مجلة حكمة
التعليم للمواطنة الديموقراطية وليس للربح مارثا نوسباوم

الأزمة الصامتة: التعليم للمواطنة الديموقراطية وليس للربح – مارثا نوسباوم / ترجمة: فاطمة الشملان

الأزمة الصامته ليس للربح التعليم للمواطنة الديموقراطية
الفصل الأول (الأزمة الصامته: التعليم للمواطنة الديموقراطية وليس للربح) من كتاب (ليس للربح: لماذا تحتاج الديموقراطية إلى الإنسانيات – مارثا نوسباوم) – دار جداول للنشر 2017

“التعليم هي العملية التي من خلالها ينفتح بها الفكر من الروح، ليرتبط بالأشياء الخارجية، وينعكس على نفسه، وبالتالي يعي واقع الأشياء وحجمها”.

برنسون ألكوت، معلم في  ولاية ماستشيوستس عام 1850م.

” خلال استفادة الإنسان من (ممتلكاته المادية)، عليه أن يكون حذرا من(نفوذها)، إذا كان ضعيفا بما يكفي ليصغر حتى يلائم نفسه مع ما يغطيه، عندها ستكون عملية انتحار متدرجة تنكمش من خلالها الروح”.

رابندرانات طاغور، معلم هندي عام 1917م.

نحن في غمرة أزمة ذات حجم هائل وتأثير عالمي جسيم. لا، لا أعني الأزمة الإقتصادية العالمية التي بدأت في 2008. على الأقل آنذاك كان الكل يعلم بوجود أزمة قريبة، وكثير من قادة العالم عملوا بسرعة و باستماتة لإيجاد حلول. بالتأكيد، العواقب كانت ستكون وخيمة على الحكومات إن لم يجدوا حلولا،وكثير من الحكومات تم استبدالها نتيجة لذلك. لا، أعني أزمة تمر دون أن تُلاحظ بمجملها، كالسرطان؛ أزمة من المرجح أن تصبح، على المدى الطويل، ضارة كثيرا على مستقبل الحكم الذاتي الديموقراطي : أزمة عالمية النطاق في التعليم .

إن تغيرات جذرية تحصل فيما تُعلمه المجتمعات الديموقراطية للصغار، وهذة التغيرات لم يتم التفكير مليا فيها. عطاشى للربح الوطني، تقوم البلدان، ونظامها التعليمي، بشكل طائش بالتخلص من مهارات تحتاجها الديموقراطيات للبقاء حية. إذا استمر هذا النمط، ستنتج الأمم حول العالم قريبا أجيالا من الماكينات المفيدة، عوضا عن مواطنين كاملين يستطيعون التفكير بأنفسهم، ينتقدون التقاليد، ويفهمون أهمية معاناة شخص آخر وإنجازاته. مستقبل ديموقراطيات العالم معلق على الموازنة بين الأمرين.

ماهي هذة التغيرات الجذرية؟ في كل أمم العالم فعليا، يتم اقتطاع الإنسانيات والفنون في كلا مرحلتي التعليم الأولية/الثانوية و الكلية/الجامعة. ينظر إليهما صناع السياسية كرتوش لا فائدة منهما، في وقت يجب على الأمم الاستغناء عن كل ما ليس له قيمة لتبقى في مجال تنافسي داخل السوق العالمي، يتم خسارة مكانهما في المنهج، وفي عقول وقلوب الأهالي والأطفال أيضا. بالفعل، ما نسميها الجوانب الإنسانية من العلوم والعلوم الاجتماعية_الجانب الخيالي، والإبداعي، و جانب التفكير النقدي الدقيق_أثناء ما الأمم تفضل ملاحقة الربح القصير الأجل من خلال غرس المهارات المفيدة والمستخدمة بكثرة التي تناسب الإنتاج الربحي هم أيضا يخسرون أرضيتهم .

هذة الأزمة تواجهنا، لكننا لا نواجهها. نتصرف وكأن الأمور تسير كالعادة، بينما في الواقع تغيرات مهمة ومؤكدة واضحة في كل مكان. لم نقم جديا بالتدارس حول هذة التغيرات، لم نقم واقعيا باختيارها، ومع ذلك فإنها تتصاعد بحد مستقبلنا.

تأمل هذة الأمثلة الخمسة، والتي تم أخذها عمدا من بلدان مختلفة و مستويات تعلمية متفاوتة:

  • في خريف 2006 نشرت لجنة مستقبل التعليم العالي في وزارة التعليم الأمريكية، والتي ترأستها وزيرة التعليم في إدارة بوش مارغريت سبيلينغ تقريرا عن حالة التعليم العالي في البلاد: اختبار القيادة: تخطيط مستقبل التعليم العالي في الولايات المتحدة.1 احتوى التقرير على نقد قيم عن عدم التساوي في الالتحاق للتعليم العالي. في حين أن صلب الموضوع، مع ذلك، ركز تماما على التعليم من أجل الفائدة الاقتصادية الوطنية. اهتم بالنقص الملحوظ في العلوم، التقنية، والهندسة_ليس في البحوث العلمية الرئيسية في تلك المجالات، لكن في تعلم التطبيق العملي لها والتي يمكنها إنشاء استراتيجيات    إنتاج-ربحي بسرعة. الإنسانيات، الفنون، والتفكير النقدي كانوا غائبيبن أساسا. بحذفهم، اقترح التقرير بشدة أنه سيكون من الجيد تماما لو ذوت هذة القدرات لصالح تخصصات أكثر فائدة.

  • في آذار/ مارس 2004 اجتمع مجموعة من العلماء من مختلف البلدان لمناقشة الفلسفة التعليمية لرابندرانات طاغور_فائزبجائزة نوبل للآداب في 1913، و رائد مبدع في التعليم . تجربة طاغور التعليمية، التي لها تأثير واسع في أوروبا، اليابان، والولايات المتحدة، تركزعلى تطوير التلميذ من خلال ممارسات الجدل السقراطي، التعرض للعديد من الثقافات العالمية، وفوق كل هذا، ضخ الموسيقي، الفنون الجميلة، المسرح، والرقص في كل جزئية من المنهج. اليوم في الهند، تهمل أفكار طاغور، بل حتى تزدرى. اتفق كل المشاركين في المؤتمر، على أن مفهوم جديد، يركز على الربح، قد استولى على عملية تهميش الفكرة برمتها القائمة على التطوير الذاتي الخيالي والنقدي التي من خلالها شكل طاغور المواطنين المستقبليين لديموقراطية الهند الناجحة. هل ستنجو ديموقراطية الهند من اعتداء اليوم على روحها؟ في مواجهة العديد من الأدلة على بلادة البيروقراطية والتفكير الجمعي الغير نقدي، خشي الكثير من المشاركين أن قد يكون الجواب”لا”.

  • في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 حصل اعتكاف للمدرسين في المدرسة المخبرية بشيكاغو_المدرسة، في حرم جامعتي، حيث أجرى جون ديوي تجاربه الخاطفة للأنفاس في تحسين التعليم الديموقراطي، المدرسة التي قضت فيها ابنة أوباما سنواتها التأسيسية المبكرة. اجتمع المدرسون لمناقشة موضوع التعليم للمواطنة الديموقراطية ، وأخذوا بعين الاعتبار تشكيلة واسعة من التجارب التعليمية، دارسين رموز تتفاوت من سقراط إلى ديوي في التراث الغربي إلى أفكار طاغور المقاربة لهم في الهند. لكن كان هناك شي فوضوي واضح. المدرسون_الذين يفتخرون بتحفيز الأطفال للتساؤل،النقد، والتخيل_أظهروا قلقا بخصوص الضغط الذي يواجهونه من الأهل الأغنياء الذين يرسلون أبنائهم لهذة المدرسة النخبوية. متبرمين من المهارات الزائدة عن الحاجة ظاهريا، والنية لاشغال أطفالهم بمهارات تجريبية التي من المرجح أن تنتج نجاحا ماديا، يحاول هؤلاء الأهالي تغيير الرؤية التي توجه المدرسة. يبدو أنهم مصرين على النجاح.

  • في خريف 2005 كلمتني رئيسة لجنة البحث عن عميد جديد لكلية التربية في أحد أكثر الجامعات المرموقة في بلادنا طالبة النصح. من الآن فصاعدا سأشيرللجامعة ب”س”. كلية التربية للجامعة س لها تأثيرهائل على المدرسين والمدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة. حالما بدأتُ التحدث عن دور الإنسانيات والفنون في التعليم للمواطنة الديموقراطية ، تحدثتُ عن ما أخذته على أنه مألوف وواضح، عبرت المرأة عن تفاجئها. قالت:” كم هو غريب”، ” لم يذكر أحد من الذين كلمتهم من قبل هذة الأشياء بتاتا. تكلمنا فقط عن كيف يمكن للجامعة س أن تساهم في التعليم العلمي والتقني حول العالم، وهذا هو الشي الذي يهتم به رئيسنا حقا. لكن ما تقولينه مثير للاهتمام للغاية، وأريد حقا التفكير به”.

  • في شتاء 2006 عقدت جامعة أخرى مرموقة في الولايات المتحدة_فلنسميها “ص”_ مؤتمرا محتفلة بذكرى سنوية كبيرة، قطعة مركزية منه ستكون عن مستقبل التعليم الليبرالي. قبل الحدث بشهور معدودة، قيل للمتحدثين الذين وافقوا ليكونوا جزءا منه بأن المحور قد تغير وعليهم مجرد أن يأتوا ويحاضروا على جمهور صغير من القسم في أي موضوع يناسبهم. أخبرني إداري صغير خدوم وثرثار جيد إلى حد ما بأن سبب التغيير هو أن رئيس الجامعة ص قرر بأن مؤتمرا عن التعليم الليبرالي لن “يحدث طرطشة”، لذا قرر استبداله بأحدث الإنجازات التقنية ودورها في إنتاج أرباح للتجارة والصناعة.

هناك مئات القصص من هذا النوع، وقصص جديدة تصل يوميا، في الولايات المتحدة، في أوروبا، وبلا شك في أماكن أخرى من العالم. نحن نسعى وراء  الممتلكات التي تحمي، تسعد، وتريحنا_ما سماه طاغور “غطاؤنا” المادي. لكن يبدو أننا ننسى ما يتعلق بالروح. عن ما الذي لولا الفكر ينفتح عن الروح ويصل الشخص بالعالم بطريقة غنية، ماهرة، ومعقدة. عن ماهية الاقتراب من شخص آخر كروح، عوضا عن كونه أداة مفيدة أو عقبة لخطط الواحد؛ عن ماهية التحدث كشخص له روح مع شخص آخر يراه متماثلا معه عمقا وتركيبا.

كلمة “روح” لها دلائل دينية للعديد من الناس، وأنا لا أصرعليها أو أرفضها. كل شخص يمكن أن يستمع لها أويتجاهلها.مالذي أصرعليه، على أية حال، ما عناه طاغور وألكوت بهذة الكلمة: ملكات الفكر والخيال التي تجعلنا بشرا والتي تجعل علاقاتنا علاقات بشرية غنية، عوضا عن علاقات استخدام وتلاعب صرف. حين نقابل بعضنا في المجتمع، إذا لم نتعلم أن نرى أنفسنا والآخرون بهذة الطريقة، نتخيل في كل منا

ملكات الفكر والمشاعر الداخلية، من المتوقع أن تفشل الديموقراطية، لأن الديموقراطية مبنية على الاحترام والاهتمام، وهؤلاء في المقابل مبنيون على قابلية رؤية الآخرين كبشر، لا كأشياء ببساطة.

مع التسليم أن النماء الاقتصادي تسعى إليه كل البلدان بهمة بالغة، خاصة في هذا وقت من الأزمة، تم طرح أسئلة محدودة جدا عن توجه التعليم ، ومعه، عن مجتمعات العالم الديموقراطية. مع الاندفاع للربح في السوق العالمي، فإن قيم غالية لمستقبل الديموقراطية،خاصة في عصر القلق الديني والاقتصادي، هي عرضة للفقد.

يوحي دافع الربح للعديد من القادة المهتمين أن العلوم والتقنية حاسمي الأهمية لمستقبل سليم لبلادهم. ليس لدينا اعتراض على تعليم علمي وتقني جيد. ولن أقترح توقف البلدان عن محاولة التحسن في ما يتعلق بذلك. قلقي هو أن القدرات الأخرى، المساوية في الأهمية، هي عرضة للفقدان في فورة التنافس، قدرات حاسمة لسلامة أي ديموقراطية داخليا، ولخلق ثقافة عالمية محترمة قادرة بشكل بناء على معالجة أكثر مشاكل العالم ضغطا.

هذة القدرات مرتبطة بالإنسانيات والفنون: القدرة على التفكير النقدي، القدرة على السمو عن ولاءات محلية والتعامل مع مشاكل العالم ك “مواطن عالمي”؛ وأخيرا، القدرة على التعاطف بتخيل ورطة الشخص الآخر.2

 

سوف أصنع حجتي بمتابعة التباين الذي عرضته أمثلتي مسبقا: بين تعليم للإنتاج الربحي ونوع من المواطنة أكثر شمولا. سوف أحاول أن أبين كيف الإنسانيات والفنون حاسمان في التعليم الأولي/الثانوي وفي الجامعي، برسم أمثلة من مجالات مختلفة المراحل والمستويات. لا أنكرعلى الإطلاق أن العلوم والعلم الاجتماعي، خصوصا الاقتصاد، هم أيضا حاسمين في تعليم المواطنين. لكن لا أحد يقترح بترك هذة الدراسات خلفهم. أنا إذا أركز على ماهو نفيس ومهدد بشكل كبير.

حين يُمارَسون في أفضل حالاتهم، وبالإضافة عليه، فإن هذة المجالات الأخرى تُصَب بواسطة ما يمكن أن نسميه روح الإنسانيات: بالبحث عن التفكير النقدي، تحدي الخيال، الفهم العاطفي لتجارب الإنسان من مختلف الأنواع، واستعياب تعقيد العالم الذي نعيش فيه. ركز التعليم العلمي بشكل صحيح على تعليم القدرات للتفكير النقدي، التحليل المنطقي، والتخيل. العلوم، التي تم متابعتها بشكل صحيح، هو صديق للإنسانيات عوضا عن أن يكون عدوها. بالرغم أن التعليم الجيد للعلوم ليس فكرتي الرئيسية، فإن دراسة مرافقة عن هذا الموضوع ستكون تتمة قيمة لتركيزي على الإنسانيات.3

التوجهات التي أستنكرها عالمية، لكن سأركز بالمجمل على بلدين مختلفين جدا واللذان أعرفهما جيدا: الولايات المتحدة، حيث أعيش وأدرس، والهند، حيث عملي في التنمية العالمية، والذي أغلبه موجه للتعليم قد تم فيها. لدى الهند تراث مهيب في تعليم الإنسانيات والفنون، متمثلة في نظرية وتطبيق العظيم طاغور، وسوف أعرفكم على أفكاره القيمة، التي وضعت الأسس لأمة ديموقراطية و التعليم الديموقراطي المتأثر تأثيرا عظيما بها في أوروبا والولايات المتحدة. ولكن سأتحدث أيضا عن دور التعليم في مشاريع محو الأمية في المناطق النائية للنساء والأطفال اليوم. حيث الدافع للتمكين من خلال الفنون يبقى حيويا. وتأثير هذا التمكين على الديموقراطية يمكن رؤيته بوضوح.

حيث يخص الولايات المتحدة، فإن حجتي ستغطي عدة أنواع من التجارب التعليمية، من استخدام معرفة الذات السقراطية في مختلف أنواع المدارس إلى دور جمعيات الفنون في تغطية الفراغات في مناهج المدارس العامة.

لا يحصل التعليم في المدارس فقط، معظم الميزات التي هي من اهتمامي تحتاج لأن تربى في العائلة أيضا، في كل من السنوات الأولى وخلال نضج الأطفال . يجب أن يكون جزء من السياسة العامة لمواجهة الأسئلة التي يطرحها هذا البيان هو كيف يمكن دعم العائلات في مهمة تطوير قدرات الأطفال.تلعب ثقافة الند المحيطة والأكبر ثقافة الأعراف الاجتماعية والمؤسسات السياسية دورا مهما أيضا، إما بدعم أو تخريب العمل المنجز من قبل المدارس أو العائلات. التركيز على المدارس، الكليات، والجامعات مبرر، لأن أكثر التغيرات المدمرة قد احتلت مكانا في هذة المؤسسات ، بسبب أن الضغط لنمو اقتصادي أدى إلى تغيير في المنهج، التربية، والتمويل.إذا كنا واعين بأننا نعالج جهة واحدة من القصة عن كيف ينشأ المواطنون، يمكننا أن نتعقب هذة النقطة دون تحريف.

ليس التعليم فقط للمواطنة، إنها تجهز الناس للوظيفة، والأهم، لحياة ذات معنى. كتاب آخر بأكمله يمكن أن يكتب عن دور الإنسانيات والفنون في تقدم هذة الأهداف.4 كل الديموقراطيات الحديثة، بالرغم من ذلك، هي مجتمعات يكون فيها المعنى والأهداف المطلقة من حياة الإنسان مواضيع ذات خلاف معقول بين مواطنين يحملون نظرة دينية و دنيوية مختلفة، وهؤلا المواطنون سيختلفون بالطبع حول ما مدى تعلم مختلف أنواع العلوم الإنسانية سيخدم أهدافهم الخاصة الذاتية. ما يمكننا الاتفاق عليه هو أن الشباب في كل العالم، في أي بلد محظوظة كفاية لتكون ديموقراطية، عليه أن يكبر ليكون مشاركا في هيئة حكومية يخبر الناس فيها أنفسهم عن المواضيع الحاسمة التي سيوجهونها كناخبين، وأحيانا، كمنتخبين أو كمسئولين رسميين. كل ديموقراطية حديثة هي أيضا مجتمع يختلف فيه الناس كثيرا على عدة  معايير تشمل الدين، العرق، الثروة والطبقة، الإعاقة الجسدية، الجنس، والحياة الجنسية، وحيث كل الناخبين يقومون بصنع قرار له تأثير عظيم على حياة أناس يختلفون عنهم. أحد الطرق لتقييم الخطة التدريسية هي في التساؤل عن مدى جودتها في تحضير النشئ لحياة في مؤسسة اجتماعية وسياسية تحتوي على هذة الخصائص.من غير دعم مواطنون حاصلون على تعليم ملائم، لا يمكن لأي ديموقراطية أن تظل مستقرة.

سوف أناقش بأن زرع قدرات للتفكير النقدي والتأمل حاسمان لبقاء الديموقراطيات حية ومستيقظة. القدرة على التفكير جيدا في مدى عريض من الثقافات، المجموعات، والأمم في سياق فهم الاقتصاد العالمي وتاريخ التفاعلات العديدة الوطنية والمجموعات هو حاسم للسماح للديموقراطيات بالتعامل بمسئولية مع المشاكل التي نواجهها حاليا كأعضاء في عالم مترابط. والقدرة على تخيل تجربة الآخر_قدرة يملكها كل البشر تقريبا بصيغة ما_تحتاج أن تعزز بشدة وتنقح إن كان لدينا أي أمل في إبقاء مؤسسات محترمة عبر كل الإنقسامات العديدة التي يحتويها أي مجتمع حديث.

النفع الوطني لأي ديموقراطية حديثة تقتضي اقتصادا قويا وثقافة تجارية مزدهرة. بينما أبني مناقشتي الأساسية، سأناقش ثانويا أيضا، أن هذا الإهتمام الإقتصادي يحتاج منا أن نستفيد من الإنسانيات والفنون، من أجل تعزيزمناخ مسئول وإشراف يقظ و ثقافة ذات إبداع خلاق. لذا نحن لسنا مجبرين للاختيار بين نوع من التعليم يحفز الربح ونوع من التعليم يحفز المواطنة الجيدة. يحتاج الاقتصاد المزدهر إلى نفس المهارات التي تدعم المواطنة، لذا الموالين لما سأسميه ” التعليم للربح” أو (لوضعه بصيغة أكثر شمولا) ” التعليم لنمو إقتصادي”، قد تبنوا تصور فقير لما هو مطلوب لتحقيق أهدافهم الخاصة.هذة الحجة، مع ذلك، ينبغي أن تكون خاضعة لجدلية استقرار المؤسسات الديموقراطية، بما أن اقتصاد قوي يعني وسيلة لغاية الإنسان، وليس غاية بنفسه. معظمنا لن يختار أن يعيش في بلد مترف توقف عن كونه ديموقراطيا. بالإضافة إلى ذلك، بالرغم أنه من الواضح بأن ثقافة تجارية قوية تحتاج إلى بعض الناس الإبداعيين والناقدين،  فإنه ليس بينا أن على كل الناس في الأمة أن يكتسبوا تلك المهارات. تصنع المشاركة الديموقراطية مطالب أوسع، هذة المطالب الواسعة هي ما تدعم حجتي الرئيسية.

لا يحسن أي نظام تعليمي عمله إذا كانت لا تصل منافعه إلا إلى النخبة الغنية فقط. توزيع الالتحاق بجودة تعليمية هي مسألة عاجلة في كل الديموقراطيات الحديثة. يُشكر تقرير لجنة سبيلينغ لتركيزه على هذة المسألة. لطالما كانت صفة مخجلة للولايات المتحدة، أمة ثرية، أن الالتحاق بجودة التعليم الأولي/ الثانوي وخصوصا الالتحاق للكلية/ الجامعة غير موزع بالتساوي. حتى أن كثير من الدول النامية تحتوي على توزيع أكبر للالتحاق: الهند، كمثال، تصرح بأن معدل نسبة الذكور المتعلمين حوالي 65 بالمائة، معدل نسبة الإناث المتعلمات حوالي 50%. الفروقات بين المدن/ القرى أكبر. هناك فجوة لافتة بين الثانوي و التعليم العالي_بين الذكور والإناث، بين الأغنياء والفقراء، بين المدن والقرى.حياة الأطفال الذين نشئوا وهم يعلمون أنهم سيذهبون للجامعة وحتى التعليم ما بعد الجامعي مختلفة تماما عن حياة الأطفال الذين لايحظون في أحيان كثيرة بفرصة الالتحاق بالمدرسة مطلقا. على العموم، ليس هذا موضوع الكتاب.

هذا الكتاب عن ما يجب أن نكافح من أجله. حتى ذلك الحين الذي نكون واضحين في هذا الأمر، من الصعب أن نتوصل لكيفية إيصاله لمن يحتاجه.