتزامنا الحتمي تجاه مجموعة من القيم الاخلاقية والثقافية. ينتقل المقال بعد ذلك إلى بحث كيف، في وجه الحضور الحتمي للتأثيرات الثقافية في العلوم الانسانية، لعلم نفس حساس للجانب الثقافي ودقيق نقديا أن يواصل تحقيق مكاسب في الفهم والحكمة، وإن لم تكن نهائية أو يقينية.

تضع المقالات المتبقية نهجا عاما من هذا النوع، حيث يستند فاورز على مجموعة متنوعة من المصادر الجديدة في الانسانيات والفلسفة الاخلاقية، وبالخصوص التجديدات الأخيرة لأخلاق الفضيلة، للتأمل في الطريقة التي يمكن للمفاهيم ألارسطية للفضيلة أن تطبق ببراعة على قضية الإزدهار الانساني. ويبحث ساندرارجان (٢٠٠٨) علاقة المفاهيم الاسيوية للحياة الجيدة بـ علم النفس الايجابي ، ملخصا عددا من الفلسفات الهندية والصينية والممارسات التأملية ذات الصلة، ويناقش هذا المقال المفاهيم غير الغربية لعلوم النفس الخاصة التي تعتمد على مفاهيم مختلفة تماما عن الذات. ويدمج كريستوفر وكامبل (٢٠٠٨) التأويلات الفلسفية لمارتن هيدغر وهانز جورج غادمر وتشارلز تايلور مع وجهة النظر التفاعلية لمارك بيكارد لتلخيص نظرية شاملة معقولة من اجل استقصاء مواضيع علم النفس الايجابية. تؤكد النظرية الشمولية أن تطور الاهداف والقيم والذات يقتضي الصعود عبر مستويات المعرفة، وبناءاً على ذلك، فإن على دراسة علم النفس الايجابي القيام بأكثر من مجرد تفسير أداء الوعي واللاوعي. فسيلزمه الإعتراف بمستويات متعددة من الأداء البشري، وسيحتاج إلى ايجاد أو اعتماد أساليب كافية لتقييم مايجري على كل مستوى. أخيرا يعتبر ساليف وريشاردسون أن الرؤى في جوهر الطبيعة العلائقية للعقل الانساني والفعل الانساني قد اتضحت في السنوات الاخيرة في عدد من المجالات العلمية، في العلوم الانسانية والتحليل النفسي واللاهوت والفيزياء وعلم النفس النظري. يلخص المؤلفون جوهر علم الوجود العلائقي ويقترحون طرقا قد توجه بشكل مفيد البحوث والنظريات في السعي لتحقيق أهداف علم نفس أكثر إيجابية.

نأمل أن يعزز هذا العدد الخاص التفكير الأصيل من خلال علم النفس الايجابي

 

المصدر 

 

 


المراجع:

Becker, D. (2005). The myth of empowerment: Women and the therapeutic culture in

America. New York: New York University Press.

Becker, D., & Marecek, J. (2008). Positive psychology: History in the remaking?

Theory & Psychology, 18, 591–604.

Christopher, J.C. (1999). Situating psychological well-being: Exploring the cultural

roots of its theory and research. Journal of Counseling & Development, 77,

141–152.

Christopher, J.C., & Campbell, R.L. (2008). An interactivist-hermeneutic metatheory

for positive psychology. Theory & Psychology, 18, 675–697.

Christopher, J.C., & Hickinbottom, S. (2008). Positive psychology, ethnocentrism,

and the disguised ideology of individualism. Theory & Psychology, 18, 563–589.

Cushman, P. (1995). Constructing the self, constructing America: A cultural history

of psychotherapy. Reading, MA: Addison-Wesley.

Fowers, B.J. (2008). From continence to virtue: Recovering goodness, character

unity, and character types for positive psychology. Theory & Psychology, 18,

629–653.

Frank, J.D., & Frank, J.B. (1991). Persuasion and healing: A comparative study of

psychotherapy (3rd ed.). Baltimore: Johns Hopkins University Press.

Gergen, K.J. (1991). The saturated self: Dilemmas of identity in contemporary life.

New York: Basic Books.

Guignon, C. (2002). Hermeneutics, authenticity and the aims of psychology. Journal

of Theoretical & Philosophical Psychology, 22, 83–102.

Held, B.S. (2002). The tyranny of the positive attitude in America: Observation and

speculation. Journal of Clinical Psychology, 58, 965–992.

Hillman, J., & Ventura, M. (1992). We’ve had a hundred years of psychotherapy and

the world’s getting worse. San Francisco: Harper.

Richardson, F.C., Fowers, B.J., & Guignon, C.B. (1999). Re-envisioning psychology:

Moral dimensions of theory and practice. San Francisco: Jossey-Bass.

Richardson, F.C., & Guignon, C.B. (2008). Positive psychology and philosophy of

social science. Theory & Psychology, 18, 605–627.

Sampson, E.E. (1977). Psychology and the American ideal. Journal of Personality &

Social Psychology, 35, 767–782.

Sampson, E.E. (1988). The debate on individualism: Indigenous psychologies of the

individual and their role in personal and societal functioning. American

Psychologist, 43, 15–22.

Schumaker, J. (2001). The age of insanity: Modernity and mental health. Westport,

CT: Praeger.

Seligman, M.E.P. (1998a). President’s column: Building human strength:

Psychology’s forgotten mission. APA Monitor, 29(1), 1.

Seligman, M.E.P. (1998b). President’s column: Positive social science. APA Monitor,

29(4), 1.

Seligman, M.E.P. (1998c). President’s column: What is the ‘good life’? APA Monitor,

29(10), 1.

Seligman, M.E.P., & Csikszentmihályi, M. (2000). Positive psychology: An introduction.

American Psychologist, 55, 5–14.

Slife, B.D., & Richardson, F.C. (2008). Problematic ontological underpinnings of

positive psychology: A strong relational alternative. Theory & Psychology, 18,

699–723.

Smith, M.B. (1990). Psychology in the public interest: What have we done? What can

we do? American Psychologist, 45, 530–536.

Spence, J.T. (1985). Achievement American style: The rewards and costs of individualism.

American Psychologist, 40, 1285–1295.

Sundararajan, L. (2008). Toward a reflexive positive psychology: Insights from the

Chinese Buddhist notion of emptiness. Theory & Psychology, 18, 655–674.

Taylor, C. (1985). Philosophical papers: Vol. 2. Philosophy and the human sciences.

New York: Cambridge University Press.

Woolfolk, R.L. (2002). The power of negative thinking: Truth, melancholia, and the

tragic sense of life. Journal of Theoretical and Philosophical Psychology, 22,

19–27.